سلطة الإدارة في رقابة تنفيذ العقد الإداري
المحامية / منال داود العكيدي
تتمتع الادارة بوصفها طرفا في العقد الاداري بامتيازات السلطة العامة ومن بين تلك الامتيازات هي ان لها الحق في ممارسة الرقابة على كيفية تنفيذ المتعاقد معها لالتزاماته التعاقدية ولها الحق ايضا في توجيهه لضمان سلامة تنفيذ العقد ، والرقابة هنا يحمِّلها الفقهاء معنيين المعنى الاول ضيق وهو حقها في مراقبة التنفيذ والتأكد من انه يتم على وفق نصوص العقد، وتتم هذة الرقابة أما باعمال مادية كدخول مندوب الادارة لاماكن العمل أو استلام بعض الوثائق للاطلاع عليها وفحصها أوإجراء تحريات أوتلقي شكاوى المنتفعين والبت فيها،
وقد تأخذ الرقابة صورة أعمال قانونية كأنْ تصدر الادارة اوأمر تنفيذية أو تعليمات أو انذارات للمتعاقد معها والرقابة بهذا المعنى تتم عند تنفيذ العقد بوصفها حقا مقررا للادارة حتى لو خلا العقد من النص عليها، وقد تكون هذه الرقابة فنية وادارية للتثبت من ان تنفيذ المتعاقد مطابقا للشروط الفنية والادارية وأيضا قد تكون رقابة مالية للتحقق من ان المتعاقد يقوم بالتزاماته المالية حيال الادارة، ولضبط ما يقوم بينهما من روابط مالية وهذه هي الرقابة بمعنى الإشراف على التنفيذ .
اما المعنى الواسع فهو يتناول سلطة التوجيه وينصب على حق الادارة في توجيه إكمال التنفيذ واختيار انسب الطرق التي تؤدي إليه ، ويتضمن هذا المعنى ايضا تدخل الإدارة بصورة اكثر عمقا من تدخلها كسلطة إشراف على التنفيذ ، فالإدارة هنا لايقتصر دورها على التأكد من تنفيذ العقد على نحو يتفق مع الشروط الواردة به بل إنها تتدخل في توجيه أعمال التنفيذ وهي في هذا الشان تمارس اختصاصها في الرقابة أعمالا لامتيازاتها الاصلية في التنفيذ المباشر وفي اصدار القرارات التنفيذية بارادتها المنفردة دونما حاجة الى اللجوء للقضاء .
وتختلف سلطة الرقابة من عقد الى آخر فهي تصل قمة اتساعها بالنسبة لعقدي امتياز المرافق العامة والاشغال العامة ، في حين تضعف الى حد كبير في عقود اخرى .
وتختلف كل من سلطة الرقابة على تنفيذ العقود الادارية وسلطة الضبط الاداري في أساسها وفي نظامها القانوني ، فأجراءات الضبط تجد أساسها القانوني في سلطة مقررة دستوريا للحكومة في اتخاذ اجراءات تمس الحريات العامة والنشاط الخاص بهدف المحافظة على النظام العام بعناصره الاساسية من امن وهدوء وسكينة وصحة عامة ، وبطبيعة الحال يمكن ان تسري قوانين ولوائح الضبط واجراءاته الفردية في مواجهة المتعاقد مع الادارة شانه في ذلك شأن سائر الافراد ، فتسري بالنسبة لملتزم مرفق عام مثلا الاجراءات التي تتخذها هيئات الضبط الاداري لصيانة الامن العام او الصحة العامة ، كأشتراطات متانة السيارات او اضاءتها ليلا او اشتراط الحصول على اجازة لممارسة نشاط معين .
اما سلطة الرقابة على تنفيذ العقد الاداري فهي جزء من نظرية العقد الاداري ومن الخصائص الاساسية لهذه العقود وتجد هذه السلطة اساسها في فكرة الصالح العام وما تشمله من تحقيق مقتضيات المرافق العامة.
وتعد سلطة الرقابة على التنفيذ مظهرا من مظاهر امتيازات السلطة العامة التي تتمتع بها الادارة في مجال العقود الادارية ، وان سلطة الرقابة على تنفيذ العقد الاداري هي سلطة اصيلة وثابتة للادارة المتعاقدة حتى من دون حاجة الى نص يقررها على الرغم من ان هذه السلطة كثيرا ما ينص عليها في العقد او في دفاتر الشروط بهدف تنظيمها وتحديد مجال اعمالها .
وطالما كان لكل من سلطة الضبط الاداري وسلطة الرقابة على تنفيذ العقد نطاقها الخاص ونظامها القانوني المختلف، فأنه لا يجوز للادارة المتعاقدة أن تضفي على الاجراءات التي تتخذها للرقابة على العقد شكل الضبط الاداري وأن لا تستعمل سلطة الضبط الاداري بما يرتبط بها من عقوبات جنائية كوسيلة ضغط لحمل المتعاقد على تنفيذ التزامه لما ينطوي عليه ذلك من عيب عدم الاختصاص او عيب الانحراف بالسلطة بحسب الاحوال .
وهكذا يكون لجهات التعاقد متابعة اجراءات التعاقد في كل مراحل ابرام العقد الاداري سواء في مرحلة ماقبل توقيع العقد ام بعد توقيعه ، وتسمى مثل هذه الرقابة بالرقابة المنصوص عليها سواء تم النص عليها في دفاتر الشروط ام في نص القانون . بل ان للإدارة ان تراقب التنفيذ حتى اذا لم ينص على ذلك في العقد او في القوانين واللوائح ، وحتى اذا نص على ما يخالفها وذلك لان الرقابة لا تجد أساسها القانوني في النصوص القانونية او التعاقدية، وانما تستمد الرقابة اساسها من فكرة المرفق العام ذلك ان الادارة هي المسؤولة عن ادارة المرفق العام ، والكفيلة لحسن سيره حتى اذا لم تتول بنفسها توفير الحاجات وتقديم الخدمات التي يتطلبها المرفق العام ، وتقتضي وظيفتها هذه ان تشرف وتوجه النشاط الفردي حين يسهم في تسيير المرفق العام .
ويذهب جانب من الفقه الى ان خلو العقد الاداري من نص يعطي للادارة حقا في الرقابة على تنفيذه لايحرم الادارة من هذا الحق ، فهو حق اصيل مقرر للادارة كسلطة عامة تستمدة من المبادئ العامة للقانون الاداري وليس من نصوص العقد ، ويقتصر دور النص ان وجد على الكشف عن حق الادارة في استعمال هذا الحق وتنظيم وبيان وسائل وشروط مباشرة الادارة له لذلك فأن الادارة لايمكن ان تتنازل عن حقها في الرقابة على تنفيذ العقود الادارية لانها تعبير عن فكرة السلطة العامة في العمل الاداري وهي اختصاصات لا يمكن ان تكون محل تعاقد او اتفاق بين الادارة والافراد .
اما الجانب الاخر من الفقه فانه يرى ان الادارة تتمتع بسلطة الرقابة على تنفيذ العقد ، حتى ولو لم ينص عليها فيه ، حيث ان هذه السلطة تتعلق بالنظام العام ، ويترتب على اساس ان رقابة الادارة على تنفيذ العقود الادارية تدخل ضمن النظام العام ، نتيجة بالغة في الاهمية تتلخص في بطلان كل مايرد في العقد الاداري يلغي او يستبعد هذه الرقابة.
وبناء على ذلك فان سلطة الادارة في رقابة تنفيذ العقود الادارية حتى اذا لم ينص عليها في العقد او في القوانين او اللوائح فأن لها أساس قانوني مزدوج يتكون من فكرة تحقيق الصالح العام وما تنطوي عليه من تحقيق مقتضيات المرافق العامة ، ومن فكرة امتيازات السلطة العامة والتي تعد سلطة الرقابة أحد تطبيقاتها ، على اساس ان تحقيق الصالح العام هو الهدف الاسمى الذي من اجله تمارس الادارة اعمالها القانونية وتتمتع بامتيازاتها وسلطاتها.
اترك تعليقاً