الأستاذ سمار عبد العزيز
محامي لدى المجلس
حائز على ماجستير في قانون الأعمال
يعد موضوع الكفالة من بين المواضع التي تثير إهتمام الناس و التي يطرحون حولها الكثير من التساؤلات و الإستفسارات ،و بالتالي سنعالج موضوع الكفالة و ذلك من خلال توضيح كل من : تعريف الكفالة ، شروط الكفالة ، إجراءات الكفالة ، الأثار القانونية المترتبة عن الكفالة ،إنتهاء الكفالة .
أولا : تعريف الكفالة
لقد عرفت المادة 116 من قانون الأسرة الكفالة على أنها إلتزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية قيام الأب بإبنه و تتم بعقد شرعي ،فالكفالة ذات طابع مجاني ،بحيث لا يحصل الكفيل على تعويض مالي مقابل الكفالة التي يقوم بها ،و تكون الكفالة على النفس و المال في نفس الوقت ،فالكافل يلتزم يرعاية الطفل القاصر جسديا و نفسيا و ماليا .
ثانيا : شروط الكفالة
طبقا للمادة 118 من قانون الأسرة ،يجب أن يكون الكافل مسلما و عاقلا و قادرا على رعاية الطفل المكفول و القيام بشؤونه .
فالكافل يجب أن يكون مسلما لأن نظام الكفالة نابع من الشريعة الإسلامية في حين أن غير المسلمين لديهم نظام يسمى بـ » التبني » ،و الإسلام يحرم التبني ،و بإعتبار أن قانون الأسرة الجزائري مستمد من الشريعة الإسلامية فهو الآخر يمنع التبني و ذلك بموجب المادة 46 من قانون الأسرة .
و يجب أن يكون الكافل عاقلا اي يتمتع بكامل قواه العقلية ،كما أن الإنسان العاقل هو ذلك الشخص الذي يتمتع بأخلاق حميدة و لديه سيرة حسنة ،فالمجرم لا يمكن أن يكون كافل ،و يجب أيضا أن يملك الكافل الإمكانات المادية اللازمة التي تسمح له بتوفير حياة كريمة للطفل المكفول .
غير أن المادة 118 من قانون الأسرة لم توضح العديد من المسائل ،فمثلا هل يمكن أن يكون الكافل إمرأة ؟؟ هل يجب أن يكون الكافل متزوج ؟؟ هل هناك حد أقصى و حد أدنى فيما يخص سن الكافل ؟
كل هذه التساؤلات لم يجب عنها القانون ،و إنما الواقع العملي هو الذي يجيب عنها ،ففي الواقع العملي الكافل يجب أن يكون رجل و يجب أن يقدم في ملف طلب الكفالة عقد زواج اي أنه يجب أن يكون متزوج ،و يجب أن يكون عمره لا يتجاوز 60 سنة و عمر زوجته لا يتجاوز 55 سنة ،و بالتالي لابد على المشرع الجزائري أن ينص على هذه الشروط في تعديل مستقبلي لقانون الأسرة .
و بالنسبة للطفل المكفول فيجب أن يكون قاصرا أي لا يتجاوز عمره 19 سنة ،و إذا كان الطفل معلوم النسب أي له والدان ،فيجب في هذه الحالة الحصول على موافقة الوالدين ، غير أن قانون الأسرة لم يعالج مسألة ديانة الطفل المكفول مثلما فعل مع الكافل ،فهل يمكن أن يكون الطفل المكفول غير مسلم ؟؟
هذا السؤال يطرح نفسه في ظل وجود اطفال قادمين من دول إفريقية مسيحية و غيرها في شوارع الجزائر ،فمادام لا يوجد نص قانوني يمنع كفالة طفل غير مسلم ،فهذا يعني أن ذلك ممكن ،و يجب على المشرع الجزائري مستقبلا في تعديله لقانون أن يتخذ موقف واضح تجاه هذه المسألة .
ثالثا : إجراءات الكفالة
عملا بأحكام المادة 118 من قانون الأسرة يجب أن تتم الكفالة أمام المحكمة أو أمام الموثق ،فالكفالة تكون بموجب أمر صادر عن رئيس المحكمة أو قاضي شؤون الأسرة ،أو بواسطة عقد توثيقي يحرره الموثق بحضور شاهدين ،و فيما يخص إجراءات الكفالة أمام القضاء فقد نصت عليها المواد 492 إلى 495 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ،و تتلخص هذه الإجراءات فيما يلي :
– تقديم عريضة من طالب الكفالة لقاضي شؤون الأسرة أو رئيس المحكمة الواقع في دائرة إختصاصها موطن طالب الكفالة .
