الحريات الإلكترونية و ما يترتب عليها من جرائم إلكترونية
القاضي إياد محسن ضمد
الفوائد الكبيرة التي تقدمها شبكة الانترنت العالمية والبرامج والتقنيات المتطورة التي رافقتها ادت في الوقت ذاته الى ظهور نوع من الجرائم التي تهدد امن وسلامة الافراد والدول اصطلح عليها تسمية الجرائم الالكترونية.
هذه الجرائم تختلف عن الجرائم العادية من حيث اثارها ووسائل ارتكابها فالجريمة الالكترونية جريمة ناعمة لانها لا ترتكب باستخدام السلاح او المواد السامة او المتفجرة كذلك هي جرائم سريعة حيث لا تحتاج الى وقت طويل ويمكن ارتكابها بثوان معدودات كونها وفي احيان كثيرة لا تحتاج الا لضغطة ازرار وهي في النهاية جرائم صعبة الاثبات لأنها لا تترك آثاراً مادية كالبصمات او البقع الدموية التي يمكن ان تكون محلا للفحص والتحليل والاثبات.
وسائل ارتكاب الجريمة الالكترونية تتنوع وتتطور بتنوع وتطور وسائل الاتصال كجهاز الحاسوب والهواتف النقالة وما يحتويانه من برامج تعمل على شبكة الانترنت العالمية. والجريمة الالكترونية قد تأخذ شكل صناعة ونشر الفيروسات والتي تنتقل عبر الاجهزة المرتبطة بشبكة الانترنت وتهدف اما الى سرقة المعلومات او اتلافها وقد تأخذ شكل انتحال شخصية معينة واستخدام نفس معلوماتها وصورها في ارتكاب افعال مخالفة للقانون كالتهديد او الابتزاز.
وقد تأخذ الجريمة الالكترونية شكل الجرائم الماسة بخصوصية الافراد واسرارهم العائلية بهدف الابتزاز المالي كعمل حسابات وهمية او حقيقية باسم فتيات واقامة علاقة بشاب معين والحصول على تسجيلات فيديوية تظهره بشكل مخل بالحياء ومن ثم تهديده بالنشر او دفع مبالغ مالية.
وقد تأخذ هذه الجرائم شكل الاحتيال المالي سيما مع الاشخاص الذين يلجؤون للتجارة الالكترونية ويتعاملون مع بعض الشركات المصنعة او المصدرة للبضائع و يتم الاعلان والبيع والشراء والدفع عن طريق البريد الالكتروني حيث يقوم مرتكب الجريمة باختراق البريد الالكتروني للشركة المصدرة وارسال رسائل للعملاء بانه تم تغيير حسابت الشركة التي ستتلقى فيها الاموال لدى المصارف ويطلب تحويل اثمان البضائع المباعة الى الحسابات الجديدة التي تعود في حقيقتها لمرتكبي جريمة الاحتيال المالي.
وقد اظهر موقع ارقام ديجيتال ان عدد ضحايا الجرائم الاكترونية يصل الى 556 مليون مستخدم في السنة وان اكثر من 600 الف حساب فيسبوك في العالم يتم اختراقها يوميا وهذه الجرائم تهدد امن وسيادة الدولة والمجتمع وتؤدي في احيان كثيرة الى الخلافات بين الافراد والى التفكك الاسري بسبب ما ينتج عنها من اساءة الى السمعة الشخصية والتشهير ما حدى بالكثير من الدول الى تشريع قانون خاص بالجرائم الالكترونية وانشاء وحدات واقسام فنية تحقيقية متخصصة في كشف هذه الجرائم والتعرف على مرتكبيها ومن ثم تعقبهم واحالتهم الى المحاكم.
في العراق فقد جرى اعداد مشروع قانون ينظم الاحكام القانونية لهذا النوع من الجرائم سمي بمشروع قانون جرائم المعلومات الا ان هذا القانون لم يجد طريقه الى التشريع بسبب الانتقادات الكثيرة التي طالت مواده العقابية وحملات المدافعة التي قامت بها مجموعة من المنظمات المدنية حيث اعتبرته تقييدا كبيرا لحرية التعبير عن الراي ومع اني اتفق مع من ذهب الى ان العقوبات التي جاء بها مشروع القانون عقوبات شديدة وان بعض نصوصه تحتاج الى مراجعة واعادة صياغة لكني اعتقد انه لا بد من تشريعه.
فالمواقع الاكترونية التي تنتهج منهج الارهاب او تنتهك الحقوق الفكرية او التي تمارس عمليات ابتزاز مالي لا بد من حجبها ومعاقبة اصحابها ومثل هذا الحجب وتلك المعاقبة لا يمكن اعتبارهما تحجيم للحريات وانما يمثلان خط دفاعي مهم لحماية امن الافراد والمجتمع فحرية التعبير والرأي مقيدة بعدم تعديها على حقوق الاخرين وحري بالمدافعين عن الحرية الالكترونية ان يتفهموا ان هناك ضحايا تقع عليهم الاثار السلبية لسوء استخدام الحاسوب واجهزة الهاتف النقال وبرامجهما كالفيس بك والتويتر واليوتيوب وفي الوقت الذي يجب فيه على الدولة حماية حرية التعبير وتوفير مناخاتها المناسبة فانه يتوجب عليها ايضا حماية الافراد ممن يسيء استخدام التقنيات تحت ذريعة الحق في التعبير واستخدام المعلومات فالحريات تكون متاحة بموجب القانون وليست مطلقة كي لا تؤدي الى الفوضى .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً