أهلية المرأة السعودية و نظام ولاية الرجل
في المشهد الاجتماعي الخاص بالمرأة تفاصيل بعضها يثير الاستفهام ويحير العقل، وبعضها يثير الاستفهام الى حد الضحك، وبعضها يثير الاستفهام الى حد البكاء، وبعضها يثير الاستفهام الى حد التوقف عن التفكير..
القاضي بعد عدة جلسات يحكم للام بحضانة ابنائها، وهذا يعني أنها مسؤولة عن ابنائها وعن تربيتهم ورعايتهم وربما تضمن الحكم الصرف عليهم أي نفقتهم في بعض الاحكام لأسباب يقدرها القاضي.. تلك الأم وهي الحاضنة بحسب الحكم القضائي لا تستطيع أن تأخذ صغارها معها لرحلة خارج المملكة الا بموافقة ولي أمرهم الذي وقفت أمامه في المحاكم او الحصول على حكم قضائي يعطيها حق السفر مع صغارها.. ما فائدة الاحتضان إن لم تكن صاحبة قرار في كافة مصالحهم وتحركهم..؟
تلك المرأة الطموحة والتي كابدت الليالي سهرا وبحثا وشاءت الأقدار ان تشارك في مؤتمر علمي لتقدم للعالم منجزها عليها ان تنتظر قناعة ولي أمرها لإخراج جواز سفرها وربما يكون هذا الولي أبا وربما أخا وربما زوجا وربما ابنا مازال يأخذ مصروفه منها..! أي انها في معملها كاملة الأهلية والعقل وخارجه لابد أن تنتظر من يفك قيدها لتكون انسانة كاملة الأهلية..
هذه السيدة حين تذهب للبنك لفتح حساب توفير لأبنائها فيمكنها أن تدفع المال وتؤسس حسابات لأبنائها القصر أما حين تريد الاستفادة من هذا لأبنائها القصر أو لنفسها فعليها أن تحصل على موافقة ولي أمرها وأمرهم لتستطيع صرف ما وفرته حماية لصغارها من غدر الزمن..؟ بل إن ولي الأمر يمكنه أن يسحب المال دون أن يعود لها..
هذه السيدة مازالت لا تستطيع تسجيل ابنائها في المدرسة الا بموافقة ولي أمرهم، حتى وان كانت قد خلعته او طلقها..
هذه السيدة هناك كاتب عدل يكتفي ببطاقتها وبصمتها لتتم اجراءات قضيتها أو معاملتها وآخر مازال يعتقد أنها قاصر لابد من رجل يُعرف بها..! القانون حين تكون المرأة يتحول الى حمل وديع يخجل من مواجهة العرف الاجتماعي..
ولي أمر المرأة موجود خلف كل تفاصيل حياتها، قد يعنفها فنجد من يبرر له، قد يزوجها رغما عنها فيكتفي النظام القضائي بسماع موافقتها صوتيا من خلف باب مجلس الرجال لا شيء يثبت انه صوتها الا شهادة ولي أمرها.. أي انها لا قيمة لها ولرأيها ولحقها في القبول والرفض وليس عدلا أن تعتبر وزارة العدل موافقتها صوتيا دليلا لإتمام عقد القران..
نريد ان تكون الأنظمة الخاصة بالمرأة قوية في نصوصها وقوية في تنفيذها وتتناسب مع معطيات المرحلة، فليس من العدل أن يكون ولي الأمر مطلق الحرية في كافة شؤون المرأة فيما هو غير مؤهل في بعض الأحيان، حين تخلع امرأة زوجها لإدمانه هل يعقل أن تعاد له صلاحية ولاية الأمر على ابنائه وهو غير حاضن، الأهلية لا تتجزأ..
ولاية أمر المرأة بهذا الشكل المطلق لا تتفق مع واقع المرأة السعودية الحالي وليس من ثوابت الدين حتى نتمسك بها، هي اجتهاد أفراد كان مناسبا لواقع مضى وانتهى، اليوم والمرأة عضو شورى ومديرة جامعة وام تحتضن ابناءها وتنفق عليهم بحكم قضائي وهي سيدة اعمال تدير الملايين وتفتح عشرات البيوت وغير ذلك من شواهد التغيير تمثل في مضمونها محركا لضرورة إعادة النظر في نظام الولاية المطلق، خاصة وان الولاية في الاسلام فقط مربوطة بزواج البكر مع ضرورة أهلية ولي الأمر..
التعديلات على نظام ولاية الرجل
بداية نتفق أن ما يعيب كثيرا من الانظمة المعمول بها في المملكة العربية السعودية انها تتعامل مع المرأة باعتبارها مخلوقا مشترك العناصر مع القصر وفاقدي الاهلية من الاطفال..، ومن يخالفني في ذلك عليه العودة للأنظمة باستثناء النظام الاساسي للحكم الذي تعاملت نصوصه مع المرأة باعتبارها كاملة الاهلية دون تمييز بين الجنسين.
الاشكالية ان القصر من الذكور يبلغون الرشد بوصولهم للسنة الثامنة عشرة من العمر والنساء لا يبلغن الرشد مهما بلغن من العمر..
إذن الغاء الولاية يأتي من خلال بوابة واسعة متعددة المسارات بتعدد الانظمة التي تتعامل مع المرأة باعتبارها قاصرا..
وهذا ما قام به بعض أعضاء وعضوات مجلس الشورى (وهم الاميرة سارة الفيصل ود. لطيفة الشعلان ود. هيا المنيع والشيخ ناصر بن داود) لتعديل نظام الاحوال المدنية، والذي استبقت وكالة الاحوال في وزارة الداخلية بطء اجراءات مجلس الشورى وطبقت أهم ما فيه خاصة استحقاق المرأة سجل عائلة للمرأة وان كان النظام المقترح في مجلس الشورى يعطي هذا الحق لجميع النساء بصرف النظر عن حالتهن الاجتماعية مطلقة او ارملة او على ذمة زوجها باعتباره حقا لها يثبت ارتباطها بأبنائها.. خاصة وأنه ضمن الثبوتيات الوطنية ويؤخذ به في غير مجال..
النظام الاخر والذي ايضا تم العمل فيه داخل مجلس الشورى وقام به فريق مكون من (الاستاذ عطا السبتي ود.هيا المنيع ود.لطيفة الشعلان ود.محمد الخنيزي ود.حمدة العنزي) هذا النظام يرتبط بوثائق السفر، والذي يرى مقدموه أن للمرأة حق استخراج جواز سفرها بنفسها دون حاجة لموافقة ولي أمرها باعتبار انها مواطنة سعودية والجواز وثيقة وطنية من حق أي مواطن الحصول عليها متى اراد ذلك، ولم توجد موانع نظامية تنطبق على الجميع وليس على المرأة فقط..،
علما أن عدم السماح للمرأة بالسفر دون اذن ولي أمرها ليس ضمن النظام بل عبارة مبهمة ضم إضافتها للائحة التنفيذية وصياغتها غير قانونية (سفر المواطنات السعوديات للخارج يتم وفقا للتعليمات المرعية) ويمكن تفسيرها ان المقصود الاعراف والعادات وهذا يتنافى مع النص القانوني، مع ملاحظة أنه ليس من صلاحيات عضو الشورى الملتزم بنظام محدد وواضح وهو اقتراح نظام جديد او تعديل نظام نافذ، وذلك وفق المادة الثالثة والعشرين.
عموما تعديل الانظمة والتعامل فيها مع المرأة وفق منظور ينفي عنها عدم الاهلية هو الخطوة الأولى والعملية لإعطاء المرأة حقها القانوني وفك قيد السيطرة المطلقة لولي أمرها، بمعنى ان تعاد صياغة كافة القوانين التي تنص على ربط المرأة بالقصر ويتم التعامل معها باعتبارها مواطنا كامل الاهلية وعليه واجبات المواطنة كاملة وله حقوق المواطنة كاملة، خاصة وان نظام الحكم وهو بمثابة الدستور للبلاد أكد على ذلك، مع ملاحظة ان المرأة يتم التعامل معها باعتبارها كاملة الاهلية في حال خطئها وارتكابها جريمة مثلا أو في حال الرغبة بتزويج الصغيرات، ولكن تحتاج ولي أمرها في حال انتهاء محكوميتها او رغبتها بإكمال دراساتها العليا مثلا أو عملها وغير ذلك من بدهيات الحقوق..
المأمول من الجهات المختصة بالتعاون مع مجلس الشورى الاسراع في تعديل تلك الأنظمة والتعامل مع المرأة باعتبارها كاملة الاهلية وفق ثوابت الدين وليس ضغوط الاعراف.
اترك تعليقاً