بحث قانوني شامل عن نظام الأموال العقارات والمنقولات في القانون الدولي الخاص الجزائري
*نظام الاموال العقارات والمنقولات في القانون الدولي الخاص الجزائري*
من إعداد الطالب بلحواء يوسف
كلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة ابن خلدون تيارت –الجزائر-
السنة الجامعية 2010/2011
المقـدمــة:
اتفقت معظم التشريعات على تطبيق قانون موقع المال على العقار والمنقول فهذه القاعدة تعتبر قاعدة قديمة يرجع تاريخها إلى المدرسة الايطالية ويعتبر قانون موقع المال القانون الذي يطبق على الأحوال العينية وتشمل هذه الأحوال كل الحقوق العينية الواقعة على عقار أو منقول كما تشمل حق الملكية وأسباب كسبه من حيازة وشفعة وغيرها وسنتطرق في هذا البحث إلى القانون الواجب التطبيق الأحوال العينية أي جميع الحقوق العينية الواردة على العقارات والمنقولات.
المبحث الأول: القانون الواجب التطبيق على العقار
المطلب الأول: القانون الواجب التطبيق في تكييف المال عقارا أو منقول
قبل أن نتطرق إلى هذا المبحث يجدر بالإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية والمتمثلة في القانون الذي يحكم تكييف المال إذ يعتبر هذا التكييف استثناء من القاعدة العامة في التكييف الموضوعة من طرف الفقيه بارتن والتي تقضي بأن التكييف يخضع لقانون القاضي كقاعدة عامة أما تكييف المال فهو استثناء سواء كان عقارا أو منقولا فانه يخضع لقانون موقع المال و قد اخذ المشرع الجزائري بهذا الاستثناء وهذا ما أكدته المادة 17 فقرة01 من القانون المدني الجزائري التي تنص ” يخضع تكييف المال سواء كان عقار أو منقولا إلى قانون الدولة التي يوجد فيها “
المطلب الثاني: الحقوق العينيـــة الأصليـــة الواقعــة على العقار
يجدر بالتذكير بأن الحقوق العينية الأصلية تخول صاحبها سلطة مباشرة على الشيء تمكنه من استعماله و استغلاله و التصرف فيه و قد يكون لصاحب الحق كل هذه السلطات أو بعضها بحسب اختلاف مضمون هذه الحق
تنص المادة 17 من القانون المدني الجزائري على انه ” يسري على الحيازة والملكية والحقوق العينية الأخرى قانون موقع العقار”
من خلال نص المادة نستخلص بان المشرع قد حدد بان قانون موقع العقار هو القانون الواجب التطبيق على الحقوق العينية الأصلية الواردة على عقار من ملكية وما يتفرع عنها من حقوق فضلا عن أسباب كسب الحق في المال من حيازة وشفعة والتصاق وانتقال وانقضاء هذا الحق أما إذا كان سبب الاكتساب هو الميراث أو الوصية فان مجال تطبيق قانون الموقع ينحصر بالأثر الناقل للحق أما الميراث والوصية فيحكمهما القانون الذي تحدده القاعدة الخاصة بكل منهما وهو قانون جنسية المورث أو الموصي وقت الوفاة أما بالنسبة لشهر التصرفات العقارية من تسجيل وقيد فانه يخضع كذلك لقانون موقع العقار وعموما فان تطبيق قانون الموقع فيما يتعلق بالحقوق العينية الأصلية الواردة على العقار لا يثير أي صعوبة لان العقار ثابت في مكانه ولقد برر الفقهاء تطبيق قانون الموقع على العقار بأنه يعتبر جزءا من إقليم الدولة التي تمارس عليه سيادتها وإقليم الدولة هو أهم ركن من أركان قيامها فيجب أن يطبق عليه قانون الدولة نفسها أما بارتن فيبرر تطبيق قانون الموقع على العقار بتأمين المعاملات وقد انتقد رأيه على أساس انه ينظر فيه إلى مصلحة الغير دون أن يأخذ في الاعتبار الأشخاص المالكين أو الحائزين وترى أغلبية الفقه بأن الحكمة من تطبيق قانون الموقع على العقار هي أنه أنسب قانون يطبق عليه لأنه مستقر في هذا الموقع.
المطلب الثالث: الحقوق العينيــة التبعيــة الواقعــة على العقار
أولا :حق الرهن الوارد على العقار
فهي أيضا حقوق تخول للشخص سلطة مباشرة على شيء معين بالذات و لكنها لا تقوم مستقلة بذاتها بل أنها تستند إلى حق شخصي و تقوم ضمانا للوفاء به ثم إنها من جهة أخرى لا تخول صاحبها سلطة استعمال الشيء أو استغلاله أو التصرف فيه كما هو الشأن بالنسبة للحقوق العينية الأصلية و لكنها توجد ضمانا لحق شخصي.
و تخول صاحبها استيفاء حقه من ثمن الشيء الذي يرتب عليه الحق العيني متقدما في ذلك على غيره من الدائنين كما أنها تخول لصاحبها حق تتبع الشيء إذا ما أنتقل ملكية المدين إلى ملكية غيره.
و الأصل أن حق الرهن الواقع على العقار يخضع أيضا لقانون موقع المال غير أن بعض هناك استثناءات يختلف الفقه في إدخالها أو عدم إدخالها ومثال ذلك فيما يتعلق بالرهن القانوني الذي ترتبه بعض القوانين الغربية مثل القانون الفرنسي لصالح الزوجة على عقارات زوجها فقد اصدر القضاء الفرنسي عدة أحكام قضى فيها بأنه لا يكفي لترتيب هذا الرهن أن يكون قانون موقع العقار يجيزه بل يجب فوق ذلك أن يكون قانون جنسية الزوجة يقر لها هذا الرهن باعتباره من أثار الزواج أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائري فيما يتعلق بحق الرهن فإنها تخضع لقانون الموقع وهذا ما أكدته المادة 17 فقرة 02 من ق.م.ج
وعلى الرغم من أن السفينة تعتبر في الأصل منقولا فانه من المتفق عليه أنها تعتبر من بعض النواحي عقارا ويرى الفقه أنها تخضع لقانون البلد الذي تحمل علمه ومسجلة في سجل سفنه و عليه فان حق الرهن و الحقوق العينية الواردة على السفينة يسري عليها قانون العلم وهذا ما أكدته اتفاقية بروكسل المنعقدة في أول ابريل سنة 1926 على إخضاع رهن السفن والطائرات والبضائع الموجودة عليها إلى قانون العلم
ثانيا: حقوق الامتياز الواردة على العقار
تخضع حقوق الامتياز الواردة على العقار فقط لقانون موقع هذا العقار أما حقوق الامتياز العامة الواردة على جميع أموال المدين من منقول وعقار فيرى بعض الفقهاء انه يجب أن يكون القانون الذي يسري على الدين يقرر له هذا الامتياز إلى جانب قانون موقع العقار ولا يغني احدهما عن الأخر.
المطلب الرابع: العقد المنشــأ للحـق العينـي الوارد على العقار
العقد بصفته تصرفا إراديا فانه يخضع من حيث الموضوع للقانون الذي يختاره المتعاقدين في الأصل ومن حيث الشكل يخضع لقانون المحل في الأصل ومن حيث الأهلية يخضع لقانون الجنسية وقد يكون قانون الموقع والإرادة والجنسية واحدا وقد يختلف ففي حالة الاختلاف يرى الفقيه “نبواييه” إخضاع العقد الواقع على العقار لقانون موقع العقار سواء من حيث الموضوع أو الشكل أو الأثر وقد اتبعت المدرسة الهولندية هذا الرأي واخذ به كذلك الفقيه الأمريكي ستورى وأصبح خضوع العقد الواقع على العقار لقانون موقع العقار هو المعمول به فقها وقضاء في أمريكا وكذلك القضاء الانجليزي فانه يأخذ بهذا الرأي ولكنه رجع عنه حديثا تحت تأثير الفقه الانجليزي الذي أصبح يرى إخضاع العقد المتعلق بالعقار كله لقانون العقد لا لقانون الموقع أما في فرنسا فقد كان القضاء في بداية الأمر متأثرا بقانون الموقع غير انه استقر أخيرا على أن العقد الواقع على العقار يخضع من حيث الأهلية لقانون الجنسية ومن حيث الشكل لقانون المحل ومن حيث الموضوع لقانون الإرادة ولا يخضع لقانون موقع العقار إلا ما يرتبه من حقوق عينية عليه وقد أصدرت محكمة النقض الفرنسية في هذا الصدد حكما صريحا بذلك في 09/10/1956 وقد اتفق كذلك القضاء الألماني مع هذا الرأي
أما بالنسبة لموقف المشرع الجزائري فقد اخضع العقد المبرم بشان عقار إلى قانون موقع هذا العقار وتعتبر هذه القاعدة استثناء عن القاعدة العامة التي تخضع الالتزامات التعاقدية لقانون إرادة المتعاقدين وهذا ما أكدته المادة 18 من ق.م.ج التي تنص ” يسري على الالتزامات التعاقدية القانون المختار من المتعاقدين إذا كانت له صلة حقيقية بالمتعاقدين أو بالعقد وفي حالة عدم إمكان ذلك يطبق قانون الموطن المشترك أو الجنسية المشتركة وفي حالة عدم إمكان ذلك يطبق قانون محل إبرام العقد غير انه يسري على العقود المتعلقة بالعقار قانون موقعه”
إن نطاق تطبيق هذا الاستثناء محدد بما ينشئ العقد الوارد على عقار من حقوق عينية أما بالنسبة لأهلية المتعاقدين فإنها تخضع لقانون الجنسية وبالنسبة للحقوق الشخصية التي ينشاها العقد فإنها تخضع لقانون الإرادة كما أن شكل العقد يخضع لقانون المحل وكنتيجة لما تقدم ذكره فان العقد المبرم في شان عقار يخضع من حيث موضوعه لقانون موقع العقار طبقا للاستثناء المذكور أنفا أما ما ينشأه العقد من حقوق شخصية أو من حيث أهلية المتعاقدين أو من حيث شكله فلا تدخل في نطاق الاستثناء وبما أن الاستثناء لا يتوسع فيه ولا يقاس عليه فيجب قصره على ما تقدم فقط.
المبحث الثاني:القانون الواجب تطبيقه على المنقول
إن تطبيق قانون الموقع على المنقول فهو الذي يثير صعوبة إذا انتقل المنقول من إقليم دولة إلى إقليم دولة أخرى.
المطلب الأول: تطبيق قانون الموقع على المنقول.
لقد رأينا أن الفقه القديم كان يعتبر المنقولات تابعة للشخص وكان يقول المنقول يخضع لقانون موطنه وقد أصبح في كل التشريعات لقانون الموقع حتى في القانون المدني الايطالي الجديد الصادر وفي سنة 1942 الذي عدل عن حكم القانون المدني القديم الذي كان يخضع المنقول لقانون الجنسية بتأثير مذهب مانشيني.
والمراد بالمنقول هنا هو المنقول المادي المفرد أما المنقول المعنوي فسوف تتكلم عنه فيما بعد وأما المنقول غير المفرد والذي يدخل في مجموعة مالية مثل التركة فانه يخضع عندنا لقانون جنسية المورث عند موته كما رأينا بينما هو يخضع عندنا لقانون جنسية المورث عند موته كما رأينا بينما هو يخضع لقانون اخر موطن للمورث في اكثر القوانين الغربية ويطبق قانون موقع المنقول على كل مايرد عليه من حقوق عينية ويحدد مدى هذه الحقوق وطرق اكتسابها وانتقالها وانقضائها ويحدد اثارها ويقرر ما اذا كان يجب شهرها وكيف يتم شهرها وطبقا للاستثناء الذي أدخله بارتن على مبدأ التكييف يرجع في تكييف الشيء هل هو منقول أو عقار لقانون الموقع ويرى نبواييه أن هذا الاستثناء لا ينطبق حيث يتوقف على التكييف تحديد القانون الواجب التطبيق كما في الميراث فالقانون الفرنسي يطبق يطبق على ميراث العقار قانون الموقع وعلى الميراث في المنقول قانون الموقع ويقول نبواييه أن التكييف يخضع في هذه الحالة لقانون القاضي ولكن يلاحظ على هذا الرأي أن التكييف في جميع الحالات يتوقف على نتيجة تطبيق القانون الأجنبي أو عدم تطبيقه فلو أخذ برأي نبواييه فيجب أن يصرف النظر نهائيا عن الاستثناء الذي أدخله بارتن بالنسبة للمنقول و العقار.
المطلب الثاني: تغيير موقع المنقول
قلنا أن تطبيق قانون الموقع بالنسبة إلى المنقول يثير كثيرا من الصعوبات حين يتغير موقع المنقول من إقليم إلى إقليم فيترتب على انتقاله ما اصطلح على تسميته بالتنازع المتغير أو المتحرك.
فحين ينتقل المنقول من إقليم إلى إقليم أخر ويكون قد تعلقت به حقوق في كلا الإقليمين أو في أحدهما فإلى أي القانونين يخضع؟ إلى قانون موقعه القديم أم الى قانون موقعه الجديد؟
هذه المشكلة التي أثارت مسألة التنازع المتحرك وسندرس هذه المسألة بالتفصيل عند دراستنا لنظرية احترام الحق المكتسب في المبحث الخامس من هذا الفصل ولكنا نستبق هذا التفصيل بنظرية مجملة من هذا التنازع المتحرك فنقول أن هناك رأيين لحل مشكلته.
الفرع الأول: الرأي الأول
يرى أن يطبق على هذا التنازع ما يطبق على التنازع بين القوانين الداخلية من حيث الزمان من القواعد ففي هذا التنازع من حيث الزمان إذا صدر قانون جديد كان له أثر مباشر على كل مايحدث تحت سلطانه من وقائع وما يترتب من أثار دون أن يكون له أثر رجعي يستند الى الماضي ويكون الأمر كذلك أيضا في التنازع المتحرك فإذا انتقل المنقول الى اقليم أخر خضع لقانون موقعه الجديد بصرف النظر عما يكون تعلق به من الحقوق تحت سلطان القانون القديم ويترتب على ذلك مايلي:
أولا: لو حاز شخصا منقولا من غير المالك في اقليم دولة لا يعرف قانونها قاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ثم انتقل بهذا المنقول الى اقليم دولة يعرف قانونها هذه القاعدة فطبقا للأثر المباشر لقانون الموقع الجديد يكون له أن يتمسك بهذه القاعدة متى توافرت له شروطها ويتملك المنقول.
ثانيا: يقضي القانون الألماني والقانون السويسري بأن بيع المنقول لا يتم إلا بتسليمه فلو اشترى شخص منقولا في ألمانيا وفي سويسرا ولم يتسلمه ثم انتقل هذا المنقول الى فرنسا فان البيع يعتبر تاما طبقا للقانون الفرنسي ولو لم يتسلم هذا المنقول على الرغم من أن البيع لم يكن تاما تحت سلطان قانون الموقع القانون القديم.
ثالثا: اذا فرض العك واشترى شخصا منقولا في فرنسا دون أن يتسلمه ثم انتقل هذا المنقول الى سويسرا ولم يتسلمه المشتري هناك فإنه لا يستطيع أن يقول أن العقد البيع كان تاما في فرنسا وبالتالي لا يكون مالكا.
رابعا: اذا ارتهن شخص منقولا في بلد يعرف قانونه رهن المنقول دون حياته ثم انتقل المنقول الى اقليم دولة مثل فرنسا أو الجزائر لا تعرف الرهن الحيازي دون حيازة فطبقا للأثر المباشر لقانون الموقع الجديد لا يكون للمرتهن أن يتمسك بهذا الرهن.
هذا هو الرأي الذي قال به أكثر الفقهاء ومنهم الفقيه الفرنسي le rebours و الفقيه الفرنسي Batifole ويأخذ به الفقيه الإنجليزي ولقد دافع باتفول عن هذا الرأي بقوله: إنه على الرغم من الفروق الكثيرة بين التنازعين فإن هذا الرأي هو خير رأي لحل مشكلة التنازع المتغير مع إدخال بعض التخفيقات وحتى الآن لم يقترح حل أخر إلا من بين الذي وضع مبدأ احترام الحق المكتسب دوليا ولتطبيق مبدأ التنازع الزمني على التنازع المتغير يجب التمييز بين مضمون الحق ووسائل كسبه فمضمون الحق كالملكية أو حق الانتفاع هو الذي يخضع فقط للأثر المباشر لقانون الموقع الجديد الذي يملك أن يعدل من نظام الحقوق الموجود من قبل أما وسائل كسب الحقوق فتظل خاضعة للقانون الذي كان يسري عند استعمال هذه الوسائل وليس لقانون الموقع الجديد أن يمس هذه الوسائل حتى لا يكون ذا أثر رجعي فمثلا الدائن المرتهن حيازيا تحت سلطان قانون يجيز له تملك المنقول المرهون عند عدم الوفاء لا يجوز له أن يتملك هذا المنقول عند عدم الوفاء اذا كان قد نقل الى فرنسا تطبيقا للأثر المباشر لقانون الموقع الجديد على مضمون الحق والمنقول المحمل بشرط منع التصرف فيه تحت سلطان قانون يجيز ذلك، ويصبح قابلا للتصرف فيه في فرنسا اعمالا للأثر المباشر لقانون الموقع الجديد على مضمون الحق.
أما وسائل كسب الحق فتظل خاضعة لقانون الموقع القديم ولا يجوز لقانون الموقع الجديد أن يعدل منها والا كان ذا أثر رجعي مادام كسب الحق قد تم وفقا لأحكام القانون الأجنبي السابق، ولكن قانون الموقع الجديد يستطيع ان لا يقبل حقا يتعارض مع النظام القانوني الساري في الدولة مثل الرهن الرسمي على المنقول أو الرهن الحيازي دون حيازة.
الفرع الثاني: الرأي الثاني
هو الاحترام الدولي لنفاذ الحق المكتسب وطبقا لهذا الرأي متى كسب حق على منقول طبقا لقانون موقعه القديم فيجب أن يظل هذا الحق محترما تحت سلطة قانون الموقع الجديد مالم ينشأ تحت سلطان هذا القانون حق مضاد له. ولكن يشترط أن يكون الحق الذي نشأ تحت سلطان قانون الموقع القديم قد تم تكوينه وفقا لأحكام هذا القانون، وألا يكون مخالفا للنظام العام في دولة قانون الموقع الجديد. وسنصل هذه الشروط فينما بعد. وترتب على هذا الرأي النتائج التالية:
أولا: إذا اشترى شخص منقولا في ألمانيا أو سويسرا دون أن يتسلمه فإنه لا يعتبر مالكا في فرنسا أو في الجزائر حيث القانون يعتبر البيع تاما بدون تسليم، وذلك لأن الملكية لم تكن قد انتقلت طبقا لقانون الموقع القديم ولكن اذا حدث العكس بان اشترى شخص منقولا في فرنسا دون ان يتسلمه فإنه يعد مالكا له بمجرد العقد فإذا انتقل المنقول الى ألمانيا أو الى سويسرا فلا يجوز أن يباع ثانية بحجة أن قانون الموقع الجديد يعتبر البيع غير تام بدون التسليم، بل يجب أن يحترم الحق المكتسب على هذا المنقول طبقا لقانون موقعه القديم.
ثانيا: اذا حاز شخص منقولا بحسن النية من غير مالكه في بلد يجيز قانونه التمسك بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ثم انتقل المنقول الى بلد لايعرف قانونه هذه القاعدة فانه يعتبر مع ذلك مالكا له ويحترم حقه المكتسب طبقا لقانون موقع المنقول السابق.
وطبقا لهذا الرأي اذا نشأ تحت سلطان قانون الموقع الجديد حق مضاد للحق الذي نشأ تحت سلطان قانون الموقع القديم سقط الحق القديم، وإذا تعارض الحق الذي نشا على المنقول طبقا للقانون السابق مع النظام القانوني في الموقع الجديد سقط الحق القديم كذلك. وقد اخذت بلجيكا بهذا الرأي، كما اخذ به مشروع توحيد قواعد التنازع بين هولندا وبلجيكا في سنة 1951. كما أن المشرع الجزائري أخذ بهذا الرأي على ما يظهر إذ تدل عبارة المادة 17 “ويسري بالنسبة الى المنقول قانون الجهة التي يوجد فيها المنقول وقت تحقق السبب الذي ترتب عليه كسب أو فقد الحيازة أو الملكية أو الحقوق العينية الأخرى”
أما وقد عرفنا مدى اختصاص قانون الموقع بالنسبة الى المنقول المادي المفرد ينبغي ان نعرف قبل ان ننتقل الى بحث القانون الواجب التطبيق على المنقول المعنوي، ان قانون موقع المنقول لا شأن له بالعقد الخاص بالمنقول فهذا العقد يخضع من حيث موضوعه لقانون الإرادة كما سوف نرى ومن حيث شكله لقانون الشكل، مثل كل التصرفات القانونية ومن حيث أهلية التعاقد لقانون الجنسية.
وقد سبق أن قلنا أن القانون الواجب التطبيق على السفن هو قانون العلم، وكذلك تخضع الطائرات لقانون العلم الذي تحمله وهذا هو ما استقر عليه القضاء الفرنسي وهو الذي قرره معهد القانون الدولي ببروكسل في اجتماعه المنعقد في سنة 1985، وهو الذي أخذ به كذلك مجموعة بوستامنت. وقد قلنا ان البضائع المحطة على السفن تخضع كذلك لقانون علم السفينة. أما البضائع المحملة على وسائل النقل لا تحمل علما، فقد كان سافيني يرى إخضاعها لقانون الشخصي لمالكها، ولكن يرى بعض الفقه الحديث إخضاعها لقانون محل وصولها على انه اذا ماحدث أن استقرت هذه البضائع في مكان ما استقرارا مؤقتا خضعت لقانون هذا المكان وقد اتفق في معاهدة برن المنعقدة في سنة 1952 على إخضاع عربات السكك الحديدية لقانون الدولة التي تملكها. أما السيارات فقد رأى بعض الفقهاء إخضاعها لقانون الدولة التي تحمل لوحة باسمها بينما رأى البعض الأخر إخضاعها لقانون محلها الفعلي.
المطلب الثالث: المنقول المعنوي
يراد بالمنقول المعنوي الحقوق المعنوية مثل حق المؤلف وحق المخترع، وحق صاحب العلامة التجارية(الماركة) أو صاحب الرسم أو صاحب النموذج وهي مايطلق عليها الملكية الأدبية والفنية والصناعية ويضاف إليها مايترتب على الحقوق الشخصية من الديون.
والظاهر من الإعمال التحضيرية للقانون المدني المصري أن نص المادة 18 مصري و17 جزائري يقتصر على المنقول المادي ولا يشمل المنقول المعنوي ويجب أن نفرق هنا أيضا بين الحق المعنوي نفسه وبين مصدره، فإذا كان مصدره الحق المعنوي هو العقد فان قانون الإرادة هو الذي يطبق عليه بالتفصيل السابق الذكر فأما الملكية الأدبية والفنية فكثيرا ما كانتا محلا للاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية برن الخاصة بهاتين الملكيتين، المنعقدة في سبتمبر 1886 والمعدلة في بروكسل سنة 1948، واتفاقية جنيف بحق المؤلف المنعقدة في سبتمبر سنة 1952. وأما الملكية الصناعية فكانت محلا لاتفاقية باريس في سنة 1883 المعدلة في لشبونة سنة 1958.
وفيما يتعلق بالملكية الأدبية والفنية يرى بعض الفقهاء اعتبارها كالمنقول المادي وإخضاعها لقانون الموقع على أن يفترض موقعها في المكان الذي نشرت فيه لأول مرة، فتخضع لقانون هذا المكان من حيث الملكية نفسها ومدى الحق فيها ومدته، وهذا ما أخذت به اتفاقية برن السابقة الذكر، وقد وضعت هذه الاتفاقية مبدأ حماية حق المؤلف طبقا لقانون البلد الذي تطلب فيه الحماية، وبصرف النظر عما اذا كان قانون البلد الذي نشر فيه لأول مرة يمنح هذه الحماية أو لا يمنحها، غير أنه يجب الرجوع الى قانون هذا البلد، اذا كان يمنح الحماية، ولمعرفة المدة التي يمنح الحماية أثناءها ولا يجوز أن تزيد مدة الحماية عن هذه المدة في البلد الذي يتطلب فيه الحماية. وقد وضعت اتفاقية جنيف المنعقدة في 1952 بخصوص حق المؤلف مبدأ اختصاص قانون المكان الذي تطلب فيه الحماية بشرط أن لا تزيد عن المدة الممنوحة في البلد الأصلي إن كان هذا البلد يمنح حماية، وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بهذا المعنى بتاريخ 22/12/1959. ولكن اذا حدث الاعتداء على حق المؤلف في بلد ورفع المؤلف الدعوى في بلد اخر فأي القانونين يكون هو المختص؟ خلاف في الفقه فبعضه يرى اختصاص قانون البلد الذي وقع فيه الاعتداء والبعض يرى اختصاص قانون القاضي ( أي القانون الذي رفعت أمام محكمته الدعوى)، وبعضه يرى الجمع بين القانونين.
واذا اعتبر قانون البلد الذي حدث فيه النشر لأول مرة هو قانون البلد الأصلي، فماذا يكون الحل لو نشر المؤلف في عدة بلدان مرة واحدة؟ ترى اتفاقية برن وكذلك اتفاقية جنيف أن يعمل عندئذ بقانون البلد الذي يمنح أقل مدة للحماية بينما يرى بعض الفقه أن يطبق قانون البلد الذي حدث فيه النشر الأساسي.
أما اذا لم ينشر المؤلف وظل مخطوطا فيرى بعض الفقهاء أن يطبق عليه قانون المؤلف الشخصي إذ يكون من حقوقه اللصيقة به وقد أخذت بهذا الرأي اتفاقية برن أما القانون الذي يسري على براءة الاختراع فهو قانون الدولة التي منحت هذه البراءة.
وأما الملكية الصناعية فيرى بعض الفقه إخضاعها لقانون الدولة التي تمنح حمايتها والعلامة التجارية يرى البعض أنها تخضع لقانون البلد الذي استعملت فيه لأول مرة، بينما يرى البعض الأخر إخضاعها لقانون البلد الذي سجلت فيه لأول مرة وأما المحل التجاري فيخضع لقانون موقعه.
وأما الديون فيرجع فيما يتعلق بانتقالها أما إلى نفس القانون الذي يحكم مصدرها (وهذا هو الرأي السائد في ألمانيا وسويسرا والبلاد الإسكندنافية) وإما إلى قانون محل إبرام الحوالة (وهذا الرأي هو السائد في انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية) أما الرأي السائد في فرنسا فهو إخضاع انتقال الديون إلى قانون موطن المدين.
أما اذا تجسدت الديون في صكوك فإذا كان الصك سندا لحالة امتزج الدين بالصك وأصبح كالمنقول العادي وخضع مثله لقانون الموقع وأما اذا كان الصك سندا اسميا فقد رأى بعض الفقهاء إخضاعه لقانون موطن الدائن باعتباره صاحب الحق بينما رأى البعض الأخر إخضاعه لقانون موطن المدين لان الدعاوى ترفع أمام محكمة موطنه ويتم الوفاء فيه وأما الأسهم الاسمية فتخضع لقانون الهيئة التي أصدرتها. وأما الكمبيالات والشيكات والسندات الاذنية فقد رأى البعض إخضاعها لقانون محل الانعقاد كل التزام صرفي فيها بمعنى أن يخضع التزام الساحب لقانون محل السحب والتزام كل مظهر لقانون محل التظهير والتزام القابل لقانون محل القبول، وهذا هو الرأي الذي أخذت به اتفاقيتا جنيف المنعقدتان في سنتي 1930/1931 بخصوص الكمبيالة والشيك.
الخاتمة
على خلاف التشريعات الأخرى فلقد انفرد المشرع الكويتي عن المشرعين العرب و على نظرائه في
دول أخرى حيث خص المنقولات المعنوية بتنظيم مفصل تضمنه القانون رقم 05 لسنة 1961 م والمتعلق بتنظيم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي حيث جاء بما يلي
*يسري على انتقال الدين في ذاته قانون موطن المدين.
*يسري على انتقال الأسهم والسندات الاسمية و الإذنية القانون الذي تخضع له الهيئة التي أصدرتها.
*يسري على انتقال السفتجة و السند لإذني و الشيك قانون بلد الوفاء.
*يسري على انتقال الصكوك لحاملها قانون موقعها وقت تحقق السبب الناقل للحق الثابت بها . – ولذلك قد يكون على المشرع الجزائري أن يراعي اهتماما أكبر بمجال المنقولات المعنوية وذلك لما تستدعيه استقرار للمعاملات و تأصيل الحلول خاصة في تنازع القوانين.
قائـــمــة التقــنيــنات:
-القانـــون المدني الجزائري تعديل 2007
قائمـــــة المـــراجـــع:
*د.علي علي سليمان “مذكرات في القـانون الدولـــي
الخاص الجزائري”
ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون الجزائر 2003
*د حسن الهداوي ) القانون الدولي الخاص تنازع القوانين(
مكتبة الثقافة للنشر والتوزيع عمان الأردن 1997
اترك تعليقاً