بحث في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
مبحث تمهيدى
في التشريعات التى تأخذ بنظام الجمع بين وظيفتى الاتهام والتحقيق بيد النيابة العامة , فإن النيابة العامة تتمتع بسلطات قاضى التحقيق وبالتالى فإنها تتصدى للدعوى وتملك اتخاذ الإجراءات التحقيقية التى تفيد في إظهار الحقيقة وبالتالى فإنها تتصرف في الدعوى بإحدى وجهتين إما أن تقرر الإحالة إلى القضاء المختص أو تقرر أن لا وجه لإقامة الدعوى وذلك يعد تطبيق لقاعدة أن من يملك التحقيق في الدعوى يملك التصرف فيها .
وبناء على ذلك فإن إسناد سلطة التصرف في التحقيق الابتدائى بأن لا وجه لإقامة الدعوى للنيابة العامة يفترض أن تكون الدعوى قد دخلت في حوزة النيابة العامة بالطرق المعروفة قانونا ثم قامت بتحقيقها بالطرق المقررة .
كيفية دخول الدعوى الجنائية حوزة النيابة العامة :-
إن مباشرة النيابة العامة لإجراء التحقيق الابتدائى لا يتطلب إذن مسبق لاستصدار مثل هذا الأمر طالما تجمع بيدها سلطتى الاتهام والتحقيق أى أنها لا تتقيد بالقيد الوارد على سلطة التحقيق في مثل هذا الشأن وهو ضرورة إذن مسبق من النيابة العامة .
ولكن يبدأ اختصاص النيابة العامة بتحريك الدعوى ومباشرتها بمجرد وقوع جريمة معينة على شخص معين وقد أبلغ عنها .
الإبلاغ والشكوى:-
البلاغ أو الشكوى هو الطريقة العادية لوصول العلم بالجريمة إلى النيابة العامة بوصفها الأمينة على الدعوى الجنائية ويجمع بين البلاغ والشكوى أن كلا منهما إخطار عن جريمة وقعت ولكن الفرق بينهما أن الإبلاغ هو إخطار عن جريمة من أى شخص أما الشكوى فهى تكون من المجنى عليه وحده وإذا تضمنت الشكوى مطالبة بتعويض سميت ادعاء مدنى وقد نصت المادة (28) إجراءات جنائية أن الشكوى التى لا يدعى فيها مقدما بحقوق مدنية تعد من قبيل التبليغات وتخضع لأحكام البلاغ دون أحكام الادعاء .
والبلاغ عن الجريمة حق لكل شخص فهو كما يكون إلزاميا في بعض الأحيان إلا أنه كقاعدة عامة اختياري .
متى يصدر الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية :-
إن أوامر التصرف في التحقيق الابتدائى إما تكون بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة وإما تكون بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وهذا الأمر كقاعدة عامة يصدر من سلطة التحقيق الابتدائى .
ويكون لقاضى التحقيق إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في جميع التحقيقات التى يجريها سواء في مخالفة أو جنحة أو جناية إذا رأى أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الدلائل غير كافية لإدانة المتهم .
وللنيابة العامة في مصر إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية متى رأت أنه لا محل للسير في الدعوى الجنائية ولا يكون صدور هذا الأمر في مواد الجنايات إلا من المحامى العام أو من يقوم مقامه وذلك طبقا للمادة (209/1) من قانون الإجراءات الجنائية المصرى المعدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 ثم بالقانون رقم 170 لسنة 1981 .
ومتى صدر الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من إحدى سلطات التحقيق فإنه لا يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية وإنما الوقف في السير في إجراءات الدعوى بحالتها( ) بحيث يمنع العودة إلى الدعوى العمومية طالما ظلت على حالتها كما سنوضح فيما بعد .
ويترتب أيضا على صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الإفراج عن المتهم المحبوس احتياطيا ما لم يكن محبوسا لسبب آخر طبقا لنص المادة (145/2) و (109/1) من قانون الإجراءات الجنائية المصرى .
ولقد نظم القانون إجراءات الرقابة على سلطة التحقيق فى إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية فأجاز الطعن بالاستئناف في الأوامر الصادرة من قاضى التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وخول هذا الحق للنيابة العامة طبقا لنص المادة (161) إجراءات – وكذلك للمدعى بالحقوق المدنية طبقا لنص المادة (162) إجراءات – ويرفع ذلك الطعن إلى الجهة الاستئنافية التى حددها القانون وهى محكمة الجنح المستأنفة أو محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة .
وأجاز القانون المصرى للمدعى بالحقوق المدنية الطعن بطريق الاستئناف في الأوامر الصادرة من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وذلك طبقا لنص المادة (210/2) إجراءات جنائية
ولا يجوز الطعن بالنقض في الأوامر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وتعتبر القرارات الصادرة من الجهة الاستئنافية نهائية غير قابلة للطعن وذلك طبقا للمادة (167/4) إجراءات .
الفصل الأول
ماهية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
المبحث الأول
المقصود بالأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
تعريف : ( الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية )
اقتصرت النصوص الإجرائية المنظمة للأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية على الأسباب التى يبنى عليها والآثار المترتبة عليه ولذلك اجتهد الفقة في إيجاد تعريف له وذلك على النحو التالى :
فقد ذهب رأى الفقة المصرى إلى أن هذا الأمر هو ( أمر قضائي من أوامر التصرف في التحقيق الابتدائى تصدره بحسب الأصل إحدى سلطات التحقيق الابتدائى بمعناه الضعيف لتصرف به النظر عن إقامة الدعوى أمام محكمة الموضوع لأحد الأسباب التى بينها القانون ويحوز حجية من نوع خاص) ( )
وعرفه رأى آخر في الفقه المصرى على أنه :
( أمر قضائي تصدره سلطة التحقيق لتقرر عدم وجود مقتضى لإقامة الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب التى بينها القانون )( )
في حين اتجه رأى ثالث في الفقه المصرى على أنه :
( صرف النظر مؤقتا عن تقديم الدعوى للمحكمة لعدم وجود أساس كاف يبرر تقديمها إليها , فهو إذن بهذا المعنى لا ينهى الدعوى ولا يترتب عليه انقضاؤها كالحكم الجنائي بل يوقف السير فيها مؤقتا إلى أن تسقط بمضي المدة أو تظهر أدلة جديدة تبرر العودة إلى التحقيق )( )
تقسيم :
وسوف نعرض لتحديد المقصود بالأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في الفروع الآتية :
– الفرع الأول : كتابة الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
– الفرع الثانى : تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
– الفرع الثالث : إعلان الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
المطلب الأول
كتابة الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
يجب أن يكون الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ثابتا بالكتابة , فالكتابة تعد دليل على حصول هذا الأمر , ولكى يتحقق مدى موافقته للقانون من عدمه حيث قررت المادتين 154 , 209 من قانون الإجراءات الجنائية وهى من النصوص المنظمة للأمر اشتراط الكتابة .
ويلزم في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أن يكون صريحا أى لا يستفاد من استنتاج أو تصرف غير أنه استثناء من الممكن أن يستفاد ضمنا من تصرف المحقق إذا كان يترتب على هذا التصرف حتما وبطريقة اللزوم العقلى صرف النظر عن السير في الدعوى( ) .
الأمر الصريح :-
الأصل أن يكون الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى صريحا ولا يشترط أن يصدر بصيغة معينة أى يصدر بأى صيغة يراها المحقق ما دام واضحة الدلالة في التعبير عن إرادته في صرف النظر عن السير في الدعوى .
وبناء على ذلك فإن هذا الأمر لا يستفاد من التأشير على تحقيق بإرفاقه لأوراق شكوى أخرى محفوظة ما دام لا يوجد ما يفيد حتما عدم السير في الدعوى( ) . كما لا يعنى عن هذا الأمر أن يوجد ضمن أوراق الدعوى مذكرة محررة برأى وكيل النيابة المحقق يقترح فيها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى اكتفاء بالجزاء الإدارى( ) وكذلك مجرد تأشير وكيل النيابة في بادئ الأمر على محضر جمع استدلالات بقيده رقم عوارض لا يستفاد منه استنتاجا الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى إذ لا يترتب على هذه التأشيرة حتما وبطريق اللزوم العقلى صرف النظر عن السير في الدعوى( ) .
ويجب أن يتضمن الأمر البيانات التى نصت عليها المادة 160 من قانون الإجراءات الجنائية كما يجب أن يبنى الأمر على أسباب (المادتان 154/3 , 209/2 إجراءات) و إلا كان أمر بالحفظ.
الأمر الضمنى :
الأصل في الأمر بألا وجه أن يكون صريحا إلا أنه قد يستفاد ضمنا من تصرف المحقق في التحقيق على نحو يفترض ذلك بطريق اللزوم العقلى ومثال ذلك عندما ينتهى المحقق بعد التحقيق في واقعة السرقة إلى اتهام المجنى عليه بالبلاغ الكاذب مما يفيد بالقطع أنه قرر أن لا وجه للسير في الدعوى( ) , وكذلك مثلما تأمر النيابة في بادئ الأمر بقيد الواقعة ضد متهم معين ثم بعد استكمال التحقيق تقيدها متهم آخر فإن ذلك يفيد حتما وبطريق اللزوم العقلي على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية على المتهم الأول( ).
غير أنه إذا كان من الجائز أن يستفاد الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من تصرف أو إجراء آخر يستدل عليه إلا أنه لا يصح أن يفترض أو يأخذ فيه بطريق الطعن لذلك قضت محكمة النقض بأنه (كما كان الثابت من المفردات المضمونة أن كل ما صدر عن النيابة العامة إنما هو اتهامها أربعة غير المطعون ضده بارتكاب الجريمة دون أن تذكر شيئا عنه سوى أنها كانت قد قررت طلبه ثم أنهت التحقيق دون سؤاله فإن ذلك لا ينطوى حتما وبطريق اللزوم العقلى على أمر ضمنى بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل تحول دون تحريكها بعد ذلك بالطريق المباشر)( ) .
المطلب الثاني
تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
أوجب القانون المصرى تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية على خلاف أمر الحفظ وذلك بناء على نص المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية (إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أن تصدر أمراً بذلك … ويجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التى بنى عليها )
ويعتبر تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يعد بمثابة ضمانة لحسن سير العدالة وهو وسيلة لتريث المحقق في تمحيص وقائع الدعوى وإعمال حكم القانون فيها بتبصر ورؤية( ) .
ولما كان القانون قد أجاز الطعن في هذا الأمر فإن التسبيب هو السبيل الوحيد لجهة نظر الطعن لأن تؤدى رسالتها في مراقبة هذه الأوامر من حيث مدى احاطتها بالوقائع إحاطة سليمة فضلا عن مراقبة تطبيق القانون .
ومن مقتضيات تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أنه يتعين على السلطة المصدرة له أن تكيف الوقائع المعروضة عليها التكييف القانونى السليم وذلك بإتباع الوصف القانونى الوارد في قانون العقوبات . ويكفى أن يشتمل الأمر على أسبابه وفي حدود ما ينبئ عن مضمونه باعتباره أمرا غير فاصل نهائيا في الدعوى بمعنى أنه لا يلزم أن يصدر مشتملا على أسباب بصورة تفصيلية ودقيقة مثل الأسباب التى توضح بمعرفة قضاء الحكم وعلى ذلك فإنه يكفى أن يكون التسبيب بالقدر الذي يقتضية المقام في الدعوى وفي حدود وظيفة المحقق باعتباره جهة تحقيق لا جهة حكم( )
المطلب الثالث
إعلان الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
إن الإعلان إجراء أساسى ينبغى إتباعه بشان كافة الأحكام والأوراق القضائية ومن بينها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وذلك بالطبع ليكون أطراف الخصومة على دراية وعلم بمصير الدعوى وكذلك كي يكون لهم حق الطعن المقرر قانونا وتبدو أهمية الإعلان بوصفه إجراء شكلى أنه ينبغى عليه تحديد بدء ميعاد الطعن ولقد أوجب القانون المصرى إعلان الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية للمدعى بالحقوق المدنية حيث توجد له مصلحة واضحة حيث أن القانون خوله حق الطعن فيه بالاستئناف .
وقد نصت المادة (154) إجراءات في فقرتها الرابعة بشأن التحقيق على أنه : (يعلن الأمر للمدعى بالحقوق المدنية وإذا كان قد توفى يعلن لورثته جملة في محل إقامته) وجاء نص المادة (209) إجراءات في فقرتها الثالثة بشأن النيابة العامة بنفس صيغة المادة (154) سالفة الذكر .
ويستفاد من نص تلك المادتين آتى الذكر (أنه ينبغى أن يعلن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية للمدعى بالحقوق المدنية أو لورثته جملة ويستوى في ذلك أن يكون الأمر صادر من قاضى التحقيق أو من النيابة العامة )( )
البحث الثانى
سلطة النيابة العامة في إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
لا جدال أن التحقيق الابتدائي اختصاص قضائى محض وبالتالى فإن النيابة العامة عندما يعهد إليها بهذا الاختصاص إنما تباشرة باسم القانون لا توكيلا عن النائب العام بمعنى أن أعضاء النيابة العامة يستمدون إختصاصهم المتعلق بالتحقيق من القانون مباشرة باعتبار أنهم يحلون محل قاضى التحقيق صاحب الاختصاص الأصيل فيه . فيكون للنيابة العامة ذات السلطة المقررة لقاضى التحقيق سواء من حيث مباشرة الإجراءات التحقيقية أو التصرف فيها بالإحالة أو التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وهذا ما نصت عليه المادة (199) إجراءات بقولها (تباشر النيابة العامة التحقيق طبقا للأحكام المقررة لقاضى التحقيق سواء في مواد الجنح أو الجنايات)( )
وصدور القرار بألا وجه لإقامة الدعوى من النيابة العامة يرتبط بعدد من القيود يتحدد في نطاقها سلطة النيابة في إصدار هذا القرار وتتمثل في القواعد المتعلقة بالاختصاص المحلى والنوعى والشخصى فضلا عن أنها لا تتقيد بمبدأ عينة الدعوى :
أولا : عدم التقيد بمبدأ أعينية الدعوى :
إذا كان قاضى التحقيق يلتزم بمبدأ أعينية الدعوى بخصوص الواقعة المحالة إليه بحيث يمتنع عليه النظر في الوقائع الجديدة إلا بناء على طلب جديد من النيابة العامة فيختلف الأمر إذا كانت النيابة العامة هي التى تباشر التحقيق فهى بحكم جمعها سلطتى الاتهام والتحقيق وأيضا أن توجه الاتهام إلى من تشاء من الأشخاص دون تقيد في ذلك .
ثانيا : مراعاة قواعد الاختصاص المحلى :
يتعين على النيابة العامة في مباشرتها لاختصاصها كسلطة تحقيق أن تتأكد من اختصاصها المحلى في التحقيق فإجراءات التحقيق والتصرف فيها لا تكون صحيحة إلا إذا باشرتها النيابة العامة المختصة محليا ويكون الاختصاص كما حددته المادة (217) إجراءات هو مكان وقوع الجريمة أو الذي يقيم فيه المتهم أو الذي قبض على المتهم فيه .
ولا تعد إجراءات التحقيق الصادرة من نيابة غير مختصة باطلة باستثناء في حالتين الأولى حالة الضرورة الإجرائية كما لو باشر التحقيق عضو النيابة المختص ثم استوجبت الضرورة متابعة الإجراءات وامتدادها خارج الدائرة والثانية في حالة الندب لإجراء التحقيق خارج دائرة الاختصاص المحلى لعضو النيابة . ففي تلك الحالتين لا تعد إجراءات التحقيق باطلة وذلك طبقا للمادة (121) من قانون السلطة القضائية المصرى لسنة 1972 .
ثالثا : مراعاة قواعد الاختصاص النوعى والشخصى :-
لكى يعد إجراء التحقيق الذي باشرته النيابة العامة و التصرف فيه صحيحا يتعين مراعاة قواعد الاختصاص النوعى أو الشخصى .
ولا تبدو أى صعوبة في هذا الأمر طالما النيابة العامة تملك سلطة التحقيق الابتدائى في كافة الجرائم (مخالفات وجنح وجنايات) أما إذا أورد المشروع قبلا على سلطة النيابة العامة كما لو كان يوكل أمر تحقيق الجنايات إلى جهة أخرى غير التى باشرت التحقيق الابتدائى كما كان مقرر في التشريع المصرى قبل إلغاء نظام الإحالة بالقانون (70) لسنة 1980 إذا رأت النيابة العامة أن الأدلة على المتهم كافية وأن الواقعة جناية فإنها لا تحيلها إلى المحكمة مباشرة بل يتعين عليها إحالتها إلى مستشار الإحالة باعتباره قضاء تحقيق الدرجة الثانية في هذا النوع من الجرائم فإما أن يقرر إحالتها أو يقرر بأن لا وجه لإقامة الدعوى والقيد الذى أورده المشرع على سلطة النيابة العامة في التصرف في الجنايات بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية هو ضرورة صدوره من المحامى العام أو من يقوم مقامه( )
المبحث الثالث
حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من المحقق في نهاية التحقيق الابتدائى تثبت له الحجية إلا أن هذه الحجية لها خصائص معينة من حيث كونها حجية مؤقتة وليست نهائية وكذلك تكون نسبية وسوف نتعرض لهذا الموضوع على التفصيل الآتى:
أولا : الأمر بألا وجه حجية مؤقتة :
إن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الصادر في نهاية التحقيق الابتدائى من شأنه أن يضع المتهم خارج حالة الملاحقة القضائية ولا يمكن الرجوع فيها إلا بشرط أن تتغير حالة الدلائل التى كان قد صدر بناء عليها وقت التصرف في التحقيق وعلى هذا النحو فإن هذا الأمر يحوز حجية خاصة فإنها حجية مؤقتة غير نهائية إذ يجوز العدول عن هذا الأمر والعودة إلى التحقيق متى ظهرت دلائل جديدة حتى لو استنفذ طرق الطعن المقررة قانونا وهذا ما يفرق حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى عن حجية الشئ المحكوم فيه نهائيا والتى تحول دون الرجوع إلى الدعوى مهما ظهر من أدلة فيها وبذلك يجوز العدول عن الأمر بألا وجه والعودة إلى التحقيق متى ألغى النائب العام هذا الأمر خلال مدة الثلاثة اشهر التالية لصدوره من أحد أعضاء النيابة العامة ما لم يكن قد صدر قرار من الجهة المختصة بنظر الاستئناف بتأييد الأمر .
ويتضح مما سبق أن حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى دائما ذات طبيعة مؤقتة
وليست نهائية( ) ( )
ثانيا : الأمر بألا وجه له حجية نسبية :-
كما سبق وأن ذكرنا أن حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى مؤقتة وليست نهائية وفضلا عن ذلك فإن حجية هذا الأمر كحجية الأحكام من حيث كونها نسبية فلا يستطيع التمسك بها إلا المتهم الذي حقق معه وصدر القرار بشأنه وبالنسبة للواقعة التى حقق معها بشأنها .
ويترتب على هذه الحجية النسبية أنه لا يجوز لأحد المتهمين التمسك بالأمر الصادر لمصلحة متهم آخر مساهم معه في نفس الجريمة متى كان الأمر مبنيا على أسباب شخصية مثل امتناع مسئولية المتهم أو امتناع عقاب حيث أن الأسباب الخاصة بأحد المتهمين لا يستفيد منها سواه( ) أما إذا كان الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى مبنى على أسباب عينية مثل عدم صحة الواقعة أو توافر الإباحة
أو انقضاء الدعوى بالتقادم أو العفو الشامل أو التنازل عن الشكوى والطلب . إذا كان أيهما خاص بأحد الجناة فيستفيد منه الآخرين المساهمين في الجريمة( ).
حجية الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أمام القضاء الجنائى :-
الحجية المؤقتة للأمر بألا وجه قاصرة على الدعوى الجنائية التى صدر فيها وطالما كان الأمر قائما لم يلغى ظل متمتعا بالحجية بحيث يتمتع العودة إلى التحقيق وإذا رفعت الدعوى بتعين الحكم بعدم جواز نظرها والدفع بعدم جواز نظر الدعوى لصدور أمر بألاوجه لإقامتها يتعلق بالنظام العام فيجوز إبداؤه في أى حالة تكون عليها الدعوى ولو أول مرة أمام محكمة النقض ويجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها ولكن يشترط في ذلك وحدة السبب والموضوع والخصوم بين الدعويين( )
ويرى أغلب الفقه المصرى على أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ليس له أدنى حجية على الدعوى المدنية التى يرفعها المضرور من الجريمة أمام القضاء المدنى .
الفصل الثاني
أسباب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
تمهيد وتقسيم :
عبرت المادة (154) إجراءات جنائية بشأن قاضى التحقيق أنه (إذا رأى قاضى التحقيق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة على المتهم غير كافية يصدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى ) ويستفاد من ذلك النص أن هذا الأمر قد يبنى على أسباب قانونية وذلك ما عبرت عنه المادة (154) بقولها (الواقعة لا يعاقب عليها القانون) أو على أسباب موضوعية كعدم كفاية الأدلة على نسبة الواقعة إلى المتهم كما ذكر النص .
وبالنسبة للأمر الصادر من النيابة العامة فلم يقيد النص أسبابه بأى قيد فجاء مقررا أنه (إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى تصدر أمرا بذلك) المادة (209) فلها أن تصدر الأمر لأسباب قانونية وموضوعية وكذلك لها أن تأمر بأنه لا وجه لإقامة الدعوى بسبب موضوعى خاص بها وهو مجرد عدم الأهمية مع أن الواقعة تخضع للعقاب قانونا .
وسوف نقسم دراستنا لهذا الفصل إلى مبحثين :
المبحث الأول : الأسباب القانونية
المبحث الثانى : الأسباب الموضوعية
المبحث الأول
الأسباب القانونية
تمهيد وتقسيم :
تتوافر الأسباب القانونية التى يبنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا رأى المحقق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أى لا تشكل جناية ولا جنحة ولا مخالفة .
وتعبير المشرع بأن (الواقعة لا يعاقب عليها القانون) في المادة (154) إجراءات يتسع ليشمل :
1- توافر أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية .
2- توافر أحد أسباب الإباحة .
3- توافر أحد موانع المسئولية .
4- توافر أحد موانع العقاب .
وسوف نتناول هذه الأسباب القانونية بالدراسة في أربعة مطالب :
المطلب الأول : انقضاء الدعوى القضائية
المطلب الثاني : أسباب الإباحة
المطلب الثالث : موانع المسئولية
المطلب الرابع : موانع العقاب
المطلب الأول
انقضاء الدعوى الجنائية
تعبير المشرع بأن (الواقعة لا يعاقب عليها القانون) أو أنها لا تشكل جناية أو جنحة أو مخالفة يتسع ليشمل أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية وتنقضى الدعوى الجنائية بجملة أسباب منها ما هو خاص ببعض الجرائم ومنه ما هو عام يشملها جميعا( ) .
الأسباب الخاصة التى تنقضى بها الدعوى الجنائية :
1- التنازل عن الشكوى والطلب في الجرائم التى علق فيها القانون تحريك الدعوى الجنائية على تقديم هذين الإجرائين كما في الزنا والقذف والسب والسرقة بين الأصول والفروع .
2- الصلح في بعض الجرائم التى أجاز فيها القانون ذلك مثل جرائم التهريب الجمركى حيث أجاز المشرع لمدير عام الجمارك أو من يندبه أن يجرى الصلح أثناء نظر الدعوى أو بعد الحكم فيها.
الأسباب العامة لإنقضاء الدعوى الجنائية :-
1- وفاة المتهم .
2- العفو عن الجريمة
3- مضى المدة – التقادم
4- الحكم النهائى
ويلاحظ أنه فيما يتعلق بأسباب انقضاء الدعوى الجنائية أنها وإن كانت لا تؤثر في ركنى الجريمة المادى أو المعنوى إلا أنها تشكل مانع أو حائل نهائى للإستمرار في الدعوى الجنائية .
فإنه إذا رأى المحقق أن الواقعة المعروضة عليه يتوافر بها أحد أسباب الانقضاء فإنه يجب عليه أن يصدر أمرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى لأن قيام أحد هذه الأسباب من شأنه الحيلولة دون الاستمرار في الدعوى( )
المطلب الثاني
أسباب الإباحة
تمهيد وتقسيم
أسباب الإباحة عبارة عن ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الجريمة فترفع عنها الصفة الإجرامية فرغم قيام الجريمة ركنيها المادى والمعنوى ثم رابطة السببية لكن ارتكاب الفعل في ظل هذه الظروف من شأنه إباحة الجريمة وعدم مسئولية مرتكبها فالمشرع يرى في ذلك تحقيق مصلحة أولى بالرعاية من مصلحة توقيع العقاب على الجريمة . لذلك أسباب الإباحة تقررها نصوص قانونية تعد استثناء على نصوص الجريمة .
وبذلك يعتبر الأثر الموضوعى لهذه الأسباب هو تجريد الصفة الغير مشروعة على الفعل الإجرامى فتجعله مباحا لا عقاب عليه مما ينتج أثر إجرائى يتمثل في وجوب وقف تحريك الدعوى تجاة المتهم ومن ثم إذا كانت الدعوى مطروحة أمام المحقق وثبت له توافر أحد أسباب الإباحة فعليه التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى فعليه أولا التحقيق من قيام أحد أسباب الإباحة وبعد ذلك التحقق من شروطه .
وأسباب الإباحة ثلاثة أنواع :-
الدفاع الشرعى – أداء الواجب – استعمال الحق وسوف نعرض كل منها في الفروع الآتية :
الفرع الأول : الدفاع الشرعى .
الفرع الثانى : استعمال الحق .
الفرع الثالث : أداء الواجب .
الفرع الأول
الدفاع الشرعى
الدفاع الشرعى هو رد اعتداء حال غير مشروع يهدد بالإيذاء مصلحة قانونية( ) وقد وردت أحكامه كسبب مبيح لجريمة المعتدى عليه أو المدافع فلا عقاب مطلقا على من قتل غيره أو أصابه بجراح أو ضربه أثناء استعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله وبالنظر إلى خطورة وأهمية الدفاع الشرعى حيث أنه يرفع الصفة الإجرامية عن جريمة متكاملة الأركان فإن المشرع يورد العديد من القيود والشروط اللازم توافرها لقيام حالة الدفاع الشرعى ولذلك يجب الاعتماد على تلك القيود والشروط بند تقرير عدم مسئولية المتهم أيا كانت المرحلة التى تجتازها الدعوى الجنائية .
الشروط القانونية للدفاع الشرعى :-
لكي تقوم حالة الدفاع الشرعى لا بد من توافر شروط معينة بعضها متعلق بفعل الاعتداء والبعض الآخر متعلق بفصل الدفاع .
أولا : الشروط المتطلبة فعل الاعتداء :-
يشترط في فعل الاعتداء المبرر لحق الدفاع الشرعى أن يكون فعلا يعد جريمة وينتج عنه خطر حقيقى أو صورى فضلا عن كونه وشيك الوقوع حالا وتفسير ذلك أن لا يكفي أن يكون هناك اعتداء حتى ينشأ ذلك الحق بل لا بد أن يكون هذا الاعتداء يمثل جريمة فلا يجوز دفعه بالقوة مهما شكل خطرا على مصلحة المدافع .
والاعتداء الذي يبيح الدفاع الشرعى لا بد أن يمثل خطرا حقيقيا على المعتدى عليه إلا أنه أحيانا يعتد المشرع بالخطر الوهمى أو التصورى متى كان مبنيا على أسباب جدية ومعقولة والضابط في ذلك هو معيار الرجل المعتاد إذا وجد في نفس الظروف لتصرف نفس التصرف طالما كان في سن وقوة المدافع فضلا عن الظروف الأخرى كالإدراك والخبرة وغير ذلك من الظروف المماثلة وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية .
وينبغى أيضا أن يكون فعل الاعتداء المبيح لحق الدفاع الشرعى يمثل خطرا حال وشيك الوقوع على نحو يبرر استعمال القوة المادية لدرئة فلا يعد الخطر حالا إذا علم شخص أن إنسان يعتزم النية في الاعتداء عليه بالضرب أو القتل فبادره بالاعتداء فالخطر في هذه الحالة غير وشيك الوقوع وأخيرا لا بد أن يكون فعل الاعتداء وقع على حق يحمية القانون ويتحدد ذلك الاعتداء على النفس أو المال وسواء كان الاعتداء واقع على المعتدى أو غيره( )
الشروط المتطلبة في فعل الدفاع :-
يتطلب فعل الدفاع الصادر من المعتدى عليه شرطان :
1- لزوم هذا الفعل 2- تناسبه مع جسامه الاعتداء
شروط لزوم الدفاع يرتبط بكيفية إثبات المعتدى عليه أن الخطر الذي يهدده لم يكن في وسعه درءه بوسيلة أخرى فإذا كان بامكانيه دفع الاعتداء دون استعمال العنف أو القوه فليس له أن يرتكب الجريمة لدرء هذا الخطر وهذا الشرط يتطلب أيضا أن يوجه هذا الفعل من قبل المدافع مصدر الخطر ووجه فعل لشخص أو شيء لا يصدر عنه خطر فلا محل لاحتياجة بالدفاع الشرعى .
وإباحة الشارع لفعل الدفاع لا بد أن يكون بالقدر اللازم لدرء الخطر أى أن يكون هناك تناسب بين الدفاع والاعتداء فجريمة الدفاع لاتباح إلا بالقدر اللازم للمحافظة على الحق وهذا شرط عام في جميع أسباب الإباحة ولا يوجد معيار ثابت وحاسم لتحديد معنى التناسب الواجب بين فعل الدفاع والاعتداء والتناسب ولا يقصد به التساوى بين الضرر الممنوع وبين الضرر الذي وقع دفاعا له ولا بالتطابق أو التماثل بين الوسيلة المستعملة درءا للخطر وبين تلك التى كانت ستستعمل وإنما العبرة في المقارنة بين الوسيلة التى استخدمها المدافع وبين التى كانت تحت تصرفه أو كان في وسعه استخدامها .
وهذا موضوع نسبي يقتضى فيه الشخص المعتاد مع عدم تجاهل الظروف الأخرى المحيطة بوقت ارتكاب الفعل كحالته النفسية والمكان والزمان اللذين تعرض فيهما المدافع للاعتداء( )
الفرع الثانى
استعمال الحق
إذا قرر الشارع حقا ما فإن ذلك يقتضى بالضرورة إباحة الوسيلة إلى استعماله أى أن إباحة الأفعال التى يأتيها صاحب هذا الحق استعمالا لحقه إذ من غير المتصور أن يقرر المشرع حقا ثم يعاقب على الوسيلة التى تستهدف استعماله فتصطدم النصوص التشريعية في النظام القانونى الواحد بعضها البعض ونكون بصدد تناقض صارخ بين نصوص القانون وبالتالى فإنه إذا كانت الأفعال التى يؤتى بها الحق غير مشروعة بحسب الأصل فإنها تعتبر مباحة ومبررة وحيت تقع استعمالا لهذا الحق( ) ويستوى أن يكون مصدر الحق نصوص القانون الوضعى أو العرف فكلمة القانون لا تعنى فقط قانون العقوبات وإنما لكل فروع القانون كقانون الإجراءات الجنائية وكذلك الشريعة الإسلامية فمثلا مصدر حق التأديب للزوج على زوجته هو الشريعة الإسلامية الغراء وبناء على ذلك فإن أفعال الضرب والجرح التى تقع استعمالا لحق مقرر في القانون تكون مباحة لا جريمة فيها طالما التزم صاحب الحق ممارسة سلطته في ذلك بالحدود المقررة لاستعمال هذا الحق . لذلك نعرض فيما يلى أهم تطبيقات استعمال الحق وكذلك شروط استعمال كل حق مستهدفين في ذلك اعتبارها عند التقرير في الدعوى بأن لا وجه لإقامتها على أساس أن استعمال الحق أحد الافتراضات التى يصدر بناء عليها القرار . فمعني ذلك أنه لا عقوبة عن من ارتكب فعلا بنية سليمة استعمالا لحق مقرر بمقتضى الشريعة أو القانون .
تطبيقات استعمال الحق وشروطه :
أولا : حق التأديب( ) :
في كثير من الأحول ما تقتضى مصلحة الأسرة ومن ورائها مصلحة المجتمع أن يكون لبعض أفراد الأسرة سلطة على البعض الآخر مما يفترض أن تدعم هذه السلطة بالحق في توقيع الجزاء على من يخرج عليها وهذا ما يبدو سواء بالنسبة لحق الآباء في تأديب الصغار وكذلك حق الزوج في تأديب زوجته ولقد حددت الشريعة الإسلامية شروط تأديب الزوج لزوجته وبذلك تعد هذه الشروط جزءا من القانون الوضعى إذ أحال المشرع إليها ووفقا لهذه الشروط لا ينشأ للزوج حق تأديب زوجته إلا إذا أتت بمعصية وألا يكون دفع أمر هذه المعصية إلى السلطة العامة وبذلك فحق الزوج مقيد من ناحيتين وهما :
الأولى : من جهة وسيلة التأديب فالشريعة لا تبيح للزوج إلا ثلاث وسائل في الوعظ والهجر والضرب وهي مرتبة من حيث جواز الالتجاء إليها وبالنسبة للضرب عند ثبوته يجب ألا يكون شديدا أو شائنا . أما الناحية الثانية هى أن يكون الباعث في ممارسة حق التأديب هو مواجهة نشوز الزوجة.
ثانيا : حق ممارسة الألعاب الرياضية :
لا شك أن ممارسة الألعاب الرياضية تستند إلى حق وهو من الحقوق التى تشجع الدولة بوسائلها على ممارستها وتجعله من الواجبات في بعض الأحوال وبالرغم من عدم وجود قانون وضعى ينظم الألعاب الرياضية يمكن اسناد ذلك الحق إلى نص المادة 60 من قانون العقوبات المصرى . وعلى ذلك فإن ممارسه الألعاب الرياضية وما يترتب عليها من عنف تكون مباحة . بشرط حصولها وفق القواعد المقررة لممارسة اللعب وهي:
1- أن تكون أفعال العنف قد ارتكبت أثناء المباراة
2- يتعين اتيان الفعل وقواعد اللعبة المتعارف عليها
ثالثا : حق مباشرة الأعمال الطبية :
اعترف الشارع والقضاء والفقه بمهنة الطب ونظم قواعد مباشرتها وقرر إباحة الأفعال التى تترتب على ذلك طالما روعيت القواعد المقررة قانونا لمباشرته ويتعين لإباحة العمل الطبى عدة شروط هي:-
1- أن يكون من باشر العمل الطبى شخص رخص له القانون ممارسة مهنة الطب ويستوى في ذلك أن يكون الترخيص عام شامل للأعمال الطبية أو مقتصر على بعضها .
2- لا بد من رضاء المجنى عليه في إجراء العملية الجراحية سواء رضى صريح أو ضمنى والرضا كما يصدر من المريض نفسه يجوز صدوره ممن يمثله قانونا .
3- لا بد أن يكون غرض الدكتور في إجراء العملية الجراحية مشروعا وهو العلاج .
فإذا تخلف شرط من الشروط السابقة يستتبع القول بعدم مشروعية العمل الطبى وخضوعه لنصوص التجريم .
وفي النهاية يمكن القول أن أثر الإباحة ينصب على الفعل لا على شخص الفاعل أى أن هذا الأثر متعلق بالتكييف القانونى للفعل دون أن يكون له علاقة بإرادة الفاعل . وينتج عن الأثر الموضوعى للإباحة أثر إجرائى وهو ضرورة وقف السير في إجراءات الدعوى تجاه من توافر له سبب مبيح مما يقتضى الحكم ببراءته إذا كانت الدعوى قد اجتازت مرحلة المحاكمة أو صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا كانت الدعوى في مرحلة التحقيق الابتدائى .
الفرع الثالث
استعمال السلطة( )
لا شك أن طاعة القانون تتم عن طريق تنفيذه سواء مباشرة من قبل المواطنين أو الموظفين أو بطريق غير مباشر بواسطة الأوامر الصادرة من الرؤساء إلى مرؤوسيهم بتفيذ الاختصاصات الموكلة إليهم . وبناء على ذلك لا جريمة إذا وقع الفعل من الموظف في الأحوال التالية :-
1- إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر من رئيس وجبت طاعته
2- إذا ارتكب فعلا تنفيذيا كما أمر القانون
تطبيقات استعمال السلطة:
أولا : إتيان الفعل تنفيذا لما أمر به القانون :
لا جريمة على فعل الموظف إذا جاء تنفيذا لما أمر به القانون فقد يعهد إلى الموظف باختصاص محدود دون أن يكون له سلطة تقديرية ولا صعوبة في ذلك لأن تنفيذ الموظف لاختصاصه يكون صحيحا ومباحا وقد يكون للموظف سلطة تقديرية في تنفيذ القانون فإن ما يأتيه في حدود هذه السلطة يكون صحيحا لأن القانون هو الذي منحه هذه السلطة . ولكن ينبغي في ان يتوافر السبب المنشئ لهذه السلطة وكذلك يجب أن يكون عمل الموظف مطابقا للشروط الشكلية الموضوعية التى يتطلبها القانون فضلا عن استهداف الموظف الغاية المشروعة من تخويله السلطة التقديرية .
ثانيا : إتيان الفعل تنفيذا لأمر رئيس وجبت طاعته :
في هذه الحالة يجتمع أمر القانون وأمر الرئيس معا أى أن أمر الرئيس لا تجب طاعته إلا إذا كان مطابقا للقانون فلابد من مشروعية أمر الرئيس وإذا كان أمر الرئيس مطابقا للقانون فتنفيذه مشروع ولو اعتقد المرؤوس أنه مخالف للقانون ذلك لأن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فإن توافرت شروطها تحقق أثرها دون اعتداد بعقيدة من ارتكب الفعل فالجهل بالإباحة لا يحول دون الاستفادة منها.
المطلب الثالث
موانع المسئولية
يقصد بموانع المسئولية الأسباب التى تعرض لمرتكب الفعل الإجرامى فتجعل إرادته غير معتبرة قانونا . أي أنه إذا أتى الفاعل جريمته وهو غير متمتع بالقدرة على التمييز والإدراك تكون جريمته متوافرة في صورتها المادية ولكن تفتقد أحد عناصر الركن المعنوى وهو الإرادة مما يعيب سلوكه الإجرامى فلا يعد محلا للمسئولية الجنائية .
واعتبار موانع المسئولية من الأسباب التى تستند إليها سلطة التحقيق للتصرف في الدعوى الجنائية بعدم وجود وجه لإقامتها يتطلب توافر الشروط المقررة قانونا لامتناع المسئولية وهى تختلف باختلاف المانع وفيما يلى نعرض هذه الموانع في الفروع الآتية :
الفرع الأول : حالة الضرورة .
الفرع الثانى : السكر .
الفرع الثالث : الجنون أو العاهة العقلية .
الفرع الرابع : صغر السن .
الفرع الأول
حالة الضرورة
حالة الضرورة هى مجموعة من الظروف تهدد شخصا بالخطر وتوحى إليه بطريقة الخلاص منه بارتكاب فعل إجرامى معين . والغالب في حالة الضرورة أنها ليست ثمرة عمل الإنسان وإنما هى وليدة قوى الطبيعة . واعتبار الضرورة من موانع المسئولية يستلزم توافر الشروط المقررة قانونا وعلى نحو تشير إليه نص المادة (61) من قانون العقوبات .
وتشترط المادة (61) من قانون العقوبات إنه يستلزم لتوافر حالة الضرورة شروط متعددة سواء متعلقة بالخطر المهدد به الفاعل أو تلك المرتبطة بفعل الضرورة أما بالنسبة لشروط الخطر المهدد به الفاعل فينبغى أن يكون خطراً مهددا ً للنفس أو المال فضلا عن كونه جسيما و حالا ولا دخل للمتهم في حلوله . وكذلك يشترط في فعل الضرورة أن يكون من شأنه التخلص من الخطر وأن يكون الوسيلة الوحيدة لذلك.
والنتيجة المترتبة على توافر شروط حالة الضرورة السابق ذكرها هو أن تمنع الفاعل عن ارتكاب الفعل ولكن هذا الأثر لا يترتب إلا إذا تحقق سلطة التحقيق الابتدائى توافر جميع الشروط المقررة لقيام هذه الحالة ( )
الفرع الثانى
السكر
السكر يعرف بأنه حالة عارضة ينحرف فيها الوعى أو تضعف السيطرة على الإرداة نتيجة لمادة أدخلت في الجسم فالسكر في حد ذاته حالة نفسية وإن كان مرجعه إلى تأثير مواد معينة على الجسم وخاصة خلايا المخ .
والسكر سواء كان اختياريا أو غير اختيارى من شأنه أن يفقد الشعور والاختيار وبالتالى فكلاهما يؤدى إلى ارتكاب الجريمة دون إرادة أو وعى ويتفق الفقه على أن السكر الغير اختيارى وحده هو الذي يعد مانعا للمسئولية الجنائية طالما توافرت شروطه ويكون السكر اختيارى في حالتين الأولى : أن يتناول المتهم المادة المخدرة تحت تأثير إكراه مادى أو معنوى استجابة لضرورة كعلاج مرض أو تناول المادة المخدرة دون علم منه أنها مخدرة( ) .
والضابط في اعتبار السكر الغير اختيارى مانع المسئولية هو ضرورة أن يكون فقدان الشعور والاختيار وقت ارتكاب الجريمة أى أن فقدان الشعور في وقت سابق أو لاحق لارتكاب الجريمة لا يمنع المسئولية الجنائية بل يبقيها قائمة .
وبالتالى إذا ثبت للمحقق توافر شروط السكر المانع للمسئولية فإنه يوقف السير في الدعوى ويصدر أمرا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وإذا تعدد المتهمون فإنه لا يستفيد من القرار إلا من توافر لديه هذا المانع .
الفرع الثالث
الجنون أو العاهة العقلية
نصت المادة (62) من قانون العقوبات على (أنه لا عقاب على من يكون فاقد الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما بالجنون أو عاهة في العقل) فالنص يشير إلى حكم امتناع المسئولية في حالة الجنون أو إصابة المتهم في عقله . وبالرغم من صعوبة وضع تعريف محدد للجنون إلا أنه يتعين توافر شروط معينة في المرض العقلى يتعين اعتمادها عند التقرير في الدعوى بأن لا وجه لإقامتها .
شروط الجنون المانع للمسئولية( )
1- الإصابة بالجنون أو ما في حكمه : المتهم الذي تمتنع مسئوليته هو من كان مصابا بمرض عقلى يفقد الشعور والاختيار على نحو لا يستطيع إدراك معنى الفعل الذي يرتكبه وليس بمقدرته معرفة أن الفعل الذي يأتيه محظور قانونا .
2- أن يكون الجنون تاما : وهو ما يكون المرض فيه من الجسامة على نحو يفقد الشعور والاختيار كلية أى عند انعدام الأهلية وهى مناط امتناع المسئولية ويخرج من هذا المدلول من يصاب بمرض عقلى ينقص إدراكه بحيث لا يتأتى حسبانه بين العقلاء ولا بين المجانين .
3- أن يكون فقد الشعور والاختيار معاصر لوقت ارتكاب الفعل : وهذا تطبيق للقاعدة العامة التى تقضى بأن الوقت الذي يتعين أن يتوافر فيه مانع المسئولية هو وقت ارتكاب الفعل . مما يفيد أنه يتعين أن يكون الجنون معاصرا لوقت ارتكاب الجريمة وسواء كان الجنون عاما ومستمرا أو متقطعا فالفعل ينبغى أن يتم تحت تأثير عاهة عقلية .
ولا خلاف على أن الجنون الطارئ بعد ارتكاب الجريمة يبقى المسئولية قائمة ولكن ينحصر أثره القانونى للإجراءات الناشئة للجريمة التى تتخذ في مواجهة ويفترض مساهمة فيها .
وعلى ذلك فإن سلطة التحقيق الابتدائى في إصدار القرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى في حالة ثبوت جنون المتهم يتطلب منها التثبت من شروط المانع .
الفرع الرابع
صغر السن( )
تتفق التشريعات العقابية على أن الإنسان لا يعتبر مسئولا جنائيا إلى في الوقت الذي يقدر فيه نتائج أعماله التى يرتكبها فبعض من المسئولية الجنائية الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز .
ولقد نصت المادة (64) من قانون العقوبات (لا تقام الدعوى على الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة) فالمتهم الذي لم يبلغ سن التمييز جدير بعدم الملاحقة الجنائية لانتفاء قدرته على الإدراك والتمييز مما يستوجب عدم رفع الدعوى الجنائية ضده بحيث إذا حركت الدعوى ضده أمام سلطة التحقيق فأنها تقرر عدم وجود وجه لإقامة الدعوى لصغر السن ولو كان شاذا أو مميزا أى أن إدراكه سبق سنه .
فإذا ارتكب المتهم جريمة معينة وقد تجاوز سن التمييز ولم يتجاوز سن الرشد فإنه يخضع لإجراءات وتدابير لا تتضمن معنى الإيلام والعقوبة وإنما تهدف إلى إصلاح الصغير وينظم ذلك قانون الأحداث المصرى الصادر برقم 31 لسنة 1974 .
المطلب الرابع
موانع العقاب
قد يصدر القرار بألا وجه لإقامة الدعوى عند توافر عذر معفى من العقاب للمتهم فرغم أن هذه الموانع لا تنفى الجريمة بركنيها المادى والمعنوى حيث تفترض قيامها ومسئولية الفاعل عنها إلا أن المشرع لاعتبارات مصلحية يقرر إعفاء المتهم من العقاب عن جريمته إذا كان هذا الإعفاء في نظره يحقق مصلحة تعلو على التى يحققها توقيع العقاب .
ما هيه موانع العقاب :-
رغم أن موانع العقاب تفترض قيام الجريمة بركنيها المادى والمعنوى ومسئولية فاعلها إلا أن الفقه اختلف في تكييفها فذهب جانب إلى جعل هذه الموانع من أسباب وذلك لأن الجريمة واقعة طبيعية لا يتصدر انقضاؤها وهى من الوجهة القانونية قد تبغى على بعض الآثار القانونية للواقعة كاحتسابها في حالة العود.
ولكن الرأى الأولى بالاتباع هو أن موانع العقاب أثرها قاصر على عدم تطبيق العقاب في الوقت الذي تبقى فيه الجريمة قائمة( ) .
نطاق تطبيق الموانع :
يتوقف تحديد نطاق الموانع على أساس نوع المنفعة التى يحققها المانع من العقاب فاعتبارات المنفعة تحددها السياسة العقابية وفي إطارها تتحدد هذه الموانع فلا تتحدد هذه الموانع إلا في نصوص القانون.
تقدير صدور القرار بألا وجه لإمتناع العقاب( ) :
إذا كان الأصل أن توافر العذر المعفى من العقاب من اختصاص القضاء إلا أنه لا يوجد ما يحول دون اعتبارها خلال مرحلة التحقيق الابتدائى ولاسيما أن المانع يكون ثابتا بنص القانون . وبالتالى فإنه يفترض أن يدفع به المتهم بمعنى أن سلطة التحقيق أو محكمة ليست ملزمة بتقصى الأعذار المعفية من تلقاء نفسها وكذلك أن تخول سلطة التحقيق تقرير مانع العقاب وإصدار أمر بألا وجه لصالح من تقرر له هو في الوقت نفسه تبسيط الإجراءات .
المبحث الثاني
الأسباب الموضوعية
الأسباب الموضوعية التى لا تخرج عن عدم صحة الواقعة أو عدم معرفة الفاعل أو عدم كفاية الأدلة وهذه الأسباب قد تصدر من النيابة العامة أو من قاضى التحقيق ولكن قد تتسع سلطة النيابة العامة ليدخل في اختصاصها وحدها سبب آخر وهو عدم الأهمية أى قد تكون الواقعة تخضع للعقاب قانونا وذلك إذا رأت عدم ملائمة السير فيها لتوافر اعتبارات ترى أنها قد تقلل من خطورتها .
وسوف نقسم دراستنا لهذا المبحث إلى مطالب أربعة :-
المطلب الأول : عدم كفاية الأدلة .
المطلب الثاني : عدم صحة الواقعة .
المطلب الثالث : عدم معرفة الفاعل .
المطلب الرابع : عدم الأهمية .
المطلب الأول( )
عدم كفاية الأدلة
عدم كفاية الأدلة كسبب موضوعى يبنى عليه الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى يتوافر إذا رأى المحقق أن الأدلة التى أسفر عنها التحقيق غير كافية لترجيح الإدانة . كما لو اتهم شخص بجريمة قتل ولم تقم عليه من الأدلة سوى شهادة بعض الشهود إلا أنهم اختلفوا في شهادتهم بما يحتمل عدم الثقة بهم ومفهوم الأدلة يختلف في مرحلة التحقيق عنه في مرحلة المحاكمة أى أنه إذا رأى المحقق أن الأدلة غير كافية لإدانة المتهم فإنه يأمر بوقف السير في إجراءات الدعوى لكن إذا ظهرت دلائل جديدة تقوى الأدلة ضد المتهم فإنه يعدل عن القرار ويأمر بالعودة إلى السير في الدعوى من جديد ولكن يختلف الأمر فيما لو قدر قاضى الموضوع الحكم بالبراءة لعدم كفاية الأدلة لأن ذلك معناه انقضاء الدعوى وعدم العودة إليها بأى سبب من الأسباب .
والقرار بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم كفاية الأدلة يتعلق بماديات الجريمة من حيث حصولها ونسبتها إلى المتهم مما يدل على فروض متعددة إما لعدل وقوع الجريمة , أو لعدم صحة الواقعة , أو عدم معرفة الفاعل .
المطلب الثانى ( )
عدم صحة الواقعة
يستند هذا الافتراض إلى وجود جريمة واقعة فعلا ودعوى مرفوعة عنها ضد متهم معين إلا أنه يثبت لسلطة التحقيق بعد تمحيص الأدلة وتقديرها عدم وجود أدلة قوية على أن المتهم هو الذي أدلة قوية على أن المتهم هو الذي ارتكب الجريمة بمعنى آخر وجود أدلة تقطع بعدم صحة الاتهام المنسوب إلى المتهم لأن الواقعة المدعاة غير صحيحة وزائفة كما لو أبلغ عن حادث ثبت في التحقيق أن الواقعة المدعى بها لم تقع أصلا .
المطلب الثالث ( )
عدم معرفة الفاعل
يقوم هذا الافتراض على وجود جريمة معينة لكن تتوصل سلطة التحقيق إلى جمع الأدلة التى تكفى لمعرفة الفاعل بمعنى أنه لا توجد أدلة على نحو ما يكفى لتحديد معنى ينسب إليه الاتهام فتصدر سلطة التحقيق في هذه الحالة قراراً بأن لا وجه لعدم معرفة الفاعل .
ويستوى في هذه الحالة أن تكون الدعوى رفعت ابتداء ضد مجهول أم أن تكون رفعت ضد متهم معلوم ثم ظهر من التحقيق عدم صحة الاتهام الذى وجه إليه فتقيد الدعوى في هذه الحالة ضد مجهول .
والنيابة العامة في تقديرها للأدلة الكفاية لإحالة المتهم إلى المحاكمة لا تلتزم بنصاب معين للشهادة كما هو معلوم من حرية الإثبات في المواد الجنائية ولكنها مع ذلك ملزمة بقدر أدنى من الأدلة تصلح في المنطق القانونى لتبرير الإحالة .
المطلب الرابع
عدم الأهمية
للنيابة العامة في مصر بوصفها سلطة التحقيق الابتدائى أن تتصرف في التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى وفقا لاعتبارات لا صلة لها بالقانون أو الأدلة القائمة فلها أن تأمر بعد وجود وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية مع أن الواقعة تخضع للعقاب قانونا إذا استهدفت صرف النظر عن الدعوى لتوافر اعتبارات ترى أنها قررت من خطورتها أو عدمها كما في حالة الصلح بين أطراف الخصومة أو الشئ المسروق أو الاكتفاء بالجزاء الإدارى إذا كان المتهم موظفا عاما وأن يكون الضرر المترتب على الجريمة تافها أو أن تراعى صلة القرابة بين الخصوم أو غير ذلك من الاعتبارات التى تخضع لتقدير النيابة العامة وحدها وحقها هذا يقابل حقها في الحفظ بعدم الأهمية بناء على محضر جمع الاستدلالات( ) .
والنيابة العامة وحدها التى تملك إصدار أمر بألا وجه لعدم الأهمية في حين أن قاضى التحقيق لا يملك إصدار الأمر إلا بناء على أسباب واقعية أو موضوعية ولا يملك إصداره لعدم الأهمية . وتمييز النيابة العامة بهذا الحق هو سلطان خطير لا تملكه محكمة الموضوع لحين حيث لا يجوز لها بناء حكمها على عدم الأهمية .
ولقد ثار الجدل في الفقه المصرى بين مؤيد ومعارض في الاعتراف للنيابة العامة بسلطة التقدير بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية فهناك من يرى التسليم للنيابة لهذه السلطة وفقا لما درج عليه العمل وقضاء النقض في حين يذهب جانب آخر إلى عدم التسليم للنيابة بهذه السلطة استنادا لإلتزامها بذات القيود التى ترد على سلطة قاضى التحقيق وقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى التسليم للنيابة العامة الحق في التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى لغير الأسباب التى يتقيد بها القاضى استندت أحكام النقض إلى أن النيابة العامة تجمع بين طرف من السلطة القضائية وآخر من السلطة الإدارية وأنها بهذه الصفة قد تحتاج في تصرفها إلى قسط من المرونة لا يرى قاضى التحقيق أنه بحاجة إلى مثله لأن مهمته قضائية( )
الفصل الثالث
الآثار القانونية للأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لا يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية بل يوقف السير في إجراءات الدعوى بحالتها فإذا ما ظهرت أدلة جديدة أو إذا ألغى الأمر من الجهة المرفوع إليها الطعن أو من النائب العام تغيرت حالة الدعوى وجاز العودة إلى السير في إجراءاتها .
وكذلك يترتب على صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أثر آخر يتمثل في ضرورة الإفراج عن المتهم الصادر الأمر لصالحه متى كان محبوسا احتياطيا وبناء على ما تقدم فإننا سوف نقسم دراستنا لهذا الفصل إلى مبحثين :
المبحث الأول : وقف السير في إجراءات الدعوى الجنائية .
المبحث الثانى : الإفراج عن المتهم المحبوس احتياطيا .
المبحث الأول
وقف السير في إجراءات الدعوى الجنائية
إذا أصدر الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى التزمت سلطة التحقيق بعدم العودة إلى الدعوى أو اتخاذ أى إجراء من إجراءات التحقيق وكذلك يمتنع على المدعى بالحقوق المدنية رفع الدعوة مباشره أمام القضاء الجنائى وإذا ما رفعت الدعوى خطأ أمام قضاء الحكم يتعين عليه أن يقضى بعدم قبولها وسوف نعرض هذه الآثار فيما يلى :
أولا : التزام سلطة التحقيق بعدم العودة إلى الدعوى الجنائية( )
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر من سلطة التحقيق يجوز حجية إذاء سلطة التحقيق ذاتها بحيث يمتنع عليها العودة إلى الدعوى متى ظل الأمر قائما ومضى ذلك أن أى إجراء تتخذه سلطة التحقيق الابتدائى بعد إصدارها للأمر بألا وجه يعد باطلا كما يمتنع عليها بالضرورة إقامة الدعوى عن ذات الواقعة التى صدر فيها الأمر متى ظل الأمر قائما .
ثانيا : سقوط الحق في الادعاء المباشر أمام المحكمة( )
إذا أصدرت سلطة التحقيق أمرا بأن لا وجه فإن للمدعى المدنى الطعن فى هذا الأمر بالاستئناف أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة . فإذا أصبح الأمر نهائيا نتيجة رفض الطعن أو فوات ميعاده فلا يجوز للمدعى المدنى أن يلجأ بدعواه إلى طريق الادعاء المباشر وإلا كانت غير مقبولة .
ولقد قضت محكمة النقض ان الأمر بألا وجه له قوة الأمر المقضى بما يمتنع معه تحريك الدعوى الجنائية صدوره وهذا الحكم عام ينصرف إلى كافة أطراف الدعوى سواء النيابة العامة أو المدعى المدنى
ثالثا : الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية لسابقة صدور أمر بألا وجه لإقامتها )
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يكسب المتهم حقا في ألا تعود سلطة التحقيق إلى الدعوى ويمنع كذلك سلطة التحقيق من رفع الدعوى أمام قضاء الحكم ويترتب على ذلك أنه إذا ما رفعت الدعوى خطأ أمام محكمة تعين عليها أن تحكم بعدم قبولها والدفع بعدم قبول الدعوى لسبق صدور أمر بألا وجه لإقامتها يتعلق بالنظام العام فيجوز ابداؤه في اية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض ويشترط لصحة الدفع أن تكون الواقعة واحدة في الدعويين وكذلك المتهم .
المبحث الثانى
الإفراج عن المتهم المحبوس احتياطيا
النصوص القانونية صريحة في ضرورة الإفراج عن المتهم الذي يصدر لصالحه أمراً بألا وجه بمعنى أن هذا الإفراج يتم بقوة القانون وبمعرفة السلطة التى باشرت التحقيق . إذا فالأمر بالإفراج يرتبط وجودا وعدما مع التقرير في الدعوى بأن لا وجه لإقامتها ومن الملاحظ أن النصوص القانونية المتعلقة بتحديد السلطة المختصة لإصدار الأمر تتضمن النص صراحة على وجوب الإفراج عن المتهم الصادر لصالحه القرار مما يفيد أن أمر الإفراج حتمى أو يتم بقوة القانون .
وأمر الإفراج عن المتهم يتم وقت تنفيذه إلى حين صيرورته نهائيا ويكون ذلك إما بفوات مواعيد الطعن وهى مدة الأيام الثلاثة من تاريخ صدوره بالنسبة للمدعى بالحق المدنى ويبقى المتهم محبوس خلال هذه المدة فإذا فات ميعاد الطعن دون تقديم الطعن في القرار يتم الإفراج عنه فورا . أما إذا قدم الطعن إلى الجهة الاستئنافية يبقى المتهم محبوسا لحين البت في أمر الاستئناف . لكن المهلة المقررة لطعن النائب العام لا توقف تنفيذ أمر الإفراج .
سلطة التحقيق الابتدائى هى المختصة بإصدار أمر الإفراج مما يتوافق مع القاعدة الأصولية (من يملك التحقيق في الدعوى وهو الذي يملك بالتالى التصرف بها ) وعلى ذلك إذا كانت النيابة العامة هى التى باشرت التحقيق في الدعوى هى التى تصدر أمر الإفراج مع مراعاة الاختصاص النوعى والشخصى كما لو كان الأمر بألا وجه صادر في جناية فهو من اختصاص المحامى العام لذلك يكون أمر الإفراج من اختصاصه أما إذا باشر التحقيق في الدعوى قاضى التحقيق يكون هو المختص بتقرير أمر الإفراج( )
وكذلك يتعين على سلطة التحقيق عند إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى أن تفصل في كيفية التصرف في الأشياء المضبوطة ما لم تكن حيازتها تعد جريمة مما يتعين معه مصادرتها ويعد المحقق متجاوزا لحدود سلطته إذا امتنع عن رد الأشياء المضبوطة بحجة أنها غير مفيدة للمتهم( )
الفصل الرابع
إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية
لقد حدد المشرع بعض الإجراءات للرقابة على سلطة التحقيق وما تصدره من أوامر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية حيث أجاز إلغاء هذا الأمر من النائب العام خلال الثلاثة أشهر التالية لصدوره إذا كان صادر من النيابة العامة . وكذلك أجاز الطعن في هذا الأمر بالاستئناف سواء كان صادر من النيابة العامة أو قاضى التحقيق ويكون لكل ذي مصلحة في الطعن مباشرته . وسوف نتعرض لطرق إلغاء الأمر بألا وجه في المبحثين التاليين :
المبحث الأول : إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من النائب العام
المبحث الثاني : إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية عن طريق الطعن بالاستئناف
المبحث الأول( ) ( )
إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية من النائب العام
نصت المادة 211 إجراءات على أن (للنائب العام أن يلغى الأمر بألا وجه في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرار من محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة بحسب الأحوال برفض الطعن المدفوع في هذا الأمر ) رغم أن اختصاص النيابة العامة بالتحقيق هو اختصاص أصيل لا يستمدونه من النائب العام إنما يباشرونة مستمدين سلطتهم من القانون مباشرة باعتبار أنها تحل محل قاضى التحقيق مباشرته إلى أن القانون حول للنائب العام من بين اختصاصاته الذاتية سلطة التعقيب على الأمر بألا وجه حتى يمكنه تدارك ما قد يقع من خطأ في تطبيق القانون أو تأويله .
والقرار الصادر بالإلغاء يعد قرار قضائى وليس إدارى بوصف النائب العام جهة قضائية ولا يتوقف صدوره على إجراءات معينة فيجوز للنائب العام إصداره من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من المدعى المدنى .
وتقتصر سلطة النائب العام في الإلغاء على الأوامر الصادرة من النيابة العامة ولا تمتد هذه السلطة إلى ما يصدره قاضى التحقيق من أوامر ولكن يشترط ألا يكون النائب العام هو الذي أصدره . وقد يلغى الأمر لخطأ في تطبيق القانون أو بطلان في الأمر قد يبنى على مجرد اختلاف الرأى في تقدير الأدلة بين النائب العام وبين عضو النيابة الذي أصدر الأمر .
ويشترط لصحة إلغاء الأمر من النائب العام أن يكون خلال الثلاثة أشهر التالية لصدوره كما يشترط ألا يكون قد طعن فيه بالاستئناف أمام محكمة الجنايات أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة وقضى برفض الطعن المرفوع عن هذا الأمر ويترتب عليه إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية زوال حجيته المؤقتة ويجوز للنيابة العامة رفع الدعوى الجنائية إلى المحكمة أو أن نستكمل التحقيق وفي هذه الحالة لها أن تصدر أمرا جديدا بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ويخضع هذا الأمر لإلغاء النائب العام .
المبحث الثانى
إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية عن طريق الطعن بالاستئناف
ينظم القانون المصرى إجراءات الرقابة على ما تصدره سلطة التحقيق من أوامر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية حيث أجاز الطعن فيها بطريق الاستئناف فالجهة الاستئنافية التى يرفع إليها الطعن بالاستئناف تتولى الفصل في هذا الاستئناف من حيث الشكل فإذا قبلته شكلا تفصل في موضوعه إما بقرار بتأييد الأمر بألا وجه أو بإلغاؤه .
أولا : من له حق الطعن بالاسئناف( )
يبدو جليا أن الصفة والمصلحة هى المناط في كل طعن قضائى بحيث يتعين أن يكون للطاعن صفة ومصلحة مباشرة عند تقديمه للطعن بالاستئناف في الأمر بألا وجه وتعد النيابة العامة بوصفها الأمينة على الدعوى الجنائية هى الطرف الأول الذي تثبت له المصلحة في الطعن في الأمر الصادر من قاضى التحقيق كما يعد المدعي بالحق المدني الذي اكتسب إبتداء صفة الخصم في الدعوي هو الطرف الآخر الذي تتوافر له المصلحة المباشرة للطعن سواء الصادر من قاضى التحقيق أو من النيابة العامة
ثانيا : إجراءات الطعن بالاستئناف :-
إن الطعن بالاستئناف في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى لا يعد مقبولا إلا إذا تم وقف الإجراءات والأشكال المقررة قانونا من حيث التقرير بالطعن في المواعيد المقررة قانونا .
1- التقرير بالاستئناف( )
يحصل الطعن بالاستئناف في الأمر بألا وجه بتقرير في قلم كتاب المحكمة سواء كان المستأنف النيابة العامة أو المدعى المدنى وهذا التقرير إجراء جوهرى حتى تدخل الدعوى في حوزة الجهة الاستئنافية ولا يغنى عنه أى إجراء آخر . وهذا التقرير ما هو إلا عمل إجرائى يباشره المستأنف أمام موظف مختص بتحريره هو كاتب المحكمة المعين بتحريره ويعد الاستئناف قائما بصرف النظر عن توقيع المقر أو عدم توقيعه ولا يشترط أن يتضمن التقرير أسباب الاستئناف .
2- ميعاد الاستئناف ( )
يتعين أن يتم التقرير بالطعن في الاستئناف خلال المدة المقررة قانونا وكما أوضحنا من قبل أن المستأنف قد يكون النيابة العامة أو المدعى المدنى وسوف نوضح فيما يلى ميعاد الاستئناف للنيابة العامة :
أ- ميعاد استئناف النيابة العامة :
حدد المشرع ميعاد الاستئناف بالنسبة للنيابة العامة بموعد عشرة أيام كقاعدة عامة لجميع الأوامر الصادرة من قاضى التحقيق بما فيها الأمر بألا وجه عدا أمر الإفراج عن المتهم في جناية فيكون الميعاد هو أربع وعشرين ساعة .
ب- ميعاد استئناف المدعى المدنى :-
حدد المشرع ميعاد الاستئناف بالنسبة للمدعى المدنى بعشرة أيام سواء كان الأمر بألا وجه صادر من قاضى التحقيق أو من النيابة العامة .
ويبدأ ميعاد الاستئناف من تاريخ صدور الأمر بألا وجه إذا كان المستأنف النيابة العامة ويبدأ من تاريخ إعلانه إذا كان المستأنف المدعى المدنى .
ثالثا : آثار الطعن بالاستئناف 🙁 )
الاستئناف المرفوع عن قرارات سلطة التحقيق الابتدائى يترتب عليه أثران :
الأول : أثر موقف الثانى: أثر ناقل . فإذا كانت القاعدة العامة أن الأحكام النهائية التى لا يجوز الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن وهى وحدها القابلة للتنفيذ فإن الأمر خلاف ذلك بالنسبة للطعن المرفوع عن قرارات سلطة التحقيق فالبرغم من أن قراراتها غير فاصلة في الموضوع إلا أنه لايترتب على استئناف يتقيد بصفة المستأنف التى تتحدد على أساسها حدود الوقائع والطلبات التى تعرض على الجهة الاستئنافية ففى حدود هذه القواعد يتحدد مدلول الأثر الناقل .
* بقلم الدكتور عادل عامر *
اترك تعليقاً