– يتأكد القاضي من توفر الشروط اللازمة في طالب الكفالة ،و يمكنه أن يأمر بإجراء تحقيق للتأكد من وجود هذه الشروط .
– ينظر القاضي في طلب الكفالة في غرفة المشورة بعد أخذ رأي النيابة العامة .
– يفصل القاضي في طلب الكفالة بأمر ولائي .
و نشير أنه في الواقع العملي يجب أن يكون طلب الكفالة سواءا كان مقدم أمام المحكمة أو أمام الموثق مرفق بملف يتكون من العديد من الوثائق ،تتمثل أهم هذه الوثائق في :
– عقد زواج طالب الكفالة .
– شهادة ميلاد الكافل و زوجته .
– شهادة جنسية الكافل .
– صحيفة السوابق العدلية الخاصة بالكافل .
– شهادة عمل و الكشف الراتب الخاص بالكافل علما أن الراتب الشهري للكافل يجب أن لا يكون أقل من الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون .
– شهادة إقامة الكافل .
– عقد ملكية المسكن أو عقد إيجار المسكن الذي يعيش فيه الكافل .
– شهادة طبية تثبت أن الكافل و زوجته يتمتعان بصحية جيدة .
كل هذه الوثائق و غيرها ضرورية للتأكد من أن الكافل يتمتع بحالة إقتصادية و إجتماعية و صحية تسمح له بممارسة الكفالة .
كما يتعين على القاضي أو الموثق التأكد من موافقة والدين الطفل المكفول في حالة وجودههما ،حتى لو كان أحدهما ميت و الآخر على قيد الحياة فلابد على القاضي أو الموثق التأكد من موافقة الولي الموجود قيد الحياة سواءا كانت الأم أو الأب .
و في إطار إجراءات الكفالة يجب علينا أن نشير إلى الدور الذي تلعبه مديرية النشاط الإجتماعي ،فهذه الأخيرة عبارة عن هيئة ذات طابع إداري و إجتماعي تابعة لوزارة التضامن ،تتولى مهمة الإعتناء بفئات المجتمع الهشة من بينهم الأطفال اليتامى أو الأطفال الذين تم التخلي عنهم من طرف الأهل ،و بالتالي تتم إجراءات كفالة الطفل الموجود في دار الحضانة لكون عمره لا يتجاوز 06 سنوات أو في مركز الطفولة المسعفة لكون عمره يتراوح ما بين 06 و 18 سنة أمام مديرية النشاط الإجتماعي ،
فهذه الأخيرة هي التي تتولى دراسة ملف طالب الكفالة عن طريق لجنة مختصة و عندما توافق المديرية على طلب كفالة الطفل اليتيم ،تقوم يتوجيه إخطار لطالب الكفالة من أجل التوجه إلى رئيس المحكمة لإستصدار أمر ولائي ،و تكون مديرية النشاط الإجتماعي ممثلة بواسطة المساعد الإجتماعي ،و قد لاحظنا أن مديرية النشاط الإجتماعي تتعامل دائما مع المحكمة عندما يتعلق الأمر بالكفالة و ليس الموثق .
و يمكن القول أن نفس الإجراءات تطبق على الجزائري الذي يعيش في الخارج و الراغب في كفالة طفل موجود في الجزائر ،فلابد عليه اللجوء إلى الموثق أو القاضي الواقع في دائرة إختصاصه موطن المكفول ،و يجب عليه أن يقدم ملف يحتوي على نفس الوثائق التي أشرنا لها سابقا زيادة على تقديمه محضر من تحقيق إجتماعي موقع عليه من طرف القنصل الجزائري و نسخة من بطاقة القنصلية .
كما أن القانون الجزائري قد سمح للأجانب بكفالة الأطفال الجزائريين ،فقد نصت المادة 13 مكرر1 من القانون المدني » يسري على صحة الكفالة قانون جنسية كل من الكفيل و المكفول وقت إجرائهما ،و يسري على أثارها قانون جنسية الكفيل ….. »
و لكن نشير أنه يجب أن يكون الأجنبي طالب الكفالة من من ديانة إسلامية و القاضي له سلطة تقديرية في قبول أو رفض طلب الكفالة المقدم من طرف الأجانب ،و الطلب الذي يقدمه الأجنبي في موضوع الكفالة يخضع لنفس الإجراءات و الشروط التي أشرنا لها.
رابعا : الأثار القانونية المترتبة عن الكفالة .
ترتب الكفالة واجبات على عاتق الكافل ،فالكافل ملزم بتووفير كل ما هو ضروري للطفل المكفول من طعام و ملبس و علاج و مسكن و تعليم و غيرها من الضروريات ،كما أن الكافل ملزم بتوفير الرعاية النفسية و التربية الحسنة للطفل المكفول ،و هذا الواجب أكدت عليه المحكمة العليا قي قرار صادر بتاريخ 13 / 12 / 2006 جاء فيه » حيث أن المادة 116 من قانون الأسرة واضحة للغاية ،و تنص على إلزام الكافل بالإنفاق على الأطفال المكفولين من قبله ،و لا يمكن أن يتملص تحت أي ذريعة من إلتزاماته ……( ملف رقم 369032 ) » .
و قد تدخلت المحكمة العليا لتوضيح أن الكافل ليس ملزم بالإنفاق على الطفل المكفول إذا حدث طلاق بين الكافل و زوجته و إنتقل الطفل المكفول للعيش مع زوجته ، فقد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 10 / 04 / 2011 جاء فيه » …..و بالتالي فطالما أن البنت تعيش مع مطلقة الكافل الطاعنة ،فإن واجب الرعاية و النفقة يسقط عن الكافل و يؤول إلى المطلقة التي تطوعت و أخذت البنت المكفول معها ،لأن أثار الطلاق و ما يترتب عنه من حضانة و نفقة لا تسري على المكفول بإعتبار الإلتزام هنا على وجه التبرع …… ( ملف رقم 613481 ) . »
و طبقا للمادة 121 من قانون الأسرة فإن الكافل يكتسب الولاية القانونية على الطفل المكفول و من ثم يحق للكافل تلقي جميع المنح العائلية الدراسية و غيرهامن المساعدات لمصلحة الطفل المكفول .
و يجب كذلك على الكافل طبقا للمادة 122 من قانون الأسرة أن يقوم بإدارة الأموال التي يكتسبها الطفل المكفول من التبرعات كالميراث و الوصية و الهبة ،و على الكافل أن يقدم حسابا للمكفول بعد بلوغه سن الرشد ،كما يجب على الكافل أن يسلم هذه الأموال للمكفول أو لورثته في حالة وفاة المكفول ، و يكون الكافل مسؤول عن إهماله في إدارة أموال المكفول أو تبديدها .
و نشير أن الكافل له الحق في منح إسمه العائلي ( اللقب ) للطفل المكفول طبقا للمرسوم التنفيذي 92 – 24 المؤرخ في 13 جانفي 1992 ،و يتم ذلك بشرط أن يكون الطفل المكفول قاصرا و أن يكون مجهول النسب من جهة الأب ،و يجب الحصول على موافقة أم الطفل في حالة وجودها على قيد الحياة .
و نلف الإنتباه إلى أن الكافل له الحق أن يتبرع للطفل المكفول بأموال معينة سواءا كانت منقولات أو عقارات و لكن في حدود ثلث ما يملكه الكافل ،فجميع تبرعات الكافل لفائدة المكفول هي بمثابة وصية ،فما زاد عن الثلت يخضع لإجازة الورثة الشرعيين للكافل ،فالكافل لا يمكنه أن يهب جميع أمواله للمكفول ،هذا ما نصت عليه المادة 123من قانون الأسرة و أكدت عليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 12 / 05 / 2011 جاء فيه » ….حيث أنه إذا كان بإمكان الواهب أن يهب كل ممتلكاته وفقا لنص المادة 205 من قانون الأسرة ،فإن ذلك مقيد بألا يكون الواهب كافلا و الموهوب له مكفولا ،كون الكافل مقيد تجاه المكفول بأن لايزيد التصرف بالوصية أو التبرع عن حدود الثلث …. ( ملف رقم 620402 ) » .
