كتبت أسماء شلبى
“محاكم الأسرة ما زالت ساحة صراع محتدم بين الأزواج والزوجات فيبدو أن كلا منهم تفرغ للأخر وتعهد بالانتقام نظير سنوات العمر التى قضاها فى الخلاف
هذا ما تظهره أسباب مقيمى الدعاوى أمام المحاكم ومنها دعاوى الطاعة والنشوز، التى أصبحت وسيلة يتخذها الرجال لمحاولة قهر المرأة وجعلها تتخلى عن اللجوء للطلاق أو الخلع وتقدم فروض الولاء والطاعة للرجل، وإلا سوف تجد نفسها ناشزا وبلا حقوق.
والمعروف أن “النشوز.. هو امتناع الزوجة عن طاعة الزوج فى غير معصية، وقال تعالى (واللاتى تَخافونَ نُشوزَهُنَّ فعِظُوهُنَّ واهْجُروهُنَّ فى المَضاجعِ واضْرِبوهُنَّ فإنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيهِنَّ سبيلًا إنَّ اللهَ كان عليًّا كبيرًا”، ولكن للأسف الرجال لا ينفذون ذلك، وإنما يلجئون لتلك الدعاوى لأسباب تافهة ويأتون بشهود زور لمحاولة حرمان الزوجات من حقوقهن.
وأكدت عمليات الرصد خلال عام 2013 أن عدد دعاوى النشوز والطاعة بلغت 67 ألف دعوى وترتب عليها حرمان 19 ألف سيدة من حقهم بالنفقة الشهرية، بسبب أنها ناشز لذا قمنا بفتح هذا الملف لمحاولة معرفة المأساة التى تعانى منها السيدات اللاتى يتعرضن لتك التجربة.
التقت “اليوم السابع” داخل أروقه محكمة الأسرة ببعض الزوجات اللاتى يعانون من دعاوى النشوز، وقالت “منال.ك” 30 عاما فى الطعن الذى قدمته على الحكم بأنها ناشز بمحكمة مصر الأسرة مصر الجديدة: عندما تستحيل العشرة ببننا فمن المفترض أن ننفصل وهذا ما طلبته، ولكنه رفض وعندما قررت أن أقيم دعوى خلع فاجأنى بإقامة دعوى طاعة، ولكن لم يأت لى أخطار على المنزل فلم أنفذ الحكم مما جعلنى ناشزا بسبب مرور 30 يوما دون رجوعى له ومن ساعتها وأنا أعانى.
وقالت “عفاف.م” من أمام محكمة الأسرة بروض الفرج أنها تزوجت منذ 15 عاما، وكل ما فعلته أنها اعترضت أن يتزوج عليها فحرمها من الإنفاق على أولادها وعندما تركت المنزل، وأقامت دعوى نفقة ضده أقام عليها دعوى نشوز وحرمها من حقها ومن وقتها ولا تجد من يساعدها فى الإنفاق على أولادها فلا دخل لديها.
وذكرت “ريهام عتمان” محامية أحوال شخصية :”مطالب الطاعة القانونية لا تخرج عن الشريعة الإسلامية التى جعلت الطاعة فى مقابل الإنفاق، والقانون الحالى يقر التزام الطرفين كل بواجباته، والاستقرار فى مسكن الزوجية هو الطاعة، وعدم الاستقرار هو النشوز وفى الحالة الثانية لا يلزم الزوج بالإنفاق على زوجته لإجبارها على العودة.
وتابعت “ريهام”: النص القانونى فى المادة 11 من القانون 52 لسنة 9291 المعدل (إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف النفقة من تاريخ الامتناع، وتعتبر دون وجه حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج لها بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين فى هذا الإعلان المسكن)، بناء عليه أصبحت الطاعة مدعاة للكيد للزوجات من قبل الأزواج للهرب من الالتزامات المالية، والإنذار يتم الاعتراض عليه لمدة خمسة عشر يوما، مما يجعل العديد من الدعاوى معرضة لعدم القبول، وتضطر الزوجة للبحث عن محام وتلجأ لمكاتب التسوية، ويتحايل الزوج بتوجيه الإنذار إلى عنوان غير صحيح ليحصل على حكم النشوز الذى يصعب إلغاؤه ليتهرب من الالتزامات المالية، ويجعل الزوجة تعانى لما يسببه لفظ ناشز.
وأكدت “نور حفظى” أخصائى علم نفس: كلمة ناشز كفيلة بأن تعبر عن حالة من الإحباط التى تعيشها الزوجة وهى محاطة بأربعة جدران فى بيت طاعة لزوج لا تطيقه، وبينها وبينه مشاكل فالمرأة عندما تقرر الرحيل والهجر لا يوجد قانون فى الدنيا من الممكن أن يفرض عليها ذلك.
وتابعت”حفظى” عندما تحكم المحكمة بعودتها له دون إرادتها فإنها بذلك تفرض عليها نوع من الضغوط فـالحكم بالزام الزوجة بالرجوع لـ “بيت الطاعة”، فيه ظلم وتعسف ضد المرأة يشعرها بانتقاص لإنسانيتها وإرادتها.
وقال “مصطفى خالد”ناشط حقوقى” :”لا يوجد فى الشرع والأعراف الاجتماعية ما يجبر أى إنسان أن يعيش فى مكان دون إرادته فهذا سوف يشعره أنه يعيش فى سجن فالزوجات اللاتى يتعرضن لهذه التجربة يشعرن بأنهن مضطهدات مغلوبات، ويتحولن إلى كراهيه أزواجهن لأنهم أنانيين ولديهم رغبة وحب الانتقام فالشرع أكد بنص قوله تعالى: “إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان” فماذا بعد هذه الآية من الممكن أن يقال.
وتابع “خالد”: إذا كانت الزوجة ناشزًا فلماذا لا يطلقها الرجل بدلا من الذل والإكراه فى العيش معها فى «بيت الطاعة» من دون رغبة منها، فاذا كان الرجل لطيف المعاشرة، ويتودد إليها بالمحبة، وزوجته لا ترغب فى العيش معه، فهذا يعنى أنها لا تحبه، فالأفضل له ولها أن ينفصلا بالمعروف.
وأكد “خالد”: أن من حق المرأة أن تكون ناشزًا، ومن حقها أن ترفض الاستمرار مع زوج لا تشعر بالاتفاق معه أيضا، ولم يجبر الرسول وصحابته المرأة الناشز على العودة لبيت زوجها، ولكنها للأسف مجرد مصطلحات أردنا بها العودة للجاهلية الحديثة، وأصبحنا كمن يشترى النساء ويبيعهن ونجبرهن على العودة للوراء سواء من ناحية الأهل أو من جانب الزوج، وتناسينا أن المرأة كائن مستقل تختار حياتها كيفما تراها مناسبة لها.
وقالت “كريمة جلال”محامية وناشطة حقوقية: صدور حكم النشوز يجعل الزوجة فى موقف المخالفة للقانون والمخطئة فى حق زوجها مما يسقط حقها فى نفقة العدة والمتعة ويحق للزوج استرداد ما أداه من مهر ومتاع إذا ما تم تفريقها قضاءً كونه يثبت أن الخطأ كله من جانب الزوجة ومعظم الحالات التى تلجا لنا تكون فيها الزوجة مغلوبة على أمرها، حيث أن زوجها يدعى عليها بتلك الإدعاءات ويلجا للشهود الزور لكى يحرمها من حقوقها الشرعية لكونها “ناشز”.
وتابعت “جلال” تأخذ فترة محاولة إثبات عدم نشوز الزوجة وإلغاء الحكم فترات كبيرة أمام المحكمة تتراوح من سنة إلى سنة ونصف، الأمر الذى يسبب مشكلة للزوجات ويضطرهن إلى الرجوع لأزواجهن دون إرادتهن، مما يخلق نوع من القهر والذل ويعيد النساء إلى زمن الجوارى ويعرض المرأة لانتقاص إنسانيتها.
اترك تعليقاً