يتذمر الكثير من المتقاعدين من ارتفاع فوائد استبدال المعاش التقاعدي. فالاستبدال عبارة عن قرض تعطيه التأمينات الاجتماعية للمستحقين بفوائد يفترض أن تساوي الأرباح الافتراضية لاستثمارات التأمينات، ولكنه يختلف عن القروض التقليدية بسقوط حق التأمينات بالمطالبة بالمبالغ المستحقة في حال وفاة المستبدل، أي كأنه قرض تقليدي مضاف إليه تأمين على الحياة للمبلغ المستبدل طوال مدة الاستبدال أو القرض. وحتى نتبين صحة أو عدم صحة تذمر المتقاعدين، لا بد من حساب إجمالي تكاليف الاستبدال على المستحقين.
تكاليف استبدال المعاش
لحساب تكاليف استبدال المعاش التقاعدي، تم الرجوع إلى جدول الاستبدال المنشور على موقع مؤسسة التأمينات الاجتماعية، حيث يبين الجدول المبلغ الذي سيحصل عليه المستبدل لكل دينار يدفعه شهرياً من معاشه التقاعدي أو راتبه إذا كان غير متقاعد. ويختلف هذا المبلغ بحسب سن المستبدل عند تقديم طلب الاستبدال وبحسب مدة الاستبدال. فيقل المبلغ الذي سيحصل عليه المستبدل مقابل ديناره بتقدم السن أو زيادة مدة الاستبدال. وذلك يعني أن تكاليف الاستبدال تزيد مع تقدم السن وزيادة مدة الاستبدال. مثلاً، سيدفع المستبدل ديناراً شهرياً لمدة 10 سنوات أو ما مجموعه 120 ديناراً مقابل الحصول على مبلغ استبدال لكل دينار يعادل 88 ديناراً و826 فلساً عند سن 45 سنة، ويصبح المبلغ 82 ديناراً و657 فلساً عند سن 55 سنة، و64 ديناراً و688 فلساً عند سن 65 سنة. ولو نظرنا إلى سن 55 سنة تحديداً، لوجدنا أن المستبدل عند الاستبدال لخمس سنوات يدفع ديناراً شهرياً أو 60 ديناراً كإجمالي للحصول على 49 ديناراً و782 فلساً مقدماً. ويدفع 120 ديناراً كإجمالي عند الاستبدال لمدة 10 سنوات للحصول على 82 ديناراً و657 فلساً مقدماً. ويدفع 180 ديناراً كإجمالي عند الاستبدال لمدة 15 سنة للحصول على 102 دينار و746 فلساً مقدماً.
وحتى نتعمق أكثر في التفاصيل، لا بد من معرفة أن تكاليف الاستبدال تتكون من جزأين. الجزء الأول هو فائدة تم حسابها من تكلفة استبدال المعاش عند أقل عمر في جدول الاستبدال وهو 40 سنة، وكانت بين 6.2% و6.3% سنوياً بحسب المدة. وهذه النسبة يفترض أن تساوي عائد الاستثمار الافتراضي لمحافظ التأمينات. أما الجزء الثاني، فهو لتعويض محفظة التأمينات من خطر وفاة المستبدل وضياع الأموال غير المسددة على التأمينات، حيث ترتفع احتمالات الوفاة بتقدم العمر وتم حساب تكلفة هذا الجزء من طرح إجمالي تكلفة الاستبدال من إجمالي تكلفة استبدال عمر 40 سنة لنفس المدة. وكانت أبرز النتائج كالتالي:
• عند استبدال من هو في سن 45 سنة لمدة 15 سنة جزءاً من راتبه، يكون المبلغ الذي يحصل عليه لكل دينار يستبدل هو 115 ديناراً و393 فلساً. يدفع مقابله المستبدل مبلغ 180 ديناراً على مدة 180 شهراً. أي بفائدة مركبة تعادل 6.6 % سنوياً وتكلفة إجمالية تعادل 64 ديناراً و607 فلوس، أي ما نسبته 56.0 % من المبلغ الذي حصل عليه، مقسمة إلى 53.5% فوائد و2.5 % تأميناً في حالة الوفاة.
• عند استبدال من هو في سن 55 سنة لمدة 15 سنة جزءاً من راتبه، يكون المبلغ الذي يحصل عليه لكل دينار يستبدل هو 102 دينار و746 فلساً. يدفع مقابله المستبدل مبلغ 180 ديناراً على مدة 180 شهراً، أي بفائدة مركبة تعادل 8.6% سنوياً وتكلفة إجمالية تعادل 77 ديناراً و254 فلساً، أي ما نسبته 75.2% من المبلغ الذي حصل عليه، مقسمة إلى 53.5% فوائد و21.7% تأميناً في حالة الوفاة.
• عند استبدال من هو في سن 65 سنة لمدة 10 سنوات جزءاً من راتبه، يكون المبلغ الذي يحصل عليه لكل دينار يستبدل هو 64 ديناراً و688 فلساً فقط، يدفع مقابله المستبدل مبلغ 120 ديناراً على مدة 120 شهراً، أي بفائدة مركبة تعادل 14.8 % سنوياً وتكلفة إجمالية تعادل 55 ديناراً و312 فلساً، أي ما نسبته 85.5 %من المبلغ الذي حصل عليه، مقسمة الى 33.8 %فوائد و51.7 %تأميناً في حالة الوفاة.
• عند استبدال من هو في سن 65 سنة لمدة 15 سنة جزءاً من راتبه، يكون المبلغ الذي يحصل عليه لكل دينار يستبدل هو 69 ديناراً و269 فلساً فقط، يدفع مقابله المستبدل مبلغ 180 ديناراً على مدة 180 شهراً، أي بفائدة مركبة تعادل %16.8 سنوياً وتكلفة إجمالية تعادل 110 دنانير و731 فلساً، أي ما نسبته %159.9 من المبلغ الذي حصل عليه، مقسمة إلى 53.3 %فوائد و106.4% تأميناً في حالة الوفاة! حيث يكون التأمين على الوفاة في هذه الحالة أعلى من إجمالي ما يحصل عليه المستبدل أو أعلى من إجمالي قيمة القرض، وهو أمر مستغرب جداً!
مما سبق يتبين أنه على الرغم من أن نسبة الـ6.3 %مقبولة كفائدة سنوية مركبة، لأن الفائدة على الاستبدال لا يفترض أن تكون أقل من العائد الافتراضي السنوي على محفظة التأمينات الاستثمارية، فإن ما كان مستغرباً ومثيراً للدهشة هو جزء التأمين على الوفاة الذي كان أعلى من أصل القرض أو المبلغ المستبدل في بعض الحالات ووصل بنسبة الفائدة الإجمالية إلى معدلات تقارب الـ17 %سنوياً، وهي معدلات عالية جداً وغير مقبولة، مما يبين وجود مشكلة حقيقية تتمثل في تكاليف الاستبدال العالية جداً مع التقدم في السن.
عدد حالات الاستبدال وحجمها
وفق الإحصائيات السنوية لـ «التأمينات» لسنة 2015 وحتى تاريخ 2015/3/31، كان هناك 61.895 حالة استبدال للمتقاعدين، أي بعد انتهاء الخدمة لفترات 5 و10 و15 سنة. بلغ اجمالي مبالغ الاستبدال المنصرفة لها 527.4 مليون دينار بمعدل 8521 ديناراً للحالة الواحدة. مقسمة وفق سنوات الاستبدال إلى 78 %لــ15 سنة و15 % لعشر سنوات و7 %لخمس سنوات. يشكل الذكور منها نسبة %72 بمتوسط 9403 دنانير منصرفة مقابل الاستبدال للحالة مقابل 28 % للإناث وبمتوسط 6226 ديناراً للحالة.
ولو أردنا حساب جميع المستبدلين، أي بعد اضافة من استبدل وهو على رأس عمله وعددهم 7966 حالة بمعدل 8259 ديناراً بمجموع 65.8 مليون دينار لمدة 5 سنوات فقط. واضافة من تبقى من المتقاعدين الذين استبدلوا من معاشاتهم لمدى الحياة وعددهم 15365 حالة بمعدل 12131 ديناراً للحالة وبمجموع 186 مليون دينار، علماً بأن الاستبدال مدى الحياة توقف سنة 2005. لكان إجمالي حالات الاستبدال المستمرة في محفظة «التأمينات» هو 88516 حالة بمعدل 9036 ديناراً للحالة الواحدة. وكان اجمالي المبالغ المستبدلة المنصرفة يعادل 799.8 مليون دينار تتقاضى «التأمينات» عن الكثير منها فوائد فاحشة لأسباب قد تكون لها علاقة بعمولات ومضاربات وخسائر الاستثمارات التي كان سببها المدير العام السابق لمؤسسة التأمينات الاجتماعية.
هل يمكن تقليل تكلفة الاستبدال؟
تأتي تكلفة الاستبدال العالية جداً من نسبة ايرادات الاستثمارات الافتراضية لمحفظة «التأمينات» بالإضافة إلى تكلفة التأمين ضد الوفاة بسبب وقف استرجاع الأموال بعد وفاة المستبدل. لذلك سنحاول طرح بعض طرق تخفيض كل جزء على حدة وبشكل مبسط على الرغم من كثرة الوسائل والحلول وارتفاع درجة تعقيدها:
1 – الفائدة الافتراضية: حتى لا تتضرر محفظة «التأمينات» وأربحاها الافتراضية من عمليات الاستبدال، يمكن لـ «التأمينات» أن تقترض من الحكومة بفوائد تعادل فوائد قروض الحكومة بالدينار على فترات 5 و10 و15 سنة. ثم تضيف عليها «التأمينات» نسبة 1 %رسوم إدارة. مثلاً لو كانت فائدة الديون الحكومية بالدينار تعادل %3 سنوياً لمدة 15 سنة سنضيف 1 % أتعاباً إدارية لتصبح الفائدة الاجمالية 4 %بدل الــ%6.3 التي لم تتغير حتى بعد انخفاض الفائدة على مستوى العالم. وإن كانت فائدة الدين الحكومي مع الأتعاب أعلى من الــ6.3 %حينها يتم العمل بنظام التأمينات التقليدي بدل الاقتراض من الحكومة. وعند تطبيق ما سبق لن تتضرر محفظة «التأمينات» ولن تخسر الحكومة وسيربح المستبدل.
2 – التأمين ضد وفاة المستبدل: حتى لا تخسر محفظة «التأمينات» من جراء وفاة المستبدلين قبل انتهاء فترة الاستبدال، يمكن لـ «التأمينات» أن ترصد المبالغ المستحقة على المتوفين سنوياً وترفع نسبة الأتعاب الإدارية على المستبدلين الجدد بشكل يضمن تعويضها من دون الحاجة إلى فرض فوائد تفوق الــ10%سنوياً على المستبدلين للتأمين ضد الوفاة. كمثال توضيحي، لنفترض أن اجمالي مبلغ الأقساط السنوية للمتوفين خلال السنة السابقة يعادل مليون دينار. ستقوم «التأمينات» بتقدير أعداد المستبدلين للسنة المقبلة وترفع الأتعاب الإدارية بنسبة تحقق تعويضاً سنوياً لدفعات المتوفين، أي لا داعي للعمل بجداول تخفض قيمة دينار المتقاعد مع تقدم السن لأن جميع المستبدلين في المستقبل سيساهمون بتعويض خسائر حالات الوفاة. وسيتمكن جميع المتقاعدين حينها من الاستبدال بفائدة سنوية مركبة أقل من أو تقارب الــ6 % بدل الــ17 %في الحالات المتقدمة في السن عند الاستبدال.
مما سبق، يتبين بشكل واضح أنه بالإمكان تخفيض تكلفة الاستبدال العالية جداً على المتقاعدين دون سوء استغلال للمال العام أو حتى الاضرار بمحفظة التأمينات أو خلق عجز اكتواري.
محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
اترك تعليقاً