بقلم ذ عبد الهادي الشاوي
عبد الهادي الشاوي ممون بقطاع التربية الوطنية وباحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق بفاس
بعد استقرائنا لمجموعة من نصوص القانون الجنائي تبين لنا بجلاء مجموعة من المقتضيات تكرس حماية المرأة الجانية ، نذكر منها على سبيل المثال تمتيع الأم بظروف التخفيف في حالة قتلها لوليدها ( الفقرة الأولى ) بالإضافة إلى ضمان معاملة خاصة للمرأة الحامل المحكوم عليها بعقوبة الإعدام أو بعقوبة سالبة للحرية ( الفقرة الثانية ) وإحاطة تفتيش المرأة بضمانات معينة يراعى فيها أنوثتها ( الفقرة الثالثة ) .
الفقرة الأولى : قتل الأم لوليدها
يضمن المشرع المغربي حق الإنسان في الحياة ويعاقب على جريمة القتل.[1] في صورتها البسيطة بالسجن المؤبد ،ومن الواضح أن هذه العقوبة ذات حد واحد مما يقيد السلطة التقديرية للقاضي في مجال تطبيقها بحيث لا يبقى أمامه إذا ما أراد النزول عن هذا الحد سوى إعمال مقتضى الفصل 146 من القانون الجنائي المغربي الذي يحدد الظروف القضائية المخففة للعقوبة إذا كان يوجد في ملابسات ارتكاب الجريمة أو في درجة إجرام المجرم ما يبرر ذلك، والأسباب التي يأخذها المشرع بعين الاعتبار تمتيعا للقاتل بظروف التخفيف تعود في أهم حالاتها إما إلى عذر الاستفزاز[2]، وإما إلى صفة معينة في الجاني وهو ما يتحقق بالنسبة للأم التي تقدم على إزهاق روح وليدها[3].
وعموما يسود السياسة الجنائية الحديثة بشأن قتل الأم لوليدها اتجاهان ، اتجاه يقرر العذر المخفف اعتبارا لباعث محدد وراء إقدام الأم على الفعل قوامه اتقاء العار والتستر على الفضيحة بسبب الحمل الناتج عن علاقة جنسية غير مشروعية[4] ، وتخفيف العقاب يجد أساسه في نطاق هذا الاتجاه في اعتبارات معينة مؤداها الحرج الاجتماعي والتعب النفسي اللذان تقع فيهما الأم التي تضع وليدها وضعا غير شرعي مما يدفعها إلى التخلص منه تحريرا لنفسها من الشعور بالخطيئة.
أما الاتجاه الثاني فلا يشترط لقيام جريمة قتل الوليد سوى نية إزهاق الروح بغض النظر عن القصد الجنائي الخاص الذي قوامه ارتكاب الجريمة بغرض التستر على الفضيحة ،ومن القوانين التي صارت في هذا الاتجاه نجد كل من القانون الفرنسي والقانون المغربي ،ويقيم هذا الاتجاه تخفيف العقوبة على أساس بعض الاعتبارات البدنية أو الفيزيولوجية، فالأم التي تتجاهل عاطفتها الفطرية لتقضي على حياة وليدها غالبا ما تقدم على فعلها وهي تحت تأثير الاضطراب الجسمي والنفسي الناجم عن الوضع ،وبناء على ذلك تتمتع الأم بالعذر المخفف في ظل القانون المغربي حتى في حالة قتل وليدها الشرعي،
وان كان هذا مستبعد الحدوث إلا في حالات نادرة كولادة الطفل مشوها أو رغبة الأم في قطع علاقتها نهائيا بزوجها السابق ….[5] وعموما يبقى قتل الأم لوليدها من الحوادث النادرة ،ذلك أن عاطفة الأمومة تطغى على النساء بصفة عامة، وحتى في حالة حدوثها فإن المشرع نظر إلى الأم بعين الرأفة والشفقة فقرر تخفيف عقوبتها وهذا بالفعل ما نصت عليه المادة 397 حيث جاء فيها : ” الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها، تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر، ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها .”
ويتضح من خلال هذا النص أنه جاء مطلقا أي ينطبق على قتل الوليد سواء كان شرعي أم غير شرعي بغض النظر عن دوافع أو بواعث هذا القتل .[6]
الفقرة الثانية : الحماية الجنائية للمرأة الحامل
من المعلوم على أن الرجل والمرأة متساويان في مجال العقاب فالقانون الجنائي ما شرع إلا ليطبق على جميع من ثبت تورطهم في فعل جرمي لكن المشرع المغربي خص المرأة نتيجة ظروف خاصة بها بحماية متميزة أرجئ من خلالها تنفيذ عقوبة الإعدام في حقها وذلك في حالة ثبوت حملها ،حماية للحمل وحماية لأمومتها في نفس الوقت ،وهذا بالفعل ما نستشفه من خلال الفقرة الثانية من المادة 602 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه ” إذا كانت المحكوم عليها امرأة ثبت حملها فإنها لا تعدم إلا بعد مرور سنتين على وضع حملها .”
وينطبق هذا المقتضى تماما مع أحكام الشريعة الإسلامية ،التي أقرت وجوب تأجيل عقوبة الحامل إلى ما بعد مرور فترة الرضاع الطبيعية التي هي حولين كاملين، وخير مثال على ذلك قصة الغامدية[7]،التي جاءت لتعترف لرسول الله بحملها من زنا فأخر الرسول رجمها إلى أن فطمت ولدها والفطام كما هو معلوم حولين كاملين [8].
وقد أحسن المشرع بتمديد هذه المدة إلى سنتين[9]، تماشيا مع السنة النبوية ومع مصلحة الطفل و الأم التي لا تنفذ عليها العقوبة إلا بعد اطمئنانها على صحة وسلامة طفلها كما أن تناول حليب الأم لمدة عامين كاملين له فوائد عديدة على صحة الطفل.
و بالإضافة إلى الحماية المقررة للحامل المحكوم عليها بالإعدام فقد نص المشرع في المادة 32 من القانون الجنائي على أن المرأة المحكوم عليها بعقوبة سالبة للحرية إذا ثبت أنها حامل لأكثر من ستة أشهر فإنها لا تنفذ العقوبة إلا بعد وضعها بأربعين يوما ،فإن كانت معتقلة وقت صدور الحكم فإنها تنتفع من نظام الاعتقال الاحتياطي ،
وأضافت الفقرة الأخيرة من هذه المادة إلا أنه يتم تأخير تنفيذ العقوبات السالبة للحرية في حق النساء اللائي وضعن قبل الحكم عليهن بأقل من أربعين يوما ،وهذا الاستثناء وان كان قد شرع لمصلحة الطفل فإنه يضمن في الوقت ذاته حماية هامة للمرأة الحامل ،بحيث يمكنها أن تنعم بعدة أيام مع طفلها وتطمئن عليه وتتركه في أيادي أمينة .
وانسجاما أيضا مع مقتضيات المادة 602 من قانون المسطرة الجنائية نصت المادة 637 من نفس القانون على أن الإكراه البدني لا ينفذ في آن واحد على الزوج وزوجته ولو من أجل ديون مختلفة ،ولا ينفذ على امرأة حامل ولا امرأة مرضع في حدود سنتين من تاريخ الولادة .
الفقرة الثالثة: تفتيش المتهمة.
يعتبر تفتيش المرأة المشتبه بها بارتكاب جريمة من الأمور التي تمس المرأة في أنوثتها أو قد تشجع على ذلك، فالمرأة تتميز بتكوين جسماني وبصفات جسدية حساسة، فلمس المرأة في أي جزء من جسمها يخدش حياءها ويمس بعرضها وعورتها ولما كان تفتيش المرأة يستلزم بالضرورة لمسها ،فإن المشرع احتاط لهذا الأمر فأوجد نصوصا قانونية تنظم تفتيش المرأة أمام أجهزة العدالة
،ومن بين هذه النصوص نجد المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت بشكل صريح على وجوب تفتيش المرأة من طرف امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية الذي يتولى مهمة التفتيش[10] ، نفس المقتضى تم التأكيد عليه في المادة 81 من نفس القانون والتي نصت بدورها على عدم انتهاك حرمة المرأة عند التفتيش[11].
كما أن الظهير الشريف رقم 200 – 99 – 1 الصادر في 25 غشت 1999والقاضي بتنفيذ القانون رقم 98 – 23 المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية ، نص بدوره في المادة 68 على أنه ” …لا يمكن تفتيش المعتقلين إلا بواسطة أشخاص من جنسهم وفي ظروف تصان فيها كرامتهم مع ضمان فعالية المراقبة .”
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هذه القواعد تمليها ضرورة الحفاظ على النظام العام ولا تحتاج إلى نص صريح لإقرارها فهي تنبع من متطلبات الحفاظ على الخلق والحياء العام ،حيث أن في مخالفتها مخالفة لقواعد السلوك والأخلاق والآداب العامة ،وهذا في حد ذاته يشكل جرائم نص على تجريمها القانون الجنائي المغربي .
[1] – الفصل 392 من القانون الجنائي المغربي” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ويعاقب بالسجن المؤبد” .
[2] – المادة 326 من القانون الجنائي المغربي وما يليها .
[3] – جاء في الفقرة الثانية من المادة 397 من القانون الجنائي المغربي : ” …إلا أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو مشاركة في قتل وليدها، تعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشر، ولا يطبق هذا النص على مشاركيها ولا على المساهمين معها “
[4] – ويمثل هذا الاتجاه كل من القانون الجنائي الايطالي ( المادة 578 ) والليبي (المادة 373 ) بالإضافة إلى القانون السوري الذي ينص في المادة 537 من قانون العقوبات على أنه “تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم اتقاء للعار على قتل وليدها الذي حملت به سفحا ” .
[5] – أحمد الخمليشي : القانون الجنائي الخاص ،الجزء الثاني مطبعة المعارف الجديدة 1986 ص : 68 – 69 .
[6] – رجاء ناجي : قتل الرأفة أو الخلاص دراسة قانونية – مقارنة – بحث لنيل دراسات الدبلوم الدراسات العليا كلية الحقوق الرباط 1986 – 1997 ص : 180 .
[7] – وروى مسلم في صحيحه عن بريدة أن امرأة تسمى الغامدية جاءت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت يا رسول الله إني زنيت فطهرني فردها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني ؟ لعلك تردني كما رددت ماعزا ؟ فوالله إني لحبلى، فقال: ” إما لا فاذهبي حتى تلدي ” فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت: هذا قد ولدته، قال: ” اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ” فلما فطمته أتت بالصبي في يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها، فسمع نبي الله – صلى الله عليه وسلم – سبه إياها فقال: ” مهلا يا خالد فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلي عليها ودفنت
[8] – حسوني قدور بن موسى القانون الجنائي المغربي والشريعة الإسلامية تطابق واختلاف الطبعة الأولى 1986 مطبعة أطلال وجدة ص : 27 .
[9] – فقد كان الفصل 12 من القانون الجنائي الذي تقرر نسخه بموجب المادة 756 من قانون المسطرة الجنائية يحدد هذه المدة في أربعين يوما فقط .
[10] – تنص الفقرة الثانية من المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ينبغي أن تحضر هذا التفتيش في جميع الأحوال امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش النساء في الأماكن التي يوجدن بها . ..”
[11] – تنص المادة 81 من قانون المسطرة الجنائية على أنه ” …لا تنتهك حرمة المرأة عند التفتيش ،وإذا تطلب الأمر إخضاعها للتفتيش الجسدي يتعين أن تقوم به امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لذلك ما لم يكن الضابط امرأة …” .
اترك تعليقاً