تحرير الأسعار
في التشريع الجزائري
بقلم /
رواب جمال
أستاذ بمعهد العلوم القانونية و الإدارية
المركز الجامعي لخميس مليانة
تمهيد :
يعتبر قانون المنافسة فرع من فروع قانون الأعمال ، و هذا الأخير هو القانون التجاري في ثوبه الجديد الذي هو مجموعة من القواعد القانونية المنظمة للأنشطة التجارية التي في جوهرها أنشطة تتعلق بصفة أساسية بالصناعة و الخدمات و يتبع في شأنها طريقة الإنتاج الرأسمالية[1] ، و لقد قيل بحق أن المنافسة هي قانون التجارة ، و قانون المنافسة هو مزيج من عدة قوانين ( القانون التجاري ، القانون الاقتصادي ، القانون الجنائي . . . ) ،
إلا أنه يحمل في طياته خصوصيات يتميز بها عن هذه القوانين كونه يطبق على فئة معينة و هم الأعوان الاقتصاديون و على مجال معين هو الأعمال التجارية .
فقانون المنافسة له علاقة وطيدة بحماية المستهلك، إذ يهدف أساسا لحمايته و إشباع حاجاته و رغباته بأقل تكلفة و في أحسن الظروف ، و هو الهدف الذي يصبوا إليه كل اقتصاد .
حيث في الجزائر و غداة الاستقلال مباشرة استمر العمل بالقوانين الفرنسية إلا ما تعارض منها مع السيادة الوطنية حسب أحكام القانون رقم 62-157 إلى غاية صدور الأحكام القانونية ذات المرجعية الاشتراكية التي أظهرت و بوضوح وجهة المشرع الجزائري ، و من ثم لم يعرف الاقتصاد الجزائري عمليات المنافسة إلا في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، حيث كانت تعتمد النهج الاقتصادي الأحادي الذي كان قائما على الاحتكار الذي لا يمكن إقرار نقيضه و هو المنافسة .
منذ عام 1988 بادرت الجزائر إلى تغيير المحيط القانوني لاقتصادها جذريا و تبنت نظام اقتصاد السوق القائم على المنافسة الحرة ( تحويل المؤسسات العمومية الاقتصادية إلى هيئات اقتصادية تحت نظام مستقل تسيرها قواعد التجارة وفق قوانين 1988) .
و قد أدت هذه المتغيرات في حقل القانون إلى جعل العقد ، أي الالتزامات الإرادية أهم قواعد اللعبة الاقتصادية مما يعني تراجع التشريع الأحادي المركزي في الحقل الاقتصادي و حلول العقد محله .
أمام هذا التوجه الجديد كان لزاما على المشرع الجزائري تبني وسائل قانونية نافعة تتماشى و النهج الجديد و تأكد ذلك بصدور دستور 1989 الذي هجر بصفة رسمية تعاليم النظام القديم و كرس مبدأ حرية التملك، و في نفس السنة صدر قانون الأسعار و هو أول قانون اهتم بحرية المنافسة بالإضافة إلى قانون الصفقات العمومية لعام 1991 ، لكن هذه القواعد لم تجد صداها في التطبيق الميداني نتيجة للمرحلة الانتقالية الصعبة التي مرت بها الجزائر .
نشير هنا إلى أن هذا القانون استند إلى الأمرين الفرنسيين الذين كانا مطبقين في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي في الجزائر و هما الأمر رقم 45-1483 و الأمر رقم 45-1484 ، يتعلق الأول بالأسعار و الثاني بمعاينة و متابعة و معاقبة مخالفات التشريع الاقتصادي المعمول به أنذاك ، و استند أيضا إلى القانون الصادر عام 1905 المتعلق بقمع الغش[2].
هذه القوانين نجدها كلها جاءت لتكريس مبدأ حرية الصناعة و التجارة الذي كرسه المشرع الفرنسي في أواخر القرن 18 في قانون 1791 و هو المبدأ الذي تم تكريسه في الجزائر بمقتضى دستور 1996 و ذلك تحديدا في المادة 37 منه ، و إن كان المشرع الجزائري قد كرس من قبل النتائج المترتبة على هذا المبدأ من حرية للمنافسة و الأسعار و هذا يخالف المبدأ الذي يعطي الدور الأول للقاعدة الدستورية التي بمقتضاها يتم الإعلان عن المبدأ و تبنيه ثم تترك التفاصيل فيما بعد للمشرع للتنظيم بمقتضى قوانين تتماشى و المبادئ و الأحكام العامة المنصوص عليها في الدستور ، بمعنى ضرورة وجود الأصل أولا ثم الفرع بعد ذلك ليتبعه .
لقد تضمن القانون الاقتصادي الجزائري عدة مبادئ تحكم المنافسة تتمثل في مبدأ شفافية الممارسات التجارية و مبدأ نزاهة الممارسات التجارية و لعل أهم هذه المبادئ على الإطلاق نجد مبدأ حرية الأسعار ، فما المقصود بمبدأ حرية الأسعار ؟، و هل كان المشرع الجزائري موفقا إلى حد ما في تكريس هذا المبدأ بتنظيم مختلف الجوانب القانونية التي يثيرها المبدأ ؟.
1. مضمون مبدأ حرية الأسعار
يعتبر هذا المبدأ من أهم المبادئ المكرسة بموجب الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المتعلق بالنافسة و نشير هنا إلى أنه كان بنفس الأهمية في ظل الأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 المتعلق كذلك بالمنافسة الملغى بموجب المادة 73 من الأمر رقم 03-03 المشار إليه و الذي أبقى العمل فقط بأحكام الباب الرابع و الخامس و السادس من الأمر 95-06 إلى أن تم إلغائهم بموجب المادة 66 من القانون 04-02 المؤرخ في 23 جوان 2004 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية ، و ما يؤكد ذلك موقع المبدأ في النصين ، حيث جاء النص عليه في الفصل الأول المعنون حرية الأسعار[3] من الباب الثاني المعنون بمبادئ المنافسة ، و ذلك بعد الأحكام العامة الواردة في المواد 1 و 2 و 3 ، حيث نصت المادة 04 الفقرة الأولى على ما يلي : ” تحدد بصفة حرة أسعار السلع و الخدمات اعتمادا على قواعد المنافسة . . .
و عليه يمكن التعرض لهذه المسألة من زاويتين ، الأولى تتعلق بحرية تحديد أسعار السلع و الخدمات و الثانية مسألة احترام قواعد المنافسة .
1.1.حرية تحديد أسعار السلع و الخدمات
نصت المادة 04 من الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 المتعلق بالنافسة و هي ذاتها المادة 04 من الأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 المتعلق كذلك بالمنافسة على أن تحدد بصفة حرة أسعار السلع و الخدمات اعتمادا على قواعد المنافسة .
هذا المبدأ و ضع أساسا لمسايرة الوضع الجديد نسبيا المتمثل في ذلك التوجه الذي شرعت الجزائر في تبنيه بعد 1989 و القائم في الأساس على الحرية الاقتصادية و الذي فرض ضرورة إخضاع تحديد أسعار السلع و الخدمات لقواعد اللعبة التنافسية و لإرادة الأطراف المتعاقدة التي لا تخضع إلا للقواعد العامة في تحديد السعر مع توسيع نطاق هذه الحرية و تقليص في ذات الوقت من صلاحية المحيط الإداري و التنظيمي في تحديد سعر السلع و الخدمات أي الأسعار المقننة .
نشير في هذا الصدد أن المشرع الجزائري قد سبق له و أن نظم الأسعار سنة 1989 من خلال القانون رقم 89-12 المتعلق بالأسعار الذي ألغي بموجب المادة 97 من الأمر رقم 95-06 المتعلق بالمنافسة ، حيث طبق هذا القانون على السلع و الخدمات التي تنتج من طرف أشخاص و توزع في السوق الوطنية من طرف أشخاص طبيعيين و معنويين يمارسون أعمالا تجارية ، ولا يطبق على النشاطات المدنية التي تخضع أسعارها لقواعد متضمنة في تشريع خاص و ذلك طبقا لأحكام نص المادة 02 من القانون رقم 89-12 المشار إليه سابقا .
الملاحظ على هذا القانون هو تبنيه لنظام حرية الأسعار حيث حددت المادة 11 منه نظامان أساسيان للأسعار تخضع لهما السلع و الخدمات و هما نظام الأسعار المقننة و هو الأصل و نظام الأسعار المصرح بها الذي هو استثناء على الأصل في حالة عدم وجود أسعار مقننة ، و هذا ما أكدته المادة 18 منه بنصها على أنه :” تخضع جميع السلع و الخدمات التي تكون أسعارها غير مقننة لنظام التصريح بالأسعار “.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الآمر 95-06 ( الملغى) أضفى مراقبة على الممارسات التجارية دون الأسعار بعدما ألغى القانون المتعلق بالأسعار بموجب المادة 97 منه ، و الذي جاء بأحكام جديدة في هذا المجال تضمنتها المادة 04 و التي نستنج منها أن المشرع الجزائري انتقل من نظام الأسعار المقننة أو الإدارية إلى نظام حرية الأسعار بتحريرها من كافة القيود ، ثم أكد عليها من جديد بمقتضى الأمر رقم 03-03 الذي ألغى الأمر رقم 95-06، لكن ذلك سوف لن يتأتى إلا بفتح باب المنافسة .
الملاحظ من نص المادة 04 في فقرتها الثانية من الأمر 03-03 و هي نفسها في لأمر رقم 95-06 ( الملغى ) و التي جاء نصها كالآتي: ” غير أنه، يمكن أن تقيد الدولة المبدأ العام لحرية الأسعار وفق الشروط المحددة في المادة 05 أدناه ” .
تنص المادة 05 على ما يلي: ” يمكن تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي ، بموجب مرسوم بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
كما يمكن اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع الأسعار أو تحديد الأسعار في حال ارتفاعها المفرط بسبب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكارات الطبيعية .
تتخذ هذه التدابير الاستثنائية بموجب مرسوم لمدة أقصاها ستة (6) اشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
و عليه يمكننا القول أن المشرع الجزائري أصبح يتبنى مبدأ حرية الأسعار كأصل عام و الذي يقصد به ترك مسألة تحديد الأسعار لمقتضيات اللعبة التنافسية في الحقل الاقتصادي مع احترام المبادئ الأساسية و الجوهرية للمنافسة في إطار قانون العرض و الطلب .
1.2. احترام قواعد المنافسة
تعتبر المنافسة في الأصل هي أساس التجارة و عمادها ، لأنها تحث على تحسين الإنتاج و تخفيض الأسعار ، و تؤدي إلى نمو التجارة و توفير أكبر قسط من الرفاهية للمجتمع الإنساني كلما كانت مبنية على أسس وطيدة من التعامل الشريف و النزيه و انحصرت في حدودها المشروعة ضمانا للمصلحة العامة[4] و لعل من أبرز المبادئ التي تقوم عليها المنافسة هو حرية الأسعار ، لذلك فإنه ينبغي أن تكون هذه الحرية دوما ضمن إطارها القانوني و المتمثل في احترام قواعد المنافسة و أسسها و عدم عرقلة حرية المنافسة بأي شكل من الأشكال سيما الاحتكار ، و كل مخالفة لذلك تعتبر منافسة غير مشروعة لأنها تنطوي على أساليب و وسائل تتنافى تماما مع العادات و قواعد الأمانة و الشرف[5].
فتحديد أسعار السلع و الخدمات و إن كان حرا فلابد أن يحترم قواعد المنافسة و أسسها و هذا يقتضي أولا ممارسة المنافسة بحرية و عدم عرقلتها ، لأن احتكار عون اقتصادي واحد لسوق معين أو لقطاع نشاط معين يجعله يتحكم في أسعار هذه المادة أو المنتوج أو الخدمة ، فجاء قانون المنافسة للقضاء على مثل هذه الوضعيات .
و عليه جاء نص المادة 06 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة بالتأكيد على حظر الممارسات و الأعمال المدبرة و الاتفاقيات و الاتفاقات الصريحة أو الضمنية عندما تهدف أو يمكن أن تهدف إلى عرقلة حرية المنافسة أو الحد منها أو الإخلال بها في نفس السوق أو في جزء جوهري منه لاسيما عندما ترمي إلى مجموعة من الممارسات أهمها عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع لارتفاع الأسعار أو لانخفاضها .
يتم إثبات هذه الممارسات المذكورة أعلاه و التي تعتبر غير شرعية بعد التحقيق وفقا لأحكام الأمر 03-03.
و قد أكد المشرع الجزائري على هذه المسألة في القانون رقم 04-02 المؤرخ في 23 جوان 2004 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية و ذلك تحديدا في نص المادة 22 منه بنصها على ما يلي : ” كل بيع سلعة أو تأدية خدمات لا تخضع لنظام حرية الأسعار ، لا يمكن أن تتم إلا ضمن احترام نظام الأسعار المقننة طبقا للتشريع المعمول به “.
تنص المادة 23 منه كذلك على أنه : ” تمنع الممارسات التالية :
– القيام بتصريحات مزيفة بأسعار التكلفة قصد التأثير على أسعار السلع و الخدمات غير الخاضعة لنظام حرية الأسعار .
– القيام بكل ممارسة أو مناورة ترمي إلى إخفاء زيادات غير شرعية في الأسعار “.
الملاحظ في هذا السياق أن المشرع ‘اعتبر عدم احترام الأحكام المتعلقة بالأسعار ، ممارسة لأسعار غير شرعية مخصصا لها الفصل الثاني بعنوان ممارسة لأسعار غير شرعية من الباب الثالث بعنوان نزاهة الممارسات التجارية من القانون 04-02 المشار إليه ، كما حدد عقوبة على مخالفة تتعلق بممارسة أسعار غير شرعية بمقتضى نص المادة 36 من القانون 04-02 حيث نصت على ما يلي :
” تعتبر ممارسات لأسعار غير شرعية ، كل مخالفة لأحكام المادتين 22 و 23 من هذا القانون، يعاقب عليها بغرامة من عشرين ألف دينار( 20.000 دج) إلى مائتين ألف دينار( 200.000 دج)”.
نشير هنا إلى أن ممارسات أسعار غير شرعية كان منصوص عليها في الأمر 95-06 تحديدا في نص المادة 63 أين تم تحديد مضمون ممارسات أسعار غير شرعية و كذا تحديد العقوبة المقررة لها ، فقط تم حذف عقوبة الحبس التي كانت تتراوح ما بين شهر واحد إلى سنة مع رفع مقدار الغرامة المالية التي كانت تتراوح مابين 5000 دج إلى 100.000دج .
كما حظرت المادة 07 من الأمر رقم 03-03 كل تعسف ناتج عن وضعية هيمنة على السوق أو احتكار لها أو على جزء منها قصد تحقيق مجموعة من الأهداف منها عرقلة تحديد الأسعار حسب قواعد السوق بالتشجيع المصطنع لارتفاع الأسعار أو لانخفاضها .
كما حظرت المادة 11 من نفس الأمر على كل مؤسسة التعسف في استغلال وضعية التبعية لمؤسسة أخرى بصفتها زبونا أو ممونا إذا كان ذلك يخل بقواعد المنافسة ، و من بين صور هذا التعسف الإلزام بإعادة البيع بسعر أدنى ، و كذلك كل عمل آخر من شأنه أن يقلل أو يلغي منافع المنافسة داخل السوق.
وقد نصت المادة 12 على حظر عرض الأسعار أو ممارسة أسعار بيع مخفضة بشكل تعسفي للمستهلكين مقارنة بتكاليف الإنتاج و التحويل و التسويق ، إذا كانت هذه العروض أو الممارسات تهدف أو يمكن أن تؤدي إلى إبعاد مؤسسة أو عرقلة أحد متوجاتها من الدخول إلى السوق، و هو ما أكدت عليه المادة 19 من القانون رقم 04-02 بنصها على الآتي : ” يمنع إعادة بيع سلعة بسعر أدنى من سعر تكلفتها الحقيقي .
و يقصد بسعر التكلفة الحقيقي ، سعر الشراء بالوحدة المكتوب على الفاتورة ، يضاف إليه الحقوق و الرسوم ، و عند الاقتضاء ، أعباء النقل.
غير أنه لا يطبق هذا الحكم على :
– السلع السهلة التلف و المهددة بالفساد السريع .
– السلع التي بيعت بصفة إرادية أو حتمية بسبب تغيير النشاط أو إنهائه أو إثر تنفيذ حكم قضائي .
– السلع الموسمية و كذلك السلع المتقادمة أو البالية تقنيا .
– السلع التي تم التموين منها أو يمكن التموين منها من جديد بسعر أقل ، و في هذه الحالة ، يكون السعر الحقيقي لإعادة البيع يساوي سعر إعادة التموين الجديد .
– المنتوجات التي يكون فيها سعر إعادة البيع يساوي السعر المطبق من طرف الأعوان الإقتصاديين الآخرين بشرط أن لا يقل سعر البيع من طرف المتنافسين حد البيع بالخسارة ” .
كما منعت المادة 18 من نفس القانون على أي عون اقتصادي أن يمارس نفوذا على أي عون إقتصادي آخر أو أن يحصل منه على استعار أو أجال دفع أو شروط بيع أو كيفيات بيع أو على شراء تمييزي لا يبرره مقابل حقيقي يتلاءم مع ما تقتضيه المعاملات التجارية النزيهة .
نشير هنا إلى أن المشرع حدد عقوبة على الممارسات التجارية غير الشرعية و من بينها ممارسة عون إقتصادي لنفوذ على عون إقتصادي آخر و ذلك تحديدا في نص المادة 35 من القانون 04-02 حيث عاقب عليها بغرامة من مائة ألف دينار إلى ثلاثة ملايين دينار .
2. الاستثناءات الواردة على مبدأ حرية المنافسة
لقد كان في السابق نظام الأسعار المقننة أو الأسعار الإدارية هو الأصل و اليوم أصبح استثناء في ظل الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة حيث نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 04 و التي أحالتنا على المادة 05 التي تبين لنا شروط الرجوع إلى نظام الأسعار المقننة ، و ذلك من منطلق أن بعض القطاعات و الأنشطة الموصوفة بالإستراتيجية تستدعي تدخل الدولة لتحديد الأسعار ،
فالدولة تقوم بتسيير بعض القطاعات و المصالح بصفة مباشرة أو عن طريق مكاتب وظيفية أو بلديات أو جماعات و يكون عليها في هذه الحالة باعتبارها تلعب دور المنظم أن تحدد أسعار بيع مواد و خدمات تلك القطاعات التي يستجيب إنتاجها للحاجات الاجتماعية بحيث يصبح على المصالح الخاصة تسييرها مباشرة لأن هذه الأخيرة تميل إلى الزيادة في أرباحها و من أسعار إنتاجها في حين أن المستهلك يرفض ذلك اجتماعيا نظرا للدور الحيوي الذي تلعبه هذه القطاعات بالنسبة له و من بين هذه القطاعات نجد قطاع الكهرباء و السكك الحديدية و النقل الجوي . . .
و تدخل الدولة في تحديد أسعار السلع و الخدمات من شأنه تحقيق ما يلي :
– هدف اقتصادي ، حيث تعتبر الدولة السعر وسيلة تشجيع بعض القطاعات أو بعض الأقاليم و وسيلة إقرار التوازن الاقتصادي العام في الدولة.
– هدف اجتماعي يتمثل في المحافظة على القدرة الشرائية لذوي المداخيل الضعيفة .
– التحكم في التعامل مع الكوارث و الأزمات في حالة إثارة مشكلة تموين نشاط معين أو إقليم معين .
و عليه تناولنا هذه المسألة من زاويتين ، تعلقت الأولى تحديد أسعار السلع و الخدمات ذات الطابع الإستراتيجي أما الثانية فكانت حالات استثنائية أخرى .
2.1. تحديد أسعار السلع و الخدمات ذات الطابع الإستراتيجي
رغم التأكيد على المبدأ العام القاضي بحرية الأعوان الاقتصاديين في تحديد أسعار السلع و الخدمات وفقا لقواعد اللعبة التي تحكم المنافسة في ظل الاقتصاد الحر ، إلا أنه يمكن للدولة في بعض الحالات و بصفة استثنائية أن تتدخل و تفرض قيود على حرية العون الاقتصادي بتحديد الأسعار و فرضها بالنسبة لبعض السلع ذات الطابع الإستراتيجي.
حيث تنص المادة 05 على ما يلي : ” يمكن تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي ، بموجب مرسوم بعد أخذ رأي مجلس المنافسة . . . ّ.
تتخذ هذه التدابير الاستثنائية بموجب مرسوم لمدة أقصاها ستة (6) اشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة.
الملاحظ على نص المادة 05 جاءت بصيغة جوازية “يمكن” و ليس بصيغة الإلزام ، معنى ذلك أنه حتى و لو قدرت الدولة أن سلعة أو خدمة ما تعتبر إستراتيجية فليس بالضرورة أن تتدخل في تحديد السعر ، أي لها سلطة تقديرية .
نشير في هذا السياق إلى أن تحديد السعر من قبل الدولة فيما يخص السلع و الخدمات الإستراتيجية يختلف عن الاتفاقات التي تتم بين التجار التي عادة ما يكون الغرض منها رفع أو تحديد أو تقييد أو تثبيت الأسعار في السوق من خلال تدابير معينة يقوم بها التجار في السوق و كقاعدة عامة فإن مثل هذا الاتفاق من الناحية القانونية مخالف لقواعد المنافسة باعتبار أن السعر في الأساس متروك لقانون العرض و الطلب و ليس للتجار .
كما نشير كذلك إلى أن عبارة ” ذات طابع إستراتيجي” هي عبارة واسعة المفهوم فما يعتبر إستراتيجي اليوم قد لا يعتبر كذلك في الغد و هكذا .
رغم التأكيد على المبدأ العام القاضي بحرية الأعوان الاقتصاديين في تحديد أسعار السلع و الخدمات وفقا لقواعد اللعبة التي تحكم المنافسة في ظل الاقتصاد الحر ، إلا أنه يمكن للدولة في بعض الحالات و بصفة استثنائية أن تتدخل و تفرض قيود على حرية العون الاقتصادي بتحديد الأسعار و فرضها بالنسبة لبعض السلع ذات الطابع الإستراتيجي.
حيث تنص المادة 05 على ما يلي : ” يمكن تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي ، بموجب مرسوم بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
كما يمكن اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع الأسعار أو تحديد الأسعار في حال ارتفاعها المفرط بسبب اضطراب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكارات الطبيعية .
تتخذ هذه التدابير الاستثنائية بموجب مرسوم لمدة أقصاها ستة (6) اشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
الملاحظ على نص المادة 05 أنها جاءت بصيغة جوازية “يمكن” و ليس بصيغة الإلزام ، معنى ذلك أنه حتى و لو قدرت الدولة أن سلعة أو خدمة ما تعتبر إستراتيجية فليس بالضرورة أن تتدخل في تحديد السعر، أي لها سلطة تقديرية .
نشير هنا إلى أن تحديد السعر من قبل الدولة فيما يخص السلع و الخدمات الإستراتيجية يختلف عن الاتفاقات التي تتم بين التجار التي عادة ما يكون الغرض منها رفع أو تحديد أو تقييد أو تثبيت الأسعار في السوق من خلال تدابير معينة يقوم بها التجار في السوق و كقاعدة عامة فإن مثل هذا الاتفاق من الناحية القانونية مخالف لقواعد المنافسة باعتبار أن السعر في الأساس متروك لقانون العرض و الطلب و ليس للتجار .
نشير كذلك إلى أن عبارة ” ذات طابع إستراتيجي” هي عبارة واسعة المفهوم فما يعتبر إستراتيجي اليوم قد لا يعتبر كذلك في الغد و هكذا .
2.1. حالات استثنائية أخرى
لقد نصت المادة 5 من الأمر رقم 03- 03 المتعلق بالمنافسة على أنه :” يمكن تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي ، بموجب مرسوم بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
كما يمكن اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع الأسعار أو تحديد الأسعار في حال ارتفاعها المفرط بسبب خطير للسوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكارات الطبيعية .
تتخذ هذه التدابير الاستثنائية بموجب مرسوم لمدة أقصاها ستة (6) اشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة .
معنى ذلك أن الدولة يمكنها وضع إجراءات استثنائية للحد من مشكلة ارتفاع الأسعار أو لتحديديها في حالة ارتفاعها المفرط بسبب اضطراب خطير للسوق (أزمة) أو كارثة أو صعوبات في التموين في بعض المناطق و حالة الاحتكار الطبيعي و ذلك بموجب مرسوم لمدة أقصاها ستة (6) اشهر بعد أخذ رأي مجلس المنافسة ، و نشير في هذا الصدد أن هذه الاستثناءات لم ترد على سبيل الحصر و إنما هي على سبيل المثال حيث يمكن إضافة الفيضانات و الزلازل و . . .
الخاتمة
كخلاصة لما سبق ذكره نقول أنه رغم محاولات المشرع الجزائري في تبني الفكر الاقتصادي الحر و سعيه الدءوب إلى خلق بيئة قانونية تنظم و تضبط هذا التوجه الجديد ، و كذا محاولاته الحثيثة لإيجاد بناء قانوني محكم يكرس المبادئ التي يقوم و يرتكز عليها هذا النمط الاقتصادي الحديث نسبيا في الجزائر ، و على رأسها مبدأ تحرير الأسعار الذي يعتبر في الواقع أهم و أبرز مقوم يرتكز عليه الاقتصاد الحر ، و هو في ذات الوقت الميكانيزم الفعال لتحريك عجلة التنمية و التطور الإقتصاديين ، نقول أن المشرع الجزائري لازال نوعا ما بعيدا عن التكريس الفعلي لهذا المبدأ ، لأن ما يعاب عليه هو أنه ما منحه بشماله في سبيل تكريس هذا المبدأ ، نزعه بشماله .
فهو و إن حاول جعل صراحة مبدأ حرية الأسعار هو الأصل و الأسعار المقننة و الإدارية هو الاستثناء ، إلا أنه في الواقع نجده ضمنيا قد أبقى على الأسعار المقننة و الإدارية كأصل عام مطبق بشكل واسع و الاستثناء مبدأ حرية الأسعار و ذلك من خلال الإبقاء على آلية الأسعار المقننة إما صراحة و ذلك عندما اعتبرها استثناء طبقا لأحكام نص المادة 5 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة بنصه على إمكانية تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع إستراتيجي بموجب مرسوم بعد أخذ رأي مجلس المنافسة ، و الملاحظ في سياق هذه المادة ، أن المشرع حتى و إن جعل تدخل الدولة لتقنين الأسعار مسألة جوازية ، إلا أنه استعمل و في ذات السياق عبارة تعتبر بمثابة سم في دسم تتمثل في كلمة إستراتجية أي السلع و الخدمات الإستراتجية بالنسبة للدولة ، فالدولة هي الوحيدة المخول لها بمقتضى نص هذه المادة الحكم على سلعة أو خدمة ما إستراتيجية أم لا .
كما أكد و في نفس الفقرة من المادة المشار إليها على إمكانية اتخاذ تدابير استثنائية للحد من حرية الأسعار في حالة ارتفاعها و كذلك في حالة ما إذا كان هذا الارتفاع مفرطا بسبب اضطراب خطير في السوق أو كارثة أو صعوبة مزمنة في التموين داخل قطاع نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالة الاحتكارات الطبيعية .
كما نجده قد أبقى على الأسعار المقننة و الإدارية بصورة ضمنية عندما حظر بيع سلعة بسعر أدنى من سعر التكلفة حسب نص المادة 19 من القانون رقم 04-02 الذي يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية و كذلك نص المادة 12 من الأمر رقم 03-03 المتعلق بالمنافسة .
كما حظر كذلك بموجب نص المادة 6 من الأمر 03-03 المتعلق بالمنافسة ، كل الاتفاقات التي تتم بين الأعوان الإقتصاديين و التي من شأنها تحديد الأسعار فيما بينهم ، دون أن ننسى في هذا السياق تسعير المرافق العمومية .
كما نلاحظ على المشرع الجزائري أنه و على الرغم من الترسانة القانونية المتعلقة على العموم بتنظيم و ضبط الممارسات التجارية و المنافسة الاقتصادية ، إلا أنها لا زالت في نظرنا المتواضع تراوح مكانها إذ بقيت مجرد توزيع لقواعد على مختلف النصوص التي جاءت بتسميات عدة ، ففصل قانون المنافسة عن قانون الممارسات التجارية لم يضف شيئا للمبدأ و ما نص عليه قانون 1995 استثناء فقط بعض التعديلات الطفيفة التي لا تكاد تؤثر شيئا على مضمون المبدأ .
الهوامش
[1]- د. هاني دويدار ، القانون التجاري ، التنظيم القانوني للتجارة ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية ، مصر ، 2004 ، ص 09 .
[2]- راجع ، تسعير المرافق العمومية ، مذكرة ماجستير ، إعداد الطالب بساعد علي ، بإشراف د. محمد الأمين بوسماح ، كلية الحقوق ، بن عكنون ، جامعة الجزائر ، السنة الجامعية 1999-2000 ، ص 104 و ما يليها .
[3]- نلاحظ أنه في الأمر رقم 95- 06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 المتعلق بالمنافسة أستعمل عبارة تحرير الأسعار بدلا من عبارة حرية الأسعار مع أن الأصح حرية الأسعار Liberté des prix و ليس تحري الأسعار Libération des prix
[4]- د ، سلمان بو ذياب ، مبادئ القانون التجاري ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، بيروت ، لبنان ، 2003 ، ص 177.
[5]- د. محمد الفقي ، دروس في القانون التجاري الجديد ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، مصر ، 2003 ، ص 303 .
النصوص القانونية
– دستور 28 نوفمبر 1996 ،المعدل بموجب القانون رقم 19-08 المؤرخ في 15 نوفمبر 2008 .
– الأمر رقم 95-06 المؤرخ في 25 جانفي 1995 يتعلق بالمنافسة ، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائري الديمقراطية الشعبية، العدد 09، المؤرخة في 22 فبراير 1995 .
– الأمر رقم 03-03 المؤرخ في 19 جويلية 2003 يتعلق بالمنافسة ، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائري الديمقراطية الشعبية، العدد 43، المؤرخة في 20 جويلية 2003 .
– القانون رقم 04-02 المؤرخ في 23 جوان 2004 يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائري الديمقراطية الشعبية، العدد 41 ، المؤرخة في 27 جوان 2004 .
اترك تعليقاً