باحث و مهتم بشأن التشريعي
حمل المغرب هم القارة الإفريقية مند القدم ، قبل تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية ، بحيت إذا أعدنا التاريخ إلى الماضي القريب و بالضبط عام 1961 عندما قام الملك محمد الخامس بستدعاء قادة دول إفريقيا بالدارالبيضاء من أجل إجتماع لدراسة مصير القارة الصمراء و الدعوة إلى إستقلال الدول الإفريقية المستعمرة .
فضلا على أن المغرب أحد مؤسسي الإتحاد الإفريقي سنة 1963 ، فهو من الدول الذين وضعو فكرة إيجاد منظمة تهتم بالشأن القاري وتدرس العراقيل و تحديات التي تواجه القارة .
عمل المغرب مند فجر الإستقلال على تطوير علاقته مع أشقائه الأفارقة بإنشاء شركات متنوعة ، في كافة المجالات سواء السياسية الذي يتميز فيها المغرب بوجه حكيم و يضهر ذلك في تدخلاته بين الدول من أجل فك مختلف النزاعات ، أو على مستوى الشق الديبلوماسي الذي أحرز من خلاله تقدما كبيرا باستعماله ما يطلق عليه ب { القوة الناعمة } ، وكذا المجال الإقتصادي بحيث قدم الكثير من المشاريع و الرؤى و الأطروحات التي من شأنها تحريك عجلة التنمية بالدول الإفريقية ،
و لا ننسنى الشق الإنساني و الإجتماعي الذي أبان فيه المغرب عن تضامنه مع جل دول القارة من خلال تقديمه لمساعدات إنسانية و خدامات إجتماعية ؛ وهدا إن دل إنما يدل على الهوية المغربية الإفريقية الضاربة بجدورها في أعماق التاريخ و ليست وليدت اليوم كما يروج البعض .
وفي الوقت الراهن، وفي عهد جلالة الملك محمد السادس، اتخذ هذا المنحى الإفريقي بعدا جديدا، إذ تم إدراجه في رؤية طويلة المدى ترتكز على أسس التعاون جنوب جنوب وكذا على ضرورة التنمية البشرية في إقامة روابط اقتصادية منصفة وعادلة ومتوازنة.
أكد المغرب إرتباطه بإفريقيا من خلال الزيارات الملكية التي وصل عددها حاليا 43 جولة شملت 24 بلد في ضرف 16 سنة وهذا رقم قياسي تمخض عنه نسج علاقات في كافة المجالات سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو روحية .
فالمغرب عمل على وضع إستراتيجية إقتصادية من شأنها مستقبلا أن تجعل منه مركزا جهويا في خدمة التنمية المشتركة في مختلف المجالات الأساسية ، وجعلت منه حاليا البلد المستتمر الوحيد الذي يتبنى سياسة رابح رابح وهذا ما يمكن إستجلائه من خلال دراسة مراحل تواجد الإقتصاد المغربي بإفريقيا الذي مر بثلاث مراحل :
انطلقت المرحلة الأولى بإشراك المقاولات العمومية في وضع عدة برامج مرتبطة بتطوير البنيات التحتية الأساسية، وخاصة بناء السدود وإنشاء شبكات الطرق والسكك الحديدية والإتصالات والتطهير والتزويد بالكهرباء وتدبير موارد المياه والسقي، وغيرها.
وفي المرحلة الثانية تم إشراك فاعلي القطاع الخاص في كل من مجال الخدمات البنكية، التكوين المهني استغالال المناجم مدعمين في مبادراتهم بدبلوماسية اقتصادية جد دينامية .
والمرحلة الحالية التي تتميز بدافع استراتيجية اقتصادية حقيقية تندرج في إطار الرؤية المتوسطة والطويلة المدى الموجهة نحو تحقيق اندماج جهوي أعمق في أبعاده التجارية والمالية والإقتصادية بل حتى النقدية.
وهكذا، اتخذ توجه المغرب نحو إفريقيا بعدا جديدا بدخوله ضمن رؤية طويلة المدى تنبني على فضائل التعاون جنوب-جنوب وعلى ضرورة التنمية البشرية في إقامة روابط اقتصادية منصفة وعادلة ومتوازنة.
و بعدما تطرقنا لتموقع المغرب داخل إفريقيا بشيء من الإيجاز، سننتقل للحديث عن موضوع الساعة ألا وهو عودة بلدنا للإتحاد الإفريقي وهذا ما سيجرنا أولا لمناقشة ظرفية العودة و الإحاطة بظروف الإنسحاب و الغاية من الإنضمام من جديد بالرغم من أن السبب الذي دفع المغرب للإنسحاب سنة 1984 لم يتغير فجبهة البوليساريو التي بسببها إنسحب المغرب على خلفية قبول عضوتها لا زالت عضو فما الذي يدعي إلى العودة اليوم ؟
صحيح أن هذه المبادرة الملكية تحتاج إلى أكثر من دراسة واعية تبرز للفاعل السياسي منهجية وضع أستراتيجية عمل على المدى البعيد ، لم تأتي هذه العودة من فراغ أو بين ليل و ضحاها و إنما كلفت المغرب عقود من العمل و بمجموعة من الأجهزة و المؤسسات تتحلى بالحكمة و الرزانة .
ليكون الخطاب الملكي سندنا في تحليل و المناقشة :
أعلن الملك عودة المغرب إلى الاتحاد، بعد فترة انسحاب طويلة بدأت في عام 1984 خلال القمة العشرين لمنظمة الوحدة الأفريقية ، بحيت أعرب الملك على أن المغرب يتجه اليوم، بكل عزم ووضوح، نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية، ومواصلة تحمل مسؤولياته، بحماس أكبر وبكل الاقتناع .
صحيح أن للمغرب نية العودة إلى أسرته المؤسستية بل أكثر من ذلك على أنه أصبح مطلوبا للعودة من أغلب الدول الإفريقية الأعضاء و هذا ما تم ترجمته في عدد الأصوات التي تنادي بعودته وهذا ما أكدته الرسالة التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية قبل عقد الدورة 27 والتي فيها “أصدقاؤنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد، العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية، ضمن أسرته المؤسسية. وقد حان الوقت لذلك”.
وهذه العودة لا يجب أن تقرأ بمفهوم الربح و الخسارة و إنما يجب تفهم في سياق التطور الحاصل على مستوى الدينامية الديبلوماسية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة ، و حث الملك في خطابه على الحوار داخل المؤسسة جدير بحل المشكل على عكس حله من الخارج و ذلك بقوله ” بدا لنا واضحا أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج” و بهذا الإنضمام سيتمكن المغرب من قطع الطريق على مجموعة من الأطروحات و الأفكار المناوئة لسيادته ، وترافعه بشكل مباشر بشأن قضاياه و بدون وسائط .
من أجل أبراز ظروف العودة أحيل على الشق الأول من المقال المتعلق بتمركز المغرب داخل إفريقيا إقتصاديا و سياسيا ، و أشير إلى أن المغرب و قبل عودته كان مطلوبا في مشاريع إقتصادية ثنائية و ثلاثية و أحيانا في المنطقة كلها ، فالمغرب بسياسته الإقصادية و مشاريعه التي يقدمها لدول على أساس مبدأ رابح رابح ، وتقديمه لدول القارة بنماذج اقتصادية جديدة وهدا من شأنه أن يعطي لدول القارة السمراء أمل كبير من التخلص من تبيعات الغرب ،
و البحث عن التنمية بالإعتماد على الموارد الداخلية و الإستغناء عن الدول الإستخرابية في مخططاتها التي لا زالت تنهش ثروتها إلى الأن ، فالمغرب و بعدته و بفضل تحركه من الداخل ، مستقبلا أن يساهم في جعله منظمة أكثر قوة، تعتز بمصداقيتها، بعد تخلصها من مخلفات الزمن البائد .
