الدكتور يونس الزهري
أستاذ بالمعهد العالي للقضاء
أستاذ زائر بكلية الحقوق بمراكش
للملك الغابوي أهمية كبيرة من عدة وجوه، إذ أنه يلعب أدوارا اقتصادية واجتماعية وبيئية هامة، فهو يوفر المواد الأولية الخام المستعملة في عدد من الصناعات كالفلين والورق والفحم والنجارة، كما أن عددا من الأسر تقوم باستغلال الملك الغابوي إما عن طريق الرعي أو الكراء[01] أو الحرث[02]، وهو علاوة على هذا الدور وذاك يساعد على تلطيف الجو وتنقية الهواء وخلق مناخ طبيعي يساهم في تساقط الأمطار والمحافظة على الثربة من الإنجراف.
وللإعتبارات أعلاه، فقد كان من الضروري الحفاظ على الملك الغابوي وتحديده تفاديا لما يمكن أن يطرأ بشأنه من منازعات مع الأفراد[03]، وبالتالي يدمج هذا الملك ضمن خانة العقارات الأكثر إنتاجية لخلوها من النزاع، ولتحقيق هذه الغاية فقد أوجد المشرع مسطرة خاصة لتحديد هذه العقارات تسمى بمسطرة التحديد الإداري[04].
ولدراسة هذه المسطرة، والوقوف عند خصوصياتها وآثارها وعلاقتها بالقواعد العامة للتحفيظ العقاري، فقد ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين نتناول في الأول عملية التحديد الإداري، وفي الثاني التعرض والمصادقة على التحديد الإداري.
المبحث الأول: عملية التحديد الإداري للملك الغابوي
يقصد بمسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها الإدارة بهدف ضبط حدود ومساحة عقار معين وإدراجه بشكل نهائي وغير قابل للنزاع في دائرة الأملاك الغابوية، وهو إجراء أولي لتحفيظه.
وتجد مسطرة التحديد الإداري للملك الغابوي مرجعيتها التشريعية ضمن ظهيرين[05] أولهما ظهير 3 ينارير 1916 المتعلق بتحديد الأملاك المخزنية والذي نص في فصله الأول على مايلي:
” كل عقار فيه شبهة ملك للمخزن الشريف يمكن أن تجرى فيه أعمال التحديد حسب الشروط الآتية لأجل استبانة حقيقته وتعيين حالته الشرعية وذلك بطلب من إدارة المياه والغابات إو إدارة الأملاك المخزنية”.
وثانيهما ظهير 10 أكتوبر 1917 المشار إليه أعلاه ، والذي أحال بشأن تحديد الملك الغابوي على ظهير 3 يناير 1916 ووضع قرينة على تملك الدولة للأراضي الغابوية كما حدد النطاق الزمني لسريان هذه القرينة وهو تحقيق عمليات التحديد، وهكذا جاء في الفصل الأول منه:
” إن الأملاك الغابوية للدولة تحدد حسب الشروط المنصوص عليها في ظهير 1916 وتبقى الأراضي الغابوية خاضعة لقرينة ملكية الدولة مادامت عمليات التحديد لم تتحقق”.
إن الحديث عن مسطرة التحديد الإداري يفترض منا أن نحدد أولا مفهوم الملك الغابوي وطبيعته ثم نبين إجراءات التحديد في مطلب ثاني.
المطلب الأول: مفهوم الملك الغابوي وطبيعته
أول سؤال يطرح هنا هو ماهي الأملاك التي تدخل ضمن خانة الأملاك الغابوية للدولة، ثم ماهي طبيعة هذه الأملاك؟ أو بتعبير آخر هل هذه الأملاك تدخل ضمن الأملاك العامة أم لا؟
إن فلسفة هذا التساؤل ترمي بالأساس إلـى التأكيد علـى مبدأ أساسـي وهو أن الأملاك الغابوية لا تدخل كلها في ملكية الدولة، بل هناك غابات مملوكة للخواص، والسند التشريعي في ذلك هو الفصل الأول من ظهير 10 أكتوبر 1917 كما عدل بظهير أبريل 1949 الذي جاء فيه:
” يجري النظام الخاص بالغابات على الغابات والأحراش المبينة أسفله وتدار شؤونها طبق مقتضيات ظهيرنا الشريف هذا وهي:
أولا: الأحـراش والغابـات التـي هي ملك للمخزن الشريف أو للمؤسسات العموميـة أو لجماعات القبائل التي هي ملك مشاع بين الدولة أو مؤسسات عمومية أو جماعات من القبائل من جهة وبعض أفراد الناس من جهة أخرى.
ثانيا: الأحراش والغابات المتنازع فيها بين دولتنا الشريفة وبين بعض المؤسسات العمومية أو بعض جماعات القبائل، وكذا الأحراش والغابات الواقع النزاع فيها بين أحد ممن ذكر وبين أفراد الناس.
….خامسا: الأراضي المحدد غرس أشجارها أو التي ينبغي إعادة غرسها وعند الإقتضاء الأراضي المعدة لرعي المواشي التي ستقوم بتحسينها إدارة المياه والغابات بعد الموافقة مع المجلس المكلف بشؤونها والتي هي على ملك جماعات القبائل.
سادسا: الأراضي التي أعيد غرس أشجارها أو التي ينبغي تجديد غرسها فيها والأراضي المعدة لرعي المواشي والتي هي لبعض أفراد الناس الراغبين أربابها في تكليف إدارة المياه والغابات إما بحراستها فقط وإما بحراستها وتدبير شؤونها معا”.
وقد أكد القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة الصادر بالظهير الشريف بتاريخ 12 ماي 2003 نفس المبدأ بإقراره وجود غابات مملوكة للدولة وأخرى للأفراد، فقد نص الفصل 23 منه على مايلي:
” تعتبر الغابات سواء العمومية، أو الخاصة بمثابة ممتلكات ذات منفعة مشتركة من واجب الإدارة والخواص المحافظة عليها بشكل يضمن توازنها واحترام الأنظمة البيئية”.
بل أكثر من هذا وذلك، فالمشرع قد رخص في بيع الملك الغابوي، وإن كان قد قيد عملية البيع بضابطين أولهما أن يتم البيع لفائدة المصلحة العامة، ويتم ذلك بمرسوم يصدر بعد استشارة لجنة يحدد تركيبتها وكيفية ممارستها[06]، وثانيهما أن ثمن البيع يدفع لاستعماله في شراء أراضي جديدة وغرسها.
وعلى الرغم من أن الملك الغابوي يعد في جزئه الأكبر مملوكا للدولة، فإنه مع ذلك لا يعد ملكا عاما، فالمشرع حدد ما يدخل ضمن هذه الفئة من الأملاك، والتي ليس ضمنها الملك الغابوي للدولة وذلك طبقا للفصل الأول من ظهير فاتح يويلوز 1914 كما وقع تعديلـه بظهير 29 أكتوبر 1919[07]، وإن كان هذا التعداد لايكفي في نظر البعض لاستبعاد صفة الملك العام عن مال معين، لأن النص أعلاه لم يحدد على سبيل الحصر الأموال المعتبرة أموالا عمومية بل ذكرها على سبيل المثال فقط[08]، وبذلك ترك الحرية للقاضي في تحديد ما يعد أموالا عامة وما يعد أموالا خاصة حسب الحالات، الشيء الذي أدى إلى ظهور عدة معايير فقهية لتمييز الأموال العامة عن الأموال الخاصة.
إلا أنه بتطبيق هذه المعايير على الملك الغابوي يتبين أنها لا تفيد في إضفاء صفة الملك العام عليه، فالملك الغابوي للدولـة يقـبل التصرف عـن طريق البيع أوالمعاوضة، كما أنه غير مخصص لاستعمال الجمهور ولا لخدمة مرفق عمومي أو منفعة عامة[09].
المطلب الثاني:إجراءات التحديد الإداري للملك الغابوي:
طبقا للفصل الأول من ظهير 3 يناير 1916 السابق الإشارة إليه فإنه يشرع في إجراءات التحديد الإداري للملك الغابوي بطلب يقدم إلى الحكومة من طرف الإدارة الوصية على القطاع الغابوي في شخص رئيسها وهو المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، بصفتـه القائم بإدارة الملك الغابوي والمكلف باتخاذ جميع الإجراءات التي تقتضيها مصلحته[10]، ويذكر في الطلب العقار المقصود تحديده والإسم الذي يشتهر به وحدوده وما يدخل فيه من حقوق ومرافق، وبعد دراسة هذا الطلب والموافقة عليه من طرف الحكومة تصدر مرسوما بالشروع في عمليات التحديد، فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل الثالث من الظهير أعلاه على ما يلي:
” يصدر قرار وزيري بتحديد كل عقار يبين فيه الشروع في العمل وذلك بمطلب تقديمه للحكومة تذكر فيه العقار المقصود تحديده مع الأسماء التي يعرف بها ومحل وجوده مع حدوده والأملاك المجاورة له والقطع الداخلة في حدودها وما عسى أن يتبعه من الحقوق والمرافق”.
ويترتب على مرسوم التحديد أثران هامان:
الأثر الأول: عدم جواز التصرف في العقار موضوع مرسوم التحديد، وكل تصرف بشأنه يكون جزاءه هو البطلان، فقد جاء في الفقرة الثانية من الفصل الثالث من الظهير أعلاه أنه:
“من يوم صدور هذا القرار- قرار تحديد العقار- إلى أن يصدر قرار المصادقة على أعمال التحديد المشار إليه في الفصل الثامن الآتي فإنه لايسوغ التعاقد في شيء مما اشترطت عليه حدود العقار والمشروع في تحديده ولا يعقد بيع في انتقال ملكيته واستغلاله إلا بشرط الحصول على شهادة بعدم التعرض من الإدارة التي لها النظر في ذلك وإلا فلا يصح التعاقد عليه”.
فمن خلال هذا النص يلاحظ أن المشرع عمم جزاء البطلان على كافة التصرفات التي تجري خلال الفترة الفاصلة بين صدور مرسوم التحديد والمصادقة عليه، وهذا الحكم يطبق بشأن كافة التصرفات من دون تمييز فيها بين التصرفات العوضية كالبيع والمعاوضة وتقديم العقار حصة في شركة والكراء، وتلك التي تتم بدون عوض كالهبة والصدقة والحبس، ومن تم فإنه متى أدلى المتعرض على عملية التحديد الإداري بعقد ناقل للملكية منجز بعد صدور مرسوم التحديد فإنه لا يفيده في شيء ولا يعتد به في إثبات استحقاقه للعقار أو ترتيب حق عليه، فالحجة المذكورة باطلة، والباطل لا أثر له، فهو معدوم قانونا وشرعا، والقاعدة أن المعدوم شرعا كالمعدوم حسا.
ويراعى في تطبيق هذه القاعدة الإستثناء الذي أورده المشرع والذي بمقتضاه يجوز التصرف في العقار خلال هذه الفترة، وهو المتعلق بحالة إدلاء البائع قبل العقد بشهادة التعرض على إجرائه، وتسلم هذه الشهادة من طرف المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر.
وتطبيقا لذلك جاء في قرار لمحكمة الإستئناف بالرباط ما يلي:
” يكون باطلا كل عقد تفويت لاحق لقرار تحديد الأراضي التي توجد بشأنها قرائن تدل على أنها من أملاك الدولة إذا لم يقع سابقا تسليم شهادة عدم تعرض من طرف الإدارة المعنية بالأمر، وعليه فإن إدارة أملاك الدولة التي تعرضت على تحفيظ عقار مشتري دون أن يكون هذا الشراء مسبوقا بطلب الشهادة المذكورة أو الحصول عليها تعبر بهذه الكيفية منذ اطلاعها على البيع عن نيتها في الطعن في صحة البيع المذكور وفي التمسك بالبطلان المنصوص عليه في الفصل الثالث من ظهير 9 يناير 1916، وبالتالي يجب أن يحكم بأن تعرضها مبني على أساس سليم…”[11].
الأثر الثاني: هو عدم جواز تقديم مطلب تحفيظ بخصوص عقار تجري بشأنه مسطرة التحديد الإداري إلا إذا كان ذلك تأييدا للتعرض المقدم ضد أعمال التحديد، فقد نص المقطع الأخير من الفقرة الثانية من الفصل الثالث من ظهير 3 يناير 1916 على ما يلي:
“… ولا يقبل في خلال هذه المدة المذكورة أي مطلب يقصد به تسجيل العقار إلا أن يكون ذلك على وجه التعرض لأعمال التحديد وفقا لما تضمنه الفصل الخامس”.
إذن فمبدئيا لا يقبل المحافظ العقاري أي طلب رامي إلى تحفيظ عقار هو موضوع مسطرة التحديد الإداري، وعلة ذلك أن مسطرة التحديد الإداري بذاتها هي مسطرة خاصة لضبط حدود عقارات الدولة، ومن شأن قبول مطلب التحفيظ في هذه الحالة أن يؤدي إلى تعدد الإجراءات الخاصة بنفس العقار.
وإذا كانت هذه هي القاعدة، فإن المشرع سمح بصفة استثنائية للمحافظ على الأملاك العقارية والرهون بقبول مطلب التحفيظ بشأن عقار تباشر فيه مسطرة التحديد الإداري وذلك في حالة واحدة وحصرية وهي التي يقدم فيها المطلب تأييدا للتعرض المقدم على عملية التحديد الإداري، ولفهم هذه الحالة لابد من الرجوع إلى الفصل الخامس من ظهير 3 يناير 1916 المحال عليه بمقتضى الفصل الثالث أعلاه على اعتبار أنه هو الذي حدد شكليات التعرض، إذ أنه يشترط لصحة التعرض على عملية التحديد الإداري أن يقدم المتعرض مطلبا للتحفيظ مؤيدا بشهادة التعرض على التحديد الإداري وإلا ألغي تعرضه[12].
وقد يحدث في الواقع العملي أن تأتي الصورة معكوسة، إذ قد يتقدم طالب التحفيظ بمطلبه قبل صدور مرسوم التحديد، ومن هنا فمنطق الأمور يقتضي أن تبادر المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر إلى التعرض عليه، وهنا لا إشكال، ولكن الإشكال يثار في الحالة التي لا تتعرض فيها الإدارة المذكورة على عملية التحفيظ وتواصل إجراءات التحديد الإداري، ولايتعرض عليه طالب التحفيظ.
إن هذه الصورة تجعلنا أمام فرضيتين، أولهما أن يصدر مرسوم المصادقة على عملية التحديد الإداري قبل أن يصدر قرار من المحافظ بتأسيس الرسم العقاري في اسم طالب التحفيظ، إذ هنا تعمد إدارة المياه والغابات إلى تقديم طلب للمحافظ العقاري لتسليمها رسم عقاري بناء على التحديد الإداري المصادق عليه وإلغاء مطلب التحفيظ المقدم من طالب التحفيظ اعتبارا لأنه أصبح غير ذي موضوع بعد صدور مرسوم المصادقة على عملية التحديد الإداري، فهل يحق للمحافظ العقاري والحالة هذه أن يستجيب للطلب أعلاه أم لا؟ وماهي الأسس المبررة لموقفه في كل توجه؟
نعتقد أنه لا يمكن للسيد المحافظ العقاري إلغاء مطلب التحفيظ[13]، لأن الحالة أعلاه لا تعتبر سببا للإلغاء، فالمشرع ربط الإلغاء بحالات إخلال طالب التحفيظ بالتزاماته المسطرية اتجاه عملية التحفيظ، أما في حالتنا هذه فإن القرار الذي يتعين على المحافظ اتخاذه هو رفض تحفيظ العقار[14]، على اعتبار أنه أصبح على ملكية إدارة المياه والغابات بعد المصادقة على مرسوم التحديد الإداري الغير المتعرض عليه،
وبالمقابل يسلم لإدارة المياه والغابات رسما عقاريا بناء على طلبها وذلك طبقا لأحكام ظهير 04 يوليوز 1922، وبطبيعة الحال فإن قرار المحافظ في هذه الحالات يكون خاضعا للرقابة القضائية، إذ أنه من حق من تضرر منه أن يطعن فيه أمام المحكمة الإبتدائية التابع لها موقع العقار[15].
أما الفرضية الثانية التي تضعنا هذه الصورة أمامها فهي حالة تقديم مطلب تحفيظ قبل صدور مرسوم التحديد الإداري ولا تتعرض إدارة المياه والغابات على المطلب المذكور ويصدر المحافظ العقاري مقررا بتحفيظ العقار، فما هو أثر ذلك على عملية التحديد الإداري الجارية، وهل يمكن المصادقة عليها؟ أم أن تحفيظ العقار يحول دون مكنة ذلك اعتبارا لأثره التطهيري؟
الأكيد أن تحفيظ العقار يشكل مانعا قانونيا يحول دون المصادقة الحكومية على التحديد الإداري، ذلك أنه يشترط للمصادقة ألا يكون قد تم تقييد القطعة في اسم أحد من الغير، وهذا الشرط يستفاد من صريح الفصل الثاني من ظهير 24-05-1922 الذي نص على ما يلي:
” إن القرار الوزيري المتعلق بالمصادقة على تحديد الأملاك المخزنية والمشار إليه بالفصل السادس من ظهيرنا الشريف المؤرخ في 3 يناير 1916، إلا عند الإطلاع على شهادة يسلمها المحافظ على الأملاك العقارية ويدون فيها ما يأتي:
أولا: أنه لم يقع سابقا تقييد قطعة أرض ما داخلة في المنطقة المبينة في القرار الوزيري أعلاه”.
إذن فتحفيظ العقار هو مانع يحول دون مكنة المصادقة على التحديد الإداري له، علما أن التحفيظ يطهر العقار من جميع التحملات العقارية السابقة عليه، ويعتبر نقطة الإنطلاق الوحيدة للحقوق العينية المتعلقة بالعقار، وله صفة نهائية ولا يقبل أي طعن وبالتالي فلا يمكن لأي كان الإحتجاج بحق من الحقوق السابقة على عملية التحفيظ،
بل أكثر من ذلك فقد اعتبر المشرع المغربي أنه بعد تأسيس الرسم العقاري تصبح جميع الرسوم الأخرى المتعلقة بالعقار باطلة، وهو ما يفقدها كل حجية في إثبات تملك العقار[16]، وعليه فلا يمكن لإدارة المياه والغابات إذن أن تطالب بإلغاء قرار التحفيظ أو بعدم سريان قاعدة التطهير في مواجهتها لأن عقاراتها لا تدخل ضمن الإستثناءات التشريعية من متعلقات قاعدة التطهير لأنها ليست ملكا عاما[17].
ولتفادي مثل هذه الإشكالات القانونية التي ظهرت سابقا والتي لازالت ملفاتها لم تصف بعد والمتعلقة بتداخل مطالب التحفيظ فيما بينها أو مع عملية التحديد الإداري فإن عمل المحافظات العقارية أصبح يشترط عند تقديم مطلب تحفيظ إليها تعزيزه برسم هندسي للعقار موضوع المطلب وشهادة من مصلحة المسح الطبغرافي والخرائطية بخصوص وضعية العقار حتى تتأكد من أنه لايدخل ضمن مطلب آخر أو تحديد إداري.
وعموما وبعيدا عن آثار صدور مرسوم التحديد الإداري فإنه بمجرد صدوره يتم الشروع في إجراءات التحديد، وتبدأ عملية التحديد بإشهار مرسوم التحديد وطلب الإدارة المقدم بخصوصه والإعلان عنها خلال الشهر السابق على عملية التحديد وذلك بهدف كفالة علم الجيران والكافة بجريان المسطرة ويتعرضوا عليها حالة ادعائهم بحقوق عينية على العقار موضوع التحديد، وقد نص على هذا الإجراء الفصل 4 من ظهير 03 يناير 1916 كما وقع تعديله بظهير 17-08-1949، والذي جاء فيه:
” يعلن للعموم تاريخ العمليات بشهر قبل إجرائها بواسطة الجرائد والإعلانات تعبيرا باللغتين العربية والفرنسية”.
ولنا ملاحظة بسيطة حول الإشارة التي تضمنتها الفقرة أعلاه بخصوص ثنائية لغة النشر، إذ نعتقد أن نشر الإعلان بلغة واحدة وهي اللغة العربية كاف لينتج الإعلان أثره، أما العكس وهو نشر الإعلان باللغة الفرنسية وحدها فهو يعيب مسطرة التحديد الإداري، ونستند في تبرير وجهة نظرنا على ظهير المغربة والتعريب والذي جعل من اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة.
أما بخصوص وسائل إشهار عملية التحديد فقد أشار إليها نفس الفصل المذكور أخيرا، والذي ينص على أنه:
” ولهذا ينشر القرار الوزيري وملخص طلب الإدارة العليا في الجريدة الرسمية ويشهر قبل تاريخ العمليات ويشهران أيضا بواسطة الحاكم المحلي على طريق المناداة بين القرى والأسواق لإيالة قائد المحل في الأيام والأوقات المناسبة لها طيلة الشهر الذي يأتي قبل الشروع في التحديد.
هذا ويعلن نص القرار الوزيري وملخص الطلب المذكورين خلال تلك المدة في أوضح الأماكن الآتي بيانهـــا :
أولا: المصالح الإدارية الموجود في دائرتها الملك المراد تحديده كمحاكم القضاة ومحاكم القواد ومكتب المحافظة على الأملاك ومكتب الناحية ومكتب الدائرة الإدارية ومكتب دائرة المياه والغابات فيما يخص العقارات الداخلة في أملاك إدارة المياه والغابات….
ثالثا: إدارة الأمور الشريفة وقسم إدارة المياه والغابات وإدارة أملاك مخزننا السعيد برباط الفتح”.
فمن خلال هذا النص يتبين أن إشهار عملية التحديد يتم من خلال طريقتين أولهما النشر في الجرائد، وثانيهما التعليق في أماكن محددة.
الطريقة الأولى: النشــر
يعد النشر بالجريدة الرسمية أقوى وسيلة للإشهار[18]، لأن المشرع أقام قرينة على علم الكافة بمضمون عملية النشر، بحيث لا يعذر أحد بجهله لما نشر بالجريدة الرسمية، وهذا الأمر طبيعي من وجهة نظر التشريع طالما أننا بصدد إعلان غير موجه لشخص بذاته، بل موجه
إلى الكافة، ومن تم فإنه لا يتصور عمليا أن يتم تبليغ خاص لكل فرد.
ومع مشروعية هذه الأهداف والغايات والفلسفة، فإنه توجه للنشر عن طريق الجريدة الرسمية كثير من الإنتقادات التي تجعل من النشر فيها إجراء قانونيا شكليا لايؤدي الوظيفة التي شرع من أجلها وهي الإعلام، وذلك لأن أغلبية الناس من الجمهور بل ومن رجال القانون أنفسهم لا يطلعون على الجريدة الرسمية، بل إن الكثير من المغاربة يجهلون حتى القراءة والكتابة.
وقد حاول المشرع التلطيف من هذا الإشكال فاشترط إلى جانب النشر في الجريدة الرسمية النشر بجرائد أخرى لم يبين عددها.
الطريقة الثانية: التعليق
إلى جانب الإعلان عن التحديد الإداري من خلال النشر في الجريدة الرسمية والجرائد الوطنية، فإن المشرع حاول كفالة علم الأفراد بعملية التحديد من خلال تقنية التعليق لدى مجموعة من الجهات الإدارية والقضائية، وهذه الجهات هي المحكمة والقيادة ومقر المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر وبالمحافظة على الأملاك العقارية والرهون، ويتم إثبات القيام بالتعليق بواسطة شهادات صادرة عن الجهات المذكورة، وإلى جانب هذه الطرق فإنه يتم المناداة على عملية التحديد في الأسواق والقرى المجاورة.
وما يلاحظ هنا هو أن التعليق قد لايؤدي وظيفة إعلام أصحاب الحقوق الواردة على العقارات موضوع طلب التحديد، وللتدليل على ذلك نأخذ نموذج التعليق بالمحاكم، فهو يتم في سبورة تتزاحم فيها الإعلانات المختلفة، وتعلق فيها الإعلانات القديمة إلى جانب الحديثة، ولايتم توزيع الإعلانات حسب موضوعاتها حيث تعلق بها بشكل غيـر ممنهج الإعلانات المتعلقـة بمسطرة القيم والخاصة بالبيوع التي سيتم إجراؤها عن طريق المزاد العلني والإعلانات الخاصة بمسطرة التحفيظ العادية،
الشيء الذي يجعل من الصعب قراءة مضمون الإعلانات المعلقة بسبورة الإعلانات، ويضاف إلى هذا العائق الواقعي عائق آخر يتمثل في أن كثيرا ممن يترددون على المحاكم يكونون منشغلين بدعاويهم ولا يهتمون بقراءة مضمون الإعلانات المعلقة بالسبورة.
إن انتقادنا لطرق الإشهار أعلاه ليس من شأنه أن يقدح فيها أو يعتبر دعوة إلى حذفها لأننا نقدر الفلسفة التي شرعت من أجلها هذه الوسائل وهي كفالة علم الكافة، ومن تم فهي تختلف عن وسائل التبليغ الفردية التي تهدف إلى كفالة علم شخص بمفرده، ولكن هدفنا من الإنتقاد هو الدعوة إلى الإهتمام بها حتى تؤدي وظيفتها التي من أجلها أوجدها المشرع.
وإذا كانت الوسائل المذكورة أعلاه تحقق الإعلام العام، فإن خطورة النتائج المترتبة عن المصادقة على التحديد الإداري توجب علينا التفكير في الإعلام الخاص لفئة محدودة من الأفراد وهم المالكون المجاورون للعقار موضوع التحديد الإداري وذلك لاعتبارين أولهما أن الجيران يكونون معلومين، وثانيهما لأن هؤلاء الجيران يكونون معنيين أكثر من غيرهم بموضوع التحديد وما يمكن أن تثيره علاقة الجوار من تداخل ومنازعة حول الحدود،
وفي هذا الإطار يمكننا أن نستعمل القياس على التوجـه الذي تبناه المشرع فـي مسطـرة التحفيظ وتحديدا في الفصل 19 من ظهير 12 غشت 1913 حين أسند للمشرع للمحافظ على الأملاك العقارية تسيير عمليات التحديد بعد استدعاء مجموعة من الأشخاص من بينهم أصحاب الأملاك المجاورة والمتعرضين بصفة نظامية[19].
وإذا حل التاريخ المعلن فيه عن إجراء التحديد، فإننا نكون أمام فرضيتين، فإما أن تكون إجراءات الإعلان عن التحديد المذكور لم تحترم، فهنا يتم تأجيل إجراءات التحديد إلى موعد لاحق تزيد مدته عن شهر لكي يتم احترام مسطرة الإشهار واحترام أجلها وهو الشهر السابق على عملية التحديد، وإما أن تكون مسطرة الإعلان عن التحديد قد احترمت، وهنا يتم المرور إلى المرحلة الموالية وهي إجراء التحديد الخاص بالعقار.
فالتحديد هو عبارة عن عملية تقنيـة يقوم بها مهندس مساح لضبط حدود ومساحة العقار ومشتملاته وتتوج بوضع تصميم للعقار.
وقد حدد المشرع تشكلة اللجنة التي تقوم بعملية التحديد، وهي حسب الفصل الثاني من ظهير 9 يناير 1916، موظف يمثل إدارة المراقبة، وأحد موظفي المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، ومن قائد القبيلة معضدا بأشياخها ومن عدلين عند الإقتضاء.
وتشرع اللجنة المذكورة بتشكلتها أعلاه في مباشرة أعمال التحديد في اليوم والساعة والمحل المعينة في الإعلانات، وتتخذ الوسائل التي من شأنها إعلام الناس بوصول اللجنة حتى يمكن لها وضع الحدود ومحضر أولي للتعرضات، وبعد ذلك يتم إعلام عموم الناس بوضع الخريطة والتقرير وذلك من خلال نشر ذلك في الجريدة الرسمية.
المبحث الثاني: التعرض والمصادقة على التحديد الإداري
إن سلوك المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر لمسطرة التحديد الإداري لعقار ما لا يفيد بشكل حتمي أنها المالكة له، كل ما هنالك أن مبادرتها إلى التحديد الإداري له يشكل قرينة على تملكها له، ومن تم يحق لكل من اعتبر نفسه متضررا من عملية التحديد الإداري أنه سيمس حقوقه على العقار أن يتعرض على عملية التحديد، وهذا التعرض له إجراءات مخصوصة بحيث يلزم ممارسته داخل أجل محدد ويلزم لصحته أن يدعم بتقديم مطلب تحفيظ، وآنذاك يحال الملف على المحكمة للبت في مدى صحة التعرض ( المطلب الأول).
فإذا لم يتعرض أي أحـد خلال الأجل القانوني كليـة، أو تعرض بإجراءات غير سليمة، أو قضي بعدم صحة تعرضه، فإنه يصدر مرسوم بالمصاقة على عملية التحديد ويصبح التحديد نهائيا ولا تقبل أي دعوى في العقار بعد ذلك ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: التعرض على التحديد الإداري
إن مباشرة إجراءات التحديد الإداري لعقار معين من شأنها إذا ما سارت إلى نهايتها بشكل طبيعي وبدون منازعة أن تؤدي إلى المصادقة على التحديد الإداري، وبالتالي نصير أمام قرار نهائي غير قابل لأي طعن، غير أن الأمور لا تسير دائما بهذه السهولة والبساطة،
لأن البعض قد يرى أن عملية التحديد قد مست بحقوقه على العقار موضوع التحديد إما بشكل كلـي أو جزئي أو بخصوص الحدود، ولحفظ حقوق هؤلاء فقد أعطاهم المشرع صلاحية التعرض على التحديد الإداري وبيان نوعية الحقوق التي يدعونها على العقار.
فالمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر حينما تتقدم بطلب التحديد الإداري فإنها تستفيد من قرينة بسيطة على التملك، وهذه القرينة لا تصير قاطعة إلا بعد صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري، أما قبل ذلك فإن الإعلان عن التحديد الإداري يفيد فقط قيام قرينة بسيطة على التملك لفائدة طالبة التحديد، ويمكن المنازعة في هذه القرينة من خلال التعرض على عملية التحديد.
وعليه فالتعرض هو مطالبة أو دعوى[20] لاستحقاق العقار موضوع التحديـد بشكل كلـي أو جزئي أو استحقاق حق عيني عليه، كل ماهنالك أنه يتمـيز بإجراءات ومسطـرة خاصـة،
إذ لا يمكن تصور المنازعة في العقار موضوع التحديد خارج هذه المسطرة، وهكذا فلو تقدم أحد الأفراد بدعوى أصلية رامية إلى استحقاق عقار موضوع تحديد إداري فلن تقبل منه، لأنه لم يمارسها ضمن إطارها القانوني السليم وهو التعرض على عملية التحديد الإداري،
ويجد هذا التوجه تبريره ضمن فلسفة التشريع الرامية إلى ضبط المنازعات الخاصة بالتحديد الإداري في إطار واحد بل وتقييدها بأجل زمني محدد تحت طائلة السقوط، وبالتالي فحتى لو فرضنا جدلا أن صاحب الحق العيني الوارد على العقار موضوع التحديد الإداري قد حصل على حكم باستحقاقه العقار موضوع التحديد، فإن هذا الحكم والذي من المفروض فيه أنه عنوان الحقيقة، لن يفيده في شيء، لأن حقه في العقار سيكون قد سقط نتيجة عدم التعرض[21].
وقد أعطى المشرع لكل من يدعي حقا على العقار موضوع التحديد الإداري أن يتعرض عليه وذلك إما أمام اللجنة التي تقوم بعملية التحديد نفسها بعين المكان، وإما أمام الإدارة المعنية، وفي الحالتين تكون الجهة المقدم إليها التعرض ملزمة بتضمين التعرض صفة المتعرض وماهية الحق المتعرض عليه في تقريرها.
وعموما فإن أجل التعرض يظل مفتوحا خلال الأشهر الثلاثة الموالية لعملية نشر التحديد الإداري بالجريدة الرسمية، وبعد انصرام هذا الأجل يسقط حق كل من يدعي حقا على العقار موضوع التحديد الإداري، ولا يقبل منه أي تعرض أو دعوى في العقار[22]، فأجل الثلاثة أشهر الموالية للنشر في الجريدة الرسمية هو أجل سقوط، لاينقطع ولايتوقف، والمشرع تعامل معه بنوع من الصرامة، ولم يفتـح المجال لمن كان له عذر قاهر أو ظرف استثنائي حال دون تعرضه في أن يطالب برفع السقوط أو فتح آجال جديدة أواسثنائية للتعرض قياسا على القاعدة
التي وضعها المشرع بخصوص التعرض على مطلب التحفيظ[23]، فقد نص الفصل 5 من ظهير 03 يناير 1916 على أنه:
“… كل من تعرض للجنة إما على صحة التحديد وإما على ماله في الأرض يجب عليه أن يقدم دعواه إما أمام اللجنة في نفس المحل المحدود وهي تدرجه في تقريرها، وإما أمام موظف من حكومة المراقبة المحلية كما سيأتي بخريطة المحل الذي أجري فيه التحديد.
ويعلم عموم الناس بدفع الخريطة والتحرير على الكيفية المشار إليها في الفصل الرابع وينبه على ذلك في الجريدة الرسمية، وهذا التقرير يطلع عليه كل من يريد ذلك ويجعل لمن تعرض لعمل اللجنة في عين المكان أجل قدره ثلاثة أشهر ابتداء من يوم نشر التقرير في الجريدة الرسمية ليعلم بقضيته الموظف المكلف بالحكومة محليا بكتاب يبين فيه سبب التعرض والحجج المستند عليها المتعرض، … ثم بعد مضي ثلاثة أشهرمن يوم التنبيه في الجريدة الرسمية على وضع التقرير فإنه لا يقبل تعرض ولا غيره من كل دعوى”.
والتعرض في مسطرة التحديد الإداري يعرف خصوصية إجرائية لقبوله، فلا يكفي مجرد التعرض على أعمال التحديد داخل أجل الثلاثة أشهر الموالية لعملية نشره في الجريدة الرسمية،
بل يلزم المتعرض أن يؤيد تعرضه بتقديم مطلب لتحفيظ العقار موضوع التحديد وذلك داخل أجل الثلاثة أشهر الموالية لانصرام أجل تقديم التعرض[24]، فإن هو أغفل القيام بهذا الإجراء فإن تعرضه يلغى، وعليه فشكل المسطرة هنا يجعلنا أمام حالة من حالات التحفيظ الإجباري، وهو ما يشكل خروجا عن المبدأ العام المقرر في قواعد التحفيظ من أن له طابع اختياري[25]، فقد جاء في الفصل 6 من ظهير 03 يناير 1916 ما يلي:
” إن التعرض الواقع بمقتضى الفصل الخامس لا يعتبر إلا بشرط أن يقدم صاحبه مطلب تقييد العقار في الثلاثة أشهر الموالية للأجل المضروب للتعرض وهذا المطلب يبحث فيه أينما كان محل العقار لكن فيما يخص أعمال تحديده فقط، فإن امتنع فإن تعرضه يلغى”.
وتطبيقا للمقتضى التشريعي أعلاه، فقد قرر القضاء ما يلي:
” إن التعرض على التصريح بأن العقار من أملاك الدولة يجب أن يؤيد بتقديم مطلب التحفيظ من طرف المتعرض.
وعليه فإن مدعي الإستحقاق الذي أغفل عن تقديم مطالبته بالشكليات وداخل الأجل المنصوص عليه في ظهير 03 يناير 1916 يكون غير مقبول في ادعائه بملكية العقار”[26].
وجاء في قرار حديث للمجلس الأعلى ما يلي:
” لكن حيث إن الطالب أدلى للخبير طارق مصطفى بشهادة غير مؤرخة معنونة بشهادة إيداع تعرض ضد التحديد النهائي مسلمة له من قائد فيفي رئيس اللجنة الإدارية للتحديد الغابوي بالغابة المخزنية المسماة كورت، وأنه بذلك يكون في حكم العلم بالتحديد المؤقت، ولم تعترف له الإدارة بأي حق مادامت قد رفعت دعوى الإستحقاق ضده، ولا دليل بالملف على تقديم الطالب لأي مطلب لتقييد ما تعرض عليه، وأن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه بنت على عدم تقديم المطلب المذكور اعتبار التحديد نهائيا طبقا للفصول 6 و 7 و 8 من ظهيـر 3/1/1916 إذ جاء في القرار المطعون فيه:
وحيث أثناء وقوف المقرر على عين المكان أشعر المستأنف عليه بالإدلاء بما يفيد مصير تعرضه وما يفيد سلوك باقي المساطر المحددة بمقتضى ظهير 3/1/1916 وداخل أجلها إلا أنه لم يفعل رغم الإمهال – وحيث بقي الملف خاليا مما يفيد رفع التعرض داخل أجله القانوني و لا ما يفيد تقديم مطلب تقييد المدعى فيه في الثلاثة أشهر الموالية للأجل المضروب للتعرض مما يفيد عدم رفع أية دعوى أو غيرها بعد كل ذلك اعتبار أن التحديد الإداري أضحى والحالة هذه نهائيا.
وبذلك فإن المحكمة المذكورة لم تحرف أية وثيقة وطبقت الفصول المذكورة أعلاه تطبيقا سليما يؤدي إلى نفس نتيجة المنطوق القرار المطعون فيه، فالوسيلة غير ذات أساس”[27].
وعليه فإن التحديد الإداري يمكن التمسك به في مواجهة الأفراد بأسباب السقوط كحكم من النظام العام في الحالات التالية:
1- إذا لم يتعرض الشخص على التحديد الإداري داخل الأشهر الثلاثة الموالية لنشر تقرير التحديد بالجريدة الرسمية.
2- إذا تعرض الشخص داخل الأجل القانوني ولكنه أغفل تأييد تعرضه بتقديم مطلب التحفيظ داخل أجل ثلاثة أشهر الموالية لانقضاء أجل التعرض، ولا يفيده في عدم ترتيب جزاء السقوط أن يكون متعرض آخر قد قدم مطلبا للتحفيظ بصورة قانونية.
3- إذا كان الشخص قد قدم مطلبا للتحفيظ في تاريخ سابق على صدور مرسوم التحديد، وأغفل التعرض على التحديد داخل الأجل القانوني له.
إذن فالمتعرض يلزمه لصحة تعرضه أن يقدمه داخل الأجل القانوني ويدعمه بتقديم مطلب للتحفيظ والحجج والمستندات المؤيدة له، وهنا يطرح لنا تساؤل جوهري وأساسي حول الموقف الذي يتعين على المحافظ على الأملاك العقارية اتخاذه في الحالة التي يقدم فيها مطلب التحفيظ المؤيد للتعرض على التحديد الإداري مجردا من الوثائق المعززة له.
نعتقد أنه لحل هذا التساؤل يجب أن لا يغيب عن أذهاننا ونحن نأصل للإشكالية المذكورة أننا بصدد مطلب تحفيظ من نوع خاص، لأنه يقدم تأييدا لتعرض على مسطرة التحديد الإداري، ومن تم فإن الجواب يقتضي منا استحضار ثنائية تشريعية، فمن جهة أولى فالمشرع نفسه ألزم المتعرض على التحديد الإداري أن يدعم تعرضه بالوسائل المؤيدة له حسبما يستفاد من صريح الفصل 5 من ظهير 03 يناير 1916، ومن جهة ثانية فالأمر يتعلق بمطلب تحفيظ ومن تم يلزم
تأييده بجميع رسوم التملك والعقود والوثائق العمومية والخصوصية وكل المستندات التي من شأنها أن تعرف بالحقوق العينية المقررة على العقار وذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن لم يعزز مطلبه بالحجج فإن المحافظ ينذر الطرف للإدلاء بها، فإن لم يدل بها رغم الإنذار فإن المحافظ يصدر قرارا برفض المطلب.[28]
وعموما فإذا قدم التعرض على التحديد الإداري بطريقة نظامية، فإن ذلك يفتح المجال لخيارين، أولهما أن تقبل الإدارة التعرض كليا أو جزئيا، وهنا فإن التحديد الإداري يصبح غير ذي أساس في حالة قبول التعرض الكلي، وهذا الخيار يبقى جد مستبعد في الواقع إذ يصعب عمليا أن تعترف الإدارة بذلك وتلغي عملية التحديد، ليبقى الخيار الأقرب إلى الواقع هو إمكانية اعتراف الإدارة بالتعرض الجزئي، وهنا يتم إخراج الجزء المتعرض عليه من عملية التحديد الإداري.
وثاني الخيارين هو أن ترفض المندوبية السامية للمياه والتصحر التعرض المقدم ضد عملية التحديد الإداري، وهنا يقوم المحافظ على الأملاك العقارية بإحالة مطلب التحفيظ المقدم من طرف المتعرض على المحكمة الإبتدائية التابع لها موقع العقار للبت في مدى صحة التعرض.
والقاعدة هنا أن طالبة التحديد الإداري تأخذ مركز المدعى عليه في الدعوى، ومن تم فالمحكمة لا تناقش حججها إلا بعد إدلاء المتعرض، طالب التحفيظ، بما يفيد تملكه للعقار المتعرض على تحديده، لأنه هو من يطالب بالإستحقاق[29]، وقد تواثر اجتهاد القضاء على هذا التوجه[30].
وهكذا فإذا أدلى المتعرض بحجة مقبولة شرعا، فإن المحكمة تنتقل لدراسة حجج طالبة التحديد الإداري لترجح بينها وبين حجج المتعرض، وتنظر أيها أقوى في إثبات الإستحقاق، وهنا يجب أن نميز بين نوعين من الأراضي الغابوية، أولهما المكسوة بأشجار أو نباتات عودية من أصل طبيعي، وثانيهما تلك الأراضي العارية أو التي وقع تشجيرها.
فبالنسبة للفئة الأولى من الغابات وهي تلك المكسوة بنباتات عودية أو خشبية من أصل طبيعي أو منابت الحلفاء، فإنه يفترض فيها أنها على ملكية المياه والغابات، فالمشرع أقام قرينة
قانونية على ذلك، فقد جاء في الفصل الأول من ظهير 10 أكتوبر 1917 المنظم لتسيير وإدارة الملك الغابوي والأراضي الخاضعة للنظام الغابوي ما يلي:
” إن الأملاك الغابوية للدولة تحدد حسب الشروط المنصوص عليها في ظهير 1916 وتبقى الأراضي الغابوية خاضعة لقرينة ملكية الدولة مادامت عملية التحديد لم تتحقق”.
وقد أثير نقاش حول مفهوم القرينة أعلاه، فتدخل المشرع بمقتضى ظهير 21 يوليوز 1960 وحدد مفهومها حيث نص على أن جميع الأراضي المكسوة بنباتات عودية أو خشبية من أصل طبيعي تعتبر قانونيا غابات في ملك الدولة.
إذن فهذه الفئة من الغابات تستفيد من قرينة ملكية إدارة المياه والغابات لها، وهذه القرينة تمتد من حيث النطاق الزمني إلى حين إجراء عملية التحديد الإداري أما بعد التحديد فإنها تسقط ولا يمكن بعد ذلك إعمالها.
ولما كان من المعلوم أن القرينة القانونية تعفي من قررت لمصلحته من الإثبات، فإن أهم إشكال يطرح هو طبيعة وقوة القرينة أعلاه، بمعنى هل يتعلق الأمر بقرينة بسيطة ومن تم فإنه يمكن للمتعرض هدمها وإثبات خلافها، ويكون على إدارة المياه والغابات تعزيز القرينة بحجج أخرى، أم أن تلك القرينة قاطعة لا يجوز هدمها ولا إثبات ما يخالفها.
لقد أجاب المجلس الأعلى عن ذلك في أحد قراراته بأنه عند التعرض على التحديد الإداري فإن إدارة المياه والغابات يلزمها أن تعزز القرينة بحجة مقبولة ولا تكفي القرينة وحدها لإثبات تملكها للعقار، أو بعبارة أخرى فقضاء المجلس الأعلى يعتبر أن القرينة التي وضعها المشرع هي قرينة بسيطة يجوز إثبات ما يخالفها بالدليل المعاكس، وقد علل المجلس الأعلى قراره بما يلي:
” إن الملكية العامة أو الخاصة للأراضي الغابوية لا تستمد وجودها ومشروعيتها من ظهير 1917 بل يجب أن تنبني على سند قانوني آخر غير الظهير المذكور، وإذا كان ظهير 1917 يضع قرينة لفائدة الدولة بإضفائه للطابع الغابوي على وجود نبات طبيعي، فإن هذه القرينة وحدها دون وجود ما يعززها لا يكفي ما دام الأمر يتعلق بمجرد قرينة، وفي غياب أي تحديد إداري منشور بالجريدة الرسمية، وعملية تشجير الأرض وحدها لا تثبت ملكيتها لإدارة المياه والغابات التي يتعين عليها إثبات الملك بالطرق القانونية”.[31]
غير أن ما يلاحظ على هذا القرار هو أنه لم يوظف مفهوم القرينة وحجيتها التوظيف المناسب، ذلك أنه خلط المفاهيم، فالقرينة التي وضعها المشرع تتعلق بالغابات المكسوة بنباتات عودية أو خشبية من أصل طبيعي، في حين أن القرار ربط القرينة بوجود أرض مكسوة بأشجار تم غرسها، أي أن عملية التشجير لم تكن طبيعية بل مصطنعة، وبالتالي فلا مجال هنا لإعمال القرينة لتخلف أهم شرط من شروط إعمالها وهو أن تكون النباتات العودية أو الخشبية ذات أصل طبيعي.
وقد عاد المجلس في قرارات أخرى فوظف القرينة توظيفا جيدا، واعتبرها تشهد بالملك لفائدة إدارة المياه والغابات، وقد جاء في قراره مايلي:
” إن القرار ناقش حجج الأطراف وعلل قضاءه بما له من سلطة في تقييم الأدلة بأنه بخصوص تعرض المياه والغابات فإن الحكم اعتمد فيما قضى به على الشهادة الإدارية المدلى بها من طرف الطاعنين كحجة في مطلب التحفيظ بشهادة بتاريخ23-03-92 حددت فيها مساحة الملك في 1392 هكتار غير أن التحديد أسفر عن مساحة 1575 وأن التعرض منصب على المساحة الزائدة التي عاينت المحكمة الإبتدائية أنها مغطاة بأشجار غابوية وكثبان رملية، الشيء الذي يفيد غابوية تلك المساحة”.[32]
ويدق الإشكال أحيانا في الحالة التي تدفع فيها إدارة المياه والغابات بأن المتعرض قد أتلف معالم الملك الغابوي والأشجار ذات الأصل الطبيعي المنبت، إذ هنا يكون عليها أن تثبت واقعة الإتلاف أو أن الأرض كان بها أشجار ونباتات عودية من أصل طبيعي، والمحكمة لها أن تجري ماشاءت من وسائل التحقيق للوقوف عند حقيقة النزاع، وفي هذا الإطار تبقى الخبرة من أكثر الوسائل التي تلجأ إليها المحاكم في هذا الإطار، وهنا يجب التأكيد على مسألة هامة وهي أن المحاكم أحيانا لا تتحرى الدقة في تعيين الخبراء، بحيث تعين لهذه المهمة خبراء غير مختصين في الميدان، وهو ما يؤدي إلى نتائج غير مقبولة تقنيا، ولهذا نجد المجلس الأعلى يتشدد في رقابة تخصص الخبير المعين وينقض القرارات المخالفة.[33]
أما الفئة الثانية من الأراضي فهي تلك الأراضي العاريـة أو التـي وقع تشجيرها وهذه لا تستفيد من قرينة ملكية الدولة لها، وبالتالي فمتى أثبت المتعرض تملكه لها بوسيلة مقبولة شرعا، كان على إدارة المياه والغابات أن تفند ذلك بإثبات تملكها للعقار، ويلزمها بدورها أن تدلي بحجة مقبولة لذلك، وفي هذا الإطار اعتبر القضاء أن تقييد أرض على ملكية الدولة في كناش الأملاك المخزنية يبقى عملا مجردا لا يفيد في إثبات الملك ومما جاء في القرار الصادر في هذا الشأن ما يلي:
” إن التقييدات المضمنة في كناش الأملاك المخزنية من طرف ممثلي المخزن أو بناء على تصريحاتهم مجردة بحد ذاتها من كل قوة إثباتية وليس لها على أكثر حد سوى قيمة مجرد معلومات إذا كانت هذه التقييدات غير مستندة على أي رسم ملكية أصلي ولا مؤيدة بالحيازة”.[34]
وعليه فإن المحكمة تقوم بترجيح حجج الطرفين لتقف عند تحديد الطرف المالك، علما أن الحيازة تأخذ حكما متميزا في إثبات ملكية العقارات غير المحفظة، ويشترط لاعتبار الحيازة ألا تكون مبنية على سند غير صحيح، وتطبيقا لذلك استبعد المجلس الأعلى حيازة إدارة المياه والغابات لأنها مبنية على سند غير صحيح طالما أنها سلمت لها من طرف غير مالك لتنفيذ أشغال من أجل حماية وإصلاح الثربة.[35]
وجاء في قرار آخر صادر بتاريخ 13-04-2010:
” إنه مادام قد ثبت للمحكمة أن المطلوبة هي الحائزة للمدعى فيه، فإن الطاعنة هي الملزمة بإثبات استحقاقها له، ولايعفيها من ذلك مجرد كونها صاحبة التحديد الإداري الذي هو محل النزاع، وأن قواعد الفقه الإسلامي هي الواجبة التطبيق في النازلة، وأن القرار لم يعتمد فقط رسم الحيازة وإنما اعتمد بالأساس حيازة المطلوب للمدعى فيه…. وأن ما أثارته المستأنف عليها من كونها هي الحائزة الفعلية للمتنازع فيه لا يستند إلى أي أساس، ذلك أن التحديد الإداري المستدل به لم يصبح بعد نهائيا حتى تكون له الحجية القطعية في مواجهة الكافة”.[36]
المطلب الثاني: المصادقة على التحديد الإداري للملك الغابوي:
المرحلة الأخيرة في إجراءات التحديد الإداري هي المصادقة عليه بمرسوم، وذلك حسبما يستفاد من مقتضيات الفصل 7 من ظهير 03 يناير 1916 الذي نص حرفيا على أنه:
” يوجه تقرير اللجنة مع نسخة طلب التقييد المودعة إلى الحكومة العليا لتوافق عليها وذلك بعد انقضاء الأجل المضروب لمن أراد تقييد العقار”.
وعليه فإنه بعد الإنتهاء من الإجراءات المسطرية السابقة يحال التقرير على الحكومة للمصادقة عليه بواسطة مرسوم وذلك بعد أن تتأكد من الشروط التالية:
1- احترام الإجراءات التي تسبق والتي تعقب عمليات التحديد المنصوص عليها في الفصول 4 و 5 و 7 من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916، وقد تم التقيد بالآجال المحددة، ويثبت ما ذكر من خلال شهادات إدارية صادرة عن الجهات المعنية.
2- أنه لم يقع أي تحفيظ قبل عملية التحديد للعقار موضوع التحديد ولم يقدم أي مطلب بخصوصه تأييدا للتعرض المقدم.
وهذا الشرط يجد سنده في الفصل الثاني من ظهير 24-05-1922 المتعلق بتقييد العقارات المخزنية التي جرى تحديدها على الطريقة المبينة في ظهير 03 يناير 1916، ومما جاء في هذا الفصل ما يلي:
” إن القرار الوزيري المتعلق بالمصادقة على أعمال تحديد الأملاك المخزنية والمشار إليه بالفصل 8 من ظهيرنا الشريف المؤرخ في 03 يناير 1916، لا يمكن صدوره إلا عند الإطلاع على شهادة يسلمها المحافظ العقاري ويدون فيها ما يأتـــي:
أولا: إنه لم يقع سابقا تقييد قطعة أرض ما داخلة في المنطقة المبينة في القرار الوزيري أعلاه.
ثانيا: إنه لم يودع مطلب لأجل التقييد حسب الشروط وفي الآجال المبينة بالفصل السادس من القرار الوزيري المذكور أعلاه يقصد به المعارضة لتحديد المنطقة المبينة بالقرار الوزيري المشار إليه أعلاه”.
3- أنه لم يقدم أي تعرض على التحديد الإداري داخل الأجل أو قدم تعرض ولكنه لم يؤيد بتقديم مطلب تحفيظ داخل الأجل القانوني، أو قدم التعرض نظاميا ثم قدم مطلب تحفيظ و أحيل على القضاء وبت فيه بشكل نهائي[37] بعدم صحة التعرض أو بصحته جزئيا حيث يخرج الجزء المحكوم باستحقاقه من عملية التحديد.
فإذا احترمت هذه الشروط أصدرت الحكومة مرسوما بالمصادقة على التحديد الإداري، بحيث يصنف الملك موضوع التحديد نهائيا ضمن الملك الغابوي للدولة، كما يحدد المرسوم نفسه الحقوق التي تعترف بها الإدارة للأفراد على الملك الغابوي، وبعد ذلك ينشر مرسوم المصادقة على التحديد في الجريدة الرسمية، فقد نص الفصل 8 من ظهير 03 يناير 1916 على ما يلي:
” إن المصادقة على هذا التحديد تكون بقرار وزيري ينشر في الجريدة الرسمية ويعين فيه تعيينا لا رجوع فيه مساحة العقار المحدود وحالته الشرعية ولايستثنى منه إلا المساحات السابق تقييدها التي لا مدخل لها في هذا التحديد والمساحات التي يوافق على تقييدها عقب المطالب المضافة للتقرير المعروض للمصادقة”.
وبمجرد المصادقة على التحديد تصبح له صفة نهائية تمنع من كل منازعة فيه أو الإدعاء بحق من الحقوق السابقة على عملية التحديد، وهذه الحجية قاطعة ضد الكافة، وبالتالي فلا يمكن بعد صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري إعادة المنازعات بخصوصه، إذن فمرسوم المصادقة على التحديد الإداري من حيث حجيته وآثاره يشبه قرار المحافظ العقاري المتعلق بتأسيس الرسم العقاري، حيث يطهر العقار من جميع الحقوق السابقة على عملية التحفيظ[38].
وقد تواثرت قرارات المجلس الأعلى على الأخذ بالحجية المطلقة والقاطعة لمرسوم المصادقة على التحديد الإداري، وهكذا نقرأ ضمـن تعليلات أحـد قراراته الصادرة بتاريخ 07-01-2009 ما يلي:
” المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه عللت أساسا قضاءها بأن الخبرة المنجزة في المرحلة الإبتدائية والتي لم تكن محل أي طعن أفادت بأن المدعى فيه شملته المراحل التي سلكتها مسطرة تحديد الملك الغابوي، بحيث تم نهائيا بتاريخ 28-08-1989 بموجب المرسوم 2-89-343،
وأن مقتضيات ظهير 03-01-1916 المتعلق بتحديد ملك الدولة يعطي لهذه الأخيرة ملكية العقارات المحددة، مادام لم يقع تعرض على التحديد في الأجل المحدد في الظهير، وأنه انطلاقا من المعطيات السابقة، وأمام ثبوت كون المدعى فيه شملته عملية التحديد النهائي، والمستأنفون لم يدلوا بما بفيد أنهم مارسوا حقهم في التعرض على مسطرة التحديد، فإن العقارات موضوع الدعوى تعتبر ملكا خاصا لإدارة المياه والغابات، وهي علل كافية في تبرير منطوق القرار”[39].
وجاء في قرار حديث للمجلس الأعلى بتاريخ 03-08-2010:
” إن الخبرة المذكورة أثبتت بأن العقار يوجد داخل التحديد الإداري منذ سنة 1936 ولذلك فإن القرار حين علل بأن الخبرة أثبتت تموقع العقار موضوع المطلب داخل الملك الغابوي المحدد إداريا منذ سنة 1936 وأن الأملاك الغابوية لا تفيد فيها الحيازة مهما طالت… فإنه نتيجة لما ذكر يكون القرار معللا تعليلا سليما والوسيلة بالتالي غير جديرة بالإعتبار”[40].
وعلى الرغم من هذه الحجية النهائية والقاطعة والمطلقة التي يرتبها التصديق على التحديد الإداري، فإن الأراضي المحددة بطريقة إدارية تبقى مصنفة ضمن خانة العقارات غير المحفظة، رغم أنها لا تقبل المنازعة كما هو الشأن بالنسبة للعقارات المحفظة.
ولتجاوز هذا التصنيف فقد جاء المشرع بمسطرة لاحقة لعملية التحديد الإداري بمقتضاه يتم استخراج رسم عقاري للعقار موضوع التحديد، إنها المسطرة المقررة بظهير 24 ماي 1922، ومما جاء في ديباجة هذا الظهير بيانا لفلسفته أنه: ” لما كان تحديد العقارات المخزنية على الطريقة المبينة بالظهير الشريف الصادر بتاريخ 03 يناير 1916 لا يعفي من وجوب تقييد العقار للحصول على رسم تملك قانوني وذلك بقصد تعيين حالة الملك تعيينا صحيحا ونهائيا، وبظهيرنا الشريف هذا يتقرر أن تقييد العقار المخزني يقع مباشرة وبناء على طلب تقديم مطلب اعتيادي بذلك، بمجرد كون العقار المذكور قد جرى تحديده”.
وعليه، فإنه يكفي إدارة المياه والغابات بعد صدور مرسوم المصادقة على التحديد الإداري أن تودع طلبا بالمحافظة العقارية لاستخراج رسم عقاري خاص بالعقار موضوع التحديد، ويرفق بنسخة من تقرير تحديد الملك، ويتم تعليق ونشر الطلب المودع[41]، ويتم تسليم الرسم العقاري للإدارة وذلك بعد التحقق من وضع علامات الحدود ورسم الخريطة المتعلقة بالعقار من طرف إدارة المحافظة على الأملاك العقارية.
انتهى بحمد الله تعالى وحسن توفيقه
والله من وراء القصد وهو المستعان.
[1]– راجع الظهير الشريف الصادر في 10 أكتوبر 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها كما وقع تغييره وتتميمه بظهير 30 أبريل 1949 وظهير 17-04-1959.
وما تجوز ملاحظته هنا أن إكراء الملك الغابوي لا يكسب صاحبه الحق في الكراء طبقا لظهير 24 ماي 1955 فقد جاء في قرار حديث للمجلس الأعلى ما يلي:
” … لكن حيث إن الملك الغابوي يخضع للنظام القانوني لظهير 10/10/1917 ولايقبل التفويت إلا عن طريق الإستخراج واتباع المسطرة المحددة في الفصل 2 من الظهير، ويمكن أن يكون محل إشغال مؤقت طبقا لأحكام ظهير 30 نونبر 1918، ويعد ما يحدث فيه من أبنية ولو من شاغله وفي إطار عقد الإستغلال المؤقت متكيفا بنفس تكييف الملك الغابوي، يخضع لنفس أحكام ظهير 1917 وظهير 1918 المشار إليهما والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه باستخلاصها في قضائها أن العقد القائم بين الطرفين لايتكيف بأنه عقد كراء لعقار ينشأ للمكتري به أصل تجاري، وكان عقدا يتضح منه أن المحل الذي انصب عليه منشأ من طرف المطلوب في إطار عقد الإحتلال المؤقت،
ويأخذ لذلك نفس الوصف القانوني من حيث طبيعة ونوع الملك الغابوي الذي يستغل في إطار عقد إشغال خاضع لأحكام ظهير 30 نونبر 1918، فإن النتيجة التي آلت إليها في قضائها بناء على عدم اضفائها على العقد القائم بين الطرفين وصف الكراء لعقار لممارسة النشاط التجاري الخاضع لظهير 24/05/1955 الساري كذلك على المحلات الحرفية تعد موافقة للقانون، وبالتالي فإن الجزء من العلة التي بنت عليها قضاءها بأن العقد ليس كراء لعقار من أجل ممارسة نشاط يخضع بسببه لظهير 24/05/1955 يكفي في تبرير نتيجة قضاءها، وما عدا ذلك يعد زائدا يستقيم قضاؤها بدونه، وما أجابت به عن رفض الطلب المضاد بأن الطالب محتل بدون سند كافي في تبرير قضائها في ذلك، والوسيلة بدون أساس”.
– قرار عدد 63 بتاريخ 04-01-2011 في الملف المدني عدد 2791/1/3/2010، غير منشور.
[216]– لاحظ أن غابات الأركان لا يمكن أن تستغل عن طريق الحرث من طرف الأغيار، فقد راعى المشرع خصوصية شجرة الأركان وأفردها بتنظيم خاص بمقتضى الظهير الشريف الصادر في شعبان 1343 الموافق ل 4 مارس 1925 المتعلق بالمحافظة على غابات الأركان وتحديدها.
وهكذا جاء في الفصل الثاني من الظهير تعداد الحقوق الواردة على هذا النوع من الغابات كما يلي:
” يجب أن تكون الضوابط المذكورة محتوية على إثبات حقوق التصرف التي للأهليين منذ القديم في غابات شجر أركان ويبين فيها خصوصا كيفية مباشرة تلك الحقوق فيما يتعلق بالأشجار وثمارها والإنتفاع بالأرض”.
[3]– بين المشرع نفسه هذه الغاية في ديباجة ظهير 03 يناير 1916 والتي جاء فيها:
” يعلم من كتابنا هذا أسماه الله وأعز أمره أنه لما كان من الواجب أن تجعل حدود واضحة للأملاك المخزنية حتى لا يقع نزاع مع أرباب الأملاك المجاورة لها”.
[4]– إن مسطرة التحديد الإداري لا تخص فقط الملك الغابوي، بل إنها تطبق بشأن جميع الأملاك المخزنية وذلك طبقا لظهير 03 يناير 1916، وأراضي الجموع وذلك طبقا لظهير 24 فبراير 1924 كما وقع تعديله وتتميمه.
لأخذ فكرة عن هذه المسطرة آنظر:Paul DECROUX : Droit foncier marocain Elmaarif Aljadida, Rabat, 2007, p 142 et s
[5]– لايشكل الظهيران أعلاه أول التفاتة تشريعية لتنظيم الملك الغابوي والمحافظة عليـه وحمايتـه فقد تم تنظيمـه بنصوص سابقـة خلال سنتي 1912 و 1914.
فمن جهة أولى صدر منشور في فاتح نونبر 1912، وقد جاء فيه أنه لا يجوز للعمال والقواد والقضاة تمليك الغابات طبقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ومن جهة ثانية صدر ظهير 7 غشت 1914 الذي أكد أن الغابات تعتبر من بين الأملاك التي لا يمكن التصرف فيها إلا بإذن المخزن الذي له عليها حق الملكية أو حق المراقبة مع الأخذ بعين الإعتبار حقوق الإنتفاع التي تملكها القبائل المجاورة.
[6]– الفصل الثاني من ظهير 17-04-1959.
[7]– حدد المشرع المغربي الأموال العامة أو مايسمى بالأملاك العامة بمقتضى الفصل الأول من الظهير الشريف المؤرخ في 7 شعبان 1332 الموافق لفاتح يوليوز 1914 والذي تم تعديله بظهير 29 أكتوبر 1919.
وتدخل في عداد الأملاك العمومية الأملاك الآتية:
” أولا: شاطئ البحر الذي يمتد إلى الحد الأقصى من مد البحر عند ارتفاعه مع منطقة مساحتها ستة أمتار تقاس من الحد المذكور.
=ثانيا: الأخلجة والمراسي والأموال وملحقاتها.
ثالثا: المنارات والفنارات والعلامات التي توضع للإنذار بالخطر وكافة الأعمال المعدة للإضاءة والإنذار بالمخاطر في الشوارع وملحقاتها.
رابعا: المياه التي على وجه الأرض أو تحتها ومجاري المياه والينابيع على اختلاف أنواعها.
خامسا: الآبار المعروفة بالأرتوازية والتي يفجر منا الماء وأيضا الآبار والموارد العمومية والبحيرات كبيرة أو صغيرة كالسباخ والمستنقعات والفدران على اختلاف أنواعها وتدخل في هذا القسم سائر قطع الأراضي التي ولو كانت غير مغطاة بالماء على الدوام فهي مع ذلك غير صالحة للفلاحة اعتياديا كالمرجان وغيرها.
=سادسا: البحيرات الكبيرة والصغيرة والمستنقعات والسباخ والآبار المعروفة بالأراتونية وسائر الآبار والموارد العمومية.
سابعا: الترع التي تسير فيها المراكب والتي تستعمل للري أو التي تجفف وتعتبر أشغالا عمومية.
ثامنا: الحواجز والسدود والقنوات وأشغال التقنية وغيرها مما يحدث بصفة أشغال عمومية وذلك لوقاية الأراضي من طغيان المياه أو لحجات المدن أو لاستخدام قوة الماء.
تاسعا: الطرق والأزقة والسبل والسكك الحديدية الخارجية والكهربائية والجسور وعلى العموم الطرق الموصلة أيا كان نوعها التي يستخدمها العموم.
عاشرا: الأسلاك التلغرافية التليفونية والأبنية الحديدية المعدة للتلغراف اللاسلكي.
حادي عشر: الإستحكامات والتحصينات المتعلقة بالمواقع الحربية والمراكز العسكرية وعلى العموم كل الأراضي والأعمال التي لايمكن للأفراد أن يمتلكوها لأنها مشاعة”.
[8]– ملكية الصاروخ: القانون الإداري – دراسة مقارنة- مطبعة النجاح الجديدة- الدارالبيضاء- 1998، ص 316.
[9]– لقد وضع فقهاء القانون الإداري مجموعة من المعايير نجملها في الآتي:
أ- معيار طبيعة المال: فقابلية المال للتصرف فيه وتملكه من طرف الأفراد من عدمها هي الضابط المميز بين المال العام والخاص، بحيث إن كل ما لايجوز تملكه من طرف الأفراد كالطرق والموانئ وغيرها يعد مالا عاما.
والإنتقاد الموجه لهذا الراي هو أنه جعل النتيجة المترتبة على ثبوت صفة المال العام معيارا لتحديده، فعدم القابلية للحجز ومنع الأفراد من تملكه هو نتيجة لكونه مالا عاما، وليس سببا في إضفاء هذه الصفة عليه.
ب- معيار التخصيص لاستعمال الجمهور مباشرة: حسب أصحاب هذا الرأي فإن المال لا يصير عاما إلا بتخصيصه لاستعمال الجمهور مباشرة، ويؤخذ على هذا المعيار أنه يضيق من نطاق الأموال العامة، إذ أنه طبقا لهذا الرأي لا تعتبر القلاع والحصون العسكرية أموالا عامة لأنها ليست مخصصة لاستعمال الجمهور مباشرة وإنما هي مخصصة لخدمة مرافق عامة.
ج- معيار التخصيص لخدمة مرفق عام: يرى أنصار هذا المعيار أن الأموال العامة هي تلك التي تكون مخصصة لخدمة المرافق العامة.
=ويعاب على هذا الرأي أن هناك أموالا عامة مرصدة لخدمة الجمهور مباشرة، ومع ذلك فهي غير مخصصة لخدمة مرفق عام، كما أنه حتى إذا اتصلت الأموال المخصصة لاستعمال الجمهور مباشرة بمرافق عامة، فإن المال لا يعتبر أداة أو وسيلة يستعان بها لتحقيق أغراض المرفق وتنظيم سيره.
د- معيار التخصيص لمنفعة عامة: هذا المعيار في حقيقته هو معيار مزدوج يأخذ في إضفاء صبغة المال العام على مال معين توافر أحد عنصرين وهما التخصيص لاستعمال الجمهور أو التخصيص لخدمة مرفق عام.
– انظر عرض مختلف المعايير لدى:
– محمد عامري: الملك العمومي بالمغرب- أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام- كلية الحقوق- الرباط-1994 – ص 40.
– محمود عاطف البنا: مبادئ القانون الأداري في الأموال العامة والوظيفة العامة- دار الفكر العربي- م. س.غ. م- ص 11 ومايليها.
[10]– راجع المرسوم رقم 1299-07-2 الصادر بتاريخ 15 نونبر 2007 في شأن اختصاصات المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر.
[11]– قرار محكمة الاستئناف بالرباط صادر بتاريخ 16 ماي 1934، منشور في مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط، ج 7- ص 161.
[12]– سنبين بتفصيل هذه المسطرة في المبحث الثاني عند تعرضنا للتعرض على مسطرة التحديد الإداري.
[13]– أعطى المشرع صراحة للمحافظة العقاري صلاحية إلغاء مطلب التحفيظ في عدة حالات نذكر منها:
أ- حالة تغيب طالب التحفيظ عن حضور عملية التحديد، فقد جاء في الفقرة الأولى من الفصل 23 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه:
=” إذا نص المحضر على تغيب طالب التحفيظ فإن طلب التحفيظ يعتبر ملغى ويحفظ ملف الإجراءات”.
ب- التماطل في متابعة مسطرة التحفيظ رغم الإنذار الموجه لطالب التحفيظ من طرف المحافظ العقاري، فقد جاء في الفصل 50 من ظهير التحفيظ العقاري ما يلي:
” إن الطلب الرامي إلى التحفيظ والعمليات المتعلقة به تعتبر كأنها ملغاة إذا لم يقم الطالب بأي إجراء لمتابعة المسطرة وذلك داخل ستة أشهر من يوم تقديم المطلب وبعد تبليغه إنذارا من المحافظ بواسطة رسالة مضمونة مصحوبة بشهادة التوصل”.
[14]– أعطى المشرع للمحافظ صلاحية رفض طلب التحفيظ في عدة حالات، نذكر من بينها حالة عدم كفاية حجج طالب التحفيظ في تأييد المطلب وكذا حالة صدور حكم بصحة التعرض، ويترتب على رفض المحافظ للمطلب إلغاء التحديد المؤقت، فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 38 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه:
” في حالة الرفض من طرف المحافظ نظرا لعدم كفاية الحجج المدلى بها وإما بمقتضى الحكم الصادر بشأن التعرضات يكون التحديد المؤقت ملغى ويلزم طالب التحفيظ بمحو آثاره، وإن لم يفعل ذلك بعد إنذار يوجه إليه من طرف من يعنيهم الأمر، فإن ذلك المحو يباشر على نفقة طالب التحفيظ ولو استلزم القوة العمومية”.
[15]– جاء في الفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري:
” في حالة إذا ما رفض المحافظ تحفيظ العقار أو تسجيل حق عيني أو التشطيب عليه حسب عدم صحة الطلب أو عدم كفاية الرسوم، فإن قراره يكون قابلا للطعن أمام المحكمة الإقليمية التي تبت فيه مع الحق في الإستئناف”.
مع ملاحظة أساسية وهي أن حق الطعن القضائي ليس هو الطريق الوحيد المقرر لفائدة المتضرر من قرار المحافظ العقاري بل يحق له الطعن في القرار أمام المحافظ العام للملكية العقارية، وهذا الأخير له حق تعديل قرار المحافظ عن طريق أمره بالرجوع عنه، من دون أن تكون له مكنة الحلول محل المحافظ الإقليمي في ذلك.
[16]– يراجع الفصلان 2 و 62 من ظهير التحفيظ العقاري.
[17]– لاتسري قاعدة التطهير بالنسبة للعقارات التالية:
=- الملك العام.
– العقارات المحبسة.
– حقوق المياه.
– الحقوق المنجمية.
Voir Paul DECROUX : op.cit. p.115 et s.
[18]– تم إحداث الجريدة الرسمية في فاتح نونبر 1912.
[19]– ينص الفصل 19 من ظهير التحفيظ العقاري على ما يلي:
” يقوم محافظ الأملاك العقارية أو نائب عنه بتسيير عمليات التحديد المؤقت بمساعدة ومشاركة مهندس محلف من مصلحة المسح والتصميم وبحضور طالب التحفيظ أو مفوض خاص عنه.
ويستدعي المحافظ شخصيا لهذه العملية على الشكل المقرر للإستدعاءات في ظهير المسطرة المدنية:
1.طالب التحفيظ،
2.المالك الغير الطالب للتحفيظ،
3. أصحاب الأملاك المجاورة المبينين بطلب التحفيظ،
4.المتعرضين الذين يعلنون عن أنفسهم بكيفية منتظمة،
وتتضمن هذه الإستدعاءات الدعوة إلى الحضور شخصيا أو بواسطة نائب بوكالة صحيحة وذلك للمشاركة في عملية التحفيظ”.
[134]– راجع قرار المجلس الأعلى عدد 709 بتاريخ 06-08-1980 في الملف المدني 1980- منشور بالكتاب الصادر عن المجلس الأعلى تحت عنوان مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري على ضوء قرارات المجلس الأعلى-2009- المدينة والمطبعة غير مذكورتين- ص 71.
[20]– لاحظ أن نفس النقاش طرح بخصوص ممارسة دعوى الإستحقاق بخصوص عقار موضوع مطلب تحفيظ، وقد أفرز العمل القضائي توجهين مختلفين، الأول يعتبر أن المنع من إقامة الدعوى يتعلق فقط بحالة إحالة الملف على المحكمة للبت فيه، وبالمقابل يجوز تقديمها خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى صدر تحت عدد 2690 بتاريخ 20-09-2006 في الملف المدني رقم 3335-2005، منشور بالمرجع السابق مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري، ص 23 ما يلي:
” إن الفصل 24 من ظهير 12 غشت 1913 لا يتضمن ما يفيد منع إقامة دعوى بشأن المطالبة باستحقاق الملك المطلوب تحفيظه، مادام المحافظ لم يحل ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الإبتدائية التي يوجد العقار بدائرتها”.
أما الرأي الثاني فيذهب أنصاره إلى أن المنع من إقامة دعوى مبتدأة رامية لاستحقاق عقار هو موضوع مطلب تحفيظ هو منع عام ومطلق، سواء كان المطلب في مرحلته الإدارية أو القضائية.
[21]– تعامل المشرع مع أجل التعرض بنفس الصرامة في قوانين أخرى، من ذلك ما نص عليه الفصل 200 من مرسوم 25 يوليوز 1962 المتعلق بضم الأراضي القروية، حيث حدد أجل التعرض في ستة أشهر ابتداء من يوم نشر المرسوم المتعلق بالمصادقة على ضم الأراضي بالجريدة الرسمية، وكل تعرض لم يقدم داخل هذا الأجل يطاله جزاء السقوط، بحيث يعمل المحافظ العقاري على تأسيس الرسوم العقارية الخاصة بكل مطلب، علما أن تأسيس الرسم العقاري نهائي ولايقبل أي طعن ويطهر العقار من جميع التحملات السابقة على عملية التحفيظ. ويستثنى من ذلك حالتين تتعلقان أولا بقيام المحافظ بإلغاء الإعلان بإيداع التصميم وثانيا إلغاء مطلب التحفيظ، وبيانا لذلك نص المشرع في الفصل 10 مكرر من المرسوم المذكور كما وقع تعديله على أنه:
” يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية بعد استشارة اللجنة المحلية لضم الأراضي:
أ- أن يلغي الإعلان بإيداع التصميم والبيان التجزيئيين، في حالة التوقف عن إنجاز أشغال مشروع الضم وعدم استئنافها خلال سنتين من تاريخ هذا التوقف وذلك بنشر إعلان الإلغاء بالجريدة الرسمية.
ب- أن يلغي تلقائيا مطالب التحفيظ المودعة في إطار الضم، إذا ما تم اللجوء إلى إعادة إنجاز أشغال مشروع الضم من جديد كلا أو بعضا وذلك على إثر حدوث تغييرات في الوضعية القانونية والمادية للقطع الأرضية المشمولة بالضم”.
[22]– لقد رخص مشرع قانون التحفيظ العقاري لكل من المحافظ العقاري ووكيل الملك بفتح آجال استثنائية لقبول التعرض، ووضع ضابطا لتوزيع الإختصاص بينهما، حيث يختص الأول بذلك طالما أن الملف لم يحل بعد إلى المحكمة، ويختص الثاني بذلك بعد إحالة الملف على المحكمة، الشيء الذي يفيد أن =اختصاص وكيل الملك مرهون بوجود تعرضات سابقة بخلاف المحافظ العقاري الذي لم يقيده المشرع بهذا الشرط.
وهكذا فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري المعدل بظهير 25 غشت 1954 على ما يلي:
” بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ ما دام لم يوجه الملف إلى كتابة الضبط بالمحكمة ” الإبتدائية” وكذا بعد توجيهه إذا اتخذ وكيل الدولة قرارا بذلك….”.
[23]– يرفع أجل تقديم المطلب إلى ستة أشهر بالنسبة للتعرض على تحديد أراضي الجموع.
[24]– جاء في الفصل 6 من ظهير التحفيظ العقاري بتاريخ 12 غشت 1913 كما وقع تعديله بظهير 25 غشت 1954 ما يلي:
” إن التحفيظ أمر اختياري غير أنه إذا قدم مطلب بالتحفيظ فإنه لايمكن مطلقا سحبه”.
وقاعدة الطابع الإختياري للتحفيظ ليست قاعدة مطلقة، بل إن المشرع أورد بالنسبة إليها بعض الإستثناءات، إثنان منها منصوص عليهما في ظهير التحفيظ العقاري نفسه، وذلك في حالة تفويت أملاك الدولة أو معاوضتها أو معاوضات عقارية محبسة تحبيسا عموميا، وفي الحالة التي تأمر به المحكمة أثناء سريان إجراءت الحجز العقاري ( الفصلان 7 و 8 من نفس الظهير).
وبالإضافة إلى هذين الحالتين المقررتين في ظهير التحفيظ، فإن إجبارية التحفيظ مقررة تشريعا في مجموعة من النصوص المتفرقة الخاصة كوجوب تدعيم التعرض على التحديد الإداري لأراضي الجموع بمطلب تحفيظ، والتحفيظ الإجباري في إطار عملية ضم الأراضي الفلاحية ( الفصل 4 من ظهير 30 يونيو 1962 كما وقع تعديله بظهير 25 يوليوز 1969) والتحفيظ الإجباري في إطار قانون الإستثمارات الفلاحية بالنسبة للأراضي السقوية.
[25]– قرار محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 15 يناير 1924، مجموعة قرارات محكمة الإستئناف بالرباط ص 3322.
مع ملاحظة هامة وهي أن جزاء السقوط إنما يسري في العلاقة مع مصلحة الأملاك ولا يحتج به من طرف الغير، وهذا المبدأ ترجمه قرار لمحكمة الإستئناف بالرباط جاء فيه:
” إن سقوط حق المتعرض على التحديد يتعلق بأملاك الدولة الخاصة، تجاه مصلحة الأملاك، بسبب عدم تقديمه مطلب التحفيظ داخل الأجل الذي يعينه ظهير 3 يناير 1916 بشأن تحديد أملاك الدولة لايمكن التمسك به من طرف الغير”.
– قرار محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 24 نونبر 1925- مجموعة قرارات محكمة الإستئناف- جزء 3- ص 283.
[26]– قرار المجلس الأعلى عدد 86 المؤرخ في 04/01/2011 الصادر في الملف عدد 792/1/4/2009، غير منشور.
[27]– تنص الفقرة الأولى من الفصل 38 من ظهير التحفيظ العقاري على أنه:
” في حالة الرفض من طرف المحافظ نظرا إما لعدم كفاية الحجج المدلى بها وإما بمقتضى الحكم الصادر بشأن التعرضات يكون التحديد المؤقت ملغى ويلزم طالب التحفيظ بمحو آثاره. وإن لم يفعل ذلك بعد إنذار يوجه إلى من يعنيهم الأمر فإن ذلك المحو يباشر على نفقة طالب التحفيظ ولو استلزم استعمال القوة العمومية….”
[28]– بيانا لهذه القاعدة يقول الناظم:
ومدع استحقاق شيء يلزم بينـة مثبتة ما يـزعم
من غيـر تكليـف لمـن تكلفه بأي وجه تملكـه
[29]– جاء في قرار لمحكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 26 يونيه 1935- مجموعة الأحكام 8 – ص 555:
=” في حالة تقديم مطلب للتحفيظ تأييدا للتعرض على التحديد الإداري يكون لطالب التحفيظ دور المدعي بالإستحقاق، وعليه يقع عبء الإثبات”.
وقد تواثرت قرارات المجلس الأعلى في هذا التوجه، فقد جاء تبريرا لأحد قراراته مايلي:
” يكون القرار معللا لما ورد فيه بأن المتعرض ملزم بإثبات الحق المدعى فيه بحجة مقبولة شرعا في ميدان الإستحقاق”
– قرار عدد 433 بتاريخ 09-02-2005 في الملف عدد 1088/2004.
وورد في تعليل قرار آخر:
” يعتبر المتعرض مدعيا وعليه يقع عبء الإثبات”.
– قرار عدد 2232 بتاريخ 16-07-2003 في الملف المدني عدد 1395/2002، القراران منشوران بمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري. م.س. ص 68-69.
[30]– قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 1687 بتاريخ 11-12-1997 في الملف الإداري عدد 102911- غير منشور.
[31]– قرار المجلس الأعلى عدد 2913 بتاريخ 26-08-2009 في الملف عدد 3494-1-1-2007- غير منشور.
[32]– قرار المجلس الأعلى عدد 22 بتاريخ 07-01-2009 في الملف المدني عدد 1488-1-1-2007- غير منشور.
[33]– قرار محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 9 ماي 1923- مجموعة الأحكام- عدد 2- ص 116.
[34]– قرار المجلس الأعلى عدد 22 بتاريخ 06-01-2010 في الملف عدد 3955-1-4-2007 غير منشور.
وجاء في قرار لمحكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 15 يناير 1924- منشور بالمرجع السابق- ص 322 مايلي:
” إذا كان العقار في حيازة شخص انتقل إليه الحق من شخص كان هو بدوره حائزا أيضا فإن مصلحة الأملاك لا يمكنها أن تتمسك في مواجهته بأن ذلك العقار ملك للدولة استنادا على كتاب مستحيل التطبيق لا سيما إذا كان هذا الكتاب الشريف غير مصحوب بالجرد الذي يأمر بإقامته”.
[35]– قرار المجلس الأعلى عدد 1706 بتاريخ 13-04-2010 في الملف المدني عدد 2673-1-1-2008- غير منشور.
[36]– إن الطعن بالنقض يوقف التنفيذ في مادة التحفيظ العقاري طبقا للفصل 361 من ق .م .م الذي نص صراحة على ما يلي:
” لايوقف الطعن أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الأحوال الآتية:
1- في الأحوال الشخصية.
2- في الزور الفرعي.
3- التحفيظ العقاري….”
[37]– راجع الفصول 2 و 62 و 64 من ظهير التحفيظ العقاري.
[38]– قرار عدد 4 بتاريخ 07-01-2009 في الملف المدني عدد 3722-1-4-2006، غير منشور.
[39]– قرار عدد 3057 بتاريخ 03-08-2010 في الملف عدد 2439-1-1-2008، غير منشور.
وجاء في قرار سابق للمجلس الأعلى:
” المصادقة النهائية على التحديد الإداري لأملاك الدولة تطهرها من كل حق قبل التحديد ولا تقبل أي منازعة”.
– قرار عدد 1371 بتاريخ 04-04-2000 في الملف المدني رقم 149/1998 منشور بمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري- م. س.ص28.
– وجاء في قرار حديث للمجلس الأعلى:
” لكن، فمن جهة أولى، وكما وقع الرد به على الوسيلة الثانية، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما رتبت عن علم الطاعن بالتحديد المؤقت وتقديمه لتعرضه عليه وعدم تقديمه لمطلب تقييد ما تعرض عليه، اعتبار التحديد نهائيا وبالتالي اعتبار الملك غابويا، تكون قد اعتمدت على ما نص عليه القانون في الفصول 6 و 7 و 8 من ظهير 3/1/1916 التي تعتبر عدم تقديم مطلب التحفيظ بمثابة إلغاء للتعرض. وهذا التعليل كاف لتبرير منطوق القرار المطعون فيه، مما لم تكن معه المحكمة في حاجة لمناقشة حيازة الطالب.
ومن جهة ثانية، فإنه مادام أن الطالب قد علم بالتحديد المؤقت وتعرض عليه ولم يقدم مطلب تقييد ما تعرض عليه من العقار الذي قامت الدولة بتحديده كملك غابوي، فإن المحكمة لما رتبت عن ذلك عدم الإعتداء بما يمكن أن يكون للطالب من دفوع أو حجج واعتبرت ما وقع تحديده ملكا غابويا، فإن ذلك كاف لتبرير منطوق قرارها المطعون فيه، فالوسيلة في وجهيها غير جديرة بالإعتبار”.
– قرار عدد 86 بتاريخ 04-01-2011 صادر في الملف المدني عدد 792/1/4/2009، غير منشور.
[40]– راجع الفصل 1 من ظهير 24 ماي 1922.
[41]– راجع الفصل 3 من ظهير 24 ماي 1922.
اترك تعليقاً