حظى جسد الانسان فى الأديان والثقافات المختلفة بأهمية كبيرة، كما تم دراسته علميا من قبل العلوم المختلفة ومن زوايا متباينة، تهدف جميعها إلى التأكيد على ضرورة الحفاظ على هذا الجسد وحرمة انتهاكه. وكان هناك اختلافات حول النظر إلى جسد المرأة ومدى تأثير تركيبتها البيولوجية على دورها الاجتماعى ووجودها فى المجال العام أو الخاص، وما الذى ينبغي على المرأة أن ترتديه؟ وما وظيفتها وكيفية حفاظها على ذاتها وجسدها؟ أيضا من يمتلك هذا الجسد ومدى حرية المرأة فى أن تفعل بذاتها ما تشاء؟
وبالنظر إلى قضية التحرش الجنسى كإحدى أهم المشكلات التى تمثل انتهاكا لجسد المرأة وحرياتها، نجد أن تلك القضية تثير علامات استفهام كثيرة. فهل يعد التحرش ناجم عن احتياج أم اشباع لرغبة؟ أم امتهان أم تعدى واستباحة للآخر؟ وهل هو حالة للتعبير عن رفض لنوع أو جنس أو طبقة بعينها؟ هل المشكلة أمنية بالأساس ناجمة عن غياب الأمن؟ وهل تزايد التحرش بعد الثورة من فعل الثورة المضادة التى كانت فى ترغب فى إظهار مساوئ الثورة من انتهاك المجتمع وظهور البلطجية المأجورين، أي بمعنى أن هذا التحرش مدفوع لخلق حالة من الهلع؟
وبرغم تأكيد الاديان والفلسفات على ضرورة الحفاظ على قدسية جسد المرأة، إلا أن ما شهدته المرأة المصرية فى العقد الماضى تحديدا من تزايد معدلات التحرش اللفظى والمادى بها ما هو إلا تأكيد على التناقض بين ما هو كائن وما هو مفترض أن يكون. وقد استدعى ذلك اهتمام الكثير من المحللين والمراقبين فحاولوا تحليل الوقائع في محاولة للإجابة على الكثير من الأسئلة المثارة في هذا الشأن .
وجاءت الثورة المصرية لنشهد ثمانية عشر يوما لم يحدث بها أية معاكسات أو تحرشات بالفتيات حينما كان الكل مجتمعا فى ميدان التحرير تحت هدف واحد و شعار واحد هو ضرورة مقاومة السلطة الغاشمة. ويمكن أن نخلص من ذلك الى إستنتاج سريع بأن وحدة الانتماء والهدف تجب التحرش.
أما ما بعد هذه الأيام الثمانية، فقد شهدنا انقلاب فى غاية السوء حيث تزايدت حوادث التحرش الجنسى بالمرأة. وذلك مع تزايد وجود النساء فى المجال العام وظهر ذلك بتجلى فيما عرف بأول مظاهرة نسائية طالبن فيها بحرياتهن الشخصية واستعادة كرامتهن عند التواجد فى الشارع والحياة العامة، إلا أن ذلك قوبل بتزايد معدلات التحرش ويرجع ذلك فى نظر البعض إلى غياب التواجد الأمنى لفترة كبيرة ودخول عناصر وأنماط عرفت بالعناصر المندسة وسط المتظاهرين الثوار أو إحساس المتحرش بقدرته على الافلات بجريمته بعد ارتكابها لأنه لا يوجد رادع سياسى أو قانونى أو مجتمعى، فما جعل الكل يلتزم بأخلاقيات معينة فى ميدان التحرير هو الإحساس بأن الكل فى الميدان يتحد من أجل هدف واحد وأن هناك اخلاقيات للميدان لا يمكن لأحد الخروج عليها، ومن يخرج عليها سيقابل برادع مجتمعى في منتهى الشدة المتمثل فى سلطة ميدان التحرير فى ذلك الوقت.
بينما انقلب الحال منذ تظاهرات اليوم العالمى للمرأة فى 8 مارس 2011، حيث بدأت الحوادث الكبيرة للتحرش بالمرأة تظهر للعيان، وامتلأت الصحف وشاشات التلفزيون بمشاهد يندى لها الجبين مثل التحرش بالمراسلة الأمريكية لارا لوجان وغيرها من المصريات والاجانب.
لكن تلك الظاهرة لم تنشأ بين يوم و ليلة، وانما كانت نتاج لتراكمات كثيرة حيث كان هناك الكثير من الوقائع التي حدثت قبل ثورة 25 يناير وتحديدا فى شوارع وسط البلد عندما كانت تكثر تجمعات الشباب والفتيات فيستغل الشباب ذلك الزحام، ومن أكثر تلك الحوادث المؤثرة حادثة سينما وسط البلد الشهيرة عام 2006، وهي التي دفعت وزارة الداخلية بعدها لإقامة كردونات أمنية لحماية النساء فى الشوارع من التعرض لحوادث التحرش فكان الحل الأمنى هو السائد مما أثار تساؤل: هل حوادث التحرش نتيجة لسيكولوجيا التزاحم فقط؟
وقد أكدت بعض التحليلات بالفعل على أنه مع التزاحم تشتد وتيرة تلك الحوادث، بينما أكدت تحليلات أخرى أن الزحام ليس السبب الوحيد أو البيئة المناسبة الوحيدة لوقوع تلك الحوادث والايام الأولى للثورة خير دليل على عدم صحة هذا التحليل.
مدخل الى أسباب التحرش :
تتضمن حادثة التحرش عنصر الرجل و المرأة والمكان والزمان. فيمكن تحليل التحرش من زاوية المكان من خلال النظر في طبيعة الأحياء التى تكثر فيها حوادث التحرش وأيضا من حيث الزمان أي ما هي التوقيتات التى يتم فيها ذلك، وبالمثل ما هى طبيعة فئات الرجال التي تقوم بالتحرش؟ أي ما هى بيئاتهم الاجتماعية ووظائفهم ومن هن النساء اللائي يتم التحرش بهن وماذا كن يرتدين؟
و بتحليل بسيط لمجريات الأمور في مصر، يمكن أن نرى بشكل لافت أنه يمكن ألا يتم التحرش بسيدة على الرغم من أنها ربما تكون مرتديه لملابس كاشفة لبعض جسدها، ولكن المكان والزمان يعدان العنصران الأساسيان فى ذلك. فبالرغم من قصر ملابس الفتيات فى ستينيات القرن العشرين فى مصر إلا أن حوادث التحرش كانت أقل كثيرا بما لا يقارن بما يحدث حاليا.
و يمكن أن نضع أمام أعيننا عدة مقاربات لتحليل الواقع الحالى، فهل المشكلة قانونية بالأساس تتمثل في عدم وجود رادع أمام من يقوم بالتحرش أم أنها مشكلة تربوية ناتجة عن خلل النظام الاخلاقى الأسرى والمجتمعى؟ أم هى مشكلة ناتجة عن تدهور التعليم و الوعى؟ أم هى مشكلة أمنية تمثلت فى دولة غائبة أفسدت كافة القيم المجتمعية مما سوغ لبعض الرجال القيام بهذا السلوك، كما سمحت للبلطجية بانتهاك المجتمع على كافة مستوياته؟
ويمكن إرجاع حوادث التحرش إلى إحساس الفرد المتحرش بالاستلاب والضياع أي بغياب الهدف من وجوده وبقائه. وهو ربما من ثم باعتدائه على السيدة حتى لو كانت ترتدى أكثر الملابس احتشاما، وتحديه لكل السلطات ومنها سلطة الدين والدولة والمجتمع يحاول إثبات ذاته المستلبة وإعلان احتجاجه على هذا المجتمع.
ومع قيام الثورة وفى ظل غياب الأمن وإحساس الناس بالرفض لكل ما هو موجود، تصور فئة من الأفراد أنهم قد يكونوا في مأمن من العقاب وأنهم قد أبيحت لهم المحظورات فاستباحوا قوانين وأخلاقيات المجتمع والنظام العام. خاصة أن بعض المتحرشين من بعض الطبقات الدنيا فى المجتمع ربما يشعرون بالانتصار حينما يقومون بالتحرش بالبنات المتعلمات واللاتي ينتمين لطبقة أعلى، فالتحرش هو تعبير عن حالة من القمع والقهر، ولكن يظل التحليل الطبقى ليس هو التحليل الوحيد للتحرش، لأن التحرش فى كثير من الأحيان لا يكون وفقا للصورة التي عرضناها.
وبالتعمق فى نفسية المتحرش نرى أن المشكلة ربما تكمن فى الانعزال والاغتراب عن المواطنين الآخرين وفى نفس الوقت الحاجة والرغبة فى الاشباع الجنسى. ولكن أيضا لا يكون الأمر دوما ناتجا دوما عن عدم اشباع تلك الحاجة، إذ يكون التحرش فى
أحيان كثيرة هو مجرد إظهار عدم احترام لشعور الآخرين وحرماتهم. كما لا يغيب بالطبع ما ترتبط به تلك الظاهره من تدهور الجانب التعليمى والتربوى، و كذا الحالة الاقتصادية للقائمين بالتحرش.
التحرش إذا فى كثير من الأحيان لا يهدف لإشباع رغبة ولكن تعبير عن حالة غضب و نوع من العداء والرفض والثورة، وربما يكون طريقة لاثبات الذات بمعنى أن المتحرش يقول “أنا هنا”. أضف الى ذلك أنه يأخذ أحيانا شكل هوس جماعي، حيث قد تقوم مجموعة بالتحرش جماعيا وقد لا يربط بينهم أي رابط، أي ليست مجموعة من الأصدقاء أو الأقارب مثلا، ولكن مجرد مجموعة اجتمعت واندفعت وراء فكرة التحرش مثلما حدث فى الميادين و أمام دور السينما وهو ما يتكرر فى الأعياد وفى الأماكن العامة فى وضح النهار وتحت أعين المجتمع.
ومن مشاهد ما بعد الثورة أيضا التى حفرت فى جبين الأمة المصرية مشهد تعرية جنود الجيش لفتاة فى أحداث مجلس الوزراء وهو المشهد الذى قوبل بدعوات رجعية لا تهتم ولا تبحث فى لماذا قام الجندى بذلك الفعل الشنيع ولكنها اهتمت بأسئلة مثل لماذا لم تتحصن الفتاة لمواجهة مثل هذا الموقف؟ فكأنها كانت لابد أن تكون مهيأة لأن تتعرض للضرب والاهانة والسحل وتتحصن له. وهذا أخذا فى الاعتبار أن الفتاة كانت محجبة وترتدى من الملابس التى تسمح لها بالسير فى مجتمع سليم طبيعى ليس به كل هذا الخلل .
تشي كل هذه المقدمات بأى خراب وجهل يعشش فى هذه الأدمغة. إن مجرد طرح هذه الأسئلة هو التحرش بعينه و خدش بحياء الفكر وسموه و خوض فى أوحال أمراض نفسية بعيدة كل البعد عن صحيح الدين وطهارته وعفته. إذ نعتبر أن التحرش ليس مجرد تحرشات لفظية أو حركية ولكنه يتعدى هذا إلى طرح الأفكار والآراء المريضة استنادا الى أفكار أجمع العلماء أنها بعيدة كل البعد عن روح ومضمون الشريعة الاسلامية والقيم والاخلاق التى تحافظ على نقاء النفس وصحه العقل وسلام الروح.
أثر حوادث التحرش على الفتيات :
المدهش أنه طالما ما يوجه المجتمع البنات لكيفية الوقاية من التحرش ودون بذل الجهد الكافى للقضاء على تلك الظاهرة. فدائما ما تركز التحليلات على ما الذى كانت ترتديه الفتاة لحظة التحرش بها على الرغم من أنه قد ثبت في كثير من الحالات، بل وفي معظمها أن الفتيات كن يرتدين حجابا أو ملابس واسعة وطويلة فالأمر لا يرتبط إذا بالملابس فقط.