خامسا و أخيرا : إنتهاء الكفالة
تنتهي الكفالة في خمسة حالات وهي :
الحالة الأولى : تخلف أحد الشروط القانونية اللازمة للكفالة، فلو إتضح مثلا أن الكافل لم يعد أهلا لممارسة الكفالة كأن يرتكب جرائم أو يقوم بسوء معاملة الطفل المكفول أو لا ينفق عليه أو يتبين فيما بعد أن الكافل قام بتغيير دينه أي لم يعد مسلما ،ففي هذه الحالة يجب على القاضي التدخل من أجل إنهاء الكفالة .
الحالة الثانية : بلوغ الطفل المكفول سن الرشد القانوني و هو 19 سنة كاملة سواءا كان ولد أو بنت طبقا للمادة 40 من القانون المدني ،و قد أثارت هذه الحالة إستياء و إستغراب العديد من رجال القانون و المهتمين بقضايا الطفل ،لأن المشرع لم يوضح مصير الطفل المكفول بعد بلوغه سن الرشد ،و قد طالبوا بضرورة تدخل المشرع من أجل تمديد الكفالة بالنسبة للولد في حالة موافقة كل من المكفول و الكافل في إستمرار الكفالة ،و بالنسبة للبنت الى غاية زواجها و إنتقالها إلى بيتها الزوجي .
الحالة الثاثة : مطالبة الأبوان أو أحدهما عودة الطفل المكفول إلى ولايتهما ،و هي حالة نصت عليها المادة 124 من قانون الأسرة ،و قد أشارت هذه المادة إلى أن الطفل إذا بلغ سن التمييز و هو 13 سنة طبقا طبقا للمادة 42 من القانون المدني يمكنه أن يختار بين البقاء مع الكافل أو العودة إلى والديه ، أما إذا لم يكن بالغ سن التمييز أي عمره أقل من 13 سنة فإن القاضي في هذه الحالة هو الذي يقرر ما إذا كان يجب بقاء الطفل المكفول مع الكافل أو إنهاء الكفالة بعودة الطفل للعيش مع والديه .
الحالة الرابعة : التخلي عن الكفالة ،فالكافل بصرف النظر عن الأسباب يمكنه التخلي عن كفالة الطفل ،و في هذه الحالة نصت المادة 125 من قانون الأسرة أن التخلي يتم أمام الجهة القضائية التي أمرت بالكفالة ،بعد إبلاغ النيابة العامة .
الحالة الخامسة : موت الكافل ،ففي حالة وفاة الكافل تنتهي الكفالة ،علما أن ورثة الكافل ليسوا ملزمين بالكفالة بعد وفاة الكافل ، فيمكنهم قبول الكفالة كما يمكنهم رفضها و قد نصت المادة 497 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية على المساعي التي يجب على ورثة الكافل القيام بها و هي :
– إخطار قاضي شؤون الأسرة الذي أمر بالكفالة دون تأخير بخبر وفاة الكافل .
– يقوم القاضي بجمع الورثة في مدة شهر من تاريخ إخطاره من أجل معرفة موقف الورثة تجاه الكفالة .
– في حالة قبول الورثة بالإبقاء على الكفالة ،يعين القاضي أحد الورثة كافلا و في حالة رفضها يقوم القاضي بإنهاء الكفالة و يأمر بوضع الطفل المكفول في المؤسسة المختصة في رعاية الطفولة .
و هكذا كنا قد قدمنا عرض واضح و شامل عن مفهوم الكفالة في قانون الأسرة الجزائري ،و لاحظنا أنه يوجد العديد من النقائص في هذا المجال التي يجب على المشرع الجزائري تدراكها مستقبلا في تعديله لقانون الأسرة ،فالعديد من الشروط الخاصة بالكافل موجودة في الواقع العملي و لم ينص عليها المشرع ،
فلابد من صياغتها في شكل نصوص قانونية ،كما يجب على المشرع التدخل من أجل تمديد الكفالة بعد بلوغ الطفل المكفول سن الرشد و بالأخص البنت ، و حسب إعتقادنا يجب منع الأجانب من كفالة أطفال جزائريين نظرا للمشاكل التي قد تنجم عن ذلك كتهريب الأطفال و الإتجار بهم و بأعضائهم الجسدية و غيرها من الظواهر الخطيرة .
اترك تعليقاً