موقف المشرع العراقي من بطلان العقد و آثاره
المحامية: منال داود العكيدي
نَصت المادة (33) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 على انه ( 1ـ العقد الصحيح هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً بأن يكون صادراً من أهله مُضافاً الى محل قابل لحُكمه، وله سبب مشروع، وأوصافه سالمة من الخلل. 2 ـ واذا لم يكن العقد موقوفاً افادَ الحُكم في الحال).
ونصت المادة (138) منه على انه ( 1ـ العقد الباطل لا ينعقد ولايفيد الحكم اصلاً. 2ـ فإذا بَطـُل العقد يُعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.فإذا كان هذا مستحيلاَ جاز الحكم بتعويض معادل.3ـ ومع ذلك لايلزم ناقص الاهلية إذا أبطل العقد لنقص اهليته أن يَرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد ).
يتضح من النصوص المتقدمة، ان العقد في القانون العراقي،وكذلك عند جمهور فقهاء الشريعة، قسمان، صحيح وباطل، وينقسم العقد الصحيح الى موقوف ونافذ. وان المُشرِع العراقي لم يأخذ بفكرة العقد الفاسد الذي كان مقرراً في مجلة الاحكام العَدلية، فألْحقَ بعض صور العقد الفاسد بالعقد الصحيح الموقوف بينما الحقَ الصور المتبقية بالعقد الباطل.
والعقد الباطل من وجهة نظر المشرع العراقي هو الذي لايصُح اصلاً، اي بالنظر الى ذاته، او لايصح وصفاً، اي بالنظر الى اوصافه الخارجية، فأسباب البطلان شيئان، اما خلل في ذات العقد ومُقوماته اي في رُكنه، مثل ان يصدر الايجاب او القبول مِمن ليس اهلاً للتعاقد، او ان يكون محل العقد او سببه غير موجود او غير مشروع، وإما خلل في اوصافه الخارجة عن ذاته ومقوماته، كأن يكون المعْقود عليه مجهولاً جَهالة فاحشة، او الا يستوفي الشكل الذي فرضه القانون.
والعقد الباطل منعدم قانوناً فلا يَنتج اثراً وليس من اللازم صدور حُكم لتقرير هذا البطلان ولمن كان طرفاً فيه ان يُرتب اموره على اساس ان العقد غير موجود، اما اذا كان قد تم تسليم المعقود عليه وامتنع المشتري عن رده رضاء فلا مَندوحة عندئذ من اقامة دعوى البطلان لإسترداد ما تَم تسليمهُ بمقتضى العقد الباطل.
ويمكن ان يتمسك بالبطلان كل من كسب حقاً في محل العقد يؤثر فيه صحة العقد او بطلانه، سواء قد كسب الحق قبل صدور العقد ام بعده، فيتمسك به كل من الطرفين وخلفها العام والخاص(4). فيتمسك به المتعاقدان ودائِنوهُما وورثتهما، وكل من كسب حقاً عينياً على العين المبيعة كمشترٍ ثان او صاحب حق انتفاع او ارتفاق او دائن مُرتهن.
وعلى المحكمة ان تحكم ببُطلان العقد من تلقاء نفسها ولو رُفِعت الدعوى من وجه آخر غير البطلان، ولو لم يطلب المدعي الحكم بالبطلان، اذ ليس للمحكمة ان تعتبر ما هو معدوم قانوناً ذا وجود. والعقود الباطلة لا تلحقها الاجازة لأن المعدوم لا ينقلب موجوداً بالاجازة، والبطلان لايزول بالتقادم، وكذلك بالنسبة للدفع بالبطلان فهو لا يسقط اصلاً بالتقادم لأن الدفوع لا تتقادم.
والقول بإبطال العقد الباطل هو من باب المجَاز، لاننا لو اخذنا القول من باب الحقيقة فان ذلك يعني جعل التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، والحال انه اذا بدأ باطلا لا يَقبل إبطالا، لأن الباطل لا يُبطل فهو منعدم اصلاً.
واثر الحكم بالبطلان،انه اذا بطل العقد وجب اعادة كل شيء الى اصله، فيعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان احد المتعاقدين قد سلم شيئاً للآخر تنفيذاً للعقد، جاز له استرداده كاملاً. وإذا استحال ذلك بسبب الهلاك مثلاً، جاز الحكم بتعويض معادل.
يتضح مما تقدم ان البطلان في القانون المدني العراقي ليس مراتب متدرجة، بل هو بطلان واحد، يناظر ماتسميه بعض التشريعات بالبطلان المطلق، اما البطلان النسبي فيطرحه المشرع العراقي، لان مَنطقهُ لاينسجم مع صَنعة الفقه الاسلامي مصدرُ إلهام مشرعنا في هذا المجال، لان العقد الباطل بطلاناً نسبياً، هو عقد صحيح نافذ الاثر، وإذا كان كذلك فلا يصح وَصفه بالبطلان ولو كان نسبياً لكونه قائماً ومنتجاً لآثاره، ومثله لا يتصور كيف يحتاج الى الإجازة وهو نافذ لا يَعتريه عيب تُصَحِحه هذه الاجازة.
اترك تعليقاً