مشكلات دعاوى التمليك العقاري في العراق
محاكم بداءة: دعاوى التمليك القضائي تزداد.. وروتين الدوائر يؤخرها
أرجع قاضيا بداءة أسباب تأخر دعاوى التمليك إلى الروتين وتأخر الإجابات لدى دوائر الدولة المعنية، مشيرين إلى زيادة ملحوظة في السنين الأخيرة في نسب هذه الدعاوى بسبب الأوضاع الأمنية.
وفي حديث مع (المركز الإعلامي للسلطة القضائية) قال قاضي بداءة الكرادة سالم روضان الموسوي إن “كل مقاولة بيع خارجية تتم بمقتضاها نقل ملكية الممتلكات، باستثناء العقارات والسيارات وذلك للأهمية التي يتمتعان بها”، مشيراً إلى أن “المشرع العراقي في ما يخص العقارات اشترط اسوة بالتشريعات الأخرى نوعا من الشكلية وهو أن يتم تدوين ذلك في دائرة التسجيل العقاري، وخلاف هذا فأن كل بيع يعتبر باطلاً”.
غير أن الشارع العراقي يزخر بالكثير من حالات بيع العقار من دون اللجوء إلى دائرة التسجيل العقاري، فغالبا ما يتم البيع وفق مكاتبة أو تعهد لدى مكاتب العقارات. لكن المشرع العراقي لجأ إلى إصدار تشريع استثنائي يُمكّن القضاء من تمليك المشتري العقار وفق ما يسمى بـ”التمليك القضائي”.
ويعود الموسوي إلى تاريخ وقصة صدور هذا الاستثناء فيقول أنه “في منتصف سبعينيات القرن الماضي تم شراء مجموعة عقارات عائدة إلى إحدى العوائل البغدادية، ومعظم المواطنين كانوا قد اشتروا هذه العقارات لكن البائع رفض تحويلها، فالتجئ إلى هذا التشريع بعد تدخل حكومي”.
وأضاف أن “هذا القرار أضفى المشروعية على التعهد الذي يبرم بين البائع والمشتري”، موضحا أن “البائع اذا نكل عن هذا التعهد فأن المشرع اعطاه الحق باللجوء إلى القضاء واقامة دعوى تمليك، وهي صورة من صور سلب الملكية”.
وأورد الموسوي حالات عدة ترد الى المحاكم حول تفاصيل دعوى التمليك، منها “إذا لم يشغل المشتري العقار ولم يحدث أي انشاءات عليه ثم نكل البائع بالتعهد، فأن التشريع اعطى الحق للمدعي بإعادة حقوقه والمبلغ المدفوع وان يطلب التعويض عن فرق البدلين”.
وأشار إلى أنه في هذه الحالة “المحكمة تحيل الدعوى الى خبير فيتم احتساب سعر العقار وقت البيع، ثم سعر وقت إقامة الدعوى في النكول، فيظهر الفرق ويتم تعويضه”.
وإذا ما طلب المشتري امتلاك العقار يقول الموسوي “بعد أن تسير الدعوى وفق سياقاتها يتم اصدار قرار بتمليك العقار، وحتى تضفى على القرار صفة الاستعجال جعلوا طرق الطعن به امام محكمة الاستئناف بصفتها التمييزية فقط”.
وعن مدى تصرف المشتري بالعقار بعد قرار التمليك أجاب قاضي بداءة الكرادة أن “القرار الذي يصدر عن المحكمة هو حكم قضائي فيه إلزام، لكن ميزته أنه يختلف في طبيعة تنفيذه، فبعد صدور الحكم لا يمكن للمشتري ان يبيع العقار قبل تحويله باسمه في دائرة التسجيل العقاري”.
ورأى انه من المشاكل التي تكتنف هذه الدعاوى هو “إطالة أمد النزاع، فيما اذا كان المالك يسكن خارج البلاد فتطول مرحلة التبليغات واحيانا بعض البلدان لا تتعاون في مسألة التبليغات القضائية”.
ويحدد الموسوي مشكلة أخرى تكمن في أن “هناك مشتريا يبتاع العقار من مشتر اخر بموجب عقد بيع خارجي فأن الأول لا يملك حقا لدى المالك، وكل ما له أن يرجع إلى المشتري من المالك بالثمن”.
أما إذا تم الشراء من الوكيل فأن الموسوي “يشترط في الوكالة أن تكون عامة ومخصوصة بمعنى ان يكون له حق البيع”.
وشدد الموسوي على ان “جوهر دعاوى التمليك هو التعهد المكتوب أما الشفهي فقد يؤخذ أو لا يؤخذ به حسب اتجاهات محكمة الاستئناف”، لكنه قال ان “التعهد المكتوب هو ما يعتد به غالباً”.
وعرّج قاض آخر، وهو صباح العاني، على أهم المشكلات التي تعرقل دعاوى التمليك، مؤكدا أن أبرزها هو تأخر الإجابة من دوائر الدولة في ما يخص المخاطبات.
وقال العاني لـ(المركز الإعلامي للسلطة القضائية إنه “في ما يخص دعاوى التمليك فأننا نمضي في الدعاوى وفق توجيه جاء من مجلس القضاء الاعلى”، موضحا أن “هذا التوجيه يقضي بأن أن نخاطب الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، لكن المشكلة الأكبر تكمن في تأخر الاجابة التي قد يطول أمدها إلى أقل أو كثر من سنة، ما يؤخر سير هذه الدعاوى، ويتم التأكيد أكثر من مرة لكن دون جدوى”.
وحدّد قاضي بداءة الكاظمية “مشكلة اخرى تكمن في انه احيانا بعد اشهر تأتي الاجابة الا انها تتعلق باستعلام عن الاسم واللقب ومحل السكن، فيتم إرسال هذه المعلومات مرة أخرى ونضطر للانتظار شهورا من جديد”.
وأضاف أن “تأخر الإجابة لا يقتصر على هيئة المساءلة والعدالة فالتأخير حاضر في مخاطباتنا لدائرة التسجيل العقاري لكن بشكل أخف وطأة”.
وأشار الى ان “القاضي لا يمتلك صلاحية المخاطبة المباشرة لهذه الجهات وإنما يخاطب رئاسة الاستئناف ومن هناك تتم المخاطبة”.
وعن المعرقلات الأخرى قال العاني إن “هناك مواطنين يقيمون أكثر من دعوى، فعندما ترد دعوى يقيمون أخرى جديدة لجهلهم بالثقافة القانونية، وأغلب القضاة حالياً اتجهوا إلى طلب نسخة مصدقة من إضبارة العقار ككل لتتم معرفة إذا ما كانت هناك دعوى سابقة”.
وتابع قاضي بداءة الكاظمية أن “الوضع العام وما يمر به البلد فاقم من هذه المشكلات، فمثلا هناك مناطق حدثت فيها حالات تهجير، وموجود فيها عقود بيع فغالبا ما ينتقل المالك إلى جهة مجهولة ويتم اللجوء إلى تكليف المدعي بإثبات عائدية التوقيع أو بصمة الابهام في مقاولة البيع المبرزة”، لافتا إلى أن “هذه الحالة تحتاج إحالة إلى خبراء في الأدلة الجنائية وتتطلب وقتا أيضاً”.
وشكا العاني “الروتين الذي يكتنف دوائر الدولة في ما يخص المخاطبات“، موضحاً أن “المحكمة تمتلك برنامجا يضم اسماء المشمولين بقرار هيئة المساءلة والعدالة، لكن نحن ملزمون بالرجوع الى الهيئة لأننا نتصرف وفقا التعليمات الصادرة من مجلس القضاء الاعلى”.
وعما اذا ما كان معرفة الحلول، فيقترح العاني “أن يرجع السياق كما كان في السابق فيما يخص مخاطبة هيئة المساءلة والعدالة، إما أن نعتمد على الحاسبة الموجودة في المحكمة لمعرفة أسماء لمشمولين بالقرارين 76 و88، أو ان يستعلم عن هذا من دائرة التسجيل العقاري فتأتي الاجابة مرفقة بصورة القيد التي عادة ما نطلبها من هذه الدائرة”.
واعتبر العاني “دعوى التمليك من الدعاوى المهمة جداً لأن هناك عقارات باهظة الثمن”، مشيرا إلى أنها “عادة ما يطول أمدها لأكثر من سنة مع هذه الإجراءات”.
وعن نسب هذه الدعاوى بيّن القاضي أن “لدينا أكثر من 80 إلى 100 دعوى جديدة في محكمة بداءة الكاظمية“، وعزا اسباب تزايد هذه الدعاوى إلى “انتقال الاشخاص إلى أماكن أخرى بسبب الظروف الأمنية ولو تواجدوا لكان البيع حقيقيا لدى دائرة التسجيل العقاري من دون دعوى تمليك”.
وبخصوص شروط التعهد الذي يتم بموجبه البيع يرى القاضي أنه يجب “أن يحتوي على توقيع الطرفين ورقم العقار وبدل البيع، وإذا ما تم تسليم المبلغ، واذا ما احتوى على بصمة فقط فيجب أن يكون هناك توقيع لشاهدين”.
وفيما اذا ما كان العقد يسقط بالتقادم أجاب العاني “أن هذا الأمر يتبع الاتجاهات التمييزية واغلبها لا تسقط الدعاوى لأجل هذا السبب”.
مروان الفتلاوي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً