الفساد الإداري .. تطبيق عملي على المملكة العربية السعودية
لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات قديمها وحديثها من مظاهر الفساد الإداري بما فيها مجتمع الإسلام على الرغم من الطهر والعفاف والعفة والنقاء التي ميزت الفكر الإسلامي على مر العصور والأزمنة ، إن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها , وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول , لما له من خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري , ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات وكل الدول وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ووضع الصيغ الملائمة لذلك .
والمملكة العربية السعودية كغيرها من الدول تدرك أبعاد هذه المشكلة ,ولهذا فإنها إلى جانب ما لديها من نظم لمكافحة الفساد صادقت على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمحاربة الفساد وإساءة استعمال السلطة الوظيفية بتلك العبارات المؤكدة على خطورة الفساد الإداري وإساءة استعمال السلطة الوظيفية , والمرسوم الملكي رقم ( 43 ) لعام 1377 هـ أضفى عليها صفة الجريمة وعمد لمعالجتها ووضع حد لانتشارها وتفشيها في المجتمع , وظلت الحاجة قائمة إلى تجريم هذا الفعل( http://news.naseej.com.sa) .
مفهوم الفساد الإداري :
تباين مفهوم الفساد الإداري وفق رؤى نظرية و فكرية لمن يكتبون عنه ، لذا انقسموا إلى مدرستين رئيستين :مدرسة قيمية والتي تعد الفساد انحرافاً عن المعايير الأخلاقية للمجتمع ، ومدرسة وظيفية ترى الفساد ظاهرة طبيعية تصاحب النمو و التطور وثمناً لا بد من دفعه “لتزييت” عجلة التنمية .
الفساد في (المعجم الوسيط): يعني التلف والعطب والاضطراب والخلل كما قال سبحانه ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس” أي اكتساب الرزق بالباطل وعدم كفايته للناس. وفي (المنجد) الفساد: (اخذ المال ظلماً) ( الصالح ، 2006 )
أما مفهوم الفساد الإداري يعني ” استغلال السلطة للحصول على ربح أو منفعة أو فائدة لصالح شخص أو جماعة أو طبقة بطريقة تشكل انتهاكاً للقانون أو معايير السلوك الأخلاقي الراقي ” ( عبدا لهادي ، 1997 ، 11 )
أنـواع وصور الفساد الإداري :
يقسم الشميمري(1424هـ : 26) الفساد الإداري إلى أربع مجموعات , وهي :
1. الانحرافات التنظيمية : ويقصد بها تلك المخالفات التي تصدر عن الموظف في أثناء تأديته لمهمات وظيفته والتي تتعلق بصفة أساسية بالعمل , ومن أهمها :
• عدم احترام العمل , ومن صور ذلك : ( التأخر في الحضور صباحا – الخروج في وقت مبكر عن وقت الدوام الرسمي – النظر إلى الزمن المتبقي من العمل بدون النظر إلى مقدار إنتاجيته – قراءة الجرائد واستقبال الزوار – التنقل من مكتب إلى آخر ….. ) .
• امتناع الموظف عن أداء العمل المطلوب منه , ومن صور ذلك : (رفض الموظف أداء العمل المكلف به – عدم القيام بالعمل على الوجه الصحيح – التأخير في أداء العمل …. ).
• التراخي , ومن صور ذلك : ( الكسل – الرغبة في الحصول على أكبر اجر مقابل أقل جهد – تنفيذ الحد الأدنى من العمل …. ) .
• عدم الالتزام بأوامر وتعليمات الرؤساء : ومن صور ذلك : (العدوانية نحو الرئيس – عدم إطاعة أوامر الرئيس – البحث عن المنافذ والأعذار لعدم تنفيذ أوامر الرئيس ….. ).
• السلبية : ومن صور ذلك : ( اللامبالاة – عدم إبداء الرأي – عدم الميل إلى التجديد والتطوير والابتكار – العزوف عن المشاركة في اتخاذ القرارات – الانعزالية – عدم الرغبة في التعاون – عدم تشجيع العمل الجماعي – تجنب الاتصال بالأفراد …… ).
• عدم تحمل المسؤولية : ومن صور ذلك : ( تحويل الأوراق من مستوى إداري إلى آخر – التهرب من الإمضاءات والتوقيعات لعدم تحمل المسؤولية ….. ) .
• إفشاء أسرار العمل .
2. الانحرافات السلوكية : ويقصد بها تلك المخالفات الإدارية التي يرتكبها الموظف وتتعلق بمسلكه الشخصي وتصرفه , ومن أهمها :
• عدم المحافظة على كرامة الوظيفة : ومن صور ذلك : ( ارتكاب الموظف لفعل مخل بالحياء في العمل كاستعمال المخدرات أو التورط في جرائم أخلاقية ) .
• سوء استعمال السلطة : ومن صور ذلك : ( كتقديم الخدمات الشخصية وتسهيل الأمور وتجاوز اعتبارات العدالة الموضوعية في منح أقارب أو معارف المسئولين ما يطلب منهم).
• المحسوبية : ويترتب على انتشار ظاهرة المحسوبية شغل الوظائف العامة بأشخاص غير مؤهلين مما يؤثر على انخفاض كفاءة الإدارة في تقديم الخدمات وزيادة الإنتاج .
• الوساطة : فيستعمل بعض الموظفين الوساطة شكلا من أشكال تبادل المصالح .
3. الانحرافات المالية : ويقصد بها المخالفات المالية والإدارية التي تتصل بسير العمل المنوط بالموظف , وتتمثل هذه المخالفات فيما يلي :
• مخالفة القواعد والأحكام المالية المنصوص عليها داخل المنظمة .
• فرض المغارم : وتعني قيام الموظف بتسخير سلطة وظيفته للانتفاع من الأعمال الموكلة إليه في فرض الإتاوة على بعض الأشخاص أو استخدام القوة البشرية الحكومية من العمال والموظفين في الأمور الشخصية في غير الأعمال الرسمية المخصصة لهم .
• الإسراف في استخدام المال العام , ومن صوره : ( تبديد الأموال العامة في الإنفاق على الأبنية والأثاث – المبالغة في استخدام المقتنيات العامة في الأمور الشخصية – إقامة الحفلات والدعايات ببذخ على الدعاية والإعلان والنشر في الصحف والمجلات في مناسبات التهاني والتعازي والتأييد والتوديع …. ).
4. الانحرافات الجنائية : ومن أكثرها ما يلي :
• الرشوة .
• اختلاس المال العام .
• التزوير .
أسباب الفساد الإداري :
وتتعدد الأسباب المؤدية على الفساد الإداري , وتقسم إلى مجموعتين:
1. أسباب بيئية اجتماعية خارجية , وتنقسم إلى :
• أسباب تربوية وسلوكية : بعدم الاهتمام بغرس القيم والأخلاق الدينية في نفوس الأطفال مما يؤدي إلى سلوكيات غير حميدة بقبول الرشوة وعدم المسئولية وعدم احترام القانون .
• أسباب اقتصادية : فيعاني أكثر الموظفين – خصوصا في الدول النامية – من نقص كبير في الرواتب والامتيازات , ما يعني عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المعيشة ومن هنا يجد الموظف نفسه مضطرا لتقبل الهدية ( الرشوة ) من المواطنين ليسد بها النقص المادي الناتج عن ضعف الرواتب .
• أسباب سياسية : تواجه بعض الدول وخصوصا في الدول النامية تغييرات في الحكومات والنظم الحاكمة فتنقلب من ديمقراطية إلى ديكتاتورية والعكس , الأمر الذي يخلق جوا من عدم الاستقرار السياسي مما يهيئ الجو للفساد الإداري .
2. أسباب بيئية داخلية ( قانونية ) :
وقد يرجع الانحراف الإداري إلى سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها في بعض الأحيان , الأمر الذي يعطي الموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القانون أو الذهاب إلى تفسيره بطريقته الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح المواطنين .
وأخيراً في دراسة قام بها الأستاذ خالد آل الشيخ والتي هدفت إلى معرفة أنماط الفساد الإداري وأسبابه وسبل مواجهته من وجهة نظر المدانين بممارسته والمعنيين بمكافحته بالمملكة العربية السعودية ، والمعوقات التي تواجه جهود المكافحة ، ومن ثم العمل على وضع نموذج مقترح لمكافحة الفساد الإداري بالمملكة ، ومن النتائج التي توصلت إليها أن أكثر أنماط الفساد الإداري شيوعاً من وجهة نظر المعنيين بالمكافحة: الوساطات، هدر الوقت العام وضعف الالتزام بساعات الدوام، استخدام الأجهزة والمعدات العائدة للإدارة لانجاز المصالح الشخصية، التحيز والمحاباة لجماعات وأفراد من دون وجه حق، اشتغال الموظف العام بالتجارة دون أذن نظامي ، أما أقل أنماط الفساد شيوعاً تسهيل عمليات غسل الأموال، مخالفة بريدية، التواطؤ مع أصحاب الجرائم والمتهمين، إفشاء المعلومات السرية لجهات منافسة، شراء الأصوات في الانتخابات.
وأن أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الفساد الإداري من وجهة نظر المعنيين بالمكافحة: عدم تطبيق نظام المساءلة بشكل دقيق على جميع أجهزة الدولة، ضعف الوازع الديني، القصور الإعلامي في توعية الناس بأضرار وأشكال الفساد الإداري، ضعف أجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات والمصالح الحكومية والمؤسسات والشركات، الجشع المادي، على التوالي. أما من وجهة نظر السجناء في قضايا الفساد الإداري فأكثر الأسباب التي تؤدي إلى الفساد الإداري هي: ارتفاع تكاليف المعيشة، حب الترف، الطمع والجشع، تدني الأجور، عدم العدالة في المنظمة، وجود سوق رائجة للفساد الإداري، غياب القدوة
علاج الفساد الإداري من منظور إسلامي :
أن الدين الإسلامي هو أكثر الأديان معرفة بنفسية البشر وكيفية معالجتها , ولذا نجده قد استخدم أسلوبين لمعالجة ذلك الفساد , وهما أسلوب الترغيب والترهيب .
• ويقصد بأسلوب الترغيب : استخدام أساليب التحفيز المختلفة التي من شأنها أن تجعل الموظف يقبل على عمله بنفس راضية وبحماس كبير فينجز إنجازا عاليا ويؤدي أداءاً متميزاً ، فمن آيات الترغيب مثلا قوله تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } ( الزمر : 53 ) , وكان النبي – صلى الله عليه وسلم_ يستخدم في إدارته للدول أسلوب الترغيب والترهيب , فكان يحبب لهم عمل الخير وينهاهم عن فعل الشر .
ويتطلب أسلوب الترغيب تطبيق نوعين من الحافز : وهما :
1.الحافز المعنوي : ويقصد به التقدير السليم للعامل المجد والاعتراف بجهده والإشادة بفضله إذا أحسن صنعا وذلك تشجيعا له على مزيد من الإنتاج وإبعادا له عن الفساد ، ولقد أوصى الإمام علي – كرم الله وجهه – أحد الولاة فقال : ( لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء , فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان , وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة ) .
2. الحافز المادي : وهو أن يتوفر لدى الموظف الأجر المجزي مقابل العمل الذي يؤديه , ولقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفاؤه الراشدين يراعون في تقدير الأجر الأعباء العائلية للفرد العامل وصعوبة العمل ومستوى علاء المعيشة في المناطق المختلفة من الدول الإسلامية , فالأجور في مصر كانت أقل من الأجور في إقليم الحجاز نسبة للرخاء الذي كان سائداً في مصر ، كذلك كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعطي المتزوج من الجند حظين والأعزب حظا واحدا من الفيء .ويجدر بالذكر أن أسلوب الترغيب بالحوافز المعنوية هو ما نادت به الإدارات الحديثة كنظرية الحاجات لماسلو ، أما أسلوب الترغيب بالحوافز المادية فقد نادت به الإدارة العلمية عندما وضع ( فايول ) أربعة عشر مبدءاً من مبادئ الإدارة كان من بينها : ( مبدأ المكافأة والتعويض ) ( النمر ، 1997م ) .
• أما أسلوب الترهيب: هو استخدام أسلوب التخويف بأنواعه المتدرجة ويشار إليها في الإدارة الحديثة بالحافز السلبي .
فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب – رضي اله عنه – من أكثر الخلفاء تطبيقا لأسلوب الترهيب على الولاة والعمال في الدولة الإسلامية , فقد كان شديدا على الولاة والعمال ومن مقولاته : ( إن أهون شيء عندي أن أضع واليا مكان والٍ إذا اشتكى منه الناس ) وكان يقاسمهم أموالهم إذا تكاثرت دون مبرر وكان يعاقبهم إذا رأى فيهم الفساد أو الانحراف المالي .
ويتمثل أسلوب الترهيب لمكافحة الفساد الإداري في مفهوم الرقابة على أداء العاملين بهدف كشف الأخطاء وتصحيح الانحرافات قبل أن تستفحل و والرقابة هو الوظيفة الرابعة من وظائف المدير أو القائد وتنتهي إلى الاطمئنان إلى سير العمل الإداري وفقا للخطة الموضوعة تماما دون إخلال .
كيفية محاربة الفساد الإداري :
من الحلول التي يمكن من خلالها محاربة أو الحد من ظاهرة الفساد الإداري بالمملكة العربية السعودية ، ما توصلت إليه نتائج الدراسة التي قام بها الباحث آل الشيخ و التي أوصت بحلول واقعية يمكن تطبيقها :
• قيام أجهزة الرقابة المركزية وأجهزة الرقابة الداخلية في الوزارات والمصالح الحكومية بالدور المطلوب منها وذلك بالكشف عن مرتكبي أنماط الفساد الإداري وتطبيق الأنظمة واللوائح بحقهم بدقة وعدالة، وعدم التساهل معهم وتقديمهم للجهات المعنية بالتحقيق في هذه القضايا تمهيداً لمحاكمتهم ومن ثم معاقبتهم أذا ثبت الجرم بحقهم.
• رفع مستويات الأجور ووضع حد أدنى لها حتى تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة،حتى تغنيهم عن اللجوء إلى الأساليب المنحرفة ، وترفع معنوياتهم ، وتساعد على الاستقرار ، وتجعلهم في موقع اجتماعي مقبول.
• وإحداث وظائف جديدة لتوفير مزيد من فرص العمل وحتى تستوعب تلك الوظائف من يستحق الترقية ، وأن يتم شغل تلك الوظائف عن طريق تطبيق مبدأ الجدارة.
• مساءلة أي مسئول مهما كان موقعه ومحاسبته.
• الحد من العمالة الوافدة ووضع شروط وضوابط دينية وأخلاقية وعلمية لاستقدامها والاستفادة مما أتاحه التقدم العلمي والتكنولوجي كتطبيق بصمة اليد أو العين في المنافذ عند الدخول للبلاد لمنع الوافدين الذين تم وضعهم على القائمة السوداء من الدخول للبلاد.
• تفعيل الدورات التي تعقد للسجناء داخل السجون من خلال اختيار البرامج والدورات التي تتناسب مع تأهيل السجين العلمي وظروفه داخل السجن أو بعد خروجه، وحسن اختيار القائمين على تلك البرامج، ووضع معايير علمية دقيقة لتخطي هذه الدورات والبرامج وتنفيذ هذه المعايير بدقة وعدالة، ووضع حوافز مادية ومعنوية لمن يتخطى تلك البرامج والدورات.
• فتح خطوط ساخنة للإبلاغ عن حالات الفساد الإداري وتسهيل الإجراءات والبعد عن التعقيدات الإدارية التي تمنع المواطنين والوافدين من الإبلاغ عن حالات الفساد الإداري ووضع حوافز مادية ومعنوية لتشجيع المبلغين.
• إعادة النظر في طرائق وأدلة أثبات بعض أنماط الفساد الإداري على أن يكون هناك مراجعة دورية لها لتعديلها وفق متطلبات الزمان والمكان وما تقتضيه المصلحة العامة على ألا يتعارض هذا التغيير مع أحكام الشريعة الإسلامية.
• إعادة النظر في الأنظمة واللوائح ودراستها لرفع أسقف العقوبات في بعض أنماط الفساد الإداري وتحديد المسؤولية بشكل دقيق وسد الثغرات والمنافذ التي ينفذ من خلالها الفاسدون والمفسدون مع سرعة إصدار الأحكام القضائية وتلافي ضعف بعض الأحكام التي تصدر من المحاكم العامة أو ديوان المظالم وتلافي تفاوت الأحكام في الوقائع المتشابهة وعدم الأخذ بالحد الأدنى من العقوبات إلا في أضيق الحدود.
• إدراج مقرر على المستوى الجامعي يعنى بأخلاقيات الوظيفة وسوء عاقبة الفساد الإداري في الدنيا والآخرة على أن تدرس هذه المادة كمتطلب جامعي لكافة الطلاب وفي جميع جامعات المملكة العربية السعودية.
• إنشاء مجلس أعلى لمكافحة الفساد الإداري يضم في عضويته أصحاب السمو والمعالي والسعادة رؤساء الأجهزة المعنية (صدر مؤخراً قرار مجلس الوزراء في جلسته الاعتيادية بتاريخ 15/2/1428هـ بإنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد).
اترك تعليقاً