مفهوم الجرائم ضد الانسانية
المحامية / ورود فخري
ويقصد بها أي فعل من الأفعال المحظورة والمحددة في نظام روما لعام 1998متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسرى للسكان وجريمة العنصرية وغيرها .
وقد عرفت ايضا بانها : تلك الجرائم التي يرتكبها أفراد من دولة ما ضد أفراد آخرين من دولتهم أو من غير دولتهم، وبشكل منهجي وضمن خُطَّةللاضطهاد والتمييز في المعاملة بقصد الإضرار المتعمد ضد الطرف الآخر، وذلك بمشاركةمع آخرين لاقتراف هذه الجرائم ضد مدنيين يختلفون عنهم من حيث الانتماء الفكري أو الديني أو العِرْقي أو الوطني أو الاجتماعي أو لأية أسبابٍ أخرى من الاختلاف.
وغالبًا ما تُرتكب هذه الأفعال ضمن تعليماتٍ يصدرها القائمون على مُجْرَيَات السلطة في الدولة أو الجماعة المسيطرة، ولكن ينفذُها الأفراد. وفي كل الحالات، يكون الجميع مذنبين، من مُصَدِرِي التعليمات إلى المُحَرِّضين، إلى المقْتَرِفين بشكلٍ مباشر، إلى الساكتين عنها على الرغم من علمهم بخطورتها، وبأنها تمارَس بشكل منهجيٍ ضد أفراد من جماعة أخرى. وقد تطورت الملاحقة الدولية لهذه الجرائم ، حسبما ورد في نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، بحيث أنه يصبح الفرد مذنبا بجريمة ضد الإنسانية حتى لو اقترف اعتداء واحدًا أو اعتداءين يُعتبران من الجرائم التي تنطبق عليها مواصفات الجرائم ضد الإنسانية، كما وردت في نظام روما، أو أنه كان ذا علاقة بمثل هذه الاعتداءات ضد قلة من المدنيين، على أساس أن هذه الاعتداءات جرت كجزء من نمط متواصل قائمٍ على سوء النية يقترفه أشخاصٌ لهم علاقة بالمذنب.
وقد ورد مصطلح الجرائم ضد الإنسانيةفي القانون الدولي الإنساني ثم انتقل الى القانون الدولي لحقوق الإنسان وإلى التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، وأصبح مصطلحاً يستخدم في القانونين في الوقت الحاضر حيث ينظر للجريمة ضد الإنسانية انها انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الإنسانية لذاك تم إدخالها ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية .
وقد انقسم الفقه الدولي تجاه تعريف الجريمة ضد الانسانية الى اتجاهين : الأول موسع يمد في نطاق مفهومها ، والثاني مضيق يقلص منه. ويرى أصحاب الاتجاه الاول ( الموسع ) أن الجرائم ضد الإنسانية تشمل الأفعال المرتكبة في زمن السلم وزمن الحرب وينبغي ملاحقة مرتكبيها في كل زمان ومكان لحماية حقوق الإنسان ، من أنصار هذا الرأيأورينيو وسوايكل وبوندي ، فقد عرفها أورينيو بأنها جريمة من جرائم القانون العام التي بمقتضاها تعد الدولة مجرمة اذا أضرت بدافع الجنس أو بدافع سياسي أو التعصب للوطن بحياة شخص أو جماعة أو حريتهم أو حقوقهم أو اذا تجاوزت أضرارها حين ارتكابهم لجريمة العقوبة المنصوص عليها.
ويعتبر أنصار هذا الاتجاه أن الجرائم مرتبطة بالسيادة باعتبار السيادة شيء دائم بينما الحرب شيء مؤقت ينتهي بعد مدة من الزمن وإنّ الدولة تمارس السيادة أثناء السلم وأثناء الحرب وبناءا على هذا التعريف فان الجريمة ضد الانسانية من جرائم القانون العام ، كما إنه يعد الدولة قد ارتكبت هذه الجريمة اذا أضرت بدافع التعصب السياسي أو الديني أو العرقي أو التعصب للوطن، فضلا عن إنه لم يشترط وجود خطة ترمي الى القضاء على تلك الجماعة.
وذهب رأي الى تعريف الجرائم ضد الانسانية على انها : الأفعال اللاإنسانية الجسيمة والاضطهادات التي ترتكب عمداً ضد شخص أو مجموعة أشخاص لأسباب قومية أو سياسية أو ثقافية أو اثنية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس ذكر أم أنثى ، ورغم شمول هذا التعريف للأفعال التي تصح أن يكون ارتكابها جريمة ضد الانسانية ، لكنه لم يضع الحد الفاصل بينها وبين الجريمة الداخلية التي تدخل في اختصاص القضاء الوطني للدولة المرتكبة على أراضيها ، فقتل أشخاص ممكن أن يعتبر جريمة قتل داخلية خاضعة لولاية القضاء الوطني ويمكن اعتبارها جريمة ضد الإنسانية تخضع لولاية القضاء الدولي .
اما الاتجاه الثاني وهو الاتجاه المضيق فيرى أنصاره إنّ مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية يهدفون الى المساس بحق الحياة وحده ، .فعرّفها البعض بأنها إبادة جماعة بسبب انتمائهم العرقي أو القومي أو الديني أو السياسي بتدخل من الدولة ، فالجريمة ضد الإنسانية مقصود بها ابادة الجنس البشري فقط .وهذا التعريف ضيق جداً اذ أنّه يخرج الكثير من الأفعال التي يمكن عدّها جرائم ضد الإنسانية من نطاق مفهومها ، كما أنّه يخلط بينها وبين جريمة الإبادة الجماعية .
بينما يذهب اخرون ان الجرائم ضد الانسانية هي خطة منظمة ترمي الى هدم حياة جماعة أو جماعات وطنية بقصد القضاء على هذه الجماعات والغرض منه هدم النظم الاجتماعية والسياسية والثقافية والبيئية واللغة والقضاء على الأمن والحرية الشخصية لأفراد هذه الجماعات.
ومن الناحية القضائية نجد ان الاخير لم يضع تعريف للجرائم ضد الإنسانية واكتفى بتكييف أفعال مرتكبة على أنها جرائم ضد الإنسانية ، لكن حاول اجتهاد القضاء في بعض الدول وضع تعريف للجرائم ضد الإنسانية ، وفي مقدمة تلك الدول فرنسا حيث نظر قضاءها عدد من الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب العالمية الثانية والتي تعتبر جرائم ضد الإنسانية ، فحاول القضاء الفرنسي إيجاد تعريفاً مناسب لها ، مثل قضية ليغوايوقضية رينيه بوسكي وكذلك قضية بولتوفيهعام 1975 ، حيث تعد هذه القضايا من أهم القضايا التي اسهمت من خلالها محكمة النقض الفرنسية في وضع تعريف للجرائم ضد الإنسانية وضبط نظامها القانوني حيث عرفتها على انها ها (جرائم حق عام ارتكبت بظروف معينة ولأهداف خاصة) وضبطها النص الذي عرفها مشيراً بذلك الى المادة السادسة من ميثاق المحكمة العسكرية لنورنبرغ ، وقد أحدثت قرارات القضاء الفرنسي ثورة في القانون الدولي ، خصوصاً أنها تتفق مع نص المادة السادسة من ميثاق محكمة نورنبرغ .
واخيرا فقد جاء نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جاء التعريف أكثر دقةً مما سبقه ، حيث نصت المادة (7) الفقرة (1) على تعريف الجرائم ضد الانسانية بقولها :لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم ، ثم عددت الأفعال المعاقب عليها والتي تشكل جريمة ضد الانسانية ، وأوردت تعاريفاً لبعض المصطلحات في الفقرة الثانية منها .
وهذا التعريف يتلافى العديد من الانتقادات الموجهة الى المحاكم السابقة ، حيث أنه لم يشترط أن تقع الجريمة ضد الانسانية أثناء نزاع مسلح ، كما أنه أوجب أن تكون الأفعال المرتكبة ضمن خطة واسعة أو هجوم موجه ضد فئة من السكان لكي تعتبر جريمة ضد الانسانية ، كما أنه استحدث أفعالاً اعتبرها جرائم ضد الإنسانية كاستحداث جريمة النقل القسري للسكان ، ووسع في مفهوم جرائم أخرى كتوسيع مفهوم السجن ليشمل الحرمان الشديد من الحرية البدنية بما يخالف مبادئ القانون الدولي .
أخيراً هو لم يحصر الأفعال التي تعد جرائم ضد الانسانية إنما ترك المجال لإضافة أفعال أخرى ذات الطابع المماثل لما أوردها في النص ، وفي رأينا المتواضع هذا يخرجنا عن مبدأ مستقر في القوانين الجنائية (سواء أكانت وطنية أم دولية) وهو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الّا بنص مما قد يجعل المحكمة تدخل أفعالاً لا ترقى في جسامتها الى الجرائم ضد الإنسانية بل أن قضاة المحكمة قد يختلفون بينهم في شأن جريمة لم يرد ذكرها في المادة وكان الأفضل حصر الأفعال التي يعتبر ارتكابها جرائم ضد الإنسانية وإنأرادت الدول الأطراف توسيع نطاق المادة فذلك يكون بتعديلها.
اترك تعليقاً