_ أولاً : التجاوز بشأن حدود الاباحة :
أسباب الاباحة ليست مطلقة بل نسبية . وتستمد نسبيتها مما قرره المشرع من شروط وضوابط يتعين الالتزام بها في ارتكاب الفعل المشمول بالاباحة . فاذا خرج الفاعل عن مقتضى هذه الشروط والضوابط التي تمثل حدود الاباحة تعطل سبب الاباحة ووجب مساءلة الشخص عن الجريمة . لكن طبيعة هذه المساءلة تختلف بحسب الموقف النفسي للفاعل من منظور الركن المعنوي . فاذا كان خروجه عمدياً في تجاوزه لحدود سبب الاباحة اعتبر مسؤولاً عن جريمة عمدية ، كمن يضرب ابنه ضرباً مبرحاً متجاوزاً حدود التأديب المقرر متجرداً من نية التأديب فيفضي هذا الى موت الابن . وكذلك يسأل الزوج الذي يتجاوز في تأديب زوجته حدود التأديب المقررة . ومن يتجاوز حقه في الدفاع الشرعي . أما اذا كان خروج الشخص عن حدود الاباحة ثمرة للاهمال أو الخطأ غير العمدي فانه يعتبر مسؤولاً عن جريمة غير عمدية . فاذا كان خروجه أخيراً لا يكون عمداً أو خطأ فانه يعفي الفاعل من المسؤولية العمدية وغير العمدية على حد سواء ، والتجاوز هنا يرقى الى حد الغلط .
_ ثانياً : مصادر الاباحة :
تتعدد المصادر المثبتة لأسباب الاباحة بخلاف الأسباب المنشئة لها والتي تنحصر في أربع أسباب . وقد تتمثل مصادر الاباحة في واقعة تتفق مع طبائع الأشياء كما في رضاء المجني عليه متى كان ذلك ممكناً وجائزاً فهذا الرضاء الذي لا يستند الى نص تشريعي صريح يستخلص من تسليم المال من قبل صاحبه الى آخر فلا تقوم السرقة ، وقبول امرأة غير متزوجة يزيد عمرها عن ثمانية عشر عاماً بمواقعة رجل لها فلا يقوم الاغتصاب أو هتك العرض ، ورضاء الشخص بافشاء أسراره من جانب آخر يعلمها فلا تقوم جريمة افشاء الأسرار .
وقد تجد الاباحة مصدرها في نصوص التشريع سواء كانت نصوصاً جنائية كما في الدفاع الشرعي ” المواد 245 : 251 من قانون العقوبات ” واستعمال السلطة ” المادة 63 من قانون العقوبات ” أم كانت نصوصاً قانونية أخرى غير جنائية كالنصوص الشرعية في الحدود التي تعد فيها مصدراً قانونياً وذلك فيما تقرره من حقوق للأب على أبنائه وللزوج على زوجته والقانون المنظم لمهنة الطب فيما يخوله للأطباء من حق مزاولة المهنة ولو تمخض عن ذلك جريمة المساس بسلامة الجسم . وقانون تنظيم الصحافة فيما يقرره للصحفيين من حق ممارسة النقد ونشر الأنباء ، ولو ترتب على ذلك جريمة القذف والسب أو افشاء الأسرار في الحدود ووفقاً للشروط التي يبيح فيها القانون ذلك .
وقد يتمثل مصدر الاباحة في العرف كما في مزاولة بعض الألعاب الرياضية العنيفة أو غير العنيفة فيما لو أسفر مزاولتها عن ارتكاب فعل يعد جريمة كالضرب أو الجرح أو احداث العاهة أو حتى الوفاة متى كان ذلك في حدود الممارسة الطبيعية للعبة بحسن نية . كما يبيح العرف جريمة الفعل الفاضح في قبول الظهور بملابس الاستحمام على الشواطئ وفي حمامات السباحة .
اترك تعليقاً