يقدمها:فتحي الصراوي
المادة 107 صداع في رأس القضاء
إعفاء الراشي المعترف رشوة تشريعية.. أم وسيلة للضبط؟
المستشار أبوهاشم: نعفي متهماً هيأ المناخ للفساد
المستشار عبدالعال: تكشف الوقائع وتساعد الرقابة
المستشار يحيي رأفت: ما الفائدة من اعتراف شخص سقط متلبسا؟
المستشار محمد جاد: يترك لتقدير المحكمة
ما إن ينطق القاضي بالحكم في قضايا الرشوة حتي تتحول قاعة المحكمة إلي ساحة قتال شرس يتبادل فيه أقارب وأهالي المتهمين الضرب واللكمات بكل ما تطاله أيديهم ولولا أن الحرس يسيطر كل مرة علي الموقف لوقع في هذه المعارك قتلي ومصابون.
يحدث هذا بالذات في هذه القضايا لأن بعض الأهالي يشعرون بأن ذويهم وقعوا ضحية آخرين حصلوا علي إعفاء من العقوبة رغم أنهم تسببوا في توريط من صدرت ضدهم أحكام قد تصل إلي السجن المؤبد ثم اعترفوا عليهم في تحقيقات النيابة وأمام المحكمة ليستفيدوا من نص المادة “107” مكرر من قانون العقوبات والتي تعفي الراشي أو الوسيط من العقاب إذا اعترف علي المرتشي وتمسك باعترافه حتي آخر جلسة وحتي إغلاق باب المرافعة.. يضطر القضاة للالتزام بما ورد في هذه المادة بإعفاء الراشين المعترفين من العقاب حتي وإن أظهرت الأوراق أنهم السبب الرئيسي في الجريمة ليفلتوا من العدالة بما اقترفته أياديهم.
فإلي أي مدي يمكن الجزم بصحة هذا الاعتراف الصادر عن متهم ملوث بالجريمة.. وما رأي القضاة والمستشارين في هذا الإعفاء وماذا يترتب عليه وماذا يستفيد المجتمع من إعفاء متهمين من العقاب رغم تورطهم في الجريمة؟
نص سليم
المستشار السيد عبدالعال رئيس محكمة جنايات الجيزة يؤكد أن النص سليم وصحيح لأنه وسيلة لكشف جريمة تتم في سرية تامة وتحدث علي جميع المستويات ولو لم يكن هناك نص يغري أحد الأطراف فلن يتم اكتشاف هذه الجريمة.. يري أن هذه المادة تتلاءم مع الظروف التي يعيشها المجتمع لأنها تؤدي إلي اكتشاف الجريمة بإحدي وسيلتين إما الاعتراف أو التبليغ لتتمكن الأجهزة الرقابية من التسجيلات.
المستشار عبدالله أبوهاشم رئيس محكمة جنايات القاهرة يؤكد أنه تناول هذه المادة في حيثيات حكمه في إحدي جرائم الرشوة وقال إن المحكمة تأسي لهذا النص الذي يعفي شخصا أفسد المرتشي وهيأ له المناخ وأعطاه الطعم لارتكاب الجريمة.. أضاف أن الراشي يستغل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المجتمع ليفسد ذمة الموظف العام وبعد ارتكاب الجريمة يعترف ليتم انقاذه من العقاب وهو الذي أوقع المرتشي في فخ الرشوة.
طالب بوضع ضوابط للنص كأن تكون عقوبة مع إيقاف التنفيذ مثلا أو أي ضوابط أخري بحيث لا يكون إعفاء تاماً من العقوبة.
تعديل
المستشار محمد جاد عبدالباسط رئيس محكمة جنايات القاهرة طالب بتعديل النص بحيث لا يكون وجوبيا علي المحكمة الأخذ به ولكن يترك لتقدير المحكمة حسب ظروف وملابسات القضية أما النص بوضعه الآن فإنه يلزم المحكمة بإعفاء الراشي من العقاب إذا اعترف بكل مراحل التحقيق مع أنه في كثير من الحالات يدفع الراشي الموظف إلي الجريمة ويؤكد أنه شخصيا غير مستريح لهذه المادة ولكن المحكمة ملزمة بتطبيق القانون.
يضيف أن النص لا يشترط تبليغ الراشي عن الجريمة قبل التلبس ولكنه يشترط فقط مجرد الاعتراف والاصرار عليه حتي إغلاق باب المرافعة ويتم في النطق بالحكم ذكر الاعفاء من العقوبة دون ذكر العقوبة.
المستشار يحيي رأفت رئيس محكمة باستئناف القاهرة يؤكد أن تعديل هذه المادة بقبول اعتراف الراشي في أي مرحلة من مراحل التحقيق حتي لو لم يبلغ السلطات أضاع الغرض منها وهو الابلاغ عن جريمة لا تعلم بها أجهزة الرقابة.. فإذا كانت الأجهزة الرقابية قد ضبطته متلبسا فماذا يعود علي المجتمع من اعترافه؟
أضاف أن النص كان قبل التعديل يقصر الاعفاء علي الإبلاغ عن الجريمة قبل اكتشافها أما الآن فإنه أتاح لمتهمين كثيرين الهروب من العقوبة مع أن المتهم في حقيقة الأمر راش أو مرتش أفلت من العقاب باللجوء إلي الاعتراف.
المستشار محمد حامد رئيس محكمة جنايات القاهرة يؤكد أن الإعفاء قاصر علي المتهم الذي يبلغ قبل الضبط ولكن بعد الضبط فلا يستفيد من الإعفاء وانه يطبق هذا في أحكامه.. أما بعد التحريات وضبط الراشي حال تقديمه الرشوة فلا ينفعه اعترافه.
أضاف أن هذه الجريمة اثباتها صعب وقد اراد المشرع اظهارها علي السطح فوضع هذه المادة للمساعدة في كشفها وتقديم الأدلة علي المتورطين فيها.
عدنان عبدالمجيد المحامي بالنقض وصف هذه المادة بأنها رشوة تشريعية لأن الاعتراف أحيانا يكون كذبا وتضليلا للمحكمة الهدف منه الإعفاء من العقوبة فقط. تساءل كيف يكون الاثنان مشتركين في الجريمة فأعفي أحدهما ويسجن الآخر مما يؤدي إلي عدم المساواة بين متهمين موقفهما واحد.
قال إن اعتراف متهم علي متهم لا يكون دليلا في أي جريمة فلماذا سمحنا بها في الرشوة بالذات رغم أننا نسمع لشهادة رجل ليس سويا ولكنه راش وشهادته لا يؤخذ بها لأن ذمته مشكوك فيها وإعفاءه من العقاب فرصة لتركه يعيث فسادا بحثاً عن فريسة أخري يغريها بالرشوة. هل المادة 107 مكررا عقوبات هى دعوة للصدق مساعدةً للعدالة ؟! .. أم هى باب للافتراء ؟! (1)بقلم رجائى عطية
تعاقب المادة 107 مكررا عقوبات ، الراشى والوسيط فى الرشوة ، بالعقوبة المقررة للمرتشى ، ولكنها تعفيه من العقوبة ـ رغم إدانته ! ـ إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها !
ومع أن هدف المادة محاصرة الرشوة ، بتتبع المرتشين ، إلا أنها من حيث لم تقصد فتحت أبوابا مخيفة لاعترافات كاذبة طلباً للنجاة من أثقال ومخاطر التحقيق والإتهام والمحاكمة .. فنجاة البرىء غير مضمونة فى جميع الأحوال !
هذا الحكم الذى جاءت به المادة ، ينقل الراشى والوسيط من موقف الاتهام إلى موقف الشهادة على غيره ، وهى شهادة تعارض المنظومة الإلهية والتشريعية التى احتاطت للعدالة من جنوح الشهادة وزور الشهود .. فالدليل القولى هو أخطر ما يمكن أن يمس العدالة أو يدخل عليها الغش لأن عماده الناس ، والناس قد خلقوا مختلفين فى خلقتهم ومداركهم وملكاتهم ومشاعرهم وأحاسيسهم ومشاربهم وأغراضهم ومآربهم وضمائرهم وحزمة ما فى نسيجهم الشخصى من صفات وما فى طباعهم من أخلاق تقترب أو تبتعد عن الشمائل والخصال الحميدة بقدر ما فُطر عليه الآدمى وما تلقاه بالتعليم والمحاكاة من تربية وتهذيب أو ما صادفه من مشاكل أو معضلات أوقعته فى مطبات أو حفر أو وهاد نحرت من أخلاقه !
والشاهد كما هو عون ـ إن صَدَقَ ـ للعدالة ، فإنه التحدى الأكبر والخطير لها .. هو همها المقلق لوجدان وضمير القاضى .. وهو هو قبلة أحكام وقواعد ومبادئ عديدة عنيت بها الشرائع السماوية لتضمن لشهادة الشاهد أكبر ـ وأحوط ـ قدر ممكن من المصداقية والإستقامة والأمانة ..
خذ الإسلام مثلا لعناية الشرائع السماوية بالشاهد والشهادة .. نراه يسلم بل ويلفت النظر إلى إختلاف وتغاير وربما تنافر معادن الشهود بين أقصى الصدق وأدنى الكذب والإفتراء .. فالإنسان نفسه مفطور على الخير والشر .. لا هو خير محض ، ولا هو شر محض .. ففى القرآن المجيد : ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ” .. وكما ذُكر الإنسان فى القرآن بالثناء وبالحمد والتكريم ” ولقد كرمنا بنى آدم ” .. ذُكر أيضاً بالهجاء والذم .. ” قتل الإنسان ما أكفره ” .. بل ذُكر بغاية الحمد وغاية الذم فى الآية الواحدة ، فقال تعالت حكمته : ” لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ” ..
الإنسان مفطور على الخير وعلى الشر .. والشهادة فى شرعة الإسلام ليست أى ” إخبار ” ، وإنما هى إخبار بصدق .. فيخرج من عدادها قول الزور !! لذلك يوصى القرآن المجيد بإختيار الشهداء من معادن قويمة نفيسة ضمانا لاستقامة ما يلقونه وتتلقاه العدالة منهم .. ” وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ” ( الطلاق2 ) .
وهذه المنظومة الإلهية ، دعوة ربانية للعناية بالشاهد وبالشهادة ، لأنهما المدخل إلى الحق ، وإلى الباطل أيضاً .. لم تطلب الأديان من الشاهد الإلتزام بالصدق وترغبه فيه وكفى ، ولا دعت الناس فقط إلى الاقتصار فى الإستشهاد على ذوى العدل .. وإنما راعت رشاداً للناس ورشاداً للشاهد ولشهادته ، أن تقيم ضوابط وشروطا للشاهد وللشهادة ، شروطاً بعضها ينصرف إلى تحمله أو أهليته أو صلاحيته للشهادة ، كشرط العقل والبلوغ والحرية وسلامة الحواس والدين والعدالة ، وبعضها ينصرف إلى أداء الشهادة وكيفيتها .. كحلف اليمين ، وصيغة الشهادة ، وموافقتها للواقع ، ومجلس القضاء وأركانه وتقاليده ضماناً لأمان الشاهد فى رحابه حتى لايشهد بغير الحق والصدق .. فى الحديث النبوى : ” إذا إبتلى أحدكم بقضاء فلايجلس أحد الخصميـن مجلساً لايجلسه صاحبه ” .. ولا تسمح هذه القواعد بدخول عالم الشهادة إلاّ لمن إحتاز شروطها ، وإلاّ فهو ممنوع منعاً صريحا من أداء الشهادة ، ومنهى نهيا قاطعاً حاسما عن الإستماع إليه ..الشهادة لاتقبل وإنما ترد بالتهمة ، وجماع أمرها فى حديث النبى صلى الله عليه وسلم : ” لاتقبل شهـادة خائـن ولا خائنـة ولا زان ولا زانية ولا مجلود فى حد ولا خصم ولا مجرب عليه شهادة زور ولا ظنين فى ولاء ولا قرابة ” .. كان من حرص القضاء على الإحتياط للشهادة وضمان حيدة الشاهد ، أن رفض القاضى شريح دعوى أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب ، وهو من هو ، التى خاصم فيها أعرابيا فى سيف طلحة التى أخذت غلولاً يوم البصرة ، ورفض شهادة إبنه الحسن وهو حفيد النبى لأنه ظنين لقرابته من علىّ ، وشهادة غلامه قنبر لأنه ظنين فى ولائه لعلىّ ! .
وهذه العناية الإلهية ، كانت قبلة للقوانين الوضعية .. نجد أصداءها فى القانون المصرى ، وفى قضائنا أيضا .. قدما معا للعدالة منظومة تتغيا العناية بالشاهد وبالشهادة ، والإحتياط فى ذات الوقت منه .. مخافة الكذب والزور والتزييف والإنحراف !! .. الشاهد فى نظر القانون الوضعى هو الأمين العادل الذى يشهد بما رآه وسمعه بعد يمين يؤديها على الوجه الصحيح .. الإختيار وحرية الإرادة وأمان النفس فى أدائها شرط أساسى من شروط قبولها .. ومن شروط هذا القبول وضمانات الشهادة أن يؤدى الشاهد اليمين الذى أوجبه القانون حسب ديانته .. يجب على الشاهد أن يحلف اليمين بأنـه يشهـد بالحـق ولا يقـول إلاّ الحق ، هذا الإستحلاف هو من الضمانات الوضعية التى تعتمد على مكانة الدين فى نفوس الناس لضمان أكبر قدر ممكن من أمانة وصدق الشهادة بتذكير الشاهد بالإله القائم فى كل نفس وتحذيره من سخطه عليه إن هو قرر غير الحق .. بل وحرم القانون الوضعى فئات بعينها إرتآها ليست أهلاً للثقة ـ من أداء الشهادة إلاّ على سبيل الإستدلال ، الذى لايرقى إلى مستوى الدليل هل المادة 107 مكررا عقوبات هى دعوة للصدق مساعدةً للعدالة ؟! .. أم هى باب للافتراء ؟! (2)
بقلم رجائى عطيه
الإحتياط للشهادة ومن الشاهد ، يكون أوجب وألزم وأحكم ـ حين يتحدث الشاهد من موقف ظنّى يحوطه بالإشتباه ويريب فى دوافعه وأهدافه وأغراضه ومراميه .. لأنه محكوم فى هذه الحالة بما يريد ويبغى ، وليس مدفوعاً بقيم الشهادة ولا بمبادئ الحق والإنصاف .. أظهر الأمثلة لهذا الحرج الشديد ، إنما تأتى من المادة 107 مكررا من قانون العقوبات المصرى التى أعفت الراشى والوسيط من العقوبة إذا أخبر بالجريمة أو إعترف بها .. لا بأس فى هذه الحالة ولا خوف حين يكون المرتشى قد ضبط متلبساً بقبض الرشوة .. فواقعة تلبس المرتشى تطمئن العدالة وتعطيها فى الوقت نفسه مكنة الحكم السديد الصائب المتحوط على أقوال أى من الراشى أو الوسيط ـ إذا إعترف ! .
بيد أن المحاذير ، والمخاطر ..تأتى حين لا يكون هناك واقعة تلبس ، أو حين يكون الضبط قاصرا على راش أو وسيط ، لا يجد أمامه سوى إلقاء أحماله ظلما وعدوانا على آخرين ليفلت بإعفاء لا يستحقه !! . هذا شخص متلبس بارتكاب جريمة يعاقب عليها القانون وإنحرافـه أو إنزلاقه إليها دال بذاته على هبوط خامته ومعدنه وإنحراف سلوكه ! .. وذلك يخرجه إبتداءً من زمرة ” ذوى العدل ” الذين حض القرآن المجيد على أن يكون الإستشهاد من بينهم ضماناً للصدق ودرءاً للتزييف والغش والتدليس على العدالة .. الخطر على العدالة من هذا المنحرف المقبوض عليه متلبساً بعرض رشوة أو بواسطة فيها خطر حقيقى وهائل .. فقد يكون الوسيط ” نصابا ” نصب على الراشى وزين له على خلاف الحقيقة والواقع أن ما يحصل عليه منه سوف يعطيه لموظف ما قد يكون بريئاً وخالـى الذهـن تماماً من ” إتجار” هذا الوسيط به للإستيلاء على أموال الآخرين بالنصب والكذب والإحتيال .. وقد تكون رشوة الراشى غير مقبولة إذا تركت لسبيلها وعرضت على الموظف ، فيكون ” العارض ” عارضاً لرشوة لم تقبل منه ، وهذه جريمة بذاتها ، وليس راشيا قبلت رشوته فاعترف ويستحق الإعفاء !!
إن الموقف الذى ينطلق منه الراشى أو الوسيط المقبوض عليه ـ موقف ملتبس ، والإحتمالات فيه هائلة ، وأخطرها أن يميل به إنحرافه المستفاد من جرمه ـ إلى الإدعاء كذباً بأن المبلّغ الذى ضبط به كان سيصل إلى مرتشى !! . فى بيان استيجاب ” شرط ” عدالة ” الشهود ، المأمور به فى القرآن المجيد ، قال أهل الفقه ” إن من يرتكب غير الكذب من المحظورات يرتكب الكذب أيضا ، ولذلك فإن : العدالة ” شرط وجوب العمل بالشهادة “، وعند أبى يوسف أن ” العدالة ” شرط للشهادة ، ومن المتفق عليه أنه لا يكتفى بظاهر العدالة بل يجب على القاضى أن يسأل وأن يستقصى حال الشهود ، وفى فتاوى إبن حجر ، والاشارات للمقدسى ، أن القاضى ” لا ينفذ الحكم بالشهادة حتى يتبين له ” عدالة ” الشهود فى الظاهر والباطن .. فلا عدالة ” لصاحب معصية ” ، لأن ” المعصية ” مسقطة للعدالة 0
الوسيط والراشى ، هما فى أقل القليل من مقارفى المعاصى ، المجترئين على محارم القانون ، الفاقدين للعدل والاستقامة ، المردودة شهادتهم بحكم الشرع ، يركب على ذلك ما هو قابض مسيطر على نفوسهم الضعيفة من رغبة محمومة فى الإفلات من العقاب الذى إشرأب لهم وصار نكبة محققة ودانية .. فماذا يمكن أن ننتظر من أمثال هؤلاء ؟! .. هل تستيقظ فجأة المثل والمبادىء التى ماتت فى نفوسهم فيتحولون بغتة عن الأثم والانحراف ، إلى نشدان الحق والعدل ؟!!
هنا مكمن الخطورة البالغة !!
من الغفلة وقلة التبصر وإنعدام الفطنة ـ الإندفاع فى مجاراة أى من الوسيط وراشيه المتلبسين .. فقـد يكـون كاذباً ، يملى عليه كذبه حرج موقفه والعقوبة المهددة له ، فتدفعه مآربه وأغراضه للإفلات بجريرته ، ولا تحركه قيم الحق والعدل والإنصاف .. هنالك يكون موقف السلطات المعنية بالعدالة موقفاً غايـة فـى الدقـة والحـرج .. فلا ينبغى ـ ولا هو من الحكمة ـ قبول هذا الإعتراف المشبوه على علاته .. إن حكمة الإعفاء لا تنطلق من مجـرد ” إعتراف ” ـ أى إعتراف ، وإنما من إعتراف ” صادق ” يوافق الواقع ويطابقه .. وهذا هوالمجال الحقيقى والخطير الذى يتعين الإلتفات فيه إلى هذا كله، والتحوط .. من إغراءاته !!..
إن المادة107 مكرراً عقوبات ، ليست باباً لطلب النجاة بالافتراء وتلطيخ الأبرياء بغير حق ، وكثيراً ما تدل الشواهد والأقضيات ، على وقوع عدد من ضعاف النفوس فى حمأة هذا الجرم البشع ، فتزين لهم أنفسهم ، وقد يزين لهم غيرهم ؟!! ، أن يعترفوا إعترافاً يسارعون إليه نجاةً لأنفسهم ودون مبالاة بأنه يظلم آخرين بغير حق .. مثل هذه النوعية من الناس، نوعية هابطة ، قيمها متفككة منحلة ، وأخلاقياتها معيبة ، وهى تتقيأ ما تتقيأ به متخففة أيضاً من حلف اليمين لأن القانون يعفيهم بل لا يجيز تحليفهم اليمين ماداموا متهمين سواء بالإرشاء أو بالوساطة .. بينما هذا القَسَم هو آخر ” معاقل ” الإحتياط للشهادة من تغول المتغولين ومفتريات وأكاذيب وإدعاءات الكاذبين المدفوعين بمأرب الإفلات من مغبة وعقاب الجرم المتهمين بارتكابه !!
الخطر هنا ليس الناجم فقط من المنحرف ومآربه ومراميه للإفلات من جريرته ، وإنما هو خطر قد يلابس رجل الضبط حين يتصور أنه بهذا الإعتراف يقوى أو يولد الدليل الذى يتيح له الإمساك بمن يتعقبه !
موقف سلطات الضبطية .. أو بعض رجال الضبط ، من المادة 107 مكرراً عقوبات، وما تفتحه من إغراءات الحض أو التشجيع على الإعتراف وربما تزيينه للمتهم أو المتهمين بالإرشاء أو الوساطة بتعلة ملاحقة المرتشى أو من يُظـن أنه مرتشى .. هذا الموقف يجرد العدالة من ” سياج ” الإحتياطات التى تحصنت بها لحماية الحقيقة من أكاذيب المتقولين ! .. أخطر الإنزلاقات إنما تأتى من باب حسن النوايا .. الطريق إلى جهنم قد يكون مفروشاً بالورود والمغريات .. علينا أن ندرك أن المادة 107 كما هى جسر لتعقب المرتشى الحقيقى تتبعاً يتيح إقامة الحجة والبرهان والدليل عليه من خلال إعتراف الراشى أو الوسيط ، فإنها تفتح أيضـاً باباً مخيفاً لتضليل العدالة والتدليس عليها بكذب هذا أو ذاك بالإفتئات ـ ربما على برئ !! ـ خلاصاً من وطأة الاتهام وضمانا لنجاة محققة ، فتقع المظالم على الأبرياء !!
اترك تعليقاً