حرية التظاهر و الاعتصام وفقاً للدستور العراقي
فراس سعد المرعب
ان مما لا جدال فيه ان التظاهر والاعتصام اصبحا من الحقوق التي تقرها كل دساتير العالم وقبلها الكثير من اعلانات الحقوق والمواثيق والمعاهدات الدولية و من ابرزها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 ، اللذين اعترفا صراحة بالحق المذكور كواحد من اهم حقوق الانسان التي لا يجوز تقييدها الا بموجب قانون يتم وضعه كتدبير ضروري لصيانة الامن الوطني او السلامة العامة او النظام العام او حماية الصحة العامة او الاداب العامة او حماية حقوق الاخرين وحرياتهم وهذا ما نصت عليه المادة 15 من الدستور الاتحادي لعام 2005 فضلا عن ان هذا الحق جاء تأكيده في المادة 38 من الدستور التي تنص على ( تكفل الدولة العراقية – وبما لا يخل بالنظام العام و الاداب العامة – مايلي :
1-حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل .
2-حرية الصحافة والطباعة والإعلان والنشر .
3-حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وفقا لقانون ينظّم ذلك.) لقد جاء التشريع العراقي خاليا من أي قانون خاص ينظم حق التظاهر السلمي وما زال امر سلطة الائتلاف المنحلة المرقم ( 19 ) لسنة 2003 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد ( 3979 ) في 10 / تموز / 2003 ساريا حيث تم بموجبه تعليق احكام المواد 220 – 222 من قانون العقوبات العراقي و تقييد حق افراد الشعب بالتظاهر السلمي وتحديد الجهة المخولة بمنح الاذن بالتظاهر او التجمع السلمي على ان يكون منح الاذن قبل ( 24 ) ساعة على الاقل من التظاهر كما والزم الامر بيان اسماء المنظمين لها وتحديد عدد المشاركين فيها وتحديد مكان وزمان التجمع كما حظر الامر المذكور على المشتركين بالمظاهرة حمل السلاح او أي اشياء حادة اخرى ماعدا الاشياء التي تستخدم في رفع اللافتات التي يحملها المتظاهرون.
و الحقيقة ان هذا الامر لم يصدر طبقا للدستور الاتحادي الصادر عام 2005 وانما صدر عن سلطة الائتلاف و اعطى سلطة واسعة للقاضي في فرض العقوبة التي يراها على المتظاهرين المخالفين لاحكامه لذلك فان هذا الامر يعتبر غير دستوري وان على السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان الاسراع في تشريع قانون يتولى تنظيم حق التظاهر السلمي استنادا لدستور عام 2005 وطبقا لما جاء به من احكام تتعلق بحرية التعبير عن الراي ومنع استخدام القوة ضد المتظاهرين واحترام حقوق الشعب كونه مصدرا للسلطات .
ان كل ما ذكرته اعلاه يتعلق بحرية التعبير عن الرأي وحرية التظاهر والاعتصام السلمي يختلف كليا عن التمرد و العصيان الذي يشكل جريمة طبقا للمادة ( 364 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل ، فضلا عن ان رفع شعارات مناهضة لنظام الحكم او تحرض على قلبه او تثير الكراهية و النعرات الدينية وتدعو الى التفرقة بين الطوائف والمذاهب ينطبق و احكام المادة ( 200 ) من قانون العقوبات العراقي النافذ .
ان ما تشهده مدن العراق الان من مظاهرات و اعتصامات تحمل طابعا سلميا وتطالب بحقوق مشروعة مثل توفير الخدمات ومعالجة مشكلة البطالة وتطبيق مبادئ حقوق الانسان على المعتقلين و الاسراع بانجاز ملفاتهم وتعويض المتضررين ومحاربة الفساد المالي و الاداري والحد من امتيازات الرئاسات الثلاث وتحديدها وفق حدود معقولة لذلك فانها تعتبر منسجمة واحكام المواد ( 15 و 38 ) من الدستور النافذ ولا تنافي مبادئ حقوق الانسان التي جاء بها الدستور لكن هذا لا يلغي الحاجة الى تشريع القانون المتعلق بتنظيمها من قبل السلطة التشريعية ووفقا لما جاء به الدستور من احكام ومبادئ.
اترك تعليقاً