سلطات قاضي التحقيق
القاضي إياد محسن ضمد
بمجرد ارتكاب جريمة ما فأن حق الدولة ينشأ في تعقب مرتكبها كونه اخلّ بالنظام الاجتماعي والأمني لها ولمواطنيها.
وحيث ان الدولة لا يمكنها إنزال العقاب مباشرة فهي تلجأ الى القضاء لتأكيد حقها في تعقب المجرمين ومعاقبتهم الا ان هذا الحق مرتبط ابتداءً بثبوت ارتكاب المتهم للجريمة بموجب أدلة معتبرة من الناحية القانونية وبخلافه فانه لا يجوز تعريض حرية الأشخاص وأمنهم الشخصي لمخاطر الاعتقال والحبس دون ادلة او مبررات قانونية ومعرفة إن كان المتهم قد ارتكب الجريمة من عدمه يمثل الحقيقة وان هذه الحقيقة لا يمكن بلوغها الا وفق اجراءات قانونية واصولية تجتمع في ما يسمى بالدعوى الجزائية.
حيث ان حقيقة ارتكاب الجريمة لا تظهر بسهولة وانما هي ثمرة جهود فكرية وقانونية مضنية تبذل في مرحلة التحقيق لكشف الجناة وهو ما يقوم به قاضي التحقيق عند نظره القضايا المعروضة عليه في مرحلة التحقيق الابتدائي وهي مرحلة وسطية بين مرحلة الاستدلال الذي تقوم بها الشرطة ومرحلة التحقيق النهائي الذي تقوم به محكمة الموضوع ما حدا ببعض الشراح الى تسمية هذه المرحلة لخطورتها وأهمية ما يجري فيها ببوابة العدالة الجزائية.
ووظيفة قاضي التحقيق من اهم واخطر الوظائف كونه يمتلك صلاحيات إصدار القرارات بتقييد الحريات الشخصية والتوقيف على ذمة التحقيق وإصدار القرارات المتعلقة بالتفتيش والولوج الى الاسرار الشخصية للأفراد كالاطلاع على رسائلهم ومحتوى أجهزة حاسباتهم وهواتفهم النقالة
وتكمن خطورة وأهمية هذه الوظيفة في كونها تجمع بين سلطتي التحقيق وجمع الأدلة وسلطة الحكم واصدار القرار النهائي في بعض القرارات كالافراج لعدم كفاية الأدلة ورفض الشكوى لعدم وجود الجريمة وغلق الدعوى مؤقتا لمجهولية الفاعل او لكون الحادث قضاء وقدرا.
وكلما كانت إجراءات التحقيق قد تمت بمهنية ونزاهة وحيادية، تكون المحاكمات التي تجريها محاكم الموضوع اقرب الى تحقيق العدالة كونها تستند في كل ما تصدره من احكام الى الادلة التي قام قاضي التحقيق بجمعها وبجانب السلطات الواسعة لقضاة التحقيق واستقلالهم في ممارسة اعمالهم فان المساطر القانونية لقوانين اصول المحاكمات الجزائية قد اخضعت قراراتهم للطعن امام محاكم اعلى من محاكم التحقيق كمحاكم الجنايات كوسيلة من وسائل المراقبة والتدقيق على قراراتهم واجراءاتهم القانونية وتعتبر النظم القانونية التي تأخذ بنظام قضاء التحقيق من النظم الناجحة في انجاز قضاياها التحقيقية حيث ان النظام الانجلو سكسوني اعطى للنيابة العامة سلطة التحقيق والاتهام ولا وجود لقضاء التحقيق .
كما هو معمول في ايطاليا واليابان ومصر في حين اخذت بعض النظم القانونية الاوربية بنظام قضاء التحقيق كما هو معمول به في اسبانيا وبعض الدول الاخرى كالجزائر وكذلك اخذ بهذا النظام المشرع العراقي في قانون اصول المحاكمات الجزائية والذي اسند مهمة التحقيق الابتدائي الى قاضي التحقيق ومنحه سلطات وصلاحيات واسعة على مستوى القبض والتفتيش والافراج والاحالة ورفض الشكوى.
اترك تعليقاً