قانون الغدر بين الحياة والموت
==================
بقلم : الدكتور محمود العادلي
أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام
كلية الشريعة والقانون بطنطا -والمحامي أمام محكمة النقض
والإدارية العليا والدستورية العليا
==================
• ثورة يوليو والمحاكم الإستثنائية :
حينما قامت ثورة 23 يوليو 1952م – التي كان يطلق عليها حركة الجيش – كانت إحدي عينيها تنظر للخلف وأخري تتطلع للمستقبل ، وفيما يتعلق بالمستقبل لم يكن قد تبلور- في بداية الثورة – بصورة كاملة في ذهن الثوار ؛ فأرادوا أن يتخلصوا أولاً من الماضي ؛ وتحقيقاً لرغبتهم هذه تفتق ذهن القانونيين الذين ساروا في ركب الثورة عن إيجاد منظومات قضائية وقانونية جديدة … منها محكمة الشعب ، ومحكمة الثورة ومحكمة الغدر لمحاكمة الماضي عن الأفعال والأحداث والوقائع التي حدثت قبل الثورة أو أثناءها.
وهذه المحاكم هي – في جوهرها – محاكم استثنائية لأنها تخرج عن كثير من القواعد القانونية العادية بهدف تأمين الثورة ؛ أي ثورة يوليو 52 .
وكان يغلب على تشكيل هذه المحاكم الجانب العسكري ؛ الذين كانوا – في الغالب الأعم – يطبقون أفكارهم الثورية مرتدية ثوب القانون .
لذا كثيرا ما كانت هذه المحاكم تتراجع عن الأحكام التي تصدرها ، أو بالأقل لا تنفذها هي هي كما هي .
فعقوبة الإعدام تتحول بقدرة قادر إلي سجن .. ثم إفراج .. ولعل هذا كان واضحا في المحاكمات التي تمت لقادة سلاح الفرسان .. الذين خرجوا علي الثورة .. أو بالأحري كانوا يمثلون ثورة مضادة .
ثورة 25 يناير واستدعاء محكمة الغدر :
والآن بعد ثورة 25 يناير 2011م يريد البعض استدعاء محكمة الغدر للحضورللمشهد السياسي والقضائي والقانوني المصري .. الحالي ..
ولقد تمثل هذا الاستدعاء في عدة صور منها رفع دعوي قضائية لإلزام وزير العدل بإحالة بعض رموز النظام لهذه المحاكم ، ومنها مناداة البعض في رسائل الإعلام ببعث الحياة من جديد في هذه المحاكم .. ومنها مناداة بعض المعتصمين في مياديين مصر المختلفة بهذا المطلب .
ومن وجهة نظري أن محكمة الغدر لا يجوز استدعائها الآن وذلك لعدة اعتبارات :
1- لأن هذه المحكمة هي محكمة استثنائية ماتت بالسكتة القلبية مع شقيقتيها محكمة الثورة ومحكمة الشعب ، فهذه المحاكم جميعها جاءت لمواجهة ظروف بعينها ؛ فالقوانين المنظمة لها قوانين مؤقتة بطبيعتها أي تنقضي بمجرد انتهاء الغرض منها .. والغرض منها كان تأمين ثورة يوليو .. ولم يكن المشرع – تحت أي تفسير واسع للنصوص – يحرص علي تأمين ثورات أخري خلاف ثورة يوليو .
2- قد يقول قائل – ولم لا تمتد هذه المحاكم لتأمين ثورة 25 يناير كما فعلت مع ثورة يوليو . والرد علي ذلك سهل يسير ، لأن قانون محكمة الغدر كان قانونا استثنائيا ، فهو يخرج عن مبدأ الشرعية الجنائية القائل : بأن لا جريمة ولاعقوبة بلا نص ؛ وأن القواعد الجنائية الأسوأ للمتهم لا تسري بأثر رجعي .
ورغم ذلك نجد أن قانون الغدر هذا أستحدث جريمة لم تكن موجودة من قبل وطبقها بأثر رجعي . إذ تنص المادة الأولى من قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952م – المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953 والمنشور بالوقائع المصرية بتاريخ 9 إبريل 1953 م – على أنه : (( فى تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كان عضوا فى احد مجلسى البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :…….. )) .
