“القتل” و”الضرب المفضي للموت” جريمتان يفصلهما “القصد و الظروف”
إجراءات المحكمة كفيلة بتحديد الوصف القانوني لأي منهما
تعددت الأسباب والموت واحد، مقولة شهيرة كان قد أطلقها الشاعر ابن نباتة السعدي وأصبحت قاعدة شعبية لوصف حالات الوفاة، لكن القانون لم يسلم لهذه النظرية من خلال عقابه المتسبب بالإجهاز على حياة إنسان.
هذا الجزاء لم يتم إطلاقه وتباين من فعل إلى آخر حسب بعض المعطيات التي ترافق الجريمة المرتكبة، ومن هنا تأتي الضرورة لفك ما يعتقده الرأي العام انه اشتباك بين القتل، والضرب المفضي إلى موت.
ويقول بكر الصالحي قاضي تحقيق الاعظمية إن “الجرائم الماسة بحياة الإنسان وسلامة بدنه نص عليها قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 بمواد عدة”.
وتابع الصالحي في تصريحات إلى (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) أن ” من بين هذه الجرائم ما نصت عليه المادة 405 التي تطرقت إلى القتل العمد وفيها تكون العقوبة أما السجن المؤبد أو المؤقت”، مبيناً “قد تكون هناك ظروف مشددة مدرجة في المادة 406 وإذا ما توافرت إحداها فأن العقوبة يمكن أن تصل إلى الإعدام”.
وفي مقابل ذلك، يوضح الصالحي “أما جريمة الضرب المفضي إلى موت فقد وردت في المادة 410 وعقوبتها تتراوح بين (15-20) سنة حسب الظروف المحيطة بها“.
ويجد قاضي تحقيق الأعظمية أن “الفرق بين الجريمتين يمكن أن تكشفه المحكمة من خلال الوصول إلى قصد الجاني ومدى توافر نيته إلى إحداث نتيجة فعله الموت أو مجرد الإيذاء”.
وأكد أن “القاضي هو من يقدر الوصف القانوني للجريمة المعروضة أمامه، وان الجهة القضائية التي تحال عليها الدعوى في وقت لاحق وفق القانون غير ملزمة بهذا الوصف”، لافتاً إلى أن “الوصف قد يتغير أيضاً خلال مرحلة التحقيق”.
وأشار الصالحي إلى “قرار كان قد صدر من محكمة الجنايات بصفتها التمييزية بتغير الوصف القانوني لجريمة من ضرب مفضي لموت، إلى القتل العمد لأنها وجدت استخدام الجاني قطعة حديد في استهدافه الضحية على رأسه، على أنها آلة خطرة يقصد بها القتل”.
وتابع الصالحي “في حين أن محكمة التمييز نقضت قرارا صدر على أن القضية المعروضة أمامها عن جريمة قتل عمد”، منوها أن “المحكمة وجدت أن الجاني استخدم قطعة مصنوعة من الخشب في ضربه المجني عليه وهذه الآلة لا تعني انصراف النية إلى القتل”.
وعاد ليؤكد أن “الآلة المستخدمة في الجريمة، والإصابة والظروف المحيطة بالقضية قد تحسم الجدل حول إن الواقعة قتل، أو ظرف مفض لموت”.
ونبه “لا يمكن وضع معيار ثابت لكل الجرائم فلكل منها ظروفها المحيطة ومن خلالها يتم الوصول إلى التكييف القانوني الخاص بها”، متابعاً أنه “قد يشترك أكثر من شخص في الجريمة ويكون التكييف القانوني لكل من أفرادها يختلف عن الآخر”.
و من خلال الوقائع المعروضة أمام المحاكم، يؤشر قاضي تحقيق الاعظمية أن “اغلب جرائم الضرب المفضي إلى موت تكون نتيجة لمشاجرة بسيطة تؤدي إلى الإجهاز على شخص أو أكثر”.
أما عن علة التفريق بين الجريمتين، قال الصالحي لـ”تكون عقوبة كل واحدة بمعزل عن الأخرى”، وعدّ “القتل العمد جريمة خطرة ومرتكبها يهدد أمن المجتمع لأنه يقصد إحداث النتيجة”، مستطرداً أنها “من دعاوى الحق العام التي لا تغلق ولو تتنازل المشتكي عنها”.
وأردف بالقول إن “بعض الجرائم تكون فيها حالة المريض حرجة ولا يمكن لقاضي التحقيق إبداء الموقف المناسب لها، ولا تحال القضية على محكمة الموضوع إلا بعد التأكد من حالة المجني عليه، أما بالوفاة أو تحسن وضعه الصحي”.
من جانبه، أفاد قاضي التحقيق الآخر، نصير علي إلى (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) بأن “بعض القضايا تحال على محكمة الجنايات وفق المادة 412 من قانون العقوبات التي تتحدث عن الاعتداء بصورة عمدية قد يحدث عنها عاهة مستديمة”، موضحا انه “بعد استكمال التحقيقات وأثناء سير المحاكمة يتوفى المجني عليه نتيجة تعرضه إلى مضاعفات عن الحادث، وهنا يجري تغيير الوصف القانوني”.
ويتفق علي مع القاضي الصالحي في أن “الدعاوى تخضع لقناعة المحكمة المعروضة أمامها وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
وتنص الفقرة الأولى من المادة 213 لقانون أصول المحاكمات “تحكم المحكمة في الدعوى بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الأدلة المقدمة في أي دور من ادوار التحقيق أو المحاكمة وهي الإقرار وشهادة الشهود ومحاضر التحقيق والمحاضر والكشوف الرسمية الأخرى وتقارير الخبراء والفنيين والقرائن والأدلة الأخرى المقررة قانونا”.
وذكر علي أن “هناك حالات تندرج ضمن جريمة الضرب المفضي إلى موت، وتكون المحكمة قد أصدرت حكمها وبعدها يتوفى المجني عليه”، مشددا على أن “هنا يأتي الدور لقانون أصول المحاكمات الجزائية الذي أعطى للقاضي الحق في أعادة الإجراءات القانونية ويصدر قرار جديد”.
وتنص المادة 303 الأصولية على أن “تجوز العودة إلى إجراءات التحقيق أو المحاكمة ضد المتهم الذي انقضت الدعوى الجزائية عنه إذا ظهر أو حصل بعد صدور الحكم أو القرار البات أو النهائي فيها فعل أو نتيجة تجعل الجريمة التي حوكم المتهم عنها أو اتخذت الإجراءات ضده بشأنها مختلفة في جسامتها بضم هذا الفعل أو النتيجة إليها على أن يسحب له عند الحكم عليه ما سبه إن حكم عليه به من عقوبة”.
دعاء ازاد
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً