بحث قانوني حول حرية الإجتماع و قضاء الدستورية العليا

دراسة وبحث قانوني فريد عن حرية الإجتماع و قضاء الدستورية العليا

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }
(الإسراء70)

“وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{104}”
(آل عمران :104 )

“فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ{17} ”
(الرعد:17)

مقدمة

إن الحياة الكريمة اللائقة هي مقصد كل إنسان على ظهر الأرض، وبدون الحرية الشاملة والكاملة تفقد الحياة كل قيمتها.
فالحرية بصفة عامة هي مطلب كل فرد من اجل المحافظة على كرامته ومستوى معيشته اللائق، هذا بالنسبة لجميع الحريات، فجميعها مرتبط ومترابط كلاً واحد ولا يمكن سلب إحداها في مقابل إطلاق أخرى فالسلب لأحداها هو إنتقاص واعتداء على باقي الحريات.
إن الاعتراف للأفراد بالقدر المتضمن من الممارسة الحقيقية لحق المشاركة في الحقوق والحريات العامة في الحياة اليومية هو أبسط الحقوق التي يمكن أن تعطي لهم.

ولما كان الإنسان لا يعيش منعزلاً عن أفراد مجتمعة، بل ينخرط معهم، عن طريق تبادل المصالح والأراء والمناقشات، كان من الطبيعي أن يتجه فكره إلى عقد الاجتماعات لتبادل الأراء والمناقشات الخاصة بحياته الاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها، للوصول إلى أفضل الحلول لما يثار من مشاكل في مختلف شئون حياته.

وإذا أن حرية الرأى والتعبير هي عصب الحريات بصفة عامة، فإن القضاء الإداري والدستوري قد أجمع على أن عقد الاجتماعات يعتبر قناة من قنوات تبادل الأراء، فعقد الاجتماع هو وسيلة من وسائل ممارسة حرية الرأي والتعبير، والتي لا يجوز فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها فهذا الفصل يؤدى الى فقد حرية الرأى قيمتها ومغزاها.
وبهذا يتضح أن الحق في الاجتماع يعد أفضل قناة من قنوات حرية الرأي والتعبير.
وأيضاً مما حد بي لاختيار هذا الموضوع ما يلي:-
1- أن هذا الحق يعد من الحقوق اللصيقة بالإنسان وحرياته.
2- مالوحظ مؤخراً من تضيق الخناق وسوء ممارسة السلطة في التعامل مع الاجتماعات.
3- أهمية الموضوع محل البحث من الناحيتين الفعلية والنظرية ، خاصة الأخيرة حيث أصبحت محط اهتمام الفقه والقضاء.
وتتمثل خطة البحث فيما يلي:
الفصل الاول : ماهيه حريه الاجتماع فى القانون الوضعى والشريعه الاسلاميه.
الفصل الثانى : احكام الدستوريه العليا وحريه الاجتماع والتنظيم القانونى لها فى مصر.

الفصل الاول
ماهيةحريةالاجتماع فى القانون الوضعى والشريعةالاسلاميه.

تمهيد وتقسيم :

لحريه الاجتماع فى القانون الوضعى اهميه كبرى تلك الاهميه تظهر معالمها فى الحياه العمليه بشده فضلا عن انها حظيت بعنايه الكثير من الفقهاء فى مؤلفاتهم ، الا ان هذا الاهتمام الوارد فى القانون الوضعى له اصل فى الشريعه الاسلاميه حيث انها ايضا اولت حربه الاجتماع عنايه بالغه سواء على المستوى النظرى فى القران الكريم او على صعيد التطبيق العملى من خلال الممارسات التى مارسها النبى (ص) فى حياته النبويه مع صحابته الاطهار الاخيار .

ومن هذا المنطلق سوف اتناول هذا الفصل من خلال المبحثين الاتين:
المبحث الاول : ماهية حرية الاجتماع في القانون الوضعي0
المبحث الثانى: ماهية حرية الاجتماع في الشريعة الإسلامية0

المبحث الأول
ماهية حرية الاجتماع في القانون الوضعي

وينقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب:
– المطلب الأول: ماهية الحرية بوجه عام مع توضيح لمفهومها اللغوي والتشريعي والاصطلاحي.
– المطلب الثاني: ماهية حرية الاجتماع بوجه خاص لغويًا واصطلاحيًا، كما يتناول أنواع الاجتماعات.
– المطلب الثالث: مدى علاقة حرية الاجتماع بالحريات الأخرى.

المطلب الأول
ماهية الحرية بوجه عام

تمهيد في تحديد مدلول الحرية بوجه عام:
تعد الحرية من القيم القليلة التي لها عظيم الأثر، وكبير المنزلة في أفئدة البشر على مر القرون. فالحديث عن الحرية ذاتها لم ولن يتوقف مادامت الحرية مستمرة. ( )
فكلمة الحرية أرق من أن تكتب على ورق، وأطهر من أن تنطق من بين ثنايا شفتين، رغم أنها كانت – وما تزال – سببًا في كثير من الأحداث والثورات والصراعات على مر العصور والأزمان: فكم قاست شعوب وقهرت من أجل الحرية، وكم ضحت أمم ودمرت دول من أجل الحرية، وكما قاسى مظلوم وعذب سجين ومات بريء من أجل الحرية؟!
ولا ريب في أن كلمة الحرية من أكثر الكلمات التي تتردد في الأفواه وعلى الأسماع في اللحظات الحرجة والعادية على حد سواء. كما تستعمل في الصحف والمناقشات الحزبية والبرلمانية، وفي الخطب والمؤتمرات والمنظمات الدولية. وفوق ذلك، تحتل حكمة الحرية مكانة هامة في صلب الدساتير وإعلانات الحقوق. ( )
أولاً: الحرية في مفهومها اللغوي تعني الخلاص من التقييد والعبودية والظلم والاستبداد، وأن يكون للفرد القدرة على الاختيار، وأن يفعل ما يشاء وقتما يشاء.
ثانيًا: أما الحرية في مفهومها التشريعي كما جاء بالمادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أصدرت الثورة الفرنسية عام 1789 الحرية بأنها “حق الفرد في أن يفعل كل ما لا يضر بالآخرين، وأن الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز فرضها إلا بقانون”
وإن كان إعلان حقوق الإنسان الفرنسي قد عرف الحرية بأنها حق الفرد في أن يفعل ما يريد، فقد قيد هذا الحق وهذه الإرادة بعدم الإضرار بالغير، ففرق بذلك بين السلوك الضار والسلوك النافع، فقيد الإرادة هنا هو عدم الإضرار بالغير. ( )

ثالثًا: الحرية في مفهومها الاصطلاحي أثارت جدلاً طويلاً على مر العصور المختلفة وتعددت آراء الفقهاء في تعريفها وتبينت، وهذا ما حدا ببعض الفقهاء إلى اعتبار الحرية إحدى عجائب العالم حيث اعتبارها ثامن عجيبة تضاف إلى عجائب العالم السبع. ( )
ويعرف بعض الكلاسيكيين الحرية بأنها القدرة على أن تريد أو لا تريد أو بأنها قدرة الإنسان على أن يمارس كل أموره بنفسه. ( )
ويقرر مونتسكيو بأن الحرية لا تقوم على أن يصنع المرء ما يريد بشكل مطلق وإنما ترتكز في مجتمع تسوده القوانين على شقين أولهما أن يصنع المرء ما يريد وثانيهما ألا يكره المرء على صنع ما لا يريد. ( )
ويقول الفقيه الفيلسوف “لينز” حيث يعرف الحرية على أنها قدرة الإنسان على فعل ما يريد، ومن عنده وسائل أكثر يكون عادة أكثر حرية. لعمل ما يريد. ( )

ويعرفها الفيلسوف “فولتير” بقوله “عندما أقدر على ما أريد فهذه حريتي”.( )
ويعرفها الدكتور/ طعيمة الجرف بأنها تأكيد كيان الفرد تجاه سلطة الجماعة بما يعني الاعتراف للفرد بالإرادة الذاتية والاتجاه في نفس الوقت إلى تدعيم هذه الإرادة وتقويتها بما يحقق للإنسان سيطرته على مصيره. ( )
كما يعرف أستاذنا الدكتور/ عاطف البنا الحرية على المستوى الفردي بقدرة الإنسان على تحديد تصرفاته وأن يدبر شئونه بنفسه، وعلى المستوى الجماعي تعني الحرية قدرة أعضاء الجماعة على تحديد شئونهم الجماعية بأنفسهم. ( )
وأخيرًا عرفت د/ أفكار عبد الرازق الحرية بأنها مجموعة من الحقوق تكلف للفرد القدرة على ممارسة شئون حياته التي لا يستغني عنها، وهذه الحقوق غير مطلقة وإنما تقيدها حرية الآخرين. وعليه يجب أن تكون هذه الحقوق محاطة بسياج من التنظيم والحماية القانونية. فالحرية إذن القدرة على فعل ما يريده الإنسان في ظل حماية القانون، وبشرط عدم الإضرار بالغير. وحدود الإنسان في حريته تعني ضمان لتمتع الآخرين بحرياتهم. ( )
وجوهر هذه المفاهيم وفحواها، أن الحرية ليست مجرد أمنية، وإنما هي إرادة. وبالتأسيس على ذلك تتأثر الحرية بالإمكانات المتاحة للإنسان، فكلما تدعمت إمكاناته المادية والمعنوية كلما زادت حريته. ( )
فإذا كان هذا هو مدلول الحرية ومفهومها، فإننا يمكن أن نستخلص بسهولة أن الحرية المطلقة لا وجود لها بين بني البشر، كما أنه لا يكون الإنسان حرًا حرية مطلقة في جميع الأوقات والأزمان وفي جميع المواقف إذ أن الحرية يحدها النظام، وكما يقول الفيلسوف الفرنسي (آلان – Alain): “أن الحرية لا تسير بدون نظام، وأن النظام لا يساوي شيئًا بدون الحرية”.( )

المطلب الثاني
ماهية حرية الاجتماع بوجه خاص وأنواع الاجتماعات

أولاً: تعريف حرية الاجتماع:

(1) المعنى اللغوي: ( )
كلمة الاجتماع قد تستخدم في أكثر من معنى. فهي تطلق على علم الاجتماع وهو علم يدرس الظواهر الاجتماعية ويقرر أن المجتمع حقيقة متميزة عن الفرد وأن ظواهره خاضعة لقوانين ثابتة.
كما أن كلمة الاجتماع يشتق منها العديد من الألفاظ والمعاني.
الجماعة: هي طائفة من الناس يجمعها غرض واحد. والجمع اسم لجماعة الناس وجمع المتفرق جمع جمعًا ضم بعضه إلى بعض، وجمع الله القلوب ألفها، يقال جمع القوم لأعدائهم، حشدوا لقتالهم.
استجمع: تجمع ويقال استجمع القوم: تجمعوا من كل صوب.
والأمر الجامع: له خطر يجتمع لأجله الناس وفي القرآن الكريم:
“وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه”
والجامع: هو المسجد الجامع الذي تصلي فيه الجماعة.
والمجمع: هو موضوع الاجتماع . والمجمع: الجماعة من الناس.
والإجماع: هو اتفاق الخاصة أو العامة على أمر من الأمور.
اجمع القوم على كذا: اتفقوا عليه. اجتمع القوم: انضم بعضهم إلى بعض وإذا ما وصلنا إلى أن كلمة الاجتماع – لغويًا – تطلق على طائفة من الناس مجتمعين لغرض معين. فإن الكلمة تأخذ في اللغة القانونية نفس المعنى غير أنه من الصعوبة بمكان الوصول إلى تعريف دقيق شامل لحرية الاجتماع. وترجع تلك الصعوبة إلى قلة الأبحاث في هذا الموضوع والفقهاء تعرضوا لحرية الاجتماع وهم بصدد دراسة موضوعات القانون الدستوري والحريات بصفة عامة.

(2) المعنى الاصطلاحي: الفقهاء لا يتفقون على تعريف واحد لحرية الاجتماع – وتعني حرية الاجتماع في رأي الدكتور/ ثروت بدوي – حق الأفراد في أن يتجمعوا في مكان ما فترة من الوقت يعبروا عن آرائهم سواء في صورة خطب أو ندوات أو محاضرات أو مناقشات. ( )
كما عرف البعض حرية الاجتماع أن يتمكن الفرد من الاجتماع مع غيره – فترة من الوقت – طالت أو قصرت – ليعبروا عن أرائهم بالمناقشة أو تبادل الرأي، والدفاع عن رأي معين، وإقناع الآخرين بالعمل به، أو على سبيل المنفعة العامة والتعليم. ( )
ويعرف البعض الآخر حرية الاجتماع بأنها اتجاه إرادة الأفراد إلى أن يتجمعوا في مكان ما، خلال حيز من الزمن، بقصد التعبير عن آرائهم – أيا كان أسلوب هذا التعبير أو وسيلته – في صورة محاضرات أو ندوات أو خطب أو مناقشات جدلية… ( )
وأخيرًا رجحت الدكتورة/ أفكار عبد الرازق التعريف التالي نظرًا لشموله على عناصر الاجتماع العام فحرية الاجتماع العام هي: حق عدد غير محدد من الأفراد في أن يتمكنوا من عقد الاجتماعات المنظمة، في مكان وزمان محددين، لتبادل الآراء والأفكار بالطرق المختلفة حول موضوع ما. ( )

ثانيًا: أنواع الاجتماعات:
في ضوء نصوص الدستور ونصوص القانون رقم 14 لسنة 1923 المعدل بالمرسوم بقانون رقم28 لسنة 1929 يمكن تقسيم الاجتماع إلى اجتماعات عامة واجتماعات خاصة. وهذان النوعان سنعالج كل واحد منهما على التوالي:

(1) الاجتماعات العامة:
عرف القانون المذكور في المادة 8 منه الاجتماعات العامة بأنها كل اجتماع في مكان أو محل عام أو خاص يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص ليس بيدهم دعوة شخصية فردية.
وقد عرفها البعض بأنها تتم – بصورة مؤقتة – في مكان معين (صالة الاجتماعات أو الميادين أو الشوارع) بغرض معين، هو تبادل الآراء والأفكار، وذلك بإلقاء خطب أو تبادل حوار شفاهة أو بالكتابة. ( )
يتضح من هذه التعريفات أنه لابد من توافر عناصر معينة لتكوين الاجتماع العام وهذه العناصر من الأهمية بمكان لقيام الاجتماع إذ بدونها أو بفقد عنصر منها يتغير وصف الاجتماع العام ويتخذ وصف آخر. ويمكن إجمال هذه العناصر فيما يلي: ( )

(1) عنصر التنظيم:
بمعنى أن الاجتماع العام هو حادث عمدي يتطلب الإعداد لانعقاده، حيث يعزم بعض الأفراد على إقامة اجتماع فيتحدث مع زملائه ويبدأون في الإعداد للاجتماع وتنظيمه وفقًا لقواعد معينة.
وهو ما يعني أن تنظيمه وبرنامجه قد وضعها بداءة ومسبقًا. ويختلف الاجتماع بذلك عن التجمع الفجائي: (مثل التجمعات غير المتفق عليها، كطابور الانتظار أمام محطات الأتوبيس، أو اجتماع رواد مطعم ما انتظارًا لتسلم وجباتهم ومخصصاتهم الغذائية… الخ). ( )

(2) عنصر الوقت:
معنى أن الاجتماع ينعقد خلال فترة معينة من الزمن، وإن كانت المادة 8 من قانون الاجتماعات العامة سالفة الذكر – والتي عرفت الاجتماعات العامة – لم تشر إلى عنصر الوقت، إلا أن المشرع قد نص في الفقرة الثانية من المادة الخامسة من ذات القانون على عدم جواز امتداد الاجتماعات العامة إلى ما بعد الحادية عشر ليلاً.
فالاجتماع – في ضوء هذا المعيار – يتصف بالتأقيت، وهو من هذه الناحية يفترق عن الجمعية التي تتطلب وجود علاقة مستمرة ودائمة بين أعضائها. ومفاد ذلك، أن الاجتماع لا ينشئ في الواقع بين المشتركين أية رابطة يكون طابعها الاستمرار. ( )

(3) تبادل الآراء والأفكار خلال الاجتماع:
بمعنى أن يكون خلال الاجتماع مناقشة الآراء والأفكار المطروحة وهذا العنصر من الأهمية بمكان لتميزه بالطابع الفكري.

(4) عمومية الدعوات:
بمعنى أن الاجتماع العام لا يشترط فيه حد معين لعدد الأفراد المشتركين فيه ولا يشترط سن معين أو جنسية معينة وعلى ذلك يمكن للأفراد أن يشاركوا فيه دون أن يكون لهم دعوة شخصية.

(5) عنصر المكان:
الاجتماع العام يمكن أن ينعقد في مكان أو محل عام أو خاص وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثامنة من القانون رقم 14 لسنة 1923 ولكن لا يمكن أن ينعقد في الطرق أو الميادين العامة لخروجه في تلك الحالة عن صفة الاجتماع إلى صفة المظاهرة. وهذا ما أكدته محكمة مصر الكلية الأهلية في حكم لها.
حيث حددت صفة الطريق العام باعتباره أهم العناصر المميزة للمظاهرة.
وعلى هذا الأساس يجب التفرقة بين التجمعات التي تحدث في الطريق أو الميدان العام والمكان أو المحل العام فالتي تحدث في الأولى تكون مظاهرة والتي تحدث في الثانية تكون اجتماعات عامة.

(6) عنصر الثبات:
بمعنى أن الاجتماع يجب أن يتسم بصفة الثبات والاستقرار حيث أن غياب هذا العنصر يفقد الاجتماع العام معظم عناصره الأخرى حيث أنها مرتبطة ببعضها. فتوافر عنصر المكان يعني توافر الثبات وكذلك تبادل الآراء يرتبط بالاستقرار ليتسنى للأفراد المناقشة وتبادل الآراء في جو من الاستقرار والثبات.

(2) الاجتماعات الخاصة:
قد عرف جانب من الفقه الاجتماع الخاص بأنه “يتكون من أفراد محدودي العدد ومعروفين بقصد المناقشة في موضوع خاص بهم المجتمعين مباشرة أو المناقشة في موضوع عام لا يتخذ صفة العمومية في أثره لقصر المناقشة فيه على المجتمعين وحدهم”.( )
وعرف جانب آخر من الفقه الاجتماعات الخاصة بأنها:
“تلك التي تتصف بالخصوصية سواء في أفرادها أو المكان الذي تعقد فيه، أو في أغراضها وأهدافها”. ولا تدخل تلك الاجتماعات الخاصة في عداد ما نسميه بحرية الاجتماع، ذلك أنها مقررة طبيعيًا للشخص، حتى أنها لتعد من حرياته الشخصية أو اللصيقة. إلا أن بعض الدساتير تنص عليها إمعانًا في حمايتها (كالدستور الكويتي). ( )

المطلب الثالث
مدى علاقة حرية الاجتماع بالحريات الأخرى

الحرية حق من الحقوق الطبيعية التي يولد بها الإنسان ولا يمكن لأي تشريع أن يجرده منها والتشريع الذي يقوم بذلك إنما يعد جريمة في حق الحرية.
الحرية كل لا يتجزأ والحريات جميعًا لا يمكن فصل بعضها عن بعض، فالحريات وحدة ترتبط بعضاه ببعض، وانتهاك إحداها هو انتهاك لها جميعًا، فحياة الأفراد عبارة عن مستويات متعددة من الحريات يجب أن يتمتع بها جميعًا وذلك نتيجة لوجود ترابط بينها.
فمن غير المتصور أن يكون الإنسان مهدد وخائف على ماله ونفسه ويكون قادر على إبداء رأيه في أي موضوع، وكذلك فمن لا يستطيع ممارسة إبداء رأيه بحرية لا تكون له حرية في عقد اجتماع وتكون حريته كاذبة، وعليه فلا يمكن أن يتمتع الإنسان بحرية الاجتماع إلا إذا تمتع بباقي الحريات، لذلك سنبين علاقة حرية الاجتماع ببعض الحريات الأخرى على النحو التالي:
الفرع الأول: حرية الاجتماع وحرية الرأي.
الفرع الثاني: حرية الاجتماع والمظاهرات والتجمهر.

الفرع الأول
حرية الاجتماع وحرية الرأي
حرية الاجتماع هي “أن يتمكن الناس من عقد الاجتماعات السلمية في أي مكان فترة من الزمان، ليعبروا عن آرائهم وأفكارهم بأي طريقة من الطرائق، كالخطابة أو المناقشة أو عقد الندوات وتنظيم الحفلات أو إلقاء المحاضرات”.
بينما يقصد بحرية الرأي أن الإنسان يعبر عن رأيه بأي وسيلة سواء كانت هذه الوسيلة، الإذاعة أو الصحافة أو الاجتماعات أو النقابات فحرية الرأي تحتوي في مضمونها على كثير من الحريات فتتفرع منها حرية الصحافة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحرية الاجتماع وحرية تكوين الأحزاب والنقابات.
وحرية إبداء الرأي هي حق طبيعي للناس، وهذه الحرية كانت ولا تزال عاملاً كبيرًا في تقوم الأمم من الوجهة السياسية والعلمية والاجتماعية، ولما كانت حرية إبداء الرأي هي في الواقع من مصلحة الشعب فقد عمدت الحكومات المستبدة إلى حرمان الأمم من هذه الحرية فوضعت لها قيودًا متذرعة بالدفاع عن النظام العام وهي في الواقع تهدمه من أساسه ولا تدافع إلا عن نفسها وعن بقائها، إلا أن الأمم غضبت من سلب حقوقها، وثارت في وجه الحكومات الغاصبة ثم استردت حريتها لما لها من أهمية في حياتها. ( )

هذا ومن المتفق عليه أن مختلف حريات الفكر إنما تنبثق من حرية الرأي، وبحيث تعتبر جميعها فروعًا عن هذا الأصل، وإذا كان الفقه يعدد تحت مسمى “حريات الفكر” كل من حريات العقيدة، والتعليم، والصحافة، ثم حرية المسرح والسينما والإذاعة، فإن هذه الحريات وما على شاكلتها ليست إلا صورًا مختلفة للتعبير عن الحرية الأصلية، وهي حرية الرأي.
ومن الجدير بالذكر أن إخراج الرأي من محبسه في ضمير ووجدان صاحبه، وكفالة لتمتعه بحرية الإفصاح عنه وإكسابه لصفة العلنية أو التعبير عن فحواه، لهو أمر لا يتسنى إدراكه دون أن يعمم ذلك الرأي أو تتم إذاعته على الملأ وفي جماعة كبيرة من الناس، ومن هنا فإنه لن تصبح لهذا الرأي قيمته ولن تؤتى غايته أو يحقق أهدافه إلا إذا تم تبادل الأفراد الرأي في اجتماعات موسعة، إذ لا يتصور أن يظهر الفرد رأيه لنفسه، وإنما يكون ذلك من خلال إطلاعه لغيره عليه في اجتماع حقيقي بأن يجتمع مع غيره لمناقشته معه، أو اجتماع حكمي حين ينشر رأيه بأية وسيلة ليصل إلى غيره. ( )
ومن تعريف حرية الاجتماع وحرية الرأي نجد أن كلاً منهما تتصل بالأخرى اتصالاً وثيقًا، بل أنه يتضح أن حرية الاجتماع تعد وسيلة من وسائل ممارسة حرية الرأي، فإن عقد الاجتماعات يكون للتعبير عن الآراء والأفكار وهذا لا يكون إلا عن طريق حرية الرأي. فبدون حرية الرأي لا تكون حرية الاجتماع، ولا يمكن أن يتمتع الإنسان بحريات أساسية مثل حرية الاجتماع إلا إذا تمتع بالحريات الأخرى، فمن المحال منح حرية الاجتماع دون منح حرية الرأي لأن حرية الاجتماع تعتبر وسيلة من وسائل التعبير عن الرأي كما أن “حرية الاجتماع هي جزء أو مظهر من مظاهر حرية الرأي فهذه الحرية يمكن التعبير عنها بعقد الاجتماعات والندوات واللقاءات، كما أنه يمكن التعبير عن حرية الرأي بمظاهر أخرى مثل المظاهرات السلمية”( )
فالحديث عن حرية الرأي والتعبير لا يمكن أن يجري منعزلاً عن الحريات الأخرى. فحرية الرأي والتعبير لا يمكن أن تنعزل عن حرية الاجتماع وتعد حرية الاجتماع إحدى تطبيقات حرية الرأي وتحرص معظم الدساتير على النص عليها، فقد نص عليها الدستوري المصري الحالي في المادة 47 حيث قررت أن “حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون، والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني”.

حرية التعبير “ضمانها الدستور”:
– ضمان الدستور لحرية التعبير عن الآراء تقرر بوصفها الحرية الأصل.
ضمان الدستور – بنص المادة (47) – لحرية التعبير عن الآراء، والتمكين من عرضها ونشرها سواء بالقول، أو بالتصوير، أو بطباعتها، أو بتدوينها، وغير ذلك من وسائل التعبير، قد تقرر بوصفها الحرية الأصل التي لا يتم الحوار المفتوح إلا في نطاقها، وبدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها، ولا تكون لها من فائدة، وبها يكون الأفراد أحرارًا لا يتهيبون موقفًا ولا يترددون وجلاً، ولا ينتصفون لغير الحق طريقًا. ( )

حرية التعبير “أهدافها”:
– قصد الدستور من خلال ضمان حرية التعبير، أن يظهر ضوء الحقيقة جليًا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققًا لمصلحة مبتغاة.
ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير، هو أن يكون التماس الآراء والأفكار، وتلقيها عن الغير ونقلها إليه، غير مقيد بالحدود الإقليمية على اختلافها، ولا منحصر في مصادر بذواتها تعد من قنواتها، بل قصد أن تترامي آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، وأن تنفتح مسالكها، وتفيض منابعها، لا يحول دون ذلك قيد يكون عاصفًا بها، مقتحمًا دروبها، ذلك أن لحرية التعبير أهدفًا لا تريم عنها، ولا يتصور أن تسعى لسواها، هل أن يظهر من خلالها ضوء الحقيقة جليًا، فلا يُداخل الباطل بعض عناصرها، ولا يعتريها بهتان ينال من مُحتواها. ولا يتصور أن يتم ذلك إلا من خلال اتصال الآراء وتفاعلها ومقابلتها ببعض، وقوفًا على ما يكون منها زائفًا أو صائبًا، منطويًا على مخاطر واضحة، أو محققًا لمصلحة مبتغاة، ولازم ذلك أن الدستور لا يرمي من وراء ضمان حرية التعبير، أن تكون مدخلاً إلى توافق عام، بل تغيا بضمانها، أن يكون كافلاً لتعدد الآراء وإرسائها على قاعدة من حيدة المعلومات، ليكون ضوء الحقيقة منارًا لكل عمل، ومحددًا لكل اتجاه. ( )

حرية التعبير “أدواتها- تبادل الآراء وتنوعها”.
– حرية التعبير هي القاعدة في كل تنظيم ديموقراطي – الإخلال بها هو إنكار لعدم جواز فصلها عن أدواتها، وارتباط وسائل مباشرتها بغاياتها.
حرية التعبير التي كفلها الدستور، هي القاعدة في تنظيم ديموقراطي، لا يقوم إلا بها، ولا يعدو الإخلال بها أن يكون إنكارًا لحقيقة أن حرية التعبير لا يجوز فصلها عن أدواتها، وأن وسائل مباشرتها يجب أن ترتبط بغاياتها، فلا يعطل مضمونها أحد، ولا يناقض الأغراض المقصودة من إرسائها. ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإيمان بها شكليًا أو سلبيًا، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غيره صمتًا، ولو بقوة القانون.
وحرية التعبير – في مضمونها الحق – تفقد قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعرض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها لبعض، ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع. ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولو كان أفقها ضيقًا أو كان عقمها أو تحزبها باديًا.
والقيم العليا لحرية التعبير – بما تقوم عليه من تنوع الآراء وتدفقها وتزاحمها- ينافيها ألا يكون الحوار المتصل بها فاعلاً ومفتوحًا، بل مقصورًا على فئة بذاتها من المواطنين، أو متعاظمًا بمركزهم بناء على صفتهم الحزبية، أو منحصرًا في مسائل بذواتها لا يتعداها. ( )

حرية التعبير “القيود عليها”:
– حرية التعبير، عدم جواز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو عن طريق العقوبة التي تتوخى قمعها – عدم جواز أن يفرض أحد على غيره صمتًا ولو بقوة القانون.
حرية التعبير، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها، لا يجوز تقييدها بأغلال تعوق ممارستها، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخى قمعها. بل يتعين أن ينقل المواطنون من خلالها – وعلانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم، فلا يتهامسون بها نجيًا، بل يطرحونها عزمًا ولو عارضتها السلطة العامة – إحداثًا من جانبهم – وبالوسائل السلمية – لتغيير قد يكون مطلوبًا – فالحقائق لا يجوز إخفاؤها، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنًا في غيبة حرية التعبير. كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة (47) من الدستور، لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها، بل كذلك اختيار الوسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها أو نشرها، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها، ولعل أكثر ما يهدد حرية التعبير، أن يكون الإيمان بها شكليًا أو سلبيًا، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها، وألا يفرض أحد على غيره صمتًا ولو بقوة القانون. ( )

الحق في الاجتماع “الصلة بين هذا الحق وحرية التعبير”.
– الحق في الاجتماع أو اتصاله بحرية عرض الآراء وتداولها، للأشخاص الذين يؤيدون موقفًا أو اتجاهًا معينًا – إقامة تجمع منظم يحتويهم ويتناولون فيه بالحوار ما يؤرقهم – الغرض منه قد يكون سياسيًا أم نقابيًا أم مهنيًا – اتصاله بحرية التعبير أحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقييدها بغير الوسائل التي يتطلبها الدستور أو يكلفها القانون.
الحق في الاجتماع أو التجمع – وسواء كان حقًا أصيلاً أم تابعًا – أكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الآراء وتداولها كلما أقام أشخاص يؤيدون موقفًا أو اتجاهًا معينًا، تجمعًا منظمًا يحتويهم، يوظفون فيه خبراتهم، ويطرحون آمالهم، ويعرضون فيه كذلك لمصاعبهم، ويتناولون بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها عليه ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي – وكان تكوين بنيان كل تجمع – وسواء كان الغرض منه سياسيًا أو نقابيًا أو مهنيًا – لا يعدو أن يكون عملاً اختياريًا لا يساق الداخلون فيه سوقًا، ولا يمنعون من الخروج منه قهرًا، وهو في محتواه لا يتمحض عن مجرد الاجتماع بين أشخاص متباعدين ينعزلون عن بعضهم البعض، بل يرمي بالوسائل السلمية إلى أن يكون إطارًا يضمهم، ويعبرون فيه عن مواقفهم وتوجهاتهم، ومن ثم كان هذا الحق متداخلاً مع حرية التعبير، ومكونًا لأحد عناصر الحرية الشخصية، التي لا يجوز تقييدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية، والإجرائية التي يتطلبها الدستور، أو يكفلها القانون، واقعًا عند البعض في نطاق الحدود التي يفرضها صون خواص حياتهم، وأعماق حرمتها بما يحول دون اقتحام أغوارها أو تعقبها لغير مصلحة جوهرية لها معينها، لازمًا اقتضاءً، ولو لم يرد بشأنه نص في الدستور، كافلاً للحقوق التي أحصاها ضماناتها، محققًا فعالياتها، سابقًا عليه وجود الدساتير ذاتها، مرتبطًا بالمدنية في مختلف مراحل تطورها، كامنًا في النفس البشرية، تدعو إليه فطرتها، وهو فوق هذا من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها. ( )

حق التجمع “تقويض الأسس التي يقوم عليها – أثره”:
– هدم حرية الاجتماع يفقد حرية التعبير قيمتها، ويقوض الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم، الذي يستند إلى الإرادة الشعبية – لازم ذلك: امتناع تقيدها إلا وفق القانون، وفي حدود ما تسمح به النظم الديموقراطية.
تفقد حرية التعبير قيمتها إذا جحد المشرع حق من يلوذون بها في الاجتماع المنظم، وحجب بذلك تبادل الآراء في دائرة أعراض، بما يحول دون تفاعلها وتصحيح بعضها البعض، ويعطل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار، ويعوق انسياب روافد تشكيل الشخصية الإنسانية التي لا يمكن تنميتها إلا في شكل من أشكال الاجتماع، ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلطها، ولو كان أفقها ضيقًا، أو كان عقمها أو تحزبها باديًا، كذلك فإن هدم حرية الاجتماع، إنما يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام الحكم، ولا يكون مستندًا إلى الإرادة الشعبية، ولا تكون الديمقراطية فيه بديلاً مؤقتًا، أو إجماعاً زائفًا، أو تصالحًا مرحليًا لتهدئة الخواطر. بل شكلاً مثاليًا لتنظيم العمل الحكومي وإرساء قواعده. ولازم ذلك امتناع تقييد حرية الاجتماع إلا وفق القانون، وفي الحدود التي تتسامح فيها النظم الديمقراطية، وترتضيها القيم التي تدعو إليها. ( )
ويبين مما تقدم من الاحكام الدستورية السابقة أنه يستحيل الفصل بين حرية الرأي وحرية الاجتماع ويترتب على هذه الصلة الوثيقة بين الحريتين أن كلاً منهما تخضع لنفس الضوابط والقيود التي ترد على ممارستها، هذه الضوابط والقيود تخضع لقواعد الأخلاق والأمن العام للدولة.
فالاعتراف بحرية الاجتماع من الأمور اللازمة لكفالة حرية الرأي، وإن لم ينص الدستور أو القانون على حرية الاجتماع، فالاعتراف بها يكون من مقتضى كفالة ممارسة حرية الرأي لأن حرية الاجتماع في أحد أدوات ووسائل مباشرتها التي ترتبط بها وتفقد قيمتها بجحدها أو الانتقاص منها. ( )

الفرع الثاني
حرية الاجتماع والمظاهرات والتجمهر

أولاً: حرية الاجتماع وحرية التظاهر:
مما لا شك فيه أن حق المواطنين في تنظيم وتسيير المظاهرات السلمية هو فرع من حرية الاجتماع، وأن هذا الحق يتعين أن يكون تصرفًا إراديًا حرًا لا تتدخل فيه الجهة الإدارية، بل يستقل عنها. كما يتعين أن تكفل الدولة لكل ذي شأن حق الانضمام والمشاركة في المظاهرة التي يرى أنها أقدر على التعبير عن مصالحه وأهدافه، وفي انتقاء واحدة من هذه التظاهرات – حلا تعددها – ليكون مشاركًا فيها، وما هذا الحق إلا جزء لا يتجزأ من حريته الشخصية. ( )
والمظاهرة العامة هي اجتماع عدة أشخاص في طريق أو محل عام للتعبير عن إرادة جماعية أو مشاعر مشتركة (أيًا كانت دوافع هذه المشاعر، سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية) عن طريق الهتافات أو الصياح أو الإشارات أو غيرها.
وهكذا يُعد اجتماعًا عامًا انضمام عدد من الأشخاص في مكان أو محل عام إلى بعضهم لتبادل وجهات النظر في شأن المسائل التي تعنيهم، ولتناول بالحوار ما يؤرقهم، ليكون هذا التجمع نافذة يطلون منها على ما يعتمل في نفوسهم، وصورة حية لشكل من أشكال التفكير الجماعي. ( )
ومن استعراض هذه التعريفات يتضح أن الاجتماع العام. يختلف عن المظاهرة في أن الثانى يتميز بأن التعبير عن الرأي يكون بالمناقشة وتبادل الأفكار والآراء والتشاور بين المجتمعين أما المظاهرة تتميز بأن التعبير عن الرأي فيها يكون بالهتافات والإشارات والصياح. ( )
وتتفق حرية الاجتماع مع حرية التظاهر في الطبيعة، فكلاهما يعد متداخلاً مع حرية التعبير. من هنا لا غرابة أن يسوي المشرع بينهما في الكثير من الأحكام، حيث أخضعهما لإجراءات خاصة وقيود تكاد تكون واحدة، على الرغم من أن حرية التظاهر – بسبب طبيعتها – أقرب إلى المساس بالأمن العام.

ورغم هذا التشابه إلا أن أهم ما يميز المظاهرة عن الاجتماع العام أنها في الطريق العام لأنها غالبًا ما تكون متحركة، وأن الاجتماع العام الذي يكون فيه التعبير عن الرأي بالمناقشة وتبادل الأفكار والآراء والتشاور، لا يتصور حدوثه إلا في جو يتسم بالاستقرار والثبات وهو ما لا يتوافر في المظاهرة”.( ) وقد تدخل المشرع لتحديد الطرق العام حيث صدر في مصر القانون رقم 84 لسنة 1968 بشأن الطرق العامة وجاء في مذكرته الإيضاحية “يقصد بالطرق العامة في أحكام هذا القانون الطرق المعدة فعلاً للمرور العام عند العمل به غير المملوكة للأفراد أو الهيئات وكذلك كل طريق ينشأ وفقًا لأحكامه”.

وقد نص القانون رقم 14 لسنة 1923 بشأن الاجتماعات العامة والمظاهرات في الطرق العمومية في المادة التاسعة والعاشرة منه على المظاهرات. وطبقًا للمادة التاسعة تسري معظم الأحكام الخاصة على الاجتماعات العامة على كل أنواع الاجتماعات والمواكب والمظاهرات التي تقام أو تسير في الطرق أو الميادين العامة التي يكون الغرض منها سياسيًا. ( )
ويتضح من نص المادة التاسعة أن المشرع قد ساوى بين الاجتماعات العامة والمظاهرات في الإجراءات والقيود، إلا أن هذه التسوية كانت بين الاجتماعات العامة والمظاهرات التي يكون غرضها سياسيًا، وذلك لأن المادة التاسعة بعد أن سحبت الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة على كل أنواع المواكب والمظاهرات أعقبت ذلك بعبارة “والتي يكون الغرض منها سياسيًا، وهذه التسوية من المشرع بين الاجتماعات العامة بصفة مطلقة وبين المظاهرات ذات الغرض السياسي يوضح مدى تشدد المشرع مع الاجتماعات العامة التي أخضعها لقيد الإخطار السابق مثلها مثل المظاهرات السياسية، رغم أن هذه المظاهرات قد تنطوي على تهديد للنظام العام نظرًا لطبيعتها، وأن هذا قد لا يتوافر في الاجتماع العام الذي تختلف درجة خطورته على النظام العام عن تلك الخطورة التي قد يتعرض لها هذا النظام نتيجة المظاهرات السياسية. ( )

ومن الملاحظ أن القانون قد جرم المظاهرات التي لم يتم الإخطار عنها أو التي يتم منعها وذلك على نحو ما أوضحته المادة 11 من قانون الاجتماعات العامة رقم 14 لسنة 1923، ومن مظاهر تشديد المشرع أيضًا على حرية الاجتماع فقد تكلفت ذات المادة بالمساواة في العقوبات بين الاجتماعات العامة والمظاهرات وهذا يعتبر تشديد على حرية الاجتماع. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 11 على أن “الاجتماعات أو المواكب أو المظاهرات التي تقام أو تسير بغير إخطار عنها أو رغم الأمر الصادر بمنعها يعاقب الداعون إليها والمنظمون لها وكذلك أعضاء لجان الاجتماعات بالحبس لمدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

ثانيًا: حرية الاجتماع والتجمهر:
لما كان للتجمهر أضرار خطيرة على النظام العام فقد حرص المشرع في كثير من الدول على إصدار قوانين تجرمه وتوضح أركانه.
وفقًا للمادة الأولى من القانون رقم 10 الصادر في 18 أكتوبر 1914 بشأن التجمهر، يُعد تجمهرًا معاقبًا عليه “إذا كان التجمهر المؤلف من خمسة أشخاص على الأقل من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر وأمر رجال السلطة المتجمهرين بالتفرق” ورفضوا الانصياع لهذا الأمر.
كذلك يُعد تجمهرًا معاقبًا عليه “إذا كان الغرض من التجمهر المؤلف من خمسة أشخاص على الأقل ارتكاب جريمة أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين أو اللوائح، أو إذا كان الغرض منه التأثير على السلطات في أعمالها أو حرمان شخص من حرية العمل، سواء كان ذلك التأثير أو الحرمان باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها” (المادة الثانية من قانون التجمهر).
ومن ذلك التعريف يتضح أن جريمة التجمهر تتكون من عنصرين:
(1) تجمع خمسة أشخاص على الأقل: لا يشترط أن يتفقوا على الاجتماع في اتفاق سابق بل يمكن أن يحدث التجمع بطريقة عرضية.
(2) في الطريق أو المكان العام: وهذا الشرط مسلم به وإن لم ينص عليه فحكمة النص تقتضيه كما أن المذكرة الإيضاحية تشير إليه في آخرها فيما نصه “وغنى عن البيان أن أحكام هذا القانون لا تنطبق إلا على التجمهر الذي يحصل في الطرق والمحلات العمومية”. وبذلك يكون المشرع أفصح عن رأيه افصاحًا كافيًا وهذه العبارة تعتبر مكملة للقانون وجزء لا يتجزأ منه وبذلك لا يقتصر التجمهر على الذي يحدث في الطرق العمومية فقط – كما هو الحال في القانون الفرنسي – بل يمتد إلى التجمهر الذي يحدث في المحلات العمومية. ( )
وللتجمهر صورتان:
الأولى: التجمهر المهدد للسلم العام. لا تتحقق الجريمة في هذه الصورة إلا إذا أصدر رجال السلطة التنفيذية أمراً للمتجمهرين بالتفرق ورفضوا طاعته وإن كان المشرع قد التزم الصمت عن ذكر الأحوال التي يكون فيها التجمهر مهدد للسلم العام فإن ذلك يرجع لتقدير الإدارة الخاضع لرقابة القضاء.
الثانية: التجمهر لغرض غير مشروع. ويكفي أن يثبت في هذه الصورة أن يكون الغرض من التجمهر هو ارتكاب جريمة ما وأن يكون المشتركون فيه عالمين بهذا الغرض. فلا يشترط أن يكون التجمهر في هذه الصورة مهددًا للسلم العام ولا يشترط صدور أمر للمتجمهرين بالتفرق وامتناعهم عن تنفيذه ولا يشترط أن يكون التجمهر موجهًا ضد الحكومة للاحتجاج على أعمالها.
وهذا لا يقتصر التجمهر على الأغراض السياسية فقط وإنما تسري أحكام القانون على التجمهر الذي يراد به منع حفل زفاف. ( )
ومن كل ما تقدم يتضح أن التجمهر يختلف عن حرية الاجتماع. ففي حين أن حرية الاجتماع تحت المظلة القانونية فإن التجمهر يعقد جريمة في ذاته معاقب عليه من قبل القانون، هذا بالإضافة إلى أن الاجتماع يتميز بالمناقشة وتبادل الآراء في حين أن التجمهر تنقصه هذه العناصر كما أن التنظيم السابق يعتبر أهم ما يميز الاجتماعات العامة على عكس التجمهر الذي يحدث بطريقة عرضية. كما أن التجمهر لا يحدث إلا في طريق أو مكان عام أما الاجتماع العام لا يحدث انعقاده في طريق عام. ( )
ملاحظة جوهرية تجدر الإشارة إليه:
– لم يبين القانون ضوابط المساس بالسلم العام. ومما لا شك فيه أن هذا الإغفال يشكل ثغرة تتيح للسلطة التنفيذية أن تنفذ منها للتمادي في تقييد حرية التظاهر، حيث ترك القانون – من خلال المادة الأولى – كل الحرية للسلطة المكلفة بحفظ النظام العام في تحديد ما إذا كان التجمهر من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر أم لا. وهكذا يمكن للإدارة أن تحول تجمهرًا بريئًا إلى آخر معاقب عليه، نكاية في بعض المتجمهرين المعروف عنهم معارضتهم للنظام، حيث يكفي لها أن تصدر أمرًا بتفريق المتجمهرين مع الادعاء بوجود خطر على السلم العام. ( )

المبحث الثانى
ماهية حرية الاجتماع في الشريعة [b]الإسلامية

وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين:

– المطلب الأول:
مفهوم الحرية في النظام الإسلامي مع توضيح لمفهوم حرية الاجتماع في الشريعة الإسلامية.

– المطلب الثاني:
حرية الاجتماع بين الإباحة والقيود في الشريعة الإسلامية.

المطلب الأول
مفهوم الحرية في النظام الإسلامي
مع توضيح لمفهوم حرية الاجتماع في الشريعة الإسلامية

أولاً : مفهوم الحرية في النظام الإسلامي:
نظر الإسلام إلى الحرية بمدلولها العام, واعتبرها دعامة ومحورا لكافة ما سنة الله عز وجل للناس من عقائد ونظم وتشريع, هدفها تحقيق مختلف الضرورات الأساسية اللازمة لحفظ كيان الإنسان ووجوده, شاملا حفظ العقل والدين والمال والعرض والنسل.
ومن هنا فإن الإسلام لم يقيد حرية الفرد, إلا في أضيق الحدود التى يقتضيها الصالح العام أو يحتمها واجب الالتزام باحترام حقوق وحريات الآخرين, ومن ثم فقد عمد إلى كل نظام يتعارض مع هذه الأسس والمبادئ, فألغاه إما دفعة واحدة, إن كان لا يترتب على إلغائه مرة واحدة زلزلة تضطرب بها حياة الجماعة, وإما بإلغائه على مراحل ورفض القيود عليه, بما يكفل القضاء على آثاره ونتائجه الضارة بالفرد والمجتمع, وذلك عندما يكون في إلغائه مرة واحدة, ما قد يؤدى إلى زلزلة الحياة الاجتماعية واضطرابها, مثلما فعل بالنسبة لإلغاء كل من نظام الرق وشرب الخمر. ( )
فالحرية في الإسلام أصل عام يعتمد إلى كل مجالات الحياة فما من مجال في الحياة تدعو الحاجة إلى الحرية فيه إلا ويستطيع المسلم أن يمارس الحرية في – فالحدود الوحيدة التى ترد على حريته تتمثل فيها جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من زواجر ونواهي ويؤسس الحرية في الإسلام على الإباحة الأصلية للأشياء – فيقول ما نقله الفقهاء: “وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: ما لم يذكره في القرآن فهو مما عفا الله عنه. وكان يسأل عن الشئ لم يحرم فيقول: عفو”.
كذلك ما جاء عن الإمام الشاطبي من قوله “يصح أن يقع بين الحلال والحرام مرتبه العفو “ثم أورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه الدار قطني عن أبي تعلبه الخشني قال “أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها, وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحدد حدود فلا تعتدوها, وسكت عن اشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها” – (وما كان ربك نسيا).
كل ذلك جاء مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم والنسائي والترمذى من حديث “ذروني ما تركتكم, فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم, فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم, وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه”. ( )
لذلك فقد حرص الإسلام على تطبيق مبدأ الحرية, على هدى تلك الأسس والمناهج, في مختلف شئون الحياة حيثما تقتضي كرامة الفرد تطبيقها فيها, وجاء ذلك مصداقا وتطبيقا لقوله تعالى: “{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} “. ( )
وبذلك تعددت مظاهر التكريم والتفضيل من خلال كافة ما منحه الإسلام للإنسان بوصفه هذا من حقوق وحريات في الشئون المدينة والدينية , ونواحي التفكير والتعبير, ومناهج السياسة ونظام الحكم. وكانت الغاية التي قصدها الإسلام من تقرير الحرية في هذه النواحي والشئون متمثلة في تحقيق مصالح الناس كافة ودون أدني تعارض أو تناقض مع الحقوق الجماعية للمجتمع الإسلامي.
وعلى هذا يكون للمرء أن يطالب بحقه ويجاهد لأجله وإلا كان من الظالمين لأنفسهم فيقول الله تعالى: ” {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً } ( )

ثانيا: أدلة الحرية في الإسلام: ( )
كفل الإسلام مبدأ الحرية كاصل عام قبل أن يتطرق إلى تقرير الحريات والحقوق بمفهوم المذاهب المعاصرة – في نصوص عديدة نجتزى منها ما يلي:
1- قوله تعالى ” {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }( )
فالله تعالى يترك للإنسان حريته واختياره في الإيمان به ولا يريد من الإنسان إيمان جبريا, بل يريد إيمانا اختياريا وبملئ حرية الإنسان وإذا كان ذلك في القضية الإيمان بالله على شرفها وخطرها.. ففيما هودونها كانت الحرية والاختيار أولي.

2- وقوله تعالى ” {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا }( )
3- وقوله تعالى {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }( )
4- وقوله { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ }( )
هذا وما جرى مجراه من الآيات كثير .
ويقرر البعض – بحق – أن حكمة الخالق تقضي بأن يكون الإنسان حرا لأن تعطل حريته يتناقض مع معني العبادة التى خلقنا الله من أجلها وتتنافي مع معني التكاليف التى أمرنا الله بها .. لذلك كان وضع الإنسان موضع الاختيار والتحميص, فيقول تعالى ” { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ( )
ويقول ” { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}( )
وغني عن البيان أن الفقه الإسلامي عرف الحرية ودرسها تحت اسم الحكم التخييري أو الإباحة وجعلها أحد أقسام الحكم الخمسة (واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرم) .
فقد قام العلماء بتخريج طائفة من المبادئ الفرعية على هذه المبدأ الأساسية منها “ما يفضي إلى المحظور فهو محظور” , “وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”, والوسائل تأخذ حكم الغايات” , وتعتبر هذه المبادئ بحق من الأحكام الشرعية, والتى لا يرتاب منصف فى عدالتها,ودلالتها على تقرير المبادىء الضابطة للحريات ,والتى لاتتنافى مع أي مبدأ تشريعي عادل, بل هى قواعد للعدالة شملت مصالح الناس أفرادا وجماعات وعلى كل صعيد. ( )
فالحرية في الإسلام أصل عام والحريات في الإسلام كثيرة ومتعددة ويوجد به كثير من الحريات لا تعرفها الديانات الأخرى ولا النظم السياسية الحديثة إلا أننا سنقصر حدثنا على حرية الاجتماع.

ثالثاً: حرية الاجتماع في الشريعة الإسلامية:
أقرت الشريعة الإسلامية أن لكل فرد الحق في أن يشارك منفردا أو مع غيره في حياة الجماعة: سواء كان ذلك في النواحي الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية أوالسياسية أن يتخذ من الوسائل ما يساعده على ممارسة هذا الحق.( )
قال الله تعالى: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } ( )
وقد أعلنت الشريعة الإسلامية أن من حق كل فرد ومن واجبه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يقول الله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} ( ){وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}( )
ونادي القرآن الكريم في العديد من الآيات بالأخوة والمساواة والتعاون بين الناس فقد قال الله تعالى : {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً }( )
وقال تعالي {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ( )
فالآيات السابقة تطالب الناس بالتعاون مع بعض البعض كيد واحدة وعدم التفرق وهذا التعاون لا يأتي إلا بحرية الاجتماع وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد أقرت هذه الحرية بل ودعت إليها ذلك واجبا على المسلمين، وهو يتمثل في دعوتها بالتمسك بالعروة الوثقى، وأن يتعاون المسلمون على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا، وأن يعتبروا أنفسهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. ( )
ومما يؤكد أيضا أن الشريعة الإسلامية أقرت حرية الاجتماع هو ما كفله الإسلام من حرية النقاش الديني ومقارعة الحجة بالحجة وهذا لا يتم إلا بحرية الاجتماع فقد قال الله تعالى “{فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }”( )
كما أرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون ليناقشاه الرأي ويقارعاه الحجة “{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} “0

رابعاً: تطبيق لحرية الاجتماع من العبادات:
سبق أن أوضحنا أن الشريعة الإسلامية أوضحت حقوق الإنسان وبينت حرياته الأساسية، وقد تقررت الحقوق والحريات منذ نزول الشريعة الإسلامية ولم تكتف الشريعة الإسلامية بتوضيح الحقوق والحريات بل أكدت هذه الحقوق في تدريب المسلمين على ممارستها في صورة العبارات المقررة فى الفرائض إشعاراً للناس بقدسيتها وتمكنا لها في نفوسهم حتى تستقر فيها فتصبح جزءا من العقيدة.( )
ومن الحريات التي أكدت الشريعة الإسلامية حرية الاجتماع. فنجد هذه الحرية واضحة في صلاة الجماعة وخاصة في صلاة الجمعة والعيدين وتتضح كذلك في فريضة الحج. وهذا ما سنوضحه فيما يلي:-

صلاة الجماعة:
فالصلاة وهي العبادات الفعلية المتكررة خمسة مرات في اليوم تعتبر ممارسة للحريات العامة، وفي أداء الصلاة في جماعة تتجلى بصورة واضحة ممارسة حرية الاجتماع. والشريعة الإسلامية حافظت على تنوع التجمعات بين المسلمين لتوثق بينهم روابط الأخوة الدينية وتقوى بينهم تبادل الرأي فيما ينفع المجتمع، لهذا جعل الإسلام منها اجتماعات متكررة في كل يوم خمس مرات، وجعل منها اجتماعا أسبوعيا فقط وذلك في صلاة الجمعة وان كانت الصلوات الخمس في اليوم الواحد لم يوجب الجماعة فيها بل رغب فيها فقط لكثرة الثواب حتى لا يشق على الأمة بالاجتماع الواجب خمس مرات في اليوم الواحد ومن هذا الترغيب قول رسول الله (ص) صلاة الجماعة أفضل من صالة الفذ بسبع وعشرين درجة” متفق عليه.
ثم يتسع النطاق في صلاة العيدين: فقد اراد الإسلام من هذه الصلاة أن تكون مؤتمرا جامعاً ومهرجانا كبيرا يجمع اهل البلد في مكان واحد في الخلاء يذهب إليه الرجال والنساء.
ثم يتسع النطاق أكثر في الحج: إذ يجتمع المسلمون من كل أنحاء الأرض لتلبية نداء الله واداء فريضة الحج.
وبذلك نجد أن الإسلام قد حث على الجماعة ونهى عن الفرقة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “فانما يأكل الذئب القاصية” ويقول الله تعالى ” {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ”( )

المطلب الثاني
حرية الاجتماع بين الاباحة القيود في الشريعة الإسلامية

حرية التجمع أيا كانت طبيعته أو أهدافه دينية أو سياسية أو عسكرية أو اجتماعية أو علمية أو مهنية أو اقتصادية هي مكفولة لكل فرد في المجتمع الإسلامي، وقد أقرت الشريعة الإسلامية هذه الحرية على النحوالسابق ذكره فيباح لأى فرد ان يمارس هذه الحرية ولكن يشترط لهذا الاباحة أن يكون التجمع أساسه سلمي. لذلك يرد على هذه الحرية بعض القيود والضوابط لا باحتها لأن الإنسان لو تجاوز نطاق هذه الحرية، وخرج عن حدود الفضيلة، واعتدى على النظام العام، أوالاخلاق، الآداب العامة وجب رده، ومنعه من خوضه فيما يمس هذه الأمور، وهذا يعد منعا من الاعتداء وليس حرمانا من حق، فحرية الاجتماع لو أدت إلى تهديد سلامة النظام العام في الدولة أو أدت إلى إشعال نار الفتنة في المجتمع وجب وقفها. وهذا ليس حرمانا من هذه الحرية أو منعا من ممارستها وإنما هو حفاظ على كيان الأمة الإسلامية من حيث سلامتها ونظامها العام فإذا ترتب على ممارسة حرية الاجتماع خير للجماعة حمد، وإن ترتب عليه ضرر أو فساد أو اعتداء على الآخرين أو تفريق بين المؤمنين كانت المسئولية على عاتق ن تسبب في ذلك لأن الشريعة الإسلامية حرمت التشعب التعصب والعداوة والبغضاء، فيجب الابتعاد عما يؤدي إلى إساءة استعمال حرية الاجتماع من الفرقة والانشقاق بين المسلمين. ( )
لذلك لم يطلق الإسلام حرية الاجتماع بلا ضابط وألا كان في ذلك الفتنة والفوضى، فقد حرص على عدم تجريدها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الله عز وجل، فهناك حدود لا ينبغي أن يتخطاها الفرد وألا كانت النتيجة ضررا يلحق بالفرد والمجتمع على السواء ويخل بالنظام العام وحسن الآداب فيه.

ويمكن إجمالي أهم هذه القيود والضوابط فيما يلي:- ( )
(1) لا تضمن الاجتماعات شعارات وألفاظ متعارضة مع الدين وترفضها الشريعة وأن كان الهدف من الاجتماع مشروعاً، فإن حصل ذلك، فعلى المسلم المشارك فيها القيام بواجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك المحرمات فإن لم يستطيع ذلك فعليه الاعتزال والمفارقة
فقال تعالى: “{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}”( )
(2) ألا تكون بدافع وهدف نصرة معتقدات محرمة من قضايا الإلحاد والوثنية وما شابه ذلك. وهنا أقول بكل وضوح إنه ما من ما نع شرعي في نصره قضايا المظلومين في الأرض من غير المسلمين بل أن هذا من مهام المسلمين ودورهم الإيجابي في الأرض، على ألا يكون ذلك دعما وتأييداً لما يتعارض مع هذا الدين عقدية وشريعة.
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}( )
(3) ألا تكون بدافع ممؤازرة ودعم قضايا محرمة شرعاً، سواء كانت أخلاقية أو اجتماعية أو ما شابه ذلك، كالدعوة إلى خلع الحجاب أو إباحة الخمر أو تشجيع الربا…… والخ.
“{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} “( )
(4) كما أنه لا مجال لحرية الاجتماع إذا خيف منها الفرقة بين أفراد الجماعة أو ألحقت ضررا بالغير، فيجب حظر الاجتماع فيما يضر بالناس أو يؤدي للاعتداء على حرماتهم كالخوض في الإعراض أو انتهاك الحرمات أو إفشاء الأسرار. فقال تعالى: “{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} “( )
وقال تعالى: ” {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }”( )

(5) لا يجوز أن تتجاوز حرية الاجتماع نطاقها بالاعتداء على الأخلاق أو الآداب أو النظام العام، فيجب النهي عن السب والهمز والسخرية والتنابز بالألقاب والقذف والعيية.
يقول الله تعالى “{ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} “( )
يقول الله تعالى “{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} “( )
يقول الله تعالى “{ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ” ( )
يقول الله تعالى “{ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} “( )
ومما لا شك فيه أن الضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية لممارسة حرية الاجتماع من شأنها أن تحقق الخير والنفع للأفراد والأمم، وتؤدي إلى المودة والمحبة والاحترام بين أفراد المجتمع وبما يحقق التعاون بينهم وهذا ما نحتاج إليه اليوم.[/b

شارك المقالة

1 تعليق

  1. الاء الرحمن نور

    12 يناير، 2020 at 11:51 م

    مقالة رائعة لكن اين التهميش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.