3- فهذا القانون مشكوك في دستوريته لأنه وُلَّد ميتاً ؛ بمخالفته لقاعدة عدم رجعية القوانين الأسوأ للمتهم ؛ ولايصح أن يُنسب لثورة 25 يناير البيضاء ما يشوه صورتها لدى العالم ؛ ولا يجوز أن يقال إن هذا القانون كان معيبا بالنسبة للمحاكمات التى تمت في ظل ثورة يوليو 1952م : ولكنه لن يكون معيبا إذا تم تفعيله بالنسبة لمن أفسدوا الحياة السياسية فيما قبل ثورة 25 يناير ؛ لأن العوار الذي لحق هذا القانون منذ ميلاده ؛ لا تصححه الوقائع والأحداث التي أستجدت بعده ؛ علاوة على أن هذا القانون هو مؤقت بطبيعته وانتهى مفعوله – رغم عيبه الجوري المتعلق بمخالفته لمبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية الأسوأ للمتهم – بما تم من محاكمات في ظل ثورة يوليو 1952 م .
4- أضف إلى ذلك أن قانون الغدر من الناحية الشكلية أو الإجرائية يثير صعوبات جمة في تطبيقها ؛ ومن ذلك على سبيل المثال – لا الحصر – مايلي : –
(أ) أن هذا القانون يسند مهمة تحقيق الدعاوى ورفعها إلى محكمة الغدر … إلى : ((لجنة مكونة من اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه في المادة 11 من الإعلان الدستوري المشار إليه – أي الاعلان الدستوري الصادر سنة 1953 في أعقاب ثورة يوليو – بقرار يصدر باتفاقهما مشتملا على بيان بالواقعة والمواد المطلوب تطبيقها ، ويكون للجنة في أداء مهمتها أو لأحد عضويها أو لمن تندبه من رجال القضاء أو النيابة العامة جميع السلطات المخولة في قانون الإجراءات الجنائية للنيابة العامة ولقاضي التحقيق بغير القيود الواردة في المواد 51 و52 و 53 و54 و 55 و 57 و91 و97 من القانون المذكور ..)) ( المادة 4 من قانون الغدر ) .
(ب) ويلاحظ على هذا النص أنه جعل الاختصاص المذكور للجنة مكونة من أثنين ؛ وحصر العدد في أثنين لهو أمر يُصعّب مهمة أي لجنة في العالم ؛ إذ من الأفضل أن يكون تشكيل اللجنة من رقم فردي 3 أو 5 – على سبيل المثال – حتى يمكن أن تصدر قرارات اللجنة بالأغلبية عند غياب الإجماع.
(ج) وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953 المعدل لقانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 تبريرا لإسناد مهمة التحقيق والإحالة للمحاكمة إلى لجنة سياسية ما نصه : (( ولوحظ أن المؤاخذة التي سيحاكم من أجلها المتهمون الذين سيقدمون إلى محكمة جرائم الغدر, هي جرائم ذات طابع سياسي لأنها متصلة بالحكم واستغلال أدواته مما يقتضي أن يترك تقدير ظروف الاتهام وملابساته إلى هيئة سياسية. وقد راعت بعض الدساتير ذلك الاعتبار فقصرت حق تحريك الدعوى العمومية ضد الوزراء, على مجلس النواب, كما أسندت محاكمتهم إلى محكمة يتمثل فيها العنصر السياسي إلى حد كبير.
ونزولا على هذا المقتضى أسند تحريك الدعوى العمومية إلى لجنة مكونة من اثنين من أعضاء المؤتمر المنصوص عليهم في المادة 11 من الدستور المؤقت, وبطبيعة التكوين الثنائي للجنة, لن يقدم من اللجنة من الأحوال لا ما يتفق في شأنه رأى عضويها )) .
(د) كما أن هذا النص – أي نص المادة الثانية من قانون الغدر – يحيل إلى الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 10 فبراير 1953م من القائد العام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش ؛ وهذا الاعلان قد مات أيضا بالسكتة القلبية بالدساتير التي صدرت بعد ذلك .
(د) أما المؤتمر المشار إليه فهو – حسب نص المادة 11 من الإعلان الدستوري المذكور – (يتألف من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء ) . فأين هذا المؤتمر الآن ؛ وما الجهة التي يمكن أن تحل محله ؟!!!
هذا السؤال في ذاته يثير جدلاً كبيراً ؛ ويفتح الباب أمام أي محامٍ – يدافع عن شخص ما محال لمحكمة الغدر – ليصول ويجول ويدفع ببطلان أي تشكيل للجنة التحقيق المشار إليها .
(هـ) ومما يؤكد إستثنائية محكمة الغدر وقانون الغدر ما أشارت إليه المادة (4) المذكور من تحرر جهة التحقيق في جرائم الغدر من القيود الواردة في المواد (51) و(52) و(53) و (54) و( 57) و (91) و(97) من قانون الإجراءات الجنائية . وهذه القيود – في حقيقتها –ضمانات للمتهم أراد المشرع في قانون الغدر أن يحرر المحقق منها تحقيقا لفاعلية الإجراءات . فهو – أي المشرع – أنتصر لفاعلية الإجراءات ؛ أي لسرعة إنجازها ؛ على حساب ضمانات المتهم . فالمادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية تتحدث عن حضور المتهم أو مَنْ ينيبه أو شاهدين أثناء تفتيش منزله ؛ والمادة (52) تتحدث عن عدم جواز فض الأوراق المختومة أو المغلقة بأية طريقة أخرى أثناء التفتيش ؛ والمادة ( 53 ) تتطلب وضع الأختام على الأماكن التي بها آثار أو أشياء تفيد في كشف الحقيقة ؛ والمادة (54) تجيز لحائز العقار أن يتظلم من وضع الأختام على مكان في حيازته . والمادة (57 ) لا تجيز فض الأختام الموضوعة طبقا لمادتين (53) ، (56) إلا بحضور المتهم أو وكيله ؛ و مَنْ ضبطت عنده الأشياء أو بعد دعوتهم لذلك ؛ والمادة (91) تضع ضوابط تفتيش المنازل وتستلزم صدور أمر قضائي مسبب . أما المادة (97) فتحظر على المحقق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبير الاستشاري الأوراق والمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها ؛ ولا المراسلات المتبادلة بينهما في القضية .
(و ) ولا شك في أن التحرر من هذه الضمانات المقررة للمتهم من شأنه أن يجعل محاكمته محاكمة إستثنائية ؛ مما يساهم في إغلاق الباب أمام إسترداد أموال مصر المنهوبة بالخارج .
(ز) كما أن قانون الغدر يمنع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى بأى طريقة من طرق الطعن العادية أو غير العادية ( م 6 من قانون الغدر ) . وهذا إستثناء آخر يحرم المتهم من ضمانة جوهرية من ضمانات الدفاع أمام القضاء ؛ مما تتأذى منه العدالة ويتصادم تصادماً صارخاً مع جوهر ثورة 25 يناير التي نادت بالحرية والكرامة والعدل . علاوة على أن ذلك يؤكد إسثنائية قانون الغدر ؛ ممايترتب عليه عدم إعتراف الدول الأجنبية بما عساه أن يصدر من أحكام ضد المحالين لمحكمة الغدر ؛ ومن ثم يغلق الباب أمام إسترداد أموالنا المنهوبة في الخارج .
(ح ) وفيما يتعلق بتشكيل محكمة الغدر نجد أن المادة ( 3) من قانون الغدر قد نصت على أنه :
(( يحكم على كل مَنْ ارتكب فعلا من افعال الغدر من محكمة خاصة تؤلف برياسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل وأربعة ضباط عظام لاتقل رتبة كل منهم عن الصاغ يعينهم القائد العام للقوات المسلحة.
ويكون مقر هذه المحكمة بمدينة القاهرة ويشمل اختصاصها كل انحاء المملكة المصرية( حالياً جمهورية مصر العربية ) . وتتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى امام المحكمة)) .
وجلي من هذا أن إشكالية تشكيل هذه المحكمة ستثير الكثير من الجدل ؛ فهل نبقي على العنصر العسكري في التشكيل أم لا ؟
وإذا إبقينا عليه : ألا يتصادم ذلك مع ما تنادي به الثورة من ضرورة حصر اختصاص القضاء العسكري في دائرة العسكريين فقط ؟! وإذا قيل أن التشكيل يكون مدنياً صرفاً أي يضم سبعة من قضاة القضاء العادي ؛ والتساؤل الآن لماذا يستأثر القضاء العادي بذلك رغم أن المسئولية المسندة للمتهمين مسئولية سياسية في جوهرها ؛ فلماذا لا يدخل في التشكيل قضاة من مجلس الدولة ؟ .
وفي جميع الأحوال التشكيل الجديد لن يمثل قضاء طبيعي للمتهمين لأنه لم يكن معروفاً سلفاً لهم حال إقترافهم الأعمال التى شكلت الإتهامات التي ستُسند لهم .
(ط) والمثل يقال بالنسبة لإسناد مهمة تمثيل المجتمع أمام محكمة الغدر فالنص يخص النيابة العامة بمباشرة الدعوى أمام المحكمة ( م 3 من قانون الغدر ) . وهو نص يثير الجدل طالما أتفقنا – حسب المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953 م – على جرائم الغدر هي جرائم ذات طابع سياسي ، فلماذا لا تشارك النيابة الإدارية شقيقتها النيابة العامة في تمثيل المجتمع ؟!!
(خامساً) أما من الناحية الموضوعية فإن قانون الغدر يؤخذ عليه مايلي :
(1) رقة العقوبات التي يدخرها للمدان بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ؛ إذ جاء نص المادة (2) منه على النحو التالي :
(( مع عدم الاخلال بالعقوبات الجنائية او التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الاتية :
( أ ) العزل من الوظائف العامة.
(ب) سقوط العضوية فى مجلسى البرلمان او المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات .
(ج) الحرمان من حق الانتخاب او الترشيح لاى مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحـكم .
(د) الحرمان من تولى الوظائف العامة لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(هـ) الحرمان من الانتماء الى اى حزب سياسى مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(و) الحرمان من عضوية مجالس ادارة الهيئات او الشركات او المؤسسات التى تخضع لاشراف السلطات العامة ومن اية وظيفة بهذه الهيئات لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(ز) الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرة المنظمة بقوانين او المهن ذات التأثير فى تكوين الراى او تربية الناشئة او المهن ذات التأثير فى الاقتصاد القومى مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ح) الحرمان من المعاش كله او بعضه .
ويجوز الحكم أيضا باسقاط الجنسية المصرية عن الغادر كما يجوز الحكم برد ما أفاده من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد.
ويحكم بالجزاءات ذاتها عل كل من اشترك بطريق التحريض او الاتفاق او المساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر ولو لم يكن من الاشخاص المذكورين فى المادة الاولى )) .
وهذه العقوبات لا تتسم بالشدة ؛و لاتتناسب مع الجرم التي أدخرت له .
(2) وهذه الجزاءات الجنائية تغني عنها جزاءات مماثلة في قانون العقوبات العام الذي ينطبق على كل المصريين والكافة ؛ فلا حاجة إذن للجوء لقانون إستثنائي طالما أن قانون العقوبات العادي ينص على نفس الجزاءات الجنائية لذات الأفعال تقريباً . فالمادة 25 من قانون العقوبات تنص على كثير من هذه الجزاءات التي توقع تبعاً للحكم بعقوبة جنائية . وأما مايفلت من الجزاءات المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون الغدر فتتكفل بها – أو بالأحرى بأغلبها – النصوص المقابلة لجريمة الغدر في قانون العقوبات . إذ تنص المواد 118 و 118 مكررا و 118 (أ) مكررا من قانون العقوبات على جزاءات توقع على مرتكبي جرائم الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ؛ المعنون (( اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر )).
وهذه الجزاءات هي العزل من الوظيفة أو زوال الصفة والرد وغرامة مساوية ما اختلسه أو استولى عليه أو حصله أو طلبه من مال أو منفعة ( م118 عقوبات ) وطبقاً للمادة 118 مكررا هذه الجزاءات هى :
(1) الحرمان من مزاولة المهنة مدة لا تزيد على ثلاث سنين . (2) حظر مزاولة النشاط الاقتصادي الذي وقعت الجريمة بمناسبته مدة لا تزيد على ثلاث سنين . (3) وقف الموظف عن عمله بغير مرتب أو بمرتب مخفض لمدة لا تزيد على ستة أشهر . (4 ) العزل مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنين من نهاية تنفيذ العقوبة أو انقضائها لأي سبب آخر . ( 5 ) نشر منطوق الحكم الصادر بالإدانة بالوسيلة المناسبة وعلى نفقة المحوم عليه . أما المادة 118 (أ) مكرر من قانون العقوبات فتنص على جزاء المصادرة والرد والغرامة المساوية لقيمة ماتم اختلاسه أو الاستيلاء عليه من مال أو ما تم تحقيقه من منفعة أو ربح .
(3) أما من ناحية الأفعال التي تشكل جريمة الغدر فقد نصت عليها المادة الأولى من قانون الغدر بقولها :
(( فى تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كان عضوا فى احد مجلسى البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :
ا ) عمل من شأنه افساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الاضرار بمصلحة البلاد او التعاون فيها أو مخالفة القوانين .
(ب) استغلال النفوذ و لو بطريق الايهام للحصول على فائدة او ميزة ذاتية لنفسه او لغيره من اية سلطة عامة او أية هيئة او شركة او مؤسسة.
(ج) استغلال النفوذ للحصول لنفسه أو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة او منصب فى الهيئات العامة او اية هيئة او شركة او مؤسسة خاصة او للحصول على ميزة او فائدة بالاستثناء من القواعد السارية فى هذه الهيئات.
(د) استغلال النفوذ بإجراء تصرف او فعل من شأنه التأثير بالزيادة او النقص بطريق مباشر او غير مباشر فى اثمان للعقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها او اسعار اوراق الحكومة المالية او الاوراق المالية المقيدة فى البورصة او القابلة للتداول فى الاسواق بقصد الحصول على فائدة ذاتية لنفسه او للغير.
(هـ) كل عمل او تصرف يقصد منه التأثير فى القضاه أو فى اعضاء اية هيئة خولها القانون اختصاصا فى القضاء او الافتاء.
(و) التدخل الضار بالمصلحة العامة فى اعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له فى ذلك او قبول ذلك التدخل.
ويعتبر التدخل من غير المذكورين فى هذه المادة فى حكم الغدر اذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطة عامة)) .
وجل – إن لم يكن كل – هذه الجرائم منصوص عليها في قانون العقوبات العادي ؛ ولاسيما المواد 112حتى 119 مكرر التي تجرم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر ؛ فليست هناك حاجة ماسة للجوء لقانون استثنائي هو قانون الغدر طالما أن النصوص العادية في قانون العقوبات تحقق ذات الهدف دون الدخول في متاهة هل قانون الغدر حياً يرزق ؛ أما ميتاُ فينعى . ودون الولوج في دائرة القوانين الإستثنائية التي حرصت ثورة 25 يناير عن الإبتعاد عن دائرتها حتى تحتفظ هذه الثورة بنقائها وبريادتها لثورات العالم الحديث .
(4) صحيح أن القوانين الحالية لا تجرم ولا تجازي على إفساد الحياة السياسية ؛ غير أن ذلك يشكل مسئولية سياسية يمكن أن تتولاها جهات سياسية وليست قضائية ؛ غذ يمكن أن يشكل مجلس الشعب القادم – ومعه مجلس الشورى إن وجد – لجان سياسية لمجازاة كل من تورط في إفساد الحياة السياسية منذ 6 أكتوبر 1981 وحتى 11 فبراير 2011م ؛ وهذا حديث آخر بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة ؛ مما نتركه لكل مَن يرغب بأن يدلو بدلوه في هذا الموضوع .
وتبقى كلمة :
1- نعم لمحاسبة كل من أساء لمصر قبل ثورة 25 يناير ؛ شريطة أن تكون المحاسبة بقوانين عادية ؛ وليس بقوانين إستثنائية ؛ حتى نحافظ على نقاء هذه الثورة الرائدة .
2- إذا كان قانون الغدر هو قانون إستثنائي ؛ أنقضى بحكم إنقضاء الهدف الذي كان يرميه إليه المشرع في أعقاب ثورة يوليو 1952م ؛ فلماذا نلجأ إلى قانون تمت إحالته للإستيداع ؛ ولدينا ترسانة قانونية تفي بالغرض الذي يمكن تحقيقه من قانون الغدر .
3- المساءلة السياسية مطلوبة لكل مَنْ أساء لمصر خلال الثلاثين سنة السابقة على ثورة 25 يناير ؛ شريطة أن تتم بآليات غير مشكوك في عدالتها ؛ ولا في وجودها من الأساس .
_______________________________
اترك تعليقاً