لا يمكنني أن أتحدث عن أسباب و ضروف العودة وأغفل أسباب الإنسحاب و لن أعطيه أهمية كبيرة بحيث هذا السبب تلاشى و لم يعد له أية أهمية ،
أولا قبل الحديث عن الإنسحاب لابد أن أتطرق إلى السياق العام الذي تم فيه قبول عضوية جمهورية البوليساريو سنة 1984 في هذا الوقت إغتنمت الجزائر حالتين لدولتين هما مالي و نجيريا بوقوع إنقلاب حيت وصلت عضويتها 26 ، ” أي تجاوزت النصف بواحد ” ووضعت طلب العضوية الذي قبل في وقت وجيز ، على عكس المغرب الذي ضل معلقا لما يزيد أكثر من أربع أشهر رغم جميع الدول صوتت لصالح عودته ، وهذا القبول أغضب الراحل الحسن الثاني الشيء الذي دفعه لقطع العلاقة مع منضمة الوحدة الإفريقية و ليس إفريقيا ،
فمسألة البوليساريو لم تعد مطروحة بتلك الحدة التي كانت من قبل ، مع حلول سنة 2000 دوليا تقلص عدد المعترفين بها و سحبت أكثر من 36 دولة الإعتراف بها و داخل الإتحاد نفسه 34 دولة و ما يجب الإشارة إليه هنا على أنه لا الإتحاد الأروبي و لا الأمم المتحدة و لا المؤتمر الإسلامي و لا حتى جامعة الدول العربية لا تعترف بهذا الأخير ،
فالكيان القاري الوحيد الذي لا زال متمسكا بعضوية جمهورية الوهم هو الإتحاد الإفريقي ، والذي يجب على المغرب محاصرته فيه وهو ما فعله الأن و حتى هذه المنضمة أصبحت شعبيته فيه ضعيفة إلى شبه منعدمة تتمثل في 9 دول فقط وهذه الدول بدورها مع الديبلوماسية المبدولة من طرف المغرب مستقبلا ستزيل إعترافها .
وأريد أن أتطرق إلى مسألة مصادقة المغرب على القانون التأسيسي الذي يرى البعض أنه يعترف ضمنيا على وجود دولة ” البوليساريو ” أو أنه يجلس إلى جانبها في نفس الطاولة هو إعتراف ، حتى لا نكون لنا قراءة مشابهة للقراءات التي تواكب مثل هذه الأحداث ، تذهب في إستعمال نفس اللغة الروتينية التي تتلخص في نفس القاموس السياسي ، لكن إن المغرب عند مصادقته منح رسالة لتطمين الدول الإفريقية على أنه لن يدخل بتغيير شيء موجود ، فهدف الأن هو العودة و مسألة التغيير ستأتي من بعد مع العمل المتواصل والبناء .
اليوم يعي جيدا البوليساريو أن مرحلة الخطر قد اقتربت وأن الحديث عن الاعتراف والجلوس على كرسي واحد هو مصادرة للمطلوب ، فالجلوس على طاولة واحدة كان قائما منذ مدة في مفاوضات “مانهاتن” ، ولم تعطى له كل هذه الدلالات التي أعطيت اليوم لعودة المغرب للإتحاد الإفريقي ، هذه العودة التي ستعيد بناء التوازنات وفق نسق جديد يجب أن تواكبه إستراتيجية شمولية تأخذ بعين الاعتبار ثقافة إفريقيا وحمولتها التاريخية ، وتتجاوز أيضا النظرة الدونية لإفريقيا التي تكرست في عقول بعض النخب المغربية
وفي الختام ما يجب التأكيد عليه ، على أن كل ما حققه المغرب إلى حد الساعة لا زال دون المستوى المطلوب وليست هذه سوى البداية لمشروع غير محدود من العمل يجب التجند له كافة المؤسسات من أجل وضع مخططات إستراتيجية مستقبلية وتوحيد الرؤى على جميع المستوايات و تضافر الجهود من أجل مهجية عمل محكمة .
اترك تعليقاً