1- أن يكون الخطر مهدداً للنفس :
ويعني ذلك أن حالة الضرورة بصرف النظر عن مصدرها ينشأ عنها عدوان يهدد نفس الشخص المضطر أو نفس غيره ، ويلاحظ أن المشرع قد قصر حالة الضرورة على خطر النفس خلافاً لحالة الدفاع الشرعي التي تبيح ارتكاب الجريمة دفعاً لخطر يهدد النفس أو يهدد المال . وبالتالي فلا تقوم حالة الضرورة قانوناً اذا ارتكب الشخص جريمة دفعاً لخطر يهدد ماله أو مال غيره أياً كانت جسامة هذا الخطر وان كان ذلك قد ينشأ له حقاً في الدفاع الشرعي اذا توافرت باقي شروطه . ويقصد بالخطر الذي يهدد النفس كل خطر يمثل عدواناً على الحق في الحياة ” الموت ” ، والحق في سلامة الجسم ، والحق في الحرية ، والحق في سلامة العرض ، والحق في الشرف و الاعتبار ، وللخطر على النفس في حالة الضرورة ذات مدلول الخطر على النفس في مجال الدفاع الشرعي .
2- أن يكون الخطر حالاً :
ولحلول الخطر في حالة الضرورة ذات المدلول في الدفاع الشرعي في معنى أن يكون الخطر منذراً بعدوان على وشك الوقوع . ويغطي الخطر الحال صورتين أولهما الخطر الذي لم يبدأ بعد ولكنه ينذر بعدوان وشيك صار قوب قوسين أو أدنى من الوقوع ان لم يدفعه الشخص المضطر . ثانيهما الخطر الذي تحول بالفعل الى عدوان بدأ ولا زال مستمراً لم ينتهي بعد ، ويستبعد بالتالي من نطاق الضرورة كافة مظاهر الخطر المستقبلي الذي لازال بعيد الوقوع اذ يمكن تفاديه بغير ارتكاب الجريمة بالفرار أو الاستغاثة . كما يستبعد بداهة العدوان الذي وقع وانتهى بالفعل ، حيث تدخل مقاومة آثار هذا الفعل في باب الانتقام . وليس لأحد أن يحل نفسه محل سلطة العقاب . ولكن حلول الخطر لا يعني بالحتم أن يكون خطراً حقيقاً في كافة الأحوال . فقد يكون الخطر وهمياً لكنه لا يحول دون قيام حالة الضرورة اذا كان هذا الخطر مما يتصور معه انسان عادي أنه يهدد النفس بخطر جسيم . وليس ذلك الا تطبيقاً لنظرية الغلط في الاباحة . فمن يحيط به الدخان فجأة من كل جانب فيتصور واهماً أن هناك حريقاً يكاد يهلكه فيضطر أن يكسر باباً أو منقولاً أو يصيب طفلاً للنجاة بنفسه فهو لا يساءل جنائياً متى كان وهمه مستنداً الى مبررات معقولة .
3- أن يكون الخطر جسيماً :
ويقصد بالخطر الجسيم الخطر الذي لا سبيل له الى تداركه بما ينشأ عنه من ضرر غير قابل للاصلاح وهنا تختلف حالة الضرورة عن الدفاع الشرعي حيث لا يشترط لقيام الأخير أن يكون الخطر جسيماً اذ لم يشترط المشرع ذلك في المادتين 245 ، 246 من قانون العقوبات ولكن المادة 60 من قانون العقوبات اشترطت صراحة أن يكون الخطر الجسيم منصباً على الشخص المهدد أو على غيره ولو لم يربط بينهما أي صلة ، وجسامة الخطر مسألة موضوعية تترك لقاضي الموضوع يستخلصها في ضوء ظروف وملابسات كل حالة على حده ، ومثال الخطر الجسيم مهاجمة الشخص بواسطة حيوان شرس أو وقوع عدوان عليه من قبيل شخص مجنون مهتاج فلا يكون ثمة سبيل لدفعه الا بارتكاب الجريمة . ولكن الخطر غير الجسيم لا يرقى الى حالة الضرورة وفي هذا المعنى قضت محكمة النقض بأن صغر سن المتهم واقامته مع الآخر وحاجته اليه ليس فيه ما يجعل حياته في خطر جسيم ان لم يشترك معه في احراز المخدرات .
4- ألا يكون لارادة المهدد بالخطر دخل في حلوله :
ويستخلص هذا الشرط مما نص عليه المشرع صراحة في الفقرة الثانية من المادة 60 من قانون العقوبات اذ يقرر ” … ولم يكن لارادته دخل في حلوله ” . وتطبيقاً لهذا الشرط فاذا أشعل الشخص النار عمداً ليس له الزعم بانتفاء مسؤوليته فيما لو اضطر لارتكاب جريمة يدفع بها عن نفسه خطر الحريق . وقد أتيح لمحكمة النقض اعمال هذا الشرط فقررت في أحد أحكامها أنه ” ليس للانسان أن يرتكب أمراً محرماً ثم يقارف جريمة في سبيل النجاة مما أحدثه بيديه فاذا قدم المتهم رشوة ليتخلص من جريمة الاخفاء التي ارتكبها فليس له أن يحتج بحالة ضرورة ألجأته الى دفع الرشوة تخلصاً من خطر القبض عليه ” . ولكن الفقه يرى أن حالة الخطر الناشئة عن اهمال الشخص نفسه وليس فعله العمدي لا تمنع من قيام الضرورة في حقه ولا يساءل جنائياً فيما لو ارتكب جريمة لدفع الخطر الذي تسبب فيه باهماله . فمن يتسبب في اشعال حريق باهمال ثم يضطر لارتكاب جريمة يدفع بها عن نفسه الخطر فانه في حالة ضرورة . وتختلف حالة الضرورة هنا عن حق الدفاع الشرعي الذي يقوم ولو كان للمدافع دخل فيما وقع عليه من عدوان . ولهذا قيل بجواز قيام الزوجة الزانية وشريكها بالدفاع الشرعي في مواجهة الزوج الذي يضبطهما متلبسين فيشرع في قتلهما وعلة المغايرة في الحكم أن جريمة الضرورة تصيب في الأصل بريئاً بينما ” جريمة الدفاع الشرعي ” تصيب معتدياً .
اترك تعليقاً