بقلم ذ. عزيز بوعلام
إطار بالمديرية العامة للضرائب
طالب باحث بسلك الدكتوراه
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بسطات
بالرغم من سلسلة الإصلاحات التي عرفها، أو خضع لها النظام الضريبي بالمغرب، وذلك تماشيا مع طبيعته كنظام مرن و متجدد و قابل لمواكبة التغييرات الظرفية و السسيواقتصادية واجتماعية،إلا أن هناك بعض المواضع لم يحرك فيها المشرع الجبائي ساكنا، ولم يتمكن من الخوض في مغامرة النبش فيها، أوإعادة صياغتها بقراءة متطورة، تتوافق و طبيعته كنظام خاص، بل اعتبرها من النظام العام و بالتالي لم يقوى على إعطاء المزيد من التوضيح و التوسع فيها، ويتعلق الأمر بعبء الإثبات و قواعده.
و من المعلوم أن لعنصر الإثبات مكانة مرموقة في كافة العلاقات و المجالات الشخصية و المدنية والتجارية، على اعتبار أنه الوسيلة الأساسية للحصول على الحقوق و إلزام الآخر بالواجبات، خصوصا في إطار النزاع المعروض أمام القضاء، لاسيما و أن النزاع بمفهومه الضيق، هو خلاف بين طرفين- الإدارة الجبائية والملزم-، مما يجعل كل طرف يدفع أمام القاضي بموقف متعارض مع الطرف الآخر، حتى يتسنى للقاضي إصدار حكم للفصل في النزاع، مما يدفع بطرفي الخصومة كل من وجهة نظره الدفاع عن موقفه، مع استحضار بعض أسلحته و لعل أهمها الحجج الدامغة أو ما يصطلح عليه بقواعد الإثبات.
وهكذا، ففي المنازعة الجبائية مثلا تسعى الإدارة إلى إثبات الواقعة المنشئة التي تجعلها تبحث عن الوعاء الضريبي وفي المقابل فالملزم/ الخاضع للضريبة، يحاول دحض أو إثبات عدم تحقق الواقعة المنشئة و التي جعلت الإدارة الجبائية تلزمه أو تخضعه للضريبة ، وهو ما يصطلح عليه بمبدأ مقارعة الحجة بالحجة؛ و هو ما يجعل الهوة بين طرفي النزاع تتسع و بالتالي فالقاضي و هو مطالب بالبث في المنازعة،
يكون ملزما بترجيح كفة من كانت حجيته و إثباتاته قوية، علما منه بأن ميزان التوازن مختلا بين الإدارة الجبائية صاحبة السيادة بسلطتها التقديرية و أسلحتها القانونية و التنظيمية، والملزم الحلقة الضعيفة في المعادلة، كما يبدو ظاهريا، الأمر الذي يصعب من مهمة القاضي الإداري، الذي يجد نفسه مطوقا بهاجس مراقبة عملا الإدارة الجبائية وهي تسعى إلى الفرض الضريبي و الحد من الغش و التهرب الضريبيين في بعض الأحيان، مع التأكد من عدم الإفراط في السلطة التقديرية، وبين الملزم المخاطب بالفرض الضريبي، والمطالب بالأداء.
ومن هنا يعتبر الإثبات مرحلة أساسية ، خصوصا في سير الدعوى أمام القضاء، على اعتبار أن كل طرف يعمل من جانبه على تدعيم ملفه بالحجج و المستندات الضرورية لتأكيد إدعاءاته أمام القضاء، خصوصا لم علمنا بأن كل من الملزم الضريبي و الإدارة الجبائية هما سواسية أمام القضاء.
و الاثبات في المادة الضريبية، يستمد أهميته و دوره من مرتكزين أساسيين:
-الأول- خاصية النظام العام في القانون الضريبي: ذلك أن عنصر الإثبات هو الكفيل وحده بجعل المواطنين سواسية امام الجباية، وبتحقيق عنصر عدالة الضريبة.
–الثاني- الخاصية التقنية للقانون الضريبي: فالقانون الضريبي له طبيعة معقدة، ومن ثم يخلق مشاكل أمام الإدارة،كما هو الشأن بالنسبة للمكلف أيضا في تحديد الواقعة المنشئة للضريبة، الأساس الضريبي إلى غير ذلك من التقنيات المعقدة، والإثبات هو الذي ييسر فهم هذه الضوابط و فك هذا التعقيد.-1-
ومن هنا نطرح عدة أسئلة ، من شأن الإجابة عنها المساهمة في إناطة اللثام عن موضوع حجية ووسائل الإثبات في المجال الضريبي، ودور القاضي الإداري في تقدير وسائل الإثبات
المطلب الأول. وسائل الإثبات في المجال الضريبي
بغض النظر عن مسألة من هو مطالب بالالتزام بالإثبات تجب الإشارة إلى ما يلي :
– كون الإثبات في الدعوى الضريبية، يخضع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزام و العقود، من خلال الفصول من 399 إلى 460
-كون النزاعات الضريبية تنتمي إلى القضاء الاداري، فإن القواعد المسطرية المطبقة عليه هي نفسها المنصوص عليها في قواعد المسطرة المدنية رغم بعض الخصوصيات- كمسطرة التبليغ مثلا-
– وجب اعتبار أن عبء الإثبات يقع على مدعيه، وهو ما يصعب تطبيقه في المنازعات الجبائية، بسبب عدم تكافؤ الأطراف، أي الإدارة مع الخاضع للضريبة، خصوصا و أن القانون الضريبي تقني، و الواقع أن أغلب الدعاوي الضريبية يرفعها الأفراد في مواجهة الإدارة الجبائية، وقد شكل تحديد المتحمل لعبء الإثبات في الدعوى الجبائية تحديا كبيرا لدارسي القانون الجبائي، نظرا لعزوف المشرع الضريبي عن وضع قواعد قانونية دقيقة في تحديد هذه المسألة،
-رغم مجموعة الأوراش المفتوحة لإصلاح القانون الجبائي- حيث ظلت عامة، لأنه لم يتم توضيحها و تنظيمها من طرف المشرع الجبائي، خلافا لنظيره الفرنسي الذي أفرد له حيزا خاصا في قوانينه، وهنا يطرح سؤال شرعي من طرف الدارسين و المهتمين بالمجال الضريبي، هل بالفعل يعتبر التشريع الجبائي بالمغرب مستمدا في كلياته من التشريع الفرنسي
وعليه و أمام هذه الإشكالية المرتبطة بالإطار القانون الواجب الاحتكام إليه في مسألة الإثبات ، وبالعودة إلى قانون الالتزامات و العقود، نجد أن الفصل 399، قد نص على أن القاعدة في توزيع الإثبات هو أن ” إثبات الالتزام يقع على مدعيه”، أي الطرف الذي يبادر إلى رفع الدعوى القضائية، ويدعي خلاف الأصل، وبهذا يختلف عبء الإثبات في المادة الجبائية عنه في المواد الأخرى المدنية والتجارية، ذلك أن الطرف الذي يتحمل عبئ الإثبات يمكن أن يكون مدعيا، كما يمكن أن يكون مدعى عليه.
إلا أن عبء الإثبات الجبائي، غالبا ما يتعلق بإثبات الواقعة المنشئة للضريبة، والتي تقع دائما على كاهل الإدارة الجبائية، في جل الحالات، خصوصا أثناء الفرض التلقائي للضريبة، وهو الأمر الذي يتقل كاهلها، ويعرقل مهمتها للقيام بوظائفها، مما حدا بالمشرع إلى توظيف جميع الوسائل المتوفرة لديه بغية تيسير عمل الإدارة الجبائية، وذلك من خلال التنصيص على إثقال كاهل المطالب بالإثبات بعبء الإثبات و حدد له مجموعة من المبادئ الأساسية التي لا يقع الإثبات إلا بواسطتها، كما حصر وسائل الإثبات.
و قبل الخوض في وسائل الاثبات المتاحة لطرفي النزاع، الادارة الجبائية والملزم، وجب التمييز بين وسائل الإثبات بالنسبة للملزم الضريبي، ووسائل الإثبات بالنسبة للإدارة الجبائية، فإذا كانت الإدارة الضريبية حرة في اللجوء إلى أية وسيلة تراها مناسبة لإثبات المادة الجبائيةة، فإن الملزم مقيد بالوسائل الثبوتية التي حددها المشرع الجبائبي، علما بأن هناك بعض الاستثناءات لكل الطرفين محددة بنصوص قانونية، فما هي إذن وسائل الإثبات في المادة الجبائية كمبحث أول، وما هي سلطات القاضي الإداري في تقدير وسائل الإثبات. كمبحث ثاني.
المبحث الأول. وسائل الإثبات في المادة الجبائية.
المبدأ العام في النظام الضريبي أن الإدارة الضريبية حرة في استعمال أي وسيلة من وسائل الإثبات، في حين أن الملزم بالضريبة ، يستعمل ويسائل الإثبات المنصوص عليها في القانون، وهذا المبدأ ناجم على أن الإدارة الجبائية هي الموكول لها تطبيق النظام الجبائي، وبالتالي فهي لا تتقيد بوسائل الإثبات القانونية،
وبالمقابل تتحمل في أغلب الحالات، سواء أكانت مدعية أو مدعى عليها عبء الاثبات، ويكفي الملزم أن يدعي عدم حدوث الواقعة المنشئة للضريبة أو عدم احترام الإدارة الجبائية لمسطرة الفرض الضريبي أو تصحيح الضريبة، ليتحلل من الإثبات و ينتقل عبؤه على كاهلها2
وإذا كانت القاعدة الفقهية، تقضي بضرورة استعمال كافة الوسائل الإثبات ، غير تلك التي نص على استبعادها القانون بنص صريح، ويتعلق الأمر بخصوص المادة الضريبية عدم استعمال اليمين وشهادة الشهود كوسيلة للإثبات في المجال الجبائي، وذلك تماشيا مع خصوصية المنازعة الضريبية وطبيعة أطراف المنازعة، وعليه فقد استبعد المشرع اليمين في مجال الإثبات الجبائي حتى يتلائم و أحكام النظام العام، الذي يقضي أن لا يقع توجيه اليمين على الدولة.
كما أن استبعاد الحجة بالشهادة، مبرره طبيعة الموضوع المراد اثباته في المنازعة الجبائية كتصرف قانوني من جهة، وتفاديا لفتح باب الشهادة للتهرب من الواجب الضريبي عن طريق الإدلاء بشهادة كاذبة.
و لهذا، فالمشرع باستبعاده لوسيلتي اليمين و الشهادة قد فتح المجال لبقية الوسائل المتاحة، والتي لا تخرج عما يلي
-1- الإقرار .
-2- التصريح.
-3- الحجة الكتابية.
-4- القرائن.
-5- الاعتراف.
-6- الوثائق المحاسبية.
و بالرغم من التنوع في وسائل الإثبات، فإن هناك قواعد هامة وحجج دامغة يمكن اعتبارها من أهم وسائل الإثبات، ويتعلق الأمر بالوثائق المحاسبية و الحجج الكتابية كالمحاضر و الشواهد الإدارية.
و قد أثرنا الحديث في هذا المقال ، على جانب من جوانب حجية الإثبات، ويتعلق الأمر بحجية الشواهد الادارية، لما يثار حولها من نقاش و تضارب في المواقف بين القبول و الرفض، بين الإدارة الجبائية والملزم، في بعض المواقف بين الادارة الجبائية والقضاء الإداري في كثير من القضايا أثناء عرض الخصومة على أنظار القضاء، فما هي إذن خصوصيات هذه الحجة
الشواهد الإدارية
غالبا ما يلجأ بعض الخاضعين للضريبة للاستعانة بالشواهد الإدارية المسلمة من طرف السلطات المحلية، وذلك من أجل إثبات الوقائع المحددة للضريبة، كإغلاق محل تجاري، التوقف عن مزاولة نشاط مهني، طلب الإعفاء من الضريبة على الدخل، صنف الربح العقاري، لعلة استغلال السكن المبيع كسكن رئيسي، وغير ذلك من الوقائع.
لكن و بالرغم من تشبت بعض الملزمين بحجية الشواهد الإدارية من أجل إثبات واقعة ، أو نفي أخرى، وذلك بحسب النوازل، إلا أن هناك اختلاف و تضارب بين عدة اتجاهات فمنها من ينفي حجية الشواهد الإدارية في بعض الوقائع المرتبطة بالضرائب، مبررين موقفهم بالمبررات التالية.
1- كون الشواهد الإدارية، كوثيقة إدارية محصورة زمنية في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
2- كون الشواهد الإدارية لا يمكن أن تمتد إلى وقائع متباعدة في الزمان.
3-كون الشواهد الإدارية تخضع للطلب.
4- كون الشواهد الإدارية تخالف قاعدة تقييد بعض الوقائع التي حددها المشرع ووضع لها إجراءات قانونية و مسطرية كحالة التوقف عن مزاولة نشاط مهني، أو تغيير التخصيص و الغرض المعد له العقار، واقعة فقدان الأكرية، عطالة المصانع، إتلاف الوثائق المحاسبية و غيرها من الأمثلة كحجة التي تحد من اعتماد الشواهد الإدارية، لتعوضها إجراءات مسطرية وقانونية، وغير ذلك.
ولعل الغاية المنشودة من طرف المشرع، باستبعاد الشواهد الإدارية، التي لم يتم الإدلاء بها في المجال الضريبي، هو فتح الفرصة أمام الإدارة الجبائية للتأكد من مدى مصداقية تلك الشواهد، وضمان تأكيد حق المراقبة و الاطلاع من خلال التقيد بالإجراءات الإدارية و القانونية، من جهة أخرى للحد من ظاهرة التهرب الضريبي، على اعتبار أن بعض الملزمين عوض التقيد بالقانون يلجأون إلى نفي واقعة ما بالإدلاء بالشواهد الإدارية.
و للإشارة فقد تم التنصيص على الإجراءات التي يتعين على الملزم بالضريبة تتبعها إذا ما أراد التوقف عن مزاولة نشاط ما على سبيل المثال، نذكر منها المادة 150 من المدونة العامة للضرائب، و التي تنص على أنه” يجب على الخاضعين للضريبة على الشركات أو للضريبة على الدخل أو المعفيين منهما أن يقدموا خلال أجل الخمس و الأربعين (45) يوما يبتدئ من تاريخ إنجاز أحد التغييرات التالية:
في حالة توقفهما الكلي عن مزاولة نشاطها أو اندماجها أو انقسامها أو تغيير لشكلها القانوني يؤدي إلى إخراجها من نطاق الضريبة على الشركات أو إلى إحداث شخص معنوي جديد،الإقرار المتعلق بالحصيلة …………………………………
في حالة الانقطاع عن مزاولة نشاط مهني أو التخلي جزئيا أو كليا عن مؤسستهم أو زبنائهم أو جعلها كحصة اشتراك في شركة خاضعة للضريبة على الشركات أو غير خاضعة لها، الاقرار المتعلق بمجموع الدخل و جرد للممتلكات مطابقين للمطبوع النموذجي الذي تعده الإدارة بالنسبة للخاضعين للضريبة على الدخل برسم نشاط مهني.”
و كذلك ما تنص عليه المادة 16 من القانون رقن 06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية، والتي ورد فيها على أنه” في حالة تفويت النشاط أو توقفه أو نقله أو تغيير الشكل القانوني للمؤسسة، يجب على الملزمين المعنيين وضع إقرار لدى المصلحة المحلية للضرائب التابع لها مقرهم الاجتماعي أو مؤسستهم الرئيسية أو موطنهم الضريبي، وذلك داخل أجل خمسة و أربعون-45- يوما من تاريخ وقوع إحدى الحالات المنصوص عليها سابقا.
و في حالة وفاة الملزم يصبح أجل إيداع الإقرار من طرف ذوي الحقوق هو ثلاثة-3- أشهر تبتدئ من تاريخ الوفاة.
و في حالة استمرار ذوي الحقوق في ممارسة نشاط الهالك يتعين عليهم التنصيص صراحة على ذلك ضمن الإقرار المنصوص عليه سابقا لكي يتم إصدار الرسم على الشياع.“
و حيث هكذا، فإن المشرع نص على مجموعة من الإجراءات القانونية الواجب سلوكها من أجل إثبات واقعة الانقطاع عن مزاولة نشاط مهني، وأهم هذه الإجراءات ، الإقرار، أي أن الملزم الضريبي و حتى يتسنى له إثبات واقعة عدم خضوعه للضريبة المهنية، بمناسبة انقطاعه عن مزاولة نشاطه المهني،وجب عليه الإدلاء بإقرار يوجهه إلى مفتش الضرائب التابع له مقر مزاولة النشاط المهني، موضوع التضريب،
أو إلى المفتش رئيس المصلحة المحلية للضرائب، وذلك داخل أجل أقصاه 45 يوما من تاريخ الانقطاع، وذلك حتى يتسنى للإدارة الجبائية اتخاذ كافة الإجراءات الإدارية و القانونية و على رأسها فرصة الاطلاع على وضعية الملزم، ومدى توفر الشروط الاجرائية و القانونية التي تجعل الإدارة الجبائية تعمد إلى التشطيب على المعني بالأمر من جدول الخاضعين للضريبة المهنية،واحتساب الأسس الضريبية الغير مشمولة بالتقادم، ومن تم منح الطالب شهادة التشطيب، والتي تفيد في الجوهر إبراء ذمته.
لكن البعض، وعوض اللجوء إلى نظام الإقرار، والذي هو القاعدة، خصوصا و أن الملزم وقبل الخضوع إلى الضريبة المهنية، على سبيل الحصر، يلجأ إلى سلوك مساطر إدارية و قانونية، تتجلى في كونه وقبل ممارسة نشاطه المهني، يتقدم بطلب إلى المفتش المكلف بالقطاع، يلتمس من خلاله الحصول على شهادة التقييد في سجل الخاضعين للضريبة المهنية، ويتضمن وجوبا هذا الطلب الإدلاء ببعض الوثائق الإدارية، من قبيل عقد الإيجار أو عقد التملك أو أية وثيقة إدارية تفيد العلاقة بين الطالب / الملزم بالضريبة، والمحل المراد استغلاله لممارسة النشاط المهني، و بالإضافة إلى ذلك يرفق طلب التسجيل بإقرار يصطلح عليه بإقرار التأسيس
Déclaration d’ existence-، و الذي يتضمن عدة معلومات و بيانات من جملتها عنوان المحل المعد لممارسة النشاط المهني، طبيعة النظام المختار من طرف الطالب/ الملزم بالضريبة للخضوع إلى الضريبة على الدخل، وغيرها من البيانات التي تعطي للمفتش المكلف بالقطاع نظرة كاملة على هوية الخاضع للضريبة؛
إلا أنه و بالرغم من كون الملزم يعي جيدا ضرورة هذه الإجراءات الإدارية، ويعيي جيدا أنه حتى يتسنى له الحصول على شهادة التقييد في سجل الملزمين الخاضعين للضريبة المهنية-البتانتا- ومن تم الحصول على رقم الجدول الضريبي L ARTICLE DE LA TAXE PROFESIONNELLEإلا أنه و أثناء الانقطاع عن مزاولة نشاطه المهني ، يكتفي فقط بإغلاق المحل التجاري، بدون سابق إشعار إلى المصالح المحلية للضريبة، و بعد صدور الضرائب، و يطلب منه الإدلاء بما يفيد إشعار الإدارة الجبائية بواقعة الانقطاع، يلجأ إلى الشواهد الإدارية المسلمة له من طرف السلطات المحلية.
و حيث كذلك فإن المقتضيات القانونية المنصوص عليها في المواد 16 و 30 و 31 و 38 من القانون رقم 06-47 المتعلقة بالجبايات المحلية و كذا المادتين 114 و 115 من المدونة العامة للضرائب، سنت الإجراءات التي يتعين على الخاضع للضريبة سلوكها في حالة التوقف عن مزاولة نشاطه أو تغيير ملكية العقار أو الغرض المخصص له أو شغوره، أو توقف المنشأة أو تغيير شكلها القانوني، حيث ألزم المشرع الخاضع للضريبة بضرورة إخطار الإدارة بذلك داخل أجل قانوني محدد، وذلك حسب كل حال.
و لعل غاية المشرع من وراء لإجراءات التي نص عليها، هي حفظ حقوق الملزم و الخزينة، وذلك بتجميد عملية الإصدار الضريبي على الفترة التي تلي تاريخ توقف أو تمتيع الملزم بالإعفاء الكلي أو الجزئي حسب الحالة، وفي نفس الوقت حفظ حق الإدارة و التأكد من الوقائع المضمنة في الطلب الموجه إليها-3-
المبحث الثاني. سلطات القاضي الإداري في تقدير وسائل الإثبات
الإثبات لغة هو تأكيد الحق بالبينة، وهو في لغة القانون يعني: إقامة الدليل أمام القضاءبالطرق التي حددها القانون لتأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني
ومن المعلوم أن للإثبات أهمية قانونية وعملية في فض المنازعات في مختلف أنواعالقضاء بشكل عام وفي القضاء الضريبي بشكل خاص ، وهو الأداة التي تمكِّن القاضي الاداري في مجال المنازعات الجبائية من التحقق في الوقائع القانونية ، ذلك أن الحق إن لميكن مقروناً بتقديم دليل يثبت وجوده فإنه يبقى مجرد إدعاء.
و بهذا يعد الإثبات من أهم مراحل التقاضي في حل المنازعات الضريبية إذ إنه يعتمدعلى إقامة الدليل أو تقديمه ويقصد بعبارة “إقامه الدليل” هو تقديمه إلى من يراد إقناعه.
إلا أن الإثبات الذي يهمنا هنا هو الإثبات القضائي الذي يجب أن يكون بالطرق التييحددها القانون، و التي تمكِّن القاضي من الوصول إلى الحقيقة فيما يعرض عليه منمنازعات، حتى يستطيع بذلك أن يحقق العدالة فوزن الأدلة في الإثبات متروك لسلطةالقاضي التقديرية.
ومن هنا ظهرت الحاجة إلى تحديد أنواع الأدلة وإلزاميتها والَقوة القانونية لكل دليل فيالإثبات في حل المنازعات الضريبية.
فالدليل المادي المبني على المستندات المعززة للواقعة يكون اقوي من الدليل الناجمعن الشهادة على الرغم من أن اليمين سواء كانت حاسمة أو متممة لا تناسب الدعوى الضريبية وذلك لكون احد أطرافها هي الدولة التي تقتضي المبادئ العامة بعدم إمكانيةتوجيه اليمين إليها وحيث إن قواعد الإثبات في القانون الضريبي تعد من النظام العام نظراًللطبيعة الخاصة للقانون الضريبي ولاعتماده على وسائل مميزة مما جعله من أكثر القوانين قدرة على تحقيق أهداف الدولة المتمثلة لتحقيق المصلحة العامة ، وهي تحقيقالموارد المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي؛
ولأن هذا القانون ينظِّم العلاقةبين الدولة والأفراد باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة ، وهو بذلك يخرج عن نطاق القانونالخاص وحيث إن الإثبات أصلاً جاء لتنظيم العلاقة بين الأفراد مع بعضهم البعض يصبحمن الضروري تكييف
نظرية الإثبات لتتلاءم مع الطبيعة الخاصة لقانون الضريبة
و من هنا أضحى للإثبات دور مهم في حسم المنازعات بشكل عام، وقد عنيت جميعالتشريعات بتنظيمه ويعرف الإثبات قانوناً بأن إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التييحددها القانون، على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها
والإثبات الذي نقصده هنا هو الإثبات القضائي الذي يتم عن طريق تقديم الدليل أمامالقضاء بالطرق التي حددها القانون ، ويكون بإقامة الدليل أو تقديمه ، إلى من يراد إقناعه
وبناء على ذلك فللإثبات أهمية كبيرة من الناحية العملية في العلاقات القانونية؛ لأنهبمثابة شريان الحياة للحق؛ حيث ا ن الحق يفقد قيمته العملية إذا عجز صاحبه عند المنازعة أنيقيم الدليل على مصدره ، ويصبح عند المنازعة هو والعدم سواء ؛ لأن الدليل هو الذييحميه ويجعله مقيدا، فتنظيم الإثبات من شأنه أن يحسم المنازعات بين المتخاصمين وأنيدحض الادعاءات الكاذبة والكيدية ، ويوفر أسباب الاستقرار في المجتمع ويحقق صالحالجماعة. كما لا يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه الشخصي، وإنما بناء على البيانات المقدمةفي الدعوى محل النظر والمتعلقة بها ومنتجة في الإثبات وجائز قبولها.
و يمكن تقسيم طرق الإثبات إلى طرق ملزمة للقاضي وهي التي حدد القانون حجيتهاولم يتركها لتقدير القاضي و هي الكتابة إذا كان معترفاً بها من الخصوم والإقرار واليمين،وطرق غير ملزمة للقاضي فهي البينة والقرائن القضائية والمعاينة والخبرة ؛ لأنها تخضعلتقدير القاضي ولا رقابة للمحكمة عليه في ذلك-4-
و نظرا لدور القاضي الضريبي الايجابي في توجيه الدعوى،فله سلطة واسعة في تقدير وسائل الإثبات المقدمة، ومدى قوتها، و باستثناء اليمين و شهادة الشهود، فإن باقي الوسائل يعمل بها في المنازعات الضريبية
و بالنظر إلى كون القاضي الجبائي هو بمثابة مفتش سام للضريبة، أي أنه يقوم بنفس العمليات التي يقوم بها مفتش الضرائب مع تمييز القاضي عن المفتش بكونه له سلطة الاجتهاد، لدى فهو مطالب بدراسة الحجة المقدمة إليه من حيث حجيتها القانونية كدراسة مدى إثباتها للوقائع المتنازع في شأنها من عدمه و ترجيح إحداها عن الأخرى، ومن هنا نطرح السؤال حول موقف القاضي الإداري من حجية الشواهد الإدارية، المسلمة من طرف السلطات المحلية، والمستشهد بها في المنازعات القضائية
و الجواب عن هذا السؤال، يدفعنا إلى تتبع بعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض- المجلس الأعلى سابقا- و التي يستنتج منها ما يلي:
1-القاضي الإداري لا يأخذ بالشواهد الإدارية الصادرة عن السلطة المحلية أو الإدارية أو غيرها لإثبات واقعة الانقطاع عن مزاولة النشاط المهني، ما لم يخطر الملزم الإدارة الجبائية و هذا ما ورد في القرار عدد 23 الصادر بتاريخ 17-01-2007 في الملف رقم 2369-4-2-2004 و الذي جاء فيه:
” حيث إن الذين ينقطعون عن مزاولة نشاط مهني يجب عليهم أن يخبروا الإدارة داخل أجل 45 يوما التالية لتاريخ الانقطاع، والثابت من وثائق الملف أن المستأنف لم يدل بأي وثيقة تفيد إخبار الإدارة بذلك الانقطاع، فضلا على أن فرض الضرائب المذكورة كانت بناء على لإقراراته و التي لا تتضمن أي تحفظ مما تكون معه هذه الضريبة قائمة على أساس و أن الحكم المستأنف لما نحا هذا النحو يكون صائبا وواجب التأييد”-5-
كما أن القضاء درج على اعتبار أن الشهادة الإدارية غير مقبولة في غياب إقرار بالانقطاع عن ممارسة النشاط، وهذا ما ورد في القرار عدد 215 الصادر عن الغرفة الإدارية بمحكمة النقض -المجلس الأعلى سابقا- بتاريخ 28-2-2007 في الملف عدد 2246-4-2-2005، والذي ورد فيه ما يلي:
” حيث أن المستأنف عليه خاضع و بإقراره لنظام الربح الجزافي الذي يتحدد الدخل الخاضع للضريبة في إطاره انطلاقا من عنصر ثابت و أخر متغير طبقا للمادة 22 من القانون 17-89، وليس انطلاقا من الدخل المحقق، وبتالي فإن إدلاءه بشهادة إدارية من مصلحة المياه و الغابات التي تنبث عدم حصوله على أي صفقة بشأن الأخشاب الغابوية خلال السنوات من 1995 إلى 2000 لا تفيد توقفه عن مزاولة النشاط المهني الممارس من طرفه و المتمثل في بيع تلك الأخشاب بالجملة مادام أنه لم يقدم إقرارا بانقطاعه عن مزاولة هذا النشاط خلال السنوات المذكورة”-6-
2- القاضي الإداري يرجح الشواهد الإدارية سواء الصادرة عن قائد المقاطعة-الملحقة الادارية- أو الصادرة عن الأمن الوطني، من أجل الإعفاء من الضريبة على الدخل- صنف الربح العقاري، و هكذا جاء في القرار عدد 263 الصادر بتاريخ 14-03-2007 في الملف الاداري عدد 637-4-2-2005” لكن حيث أن المستأنف لم يدل بأية شهادة إدارية تتعلق بسنة 2003 التي فرضت فيها الضريبة لإثبات عكس ما ورد في تقرير لجنة الإحصاء”.
و في القرار عدد 138 المؤرخ في 14-02-2007 في الملف الاداري عدد 1405-4-2-2004، حيث تم التأكيد على نفس التوجه، حيث جاء في القرار المذكور أن” تاريخ انتهاء الأشغال الذي يمكن أن يستنتج من الشهادة الإدارية الصادرة عن قائد قيادة مديونة، وأن تقرير لجنة الإحصاء التابعة لإدارة الضرائب لا يشكل دليلا قاطعا عن انتهاء أشغال البناء”-7-
أو كما ورد كذلك في القرار عدد 667 الصادر بتاريخ 29-09-2004 في الملف الاداري عدد 833-4-2-2003، والذي ورد فيه ما يلي” لكن حيث إن الوثائق الرسمية التي تصلح لإثبات السكنى هي تلك التي تسلمها السلطة الإدارية المختصة و المستأنف عليه أدلى بشهادة السكنى صادرة عن الأمن الوطني وشهادة صادرة عن السلطة الإدارية مؤرخة في 20-01-1997 تثبت سكناه بالعقار المباع” -8-
وهو نفس التوجه الذي سار عليه القضاء، من خلال ما ورد في القرار عدد589 الصادر بتاريخ 4-7-2006 في الملف الإداري عدد 450-4-2-2004-9-
و حيث و بغظ النظر عن النقاش الحاد و التجاذب بين توجه القضاء و الإدارة الجبائبة، حول من يتحمل عبئ الإثبات ، ومدى قبول هذا الطرف و رفض الآخر للشواهد الإدارية، كوسيلة من وسائل الإثبات،
فإن ما نخلص إليه من خلال هذه المقاربة المتمثلة في تتبع موقف القضاء الإداري بين ما ينص عليه المشرع الجبائي من خلال تنوع و غنى الترسنة القانونية التي تؤثث و تنظم العلاقة الجدلية و العضوية بين الإدارة الجبائية و الملزم،فإن القاضي الإداري ، يتمسك بروح القانون في النوازل و القضايا التي حددها المشرع،
أو نص على الإجراءات الإدارية والقانونية الواجب الالتزام بها، للاستفادة من بعض الإعفاءات الجبائية مثل رفض أو استبعاد القضاء للشواهد الإدارية ، كوسيلة لإثبات واقعة الانقطاع عن مزاولة النشاط المهني- البتانتا- وذلك بترجيح كفة الإجراءات و المقتضيات التي نص سلوكها المشرع الجبائي ، لكن وفي المقابل فالقاضي الإداري يستعمل سلطته التقديرية برفض أو قبول بعض وسائل الإثبات،
كما هو الأمر بالنسبة للإعفاء من الضريبة على الدخل، صنف الربح العقاري، بخصوص الملزمين الذي كانوا يستغلون العقار المبيع كسكن رئيسي، إذ يكفي لطالب الإعفاء الإدلاء بأية وثيقة لإثبات واقعة استغلاله للعقار الذي تم تفويته لغرض السكن الرئيسي، إذ يكفيه فقط الإدلاء إما بالشهادة الإدارية، أو بطاقة التعريف الوطنية تحمل نفس عنوان العقار المبيع، أو بيان استهلاك مادتي الماء و الكهرباء، أو أية بداية حجة ، ليقضي القاضي بأحقية الملزم بالإعفاء.
وهما يكن و بالرغم من حداثة المحاكم الادارية بالمغرب، فإن القضاء الإداري راكم مجموعة من الاجتهادات القضائية، في مجال المنازعة الضريبية، وجعلت منه شريكا فعليا في صياغة القرار الضريبي، وحاميا لحقوق و مصالح الخزينة، على حد سواء، وباعثا على تحسين صياغة القوانين الضريبة في العديد من الحالات
و عليه بالقاضي الإداري، مطالب بخلق نوع من التوازن بين غايتين جوهريتين، هما ضمان حق الدولة في العمل على توفير الموارد المالية الازمة لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها التدبيرية و الإنمائية، والحد من كل تملص أو تهرب ضريبي، و ضمان تحقيق مبدأي المساواة و الإنصاف في تحمل العبء الضريبي،
و احترام الضمانات المقررة لفائدة الملزم، ومن تم فإن للقاضي الاداري، دور هام في تكريس مبدأ المشروعية و ترسيخ قواعد ثابتة تتقيد بها الإدارة الجبائية، ومن خلال ذلك يساهم القضاء في استثبات الأمن القانوني و القضائي و العدالة الضريبية و تكريس مبدأ المحافظة على المال العام و تشجيع الاسثتمار-10-
———————————————————————————————-
الهوامش
1 -د. محمد مرزاق و ذ. عبد الرحمان أبليلا” النظام القانوني للمنازعات الجبائية بالمغرب” الصفحة 225و226 الطبعة الأولى 1996- مطبعة الأمنية الرباط.
2-ذ. بوشعيب البوعمري ، “الإثبات في المنازعات الضريبية” دفاتر المجلس الأعلى العدد.16
3-.ذ- جواد العسري”المنازعات الضريبية بين التحقيق و الإثبات” مقال بجريدة المساء ليوم 28-08-2011
4- دور الإثبات في حل المنازعات الضريبية وفقاً لقانون ضريبة الدخل الأردني- مجلةالجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصاديةوالإدارية، المجلد العشرون، العدد الثاني، ص 661– ص678 يونيو 2012
5- قرار غير منشور
6- قرار غير منشور
7- جواد العسري – مرجع سابق
8- قرار غير منشور
9- قرار غير منشور.
10- كلمة المرحوم وزير العدل السابق الأستاذ محمد الطيب الناصري، خلال ندوة “الاشكالات القانونية
و العملية في المجال الضريبي” مراكش يومي 4 و 5 قبراير 2011-
اترك تعليقاً