بطلان العقد لمخالفته الأنظمة السعودية
خالد أحمد عثمان
قسم جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية السمحة والقانون العقود من حيث الاعتداد بها إلى نوعين رئيسين، عقد صحيح وعقد غير صحيح (باطل)، وأن العقد غير الصحيح لا ينعقد به عقد، ولا يترتب عليه أثره الشرعي لأي خلل في صيغته أو ركنه أو محله أو في العاقد أو في أي وصف اتصل به يخرجه عن مشروعيته.
ومن المستقر عليه في الأنظمة القانونية المقارنة أن العقد يكون باطلاً إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام أو الآداب أو في حال نشوئه على أساس أداء تصرف أو فعل مخالف للقواعد القانونية الآمرة التي قرر المشرع عدم جواز مخالفتها، كأن يكون الفعل قد نهى المشرع عنه ونص على تطبيق عقوبة جنائية على مرتكبه، لأن العقوبة تشرع من أجل حماية المصلحة العامة، وكل تصرف يخالف هذه المصلحة يكون باطلاً.
ويترتب على بطلان العقد عدم الاعتداد به وزوال كل أثر له وإعادة أطرافه إلى الحالة التي كانوا عليها قبل إبرام العقد، مع إلزام الطرف المتسبب في البطلان بتعويض الطرف الآخر عما يكون قد لحقه من ضرر بسبب ذلك.
وهذه القاعدة، أي بطلان العقود المخالفة لأحكام القواعد النظامية الآمرة أو التي يكون موضوعها تصرفاً معاقباً عليه جنائياً، قد أخذ بها وأكدها عدد من القرارات الصادرة من بعض الهيئات واللجان ذات الاختصاص القضائي في السعودية.
ونضرب على ذلك الأمثلة التالية:
1- قرار هيئة حسم المنازعات التجارية بجدة رقم 151/99 وتاريخ 10/6/1399هـ، الذي فصل في قضية رفعها ممثل الحق العام في وزارة التجارة ضد أشخاص خالفوا الأنظمة السعودية التي تقضي بمنع الحجاج والأجانب من مزاولة التجارة، حيث سهلوا لبعض الحجاج الأفغان إدخال سلع معينة تحت أسمائهم للاتجار بها مقابل عمولة تراوح ما بين 4 و8 في المائة، وقد حكمت الهيئة بمعاقبة المدعى عليهم بالجزاءات المنصوص عليها في المادة (147) من نظام المحكمة التجارية مع مصادرة حصصهم في العمولة على ما تم توريده من بضائع.
2- قرار اللجنة القانونية بوزارة التجارة رقم 14 لسنة 1403هـ وتاريخ 21/6/1403هـ بشأن التظلم الذي قدمه المدعى عليه ضد قرار مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في الرياض رقم 28/403 وتاريخ 20/5/1403هـ، حيث اعتبرت اللجنة القانونية عدم وجود سبب مشروع للشيك المدعى به، لأنه حرر من أجل مشاركة المدعي، وهو أجنبي في ملكية أرض مع المدعى عليه وهو سعودي، وأن بطلان هذا السبب يعود إلى مخالفة هذه العلاقة نظام تملك غير السعوديين العقارات في المملكة وقرار مجلس الوزراء رقم 477 وتاريخ 5/8/1398هـ بشأن حظر تملك الأجانب للعقارات في المملكة.
وجاء في حيثيات القرار ما يلي: (ومن ثم فإن مساهمة الأجانب مع السعوديين في عقارات داخل المملكة لا يعد باطلاً فحسب، وإنما يترتب جزاءات عقابية بالنسبة للطرفين. كذلك فإن مجلس الوزراء سبق أن أصدر في موضوع تملك الأجانب العقار في المملكة قراره رقم 477 وتاريخ 5/8/1398هـ، الذي يقضي بأن تباع الأرض موضوع المخالفة من قبل بيت المال في المحكمة في المزاد العلني ويعاد للمشتري المبلغ الذي دفعه للبائع ويودع الباقي من ثمن الأرض في خزانة الدولة، واعتبار ذلك قاعدة عامة في الحالات المماثلة.
وحيث إنه يخلص مما سبق أن قاعدة حظر تملك الأجانب العقارات في المملكة بغير طريق الميراث أو الحصول على موافقة مسبقة من صاحب الصلاحية هي قاعدة آمرة، وأن أية مساهمة للأجنبي في العقارات باطلة، ومخالفة هذا الحظر توجب عرض حالة السعودي والأجنبي على وزارة الداخلية للنظر في عقابهما، ثم إحالة الأوراق إلى وزارة العدل لتطلب من بيت المال في المحكمة المختصة بيع العقار محل المخالفة في المزاد العلني وإعادة المبلغ الذي دفعه المشتري إليه وأيلولة الباقي إلى خزانة الدولة.
وحيث إنه لما كان سبب الشيك محل الدعوى هو مساهمة المدعي وهو أجنبي مع والد المدعى عليه وهو سعودي في شراء أرض في ظهرة الحاير في منطقة الرياض، بمقتضى العقد المؤرخ في 15/5/1396هـ، ولما كانت هذه المساهمة محظورة نظاماً، لذا فإن سبب الشيك محل الدعوى يكون باطلاً لمخالفته قاعدة آمرة، وعلى اللجنة أن تقضي بهذا البطلان من تلقاء نفسها لتعلقه بالنظام العام، ومن ثم فإن الشيك محل الدعوى يكون باطلاً لعدم مشروعية سببه ويتعين الحكم برد دعوى المدعي وبالتالي إلغاء قرار مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية في الرياض رقم 28/403 وتاريخ 20/5/1403هـ.
3- قرار أصدرته لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية ذكرت مضمونه جريدة “الرياض” في ملحقها الاقتصادي الصادر بتاريخ 24/3/1431هـ الموافق 10/3/2010، حيث قرر الحكم ببطلان عقد وساطة في إدارة محفظة مالية أبرمه المدعي مع المدعى عليه الذي يملك مؤسسة تجارية خاصة غير مرخص لها من هيئة سوق المال بممارسة أعمال الوساطة وإدارة المحافظ المالية، وقد ألزمت اللجنة المدعى عليه بإعادة المبلغ الذي تسلمه من المدعي بموجب العقد المقضي ببطلانه مع تعويض المدعي عن الأضرار التي لحقت به بمبلغ قدرته اللجنة. نخلص مما سبق إلى القول إن على رجال الأعمال والمسؤولين عن إدارة الشركات والمؤسسات التجارية، ألا يقدموا على إبرام العقود إلا بعد التأكد من مشروعيتها وعدم مخالفتها للقواعد النظامية الآمرة.
اترك تعليقاً