كيف يساهم المحامي في النجاعة القضائية‎ – القانون المغربي

دور المحامي في تحقيق النجاعة القضائية‎

بقلم ذ البوكريني عبد الحق

باحث

توطئة : منذ غلبة العقل على الغريزة مع تطور الحضارة البشرية وتحولها من شريعة الغاب إلى شريعة الحق، نشأت الحاجة إلى العدالة. فعندما يكون الحق للقوة يتكفل القوي من نفسه وبذاته من أن يمنع اعتداء من هو أضعف منه عليه، أو بأن يأخذ منه حق- مسألة الثأر- فيصبح هو المعتدي بعد أن كان هو الضحية. لهذا كان لابد للفرد أن يدرك شيئا فشيئا بأن قوة الجماعة هي الأقوى حتما ودائما، وأن من مصلحته الفردية أن يخضع لقوة وأوامر الجماعة بمقابل أن تتولى الجماعة حمايته من كل اعتداء على شخصه أو تجاوز على حقوقه. من هنا قدر الاسلام فيما قدر، أن العدل نفسه مفهوم اجتماعي كالحق لابد لنفاذها من إقامة سلطة يتمتع الناس داخل نطاقها بالحق والعدل.

وإذا كان القاضي هو منصب الفصل بين الناس في الخصومات، حسما للتداعي وقطعا للتنازع، بالأحكام الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة.
فإن المحامي لا يقل أهمية بحسب أدواره و ما له من تأثير على مجرى الحق خدمة للعدالة و الإنصاف.

من خلال ما سبق يمكن لنا طرح الإشكالية التالية :
إلى أي حد يمكن للمحامي أن يسهم في تحقيق النجاعة القضائية؟
للإجابة عن هذه الإشكالية سننطلق من فرضية للبحث كالآتي:
يمكن القول إن المحامي له من الأدوار المهمة في مجال العدالة تحقيقا للنجاعة القضائية وفق قواعد الحكامة القضائية بما يحقق الهدف المتوخى منها وهو تحقيق الفعالية و الرفع من مستوى أداء المحاكم.

وارتباطا بكل ما تقدم، وتحقيقا للمراد من البحث سوف نقسم دراستنا إلى مبحثين كالتالي:

المبحث الأول : آليات تدخل المحامي للرفع من النجاعة القضائية
الفرع الأول : التفعيل السليم للإجراءات و حسن سير العدالة
الفرع الثاني : حق الدفاع ودوره في صون الحقوق و الحريات
المبحث الثاني : المحامي بين واقع المهنة ومتطلبات التحديث

الفرع الأول : ولوج مهنة المحاماة
الفرع الثاني : تمركز المحامي ضمن إصلاح منظومة العدالة
المبحث الأول : آليات تدخل المحامي للرفع من النجاعة القضائية إن تدخل أو قيام المحامي بعمله يستوجب بالضرورة توفر مجموعة من الآليات والتي بدورها تشكل نافذة يطل من خلالها صاحب البذلة السوداء على واجهة العدالة فيرى ما لا يقدر أن يراه القاضي و غيره من محركات موكب العدالة.

لذلك كله سنحاول في هذا الفصل العمل على بسط أهم هذه الآليات و نتائجها على المردود القضائي لأن الغاية منها يكمن في تحقيق الفعالية التي تعكس واقع العدالة ببلادنا.

ومن تم سنخصص الفرع الأول للحديث عن التفعيل السليم للإجراءات ودوره في تحقيق النجاعة القضائية.

فيما سيكون الحديث في الفرع الثاني حول أهم ضمانة من ضمانات المحاكمة العادلة و التي تهم المحامي بالدرجة الأولى كما أولتها بالإهتمام كذلك جل المواثيق و المعاهدات الدولية و كذا دستور 2011 و باقي القوانين الوطنية.

الفرع الأول : التفعيل السليم للإجراءات و حسن سير العدالة
إن التفعيل السليم للإجراءات وفق قواعد سير العدالة من شأنه أن يؤدي إلا نتائج محمودة ذات الانعكاس الإيجابي على منظومة العدالة ببلادنا.

وهو الشيء الذي يقتضي الإعتماد على أسلوب عمل مشترك و بإستراتيجية موحدة، تبتدئ من المتقاضي بإعتباره العمود الفقري للعدالة، لتمر بالمحامي و مساعدي القضاء و تصل اخيرا إلى القاضي، وذلك بهدف تحقيق حكامة قضائية.

وبناءا على ما سبق يمكن القول إن المحامي يعد المحور الأساسي في حسن سير العدالة و ذلك من خلال إعمال القواعد و الإجراءات التي تهم حقوق المتقاضي و تضمن له صون الحقوق و الحريات .

وإنطلاقا مما سبق فإن عمل المحامي يرتبط أكثر بالإجراءات سواء منها الشكلية أو الموضوعية وما يتطلبه من الدقة و التفعيل الأمثل لما يتمتع به المحامي من الحرص على ضبط كل الإجراءات التي تقوده إلى كسب القضايا التي عهد له بها من أجل الدفاع عن أصحابها .

والمحامي ملزم إضافة لكل ذلك بالسهر على استجماع كل الأدلة و الحجج في مرحلة ما قبل عرض القضية على أنظار القضاء لما فيه من حكامة تتجلى في تجنب تمديد أعمار القضايا وبالتالي حرمان المتقاضي من إقتضاء حقوقه في أقرب الآجال و هو ما لا يخدم الحقوق و الحريات.

وعلى العكس من ذلك فعلى الدفاع أن يعمل جاهدا من خلال مساهمته الفعالة في تقصير مدة الدعوى ضمانا لعدالة سريعة وفعالة تخدم الهدف المنشود وهو تحقيق النجاعة القضائية.

وبذلك فالمحامي الذي يعتبر أكثر ضمانا لتحقيق هذه الفعالية ليس فقط من هو ملم بالقانون، بل القادر على تفعيل هذه القوانين وفق ما يخدم التوجه الذي سيؤدي إلى الرقي بالعمل القضائي خدمة للعدالة و الإنصاف.
وعلاوة على ذلك ففي أغلب مراحل الدعاوى يظهر دور المحامي حاسما في فك لغز الخصومة لصالح الطرف صاحب الحق كيفما كان نوعه، فالمحامي غالبا ما يبحث عن بعض الجزئيات ذات الأهمية البالغة في توجيه القضية والتي غالبا ما لا تظهر في المراحل الأولى للدعاوى أي على مستوى الحكم الابتدائي، الذي غالبا ما يكون موضوع للطعن بالإستئناف.

فالمحامي المكلف بالترافع عن واحد من أطراف هذه الدعوى قد لا يصدر الحكم الإبتدائي لفائدته، إلا أنه ومن خلال تقديمه لمقاله الإستئنافي الرامي إلى استئناف هذا الحكم فقد يكون موجه لهذه القضية و بالتالي يعيد ترتيبها لصالحه وذلك من خلال العمل على إيجاد بعض النقط البارزة في الدعوى و التي قد تكون غابة عن أذهان قضاة الحكم في المرحلة الإبتدائية وهنا يتجلى هذا الدور الفعال للمحامي الحريص على صون كرامة من وضع ثقته فيه و أيضا شارك في إيصال الحقوق إلى أهلها دون أي تعطيل لها.

وهنا يتأتى لنا القول على حتمية العلاقة التي تربط ما بين القاضي و المحامي في إظهار الحق و إخراجه للوجود بكل ما يتطلبه ذلك من فعالية و حسن تدبير للعدالة وتوزيعها على المتقاضين.

لذلك فالإهتداء إلى جادة الصواب وإرجاع الحق إلى نصابه، تشكل معادلة مفادها أنه إذا كان القضاء له فضل الترجيح فالمحامي له فضل التأسيس و الإبداع.

من خلال ما سبق، يظهر لنا أن هناك عدة معايير تحدد التفعيل السليم للإجراءات بما يخدم حسن تصريف العدالة .

فالأداء القضائي لايقاس من جانب القاضي بل على العكس من ذلك فهو يرتكز على مستويين يلعب فيهما المحامي دور المشارك سواء على مستوى سلوك أيسر المساطر القانونية بتلك الدقة و الفعالية التي تسهل على القاضي العمل وفق أسرع الآجال لتحقيق العدالة و إنهاء الخصومة وفق قواعد قانونية عادلة وعلى مستوى ثان؛ التفعيل السليم للمقتضيات الدستورية التي ركزت على بلوغ هذه الغايات كما هو الشأن بالنسبة للفصل 120 من الدستور الذي ينص على ضرورة ” المحاكمة العادلة وفق آجال معقولة وضمان حقوق الدفاع”.

ولعل تمكين المحامي من الإطلاع وتتبع مآل ملفاته وقضاياه عبر تقنية الإتصال عن بعد سيرفع من مستوى العمل الذي يقوم به هذا الأخير مع ما تتطلبه العدالة من السرعة في تصريف كل إجراء من الإجراءات وفق ما يحقق نجاعة قضائية.

الفرع الثاني : حق الدفاع و دوره في صون الحقوق و الحريات
يعتبر الحق في الدفاع جوهر المحاكمة العادلة ومن الحقوق الأساسية للإنسان، لذلك فقد تحدث الدستور المغربي عنها في إطار الفصل 23 الذي جاء فيه: “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته، إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون…قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان…يعاقب القانون على جريمة الإبادة وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وكافة الانتهاكات الجسيمة والممنهجة لحقوق الإنسان”.

كما نص كذلك من خلال الفصل 120 على أنه ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول.
حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم.”

كما تطرقت لها مجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وهناك جملة من المعايير لضمان المحاكمة العادلة بهدف حماية حقوق الأفراد من لحظة القبض عليهم وحرمانهم من الحرية وأثناء احتجازهم قبل تقديمهم للعدالة وعند محاكمتهم من المحكمة الابتدائية إلى الاستئناف وإلى النقض.

وانتهاك الحق في المحاكمة العادلة أضحى يبعث القلق لاسيما بعد بروز مجموعة من القضايا من هنا وهناك أكدت بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن هناك ضحايا كثيرين ببلادنا حرموا بشكل أو بآخر من حق المحاكمة العادلة, بل هناك منهم من أدينوا ظلما وعدوانا نتيجة عدم توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة.

كذلك وجب التأكيد إلى الدور الهام الذي يلعبه المحامي في تكريس ضمانة الدفاع و ذلك من خلال السهر على الوقوف بجانب المتقاضي في سائر أطوار الدعوى و حتى يؤدي رسالته على أكمل وجه.

وبذلك نجد بأن هناك جملة من المعايير الدولية لتحقيق محاكمة عادلة أهمها:

_ الحق في عدم التعرض لإلقاء القبض أو الاعتقال التعسفي بأي شكل من الأشكال وفي أي وضع من الأوضاع, اذ أنه لا يجوز مطلقا حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ووفق شروط وكيفيات ينص عليها القانون.

_ الحق في الإعلام بالحقوق, حيث لكل شخص الحق في الإطلاع على ما له من حقوق باللغة التي يفهمها.

فحسب المبدأ 13 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأشخاص الدين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز, على السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاعتقال أن تقوم بتزويد الشخص المقبوض عليه بمعلومات عن حقوقه مع تفسيرها وتوضيح كيفية استعمالها ليتسنى له معرفتها وفهمها بوضوح ودون أي لبس.

_ الحق في تنصيب محام, اذ من حق الملقى عليه القبض توكيل محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات المسطرية. وقد نص المبدآن 10 و 17 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة على أن من حق المعتقلين الاستعانة بمحام فورا, وبأي حال خلال مهلة لا تزيد عن 48 ساعة من ساعة إلقاء القبض. ومن حقه أن يتشاور مع محاميه دون أن يكون ذلك على مسمع من أحد, ويسري هذا الحق مند لحظة إلقاء القبض على الشخص وأثناء فترة الاعتقال وأثناء التحقيق وأثناء إجراء المحاكمة.

_ عدم الاستشهاد بالأقوال والتصريحات والاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب وعدم الاستناد عليها. وقد نصت المادة 12 من إعلان مناهضة التعذيب أنه اذا تبث بأن بيانا ما انتزع نتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة, لا يجوز اتخاذ ذلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد شخص آخر في أية دعوى.

_ الحق في افتراض البراءة, اذ أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.

وهذا حق منصوص عليه في مجموعة مبادئ الأمم المتحدة (المبدأ 36) والعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14). ويجب أن يكون افتراض البراءة ساريا مند لحظة إلقاء القبض على الشخص حتى يتم تأكيد الإدانة بحكم نهائي حاز قوة الشيء المقضي به بعد استنفاد كل مراحل الطعن في الحكم الصادر.

وهكذا فان عبء إثبات التهمة على المتهم عند محاكمته يقع على عاتق الادعاء. وقد علقت لجنة حقوق الإنسان في هذا الصدد قائلة أن معنى افتراض البراءة هو أن عبء إثبات التهمة يقع على كاهل الادعاء وأن الشك في صالح المتهم, ولا يمكن افتراض أن المتهم مذنب حتى يتم إثبات المتهم بما لا يدع مجالا لأي درجة معقولة من الشك.

_ الحق في علانية المحاكمة، وذلك بإتاحة الفرصة أمام العموم لحضور أطوار المحاكمة وفي هذا ضمان لثقة المواطنين في نزاهة جهاز العدالة.
وعلاوة على مختلف هذه الحقوق والمبادئ يظل استقلال القضاء يمثل إحدى الضمانات الجوهرية لمقاربة تحقيق المحاكمة العادلة.

فلا يمكن أن تتسم المحاكمة بالعدالة والإنصاف ولن يعتبرها الناس منصفة وعادلة اذا كان القضاة الدين يصدرون الأحكام ويوزعون العقوبات يفتقرون إلى الاستقلال والنزاهة والحياد ولا يتصفون بالبعد عن التحيز مهما كان الأمر ومهما كان الظرف ومهما كان المعني بالأمر.

ولهذا السبب أكدت لجنة حقوق الإنسان على حق المحاكمة أمام محكمة مستقلة ومحايدة كحق مطلق لا يجوز بأي حال من الأحوال استثناء أي أحد منه.

ومعنى ذلك أن القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة عليه ويتوجب أن لا تتعرض الهيئة القضائية لأي تدخل من أي نوع كان ومن أية جهة كانت في عمله.

كما يجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استنادا إلى الحقائق الثابتة بموجب القانون و لا شيء غير القانون, بعيدا عن تأثيرات التدخل أو التعليمات سواء من طرف فرع من فروع السلطة أو الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية أو اعتمادا على مناصبهم.

أما الحياد فيعني أن على القاضي أن لا يكون له رأي مسبق عن أية قضية أو ملف ينظر فيه, وأن لا تكون له مصلحة في النتيجة التي ينتهي إليها النظر في القضية وألا يسلك سبيلا يرجح مصلحة طرف على طرف آخر. علما أنه يجب أن تتاح له شروط العمل بعيدا عن أي تأثير من الهيئات الحكومية وبعيدا عن وسائل الإغراء والضغط أو التهديد
والتي من شأنها أن تجعله يزيغ عن طريق الحق.

ومهما يكن من أمر فان دور الدفاع يبقى هو المحرك الأساسي لباقي الحقوق الأخرى حتى يسود بين المواطنين شعور مفاده القضاء أضحى له شريك يؤدي دوره في تحقيق الإنصاف وتكريس العدالة.

المبحث الثاني : المحامي بين واقع المهنة ومتطلبات التحديث
لقد عرفت مهنة المحاماة تطورات مهمة على كافة الجوانب لعل أهمها ما شهدته من إقبال وافر لمريدي مهمة الدفاع عن الحق.
حيث تعززت هذه المهنة في الشهور القليلة الماضية عددا كبيرا ممن التحقوا بهذا المجال.

إلا أن العديد منهم لم يكن يضع في الحسبان وجود بعض الشروط و التي أضحت محط نقاش على مستوى الرأي العام وكل من له اهتمام بمجال القانون، وذلك راجع إلى كون العديد ممن أراد الانخراط في هيئة من هيئات المحامين المتواجدة على صعيد المملكة و جد أمامه عائق مادي يتعلق بواجب الانخراط .

لذلك سنحاول من خلال الفرع الأول من هذا الفصل ان نصل إلى مقاربة بين أعراف المهنة و ما هو مرتبط بولوج مهنة المحاماة على أن يكون موضوع الفرع الثاني أن نبحث حول مكانة المحامي بين المنظومة الحقوقية ككل.

الفرع الأول: ولوج مهنة المحاماة
كما جاء على حد قول بعض الفقه أن المحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الإنسان، حياته و ماله و حريته و كرامته وعرضه .. والحياة لا تستقيم دون حماية.

فإن ولوج مهنة المحاماة لم يعد ذلك الطريق السهل أمام كل من أراد الدخول إلى ردهات المحاكم ببذلته السوداء بل أضحى الأمر يتطلب التوفر على سيولة مادية قد تتطلب أحيانا اللجوء إلى البنوك قصد الاقتراض أو حتى بيع ما يمكن بيعه لتحقيق حلم يولد مع أول يوم في حياة المحامي.
فالمثل الذي يقول : يولد المحامي محاميا، قد لا يكاد ينطبق على جيل غيرت الماديات مسار حياته و مستقبله.

فهل أصبح من الممكن القول إن مهنة المحاماة أصبحت حكرا على الأغنياء ليدافعوا عن حقوق الفقراء فيما بعد؟

إن ما نشهده اليوم يكاد يكون جواب عن هذا التساؤل و غيره من التساؤلات و الإشكالات الراهنة و التي قد تعصف بمستقبل مهنة لها من القدر ما للقضاء على قدم المساواة.

فالحال أن العديد من الحاصلين على شهادة الأهلية، بعد أن سهروا الليالي للنجاح في المباراة المؤهلة فقد عصف الواجب المادي بحلم لطالما راوده لسنوات، و حتى من قال في نفسه كونه تغلب على هذا العائق فقد ترك ورائه أسرة مثقلة بالديون هذا مع العلم أن المحامي في بداياته لا يكون له مدخول قار اللهم ما قد يتحصل عليه أثناء التدريب و هو غالبا ما يكون مبلغا لا يكفي المتدرب نفسه.

وحتى نكون أكثر موضوعية إزاء هذا الوضع الذي باتت تعرفه المهنة بكل مكوناتها فإن الدافع وراء هذا الرفع الذي عمدت إليه هيئات المحامين على صعيد المملكة هو نتيجة الغياب التام للدعم و المصادر التي تمول هذه الهيئات، وكذى رفع الدولة يدها في الشق المتعلق بالتسيير(المصاريف وأجور العاملين لدى هذه الهيئات من موظفين و غيرهم).

وباتت شأنها متعلق بالتنظيم فقط خاصة تنظيم المباريات و ما شابهها.
وقد صدر قرار عن محكمة النقض في سنة 2010 في نفس الموضوع و الذي جاء فيه أنه ليس في القانون المنظم للمهنة ما يعطي مجلس الهيئة صلاحية إصدار مقرر بفرض رسوم التسجيل بالهيئة .

فالمقصود بواجبات الإشتراك الواردة في المادة 85 من القانون المنظم لمهنة المحاماة والتي يتولى تحديدها مجلس الهيئة هو المبلغ المالي أو الخدمات التي تحددها الجمعية أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها، وهي تنحصر في العضو المنتمي للهيئة فقط، لا الوافد عليها كالمحامين الرسميين المنتقلين من هيئات أخرى و المعفيين من شهادة الأهلية و التمرين، والمحامين الأجانب وغيرهم.

وقد جاء في مضمون هذا القرار على مستوى الوقائع أن المبالغة في الرفع من واجب الإنخراط من شأنه ان يخلق حاجزا أمام الراغبين في ولوج المهنة فيمن تتوفر فيهم الشروط المتطلبة قانونا و أن تسد الباب في وجه العديد ممن تتوفر فيهم شروط الانضمام لمهنة المحاماة.

وأن هذا الرفع سيؤدي لا محالة إلى تعطيل المهنة باقتصارها على الفئة الميسورة لا محالة دون باقي الراغبين الذين يحدوهم الأمل في الإنضمام إليها حسبما حسبما تنص عليه المادة الأولى من القانون المنظم لها مما سيؤدي إلى احتكار المهنة وهو أمر مناف لما توخاه المشرع من وراء إحداث هذه النقابات.

وحيث قضى في منطوقه بنقض القرار المطعون فيه.
وبالتالي يكون العمل القضائي قد وقف إلى جانب المعارضين لهذا الغلو في الرفع من واجب الإنخراط في المهنة بدون سبب يبرر الغاية من هذا الرفع.

الفرع الثاني: تمركز المحامي ضمن إصلاح منظومة العدالة
احتلت مهنة المحاماة كغيرها من أطراف العملية القضائية حيزا مهما من ميثاق اصلاح منظومة العدالة. وقد أصبح معلوما اليوم للرأي العام أن هذا الحيز الذي شغلته المحاماة في الميثاق حدثت في مضمونه اختلافات في وجهات النظر بين جهات عديدة لمن فيها المحامون أنفسهم. وهذا شيء طبيعي في جسم حي عمله يرتكز أساسا على الفكر والمعرفة وأداته الدائمة الحوار والمناقشة للإقناع والاقتناع .

وإذا كان هذا المجلس الوطني للمحامين جهازا منصوصا عليه قانونا، قد يمثل مخاطبا رسميا، فإن من شأن ذلك أيضا أن يحرر التنظيمات الجمعوية للمهنة من بعض الالتزامات ويجعلها تتحرك في حرية أكبر في مساحة المجتمع المدني الواسعة، قوة اقتراحية وأداة للضغط من أجل الإصلاح، خاصة في ظل الدستور الحالي الذي أتاح لهيآت المجتمع المدني إمكانات جديدة.

ونص الميثاق على بعض اختصاصات المجلس الوطني على سبيل المثال، مما يعني أنه ستكون له الولاية العامة في كل الشؤون المهنية.

غير أن من أهم ما ينبغي أن يختص به هو أن يكون مرجعا استئنافيا للقرارات التأديبية الصادرة عن مجالس الهيآت. ليتم القطع بذلك مع الحالة غير الطبيعية السائدة حاليا والتي تجعل التأديب في شقه الأول ( الابتدائي ) مهنيا وفي شقه الثاني ( الاستئنافي ) قضائيا.

إذن من خلال ما سبق، يتضح أن الميثاق استهدف إحداث تعديلات جوهرية على مستوى تنظيم مهنة المحاماة محليا ووطنيا.

و يبقى للنصوص القانونية أن تترجم ذلك في اتجاه خلق أجهزة ديمقراطية مفتوحة في وجه الطاقات والأفكار التي تزخر بها المحاماة والقادرة على التفاعل مع محيطها وعلى التدخل بالسرعة والنجاعة اللازمتين عند الضرورة .

ثالثا : التـأديـب : الإطار القانوني للتأديب هو من الجوانب الحساسة في حياة المهنيين بشكل عام. ولذلك فإن ما جاء به الميثاق في هذا المجال حظي بنقاش واهتمام بالغين.

وقد أورد الميثاق إجراءات التأديب في إطار تعزيز مبادئ الشفافية والمراقبة والمسؤولية في المهن القضائية وانصبت مقتضياته على مستويين : الدرجة الأولى، أي المجلس التأديبي وقد جاء فيه الميثاق بمقتضى جديد تماما ليس فقط على مستوى قانون مهنة المحاماة، بل حتى بالمقارنة مع باقي المؤسسات، إذ نص على حضور الوكيل العام أو من يمثله في المجلس التأديبي دون أن يشارك في المداولات واتخاذ القرار.

أما على مستوى الدرجة الثانية (الاستئناف ) فقد جاء الميثاق أيضا بهيأة جديدة مختلطة قضائية مهنية تتشكل من ثلاثة قضاة من بينهم الرئيس ومحامان اثنان يمثلان مجلس هيأة المحامين للبت في الطعون المقدمة ضد القرارات التأديبية وغيرها الصادرة عن هذا المجلس مع تخويل الهيأة المذكورة حق التصدي.

ويلاحظ أن الميثاق حاول أن يجد نوعا من التوازن من خلال حضور النيابة العامة في المجلس التأديبي وحضور المحامين في الهيأة الاستئنافية.لكن هذا المقتضى، سيكون عسير الهضم لأن المحامين جسم ظل محافظا على طبيعته المتماسكة داخليا واستقلاليته التامة لعقود طويلة، كما أن الهيآت القضائية في المغرب تتكون من قضاة نظاميين محترفين من الصعب إشراكهم مع مهنيين آخرين في هيأة واحدة.

أما بالنسبة إلى الاختصاص الذي منح لهذه الهيأة المختلطة، فإن مكانه الطبيعي هو مجلس هيآت المحامين الذي ينظر في الطعون ضد قرارات المجالس درجة استئنافية.

كما أنه من المناسب ألا يظل مجلس الهيأة بشكله الحالي، من ينظر أيضا في ملفات التأديب، بل يتعين أيضا هنا الخروج من حالة جمع سلطة المتابعة مع سلطة الحكم، وبالتالي يتعين أن تنتخب الجمعية العمومية في جمعها العام الانتخابي نفسه مرة كل ثلاث سنوات مجلسا تأديبيا، خاصا مهمته الوحيدة النظر في قضايا التأديب وينتخب فيه محامون بمواصفات مناسبة مع عدم إمكانية الجمع بين عضوية المجلس التأديبي والمجلس العادي (التدبيري).

رابعا : المــالــية من المواضيع التي طفت إلى السطح في السنوات الأخيرة ومرشحة للاهتمام أكثر : موضوع مالية الهيآت.وهذا أمر طبيعي، باعتبار هذه المالية تحولت من وضع كانت تتشكل فيه من مجرد اشتراكات للمحامين إلى وضع أصبحت فيه المالية تضم الأموال الناتجة عن تنفيذات يقوم بها المحامون، ويدخل ضمن هذه الأموال لفترة معينة أموال – ليس فقط أتعاب المحامين – بل أموال المواطنين المنفذ لفائدتهم قبل سحبها. وأمام تدفق هذه المبالغ الكبيرة أخذت بعض المجالس تقوم باقتطاعات بنسب مختلفة وحتى القيام بمشاريع لهذا الغرض أو ذاك. وكل ذلك يتم في غياب أي رقابة منظمة بل وحتى في غياب مستخدمين مؤهلين في المحاسبة والتخصصات ذات الصلة .

لذلك فإن تعاطي المشرع مع هذا الجانب أصبح ملحا .ويمكن أن يتأتى ذلك بداية من خلال إحداث لجنة خاصة تنتخب من الجمعية العمومية مهمتها المراقبة المالية وتعتمد كل الوسائل والإمكانات للقيام بعملها مع عدم جمع أعضائها بين اللجنة وعضوية المجلس، وتقدم تقريرا للجمعية العمومية .ولعل ذلك التقرير هو إحدى الآليات التي تعتمد في المحاسبة والمراقبة التي منحها الميثاق للجمعية العمومية .

مـلاحـظات و اسـتـنتاجـات في نهاية هذا الموضوع نقدم بعضا من الخلاصات والاستنتاجات الأولية :

أ – إن موضوع إصلاح العدالة في المغرب هو من المواضيع التي كتب فيها الكثير ونظمت حولها مئات من اللقاءات ومنذ عقود من الزمن، لكن ميزة الميثاق الحالي أنه لأول مرة يتم الوصول إلى وثيقة وطنية شاملة لكل جوانب منظومة العدالة برؤية مندمجة شارك فيها أكبر عدد من المؤسسات و الهيآت الوطنية.

ب – إن الميثاق ليس نصوصا قانونية بل هو أفكار وإجراءات ومبادئ ، وأن ترجمتها إلى نصوص قانونية هو المجال الذي ينبغي أن تصب فيه كل جهود الفاعلين و المعنيين.

ج – إن الميثاق قد جاء بأمور مهمة سواء تلك التي فصلناها أعلاه أو التي لم نذكرها مثل اهتمامه بالتكوين والتكوين المستمر، وإعادة النظر في الشهادة العلمية اللازمة لولوج المهنة أو شروط القبول بمحكمة النقض.لكنه في الوقت نفسه أغفل أمورا مهمة مثل الحسم في مسألة احتكار الدفاع وتوسيع مجال عمل المحامين، والحسم في مسألة المساعدة القضائية، كما أن الميثاق لم يشر إلى ضرورة تمكين المحامين من نظام ضريبي يراعي وضعية الأزمة التي يعيشونها ويزيد منها إثقال كاهلهم بضرائب كثيرة منها واحدة لا علاقة لها بممارسة المهنة .

وبالنظر إذن إلى أنه جاء بأمور مهمة وأغفل أخرى، فإنه يكون من الحكمة قبول ما جاء به إيجابيا والمطالبة بتعديل الشق الآخر . و من نافلة القول إنه لا ينبغي رفض أمر دون تقديم بديل له.[9]

شارك المقالة

1 تعليق

  1. السلام عليكم و رحمة الله
    أريد استشارة من فضلكم :
    هل يحق لمحامي قانونيا وأخلاقيا ايداع شكايات لصالح موكله المبحوث عنه و الفار من العدالة. و أن هذه الشكايات لا علاقة لها بموضوع البحث عن موكله,

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.