ومن الأمور الهامة التى يجب أن نضعها فى الاعتبار والتى تؤثر تأثيرا سلبيا للغاية على المرأة قضية التحرش فى أماكن العمل وخطورة ذلك تكمن فى إمكانية تكرار التحرش وبدون قدرة للسيدة على البوح بما يحدث لها خوفا على عملها و حياتها الاجتماعية والأسرية.
و للتعامل مع ظاهرة التحرش، تتخذ الكثيرمن الفتيات والسيدات المصريات اجراءات احترازية ودفاعية أثناء خروجهن من منازلهن وذلك بارتداء ملابس معينة ووضع ادوات فى حقائبهن وسياراتهن تحسبا لتعرضهن لكافة أنواع التحرش. ولنا أن نتصور ما بات يرتبه مجرد قرار الخروج من المنزل من أعباء تضاف إلى بقية ما تواجهه المواطنة العادية من أعباء في حياتها.
دعونا نتصور فتاة عادية تذهب من بيتها الى مدرستها على سبيل المثال، ولنتخيل كم الأفكار والهواجس والمخاوف التى تنتابها من احتمال تعرضها لتحرش لفظى أو جسدى وهى تعلم أن هذا المتحرش غالبا ما سيفلت من العقاب؟ ولننظر فيما قد ترتبه هذه الواقعة من ألم نفسي للفتاة قد يستمر معها لسنوات، فالتجربة الشعورية التى تمر بها الفتاة نتيجة لتلك التجربة الجسدية المريرة لا يمكن أن توصف، وحيث يظل الألم مؤثرا حتى بعد زوال الفعل ذاته.
وتدخل قضية التحرش أيضا ضمن قضايا ممارسة القوة على طرف أضعف وتكون تلك الممارسة على جسد الآخر. و يحدث التحرش عندما ينظر طرف ما سواء رجل أو امرأة أنه فى موقع القوة بالنسبة للطرف الآخر ويتصور أن الآخر لن يقدر على مواجهة ما حدث معه.
نظرة للمبادرات المضادة للتحرش :
تعددت المبادرات المواجهة للتحرش فيما بعد الثورة. نذكر منها التالى :حملة “امسك متحرش في العيد” وهي حملة قام بها مجموعة من المتطوعات والمتطوعين بهدف حماية ومناصرة المرأة المصرية فى عيد الفطر الماضى وارتدوا شعار ” بنات مصر خط أحمر ” وقاموا بتنظيم مجموعة لتوثيق حالات التحرش ومجموعة للامساك بالمتحرشين ومجموعة للمساندة المعنوية للبنت “ضحية التحرش” ومجموعة لمساعدة البنت للذهاب الى أقرب قسم شرطة لتحرير محضر.
أيضا قامت مجموعة من الفتيات بفتح حوار على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و” تويتر” من خلال تغريدات ومحادثات لشرح ما تعانيه النساء في الشارع والأماكن العامة من تحرش جنسي.
بالمثل جاءت حملة “كما تدين تدان” وتوزع أعضاءها أمام المولات ودور السينما، مؤكدةً: “لن نلجأ للأمن في التعامل مع المتحرش، لأن موقفه لن يكون حاسماً”وأيضا حملة ” قطع إيدك “.
كما توجد حملة “نفسى” التى تهدف إلى القضاء على التحرش الجنسي في مصر من خلال إطلاق عددا من المبادرات ويقول مؤسسيها أن ” هدفنا أن يبقي الشارع المصري مكان أمن لكل من فيه، بدون استثناءات ، مؤمنين بحق كل امرأة أن تسير في الشارع دون أن يتحرش بها أي أحدن سواء بالنظر أو الكلام أو اللمس. ويقول القائمون على الحملة أنهم من خلالها يحاولون نشر رسالة بعدد من المبادرات، أولها كانت مبادرة بصنع سلسلة بشرية ضد التحرش الجنسي, كما يهدفون لنشر مبادرتهم في كافة أنحاء البلد.
أيضا تعمل بعض المنظمