حالة الضرورة أو الظروف الاستثنائية في القانون الإداري
المحامية: منال داود العكيدي
وفقا لمبدأ المشروعية فان على الادارة الالتزام بالقواعد القانونية في كل الاحوال لكن هذا المفهوم وان كان صالحا في الاوقات والظروف الطبيعية الا انه من الصعوبة بمكان الالتزام به في اوقات الازمات او الاضطرابات لان التزام الادارة بالمفهوم المطلق للمشروعية يعرض سلامة الدولة لمخاطر شديدة تعصف بوجودها وقد تؤدي الى انهيارها وتودي بكل ماحرص مبدأ المشروعية على المحافظة عليه لان القوانين واللوائح انما وضعت لكي تطبق في الظروف العادية.
اما في حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية التي تتطلب سرعة التصرف فان الدولة تملك الخروج على القواعد القانونية فتعمد الى التوسع من اختصاصات عمالها حتى وان خرجت هذه الاختصاصات الجديدة عن الضوابط المقررة في القوانين القائمة اذ لابد ان تتوسع المشروعية لمواجهة الحالة الاستثنائية وبالشكل الذي يمكن الادارة من التصرف بقدر الحرية ومنحها بعض السلطات الخاصة على النحو الذي وان كان يتعارض مع قواعد المشروعية العادية الا انه يظل مع ذلك امرا قانونيا ومشروعا في اطار مايمكن ان نطلق عليه المشروعية الاستثنائية لان سلامة الشعب والدولة هي القانون الاعلى الذي يجب ان يسمو على جميع القوانين الوضعية .
ونظرا لكون ان السلطات التي تضطلع بها الادارة في ظل حالة الضرورة تتسم بالخطورة لما يترتب عليها من مساس بحقوق الافراد وحرياتهم فقد استقر القضاء الفرنسي على تطلب شروط معينة يجب ان تتوافر حتى تمارس الادارة هذه السلطات الخطيرة وهذه الشروط هي : وجود خطر يهدد سلامة الدولة كان تتعرض البلاد لخطر داهم بسبب غزو خارجي او اضطرابات داخلية تخل بالامن اخلالا شديدا او بسبب حدوث فيضان او انتشار وباء وغيرها ويشترط بالخطر ان يكون جسيما وان يخرج على الاقل عن اطار المخاطر المتوقعة او المعتادة في حياة الدولة ، كما يشترط في الخطر ايضا ان يكون حالا او محدقا بمعنى ان لايكون مستقبلا او انه قد وقع وانتهى فالخطر الحال هو الذي يكون على وشك الوقوع او الذي يكون قد بدا فعلا ولم ينته بعد ، فضلا عن ذلك فانه يشترط في الخطر ان يكون حقيقيا فالخطر الوهمي الذي ينشا في ذهن او تصور الادارة لوحدها من دون ان يكون مبنيا على اسباب معقولة لاينتج اثره في اعمال احكام نظرية الضرورة او الظروف الاستثنائية .
اما الشرط الثاني لخروج الادارة عن اطار المشروعية هو استحالة مواجهة الظروف الاستثنائية باتباع احكام واجراءات القواعد القانونية القائمة والمقررة للظروف العادية اذ يجب ان تكون الادارة مضطرة الى التصرف بشكل استثنائي وان تكون الاجراءات التي تتخذها هي ماتستدعيها الضرورة القصوى فاذا وجدت وسيلة قانونية او دستورية لمواجهة المخاطر التي تهدد سلامة الدولة فيجب اللجوء اليها اما اذا كانت الاحكام والاجراءات القانونية القائمة عاجزة عن مواجهة تلك المخاطر يصبح اللجوء الى تطبيق نظرية الضرورة او الظروف الاستثنائية امراً لامفر منه .
ولابد من ان يتناسب الاجراء المتخذ مع حالة الضرورة او الظرف الاستثنائي فيجب ان تكون الاجراءات الاستثنائية التي تتخذها الادارة بقدر ما تتطلبه الضرورة وفي حدود ما تقتضيه فلا يجوز للادارة ان تتجاوز ذلك وتستأثر بالسلطة او تتعسف في استعمالها اذ لايجوز ان يضحى بمصالح الافراد وان كان ذلك في سبيل المصلحة العامة الا بقدر ماتقتضيه الضرورة وبناء على ذلك فانه يجب على الادارة ان تراعي الحرص والحذر وتختار انسب الوسائل واقلها ضررا بالافراد للوصول الى تحقيق الهدف المطلوب المتمثل في المحافظة على سلامة الدولة بمواجهة الظروف الاستثنائية التي تهددها واعادة الاوضاع الى طبيعتها الاعتيادية .
واخيرا فلابد ان تنتهي سلطة الادارة الاستثنائية بانتهاء حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية اذ يقتصر اثر الظرف الاستثنائي على الفترة الزمنية التي يقوم فيها ذلط الظرف فلا يمتد الى مابعد انتهائها فزوال الضرورة او الظرف الاستثنائي يوجب على الادارة اتباع قواعد المشروعية العادية فالسلطة الاستثنائية للادارة مقترنة بالظرف الاستثنائي وتدور معه وجودا وعدما .
ويترتب على اعمال احكام حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية عدة نتائج اهمها : ان الادارة تملك الخروج على احكام القوانين العادية التي تلتزم بالخضوع لها واحترام قواعدها في الظروف العادية فتستطيع ان توقف تطبيقها وان تعدلها وان تلغيها عن طريق انظمة او لوائح الضرورة او بواسطة القرارات التي لها قوة القانون وما تصدره بهذا الشأن يعد مشروعا .
ومن الجدير بالذكر ان اعمال نظرية الظروف الاستثنائية لايؤدي الى النتيجة السابقة اي مشروعية اعمال الادارة التي كانت تعد غير مشروعة لو انها صدرت في ظروف عادية الا بالقدر الذي تتطلبه الضرورة او الظروف الاستثنائية فاذا ثبت ان الادارة كانت تستطيع بصدد تصرف او اجراء معين ان تتبع احكام القوانين العادية ولم تفعل كان تصرف الادارة في هذه الحالة باطلا .
ان السلطات الاستثنائية الممنوحة للادارة في حالة الضرورة او الظروف الاستثائية لاتكون بمنجاة من الرقابة التي تكون واجبة في هذه الحالة لضمان تحقيق الهدف الذي منحت الادارة لاجله تلك السلطات .
وعلى الرغم من اهمية الرقابة التي يمارسها البرلمان عادة بسبب الوسائل والقدرات التشريعية التي تملكها الادارة في تلك الظروف كلوائح الضرورة والقرارات التي لها قوة القانون التي بواسطتها تستاثر الادارة بالسلطة التشريعية المقررة اصلا للبرلمان الا ان الرقابة القضائية ورقابة القضاء الاداري تحديدا تظل اكثر الرقابات فعالية وابعدها اثرا باعتبار ان ماتصدره الادارة من اعمال قانونية في حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية لايخرج عن كونه قرارات ادارية وان اتسع نطاق اثرها .
وتنصب الرقابة القضائية على عنصر السبب اي التحقق من وجود حالة الضرورة او الظرف الاستثنائي والتأكد من صحة الحالة الواقعية التي دفعت الادارة الى استعمال سلطاتها الاستثنائية فضلا عن ذلك فان الرقابة تنصب ايضا على مبدأ التناسب بين الاجراء المتخذ والظرف الاستثنائي وهو مايسمى في القضاء الفرنسي عنصر الملائمة حيث يلغى القرار الصادر عن الادارة اذا ظهر انه لايتناسب من حيث الشدة مع الظروف الاستثنائية .
كما ان الغاية من الاجراءات والقرارات التي تتخذها الادارة في حالة الضرورة تتعرض هي الاخرى الى الرقابة وهنا لابد ان نذكر انه لايكفي ان تكون الغاية من التصرف الاستثنائي لتحقيق مصلحة عامة بمعنى ان الاجراءات والقرارات الصادرة في حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية تخضع لمبدأ تخصيص الاهداف اي بقصد مواجهة الخطر القائم فيراقب القضاء الاداري مدى وجود هذا الهدف الخاص في اعمال الادارة الاستثنائية .
وبناء على ما تقدم فان الادارة لاتخرج عن نطاق المشروعية في حالة وجود ظروف استثنائية وانما تظل خاضعة للقيود التي رسمها المشرع وللضوابط التي حددها القضاء بما يؤكد ان مبدأ المشروعية مبدأ قائم في جميع الظروف سواء العادية منها ام الاستثنائية لكن نطاق المشروعية في حالة الضرورة او الظروف الاستثنائية يتسع ليشمل القواعد والاجراءات الاستثنائية المقررة لمواجهة هذه الحالة او تلكم الظروف فضلا عن ان الادارة لاتنتفي مسؤوليتها عن الاضرار الناجمة جراء مباشرتها لسلطاتها الاستثنائية لكن اساس المسؤولية الادارية يتغير بشأنها حيث تستند المسؤولية في هذه الحالة او الظروف الى اساس المخاطر او تحمل التبعة لعدم جواز اقامتها على اساس الخطأ لان القرار المشروع لا يمكن الغاؤه كما لا يجوز ان تقوم المسؤولية عنه على اساس الخطأ.
اترك تعليقاً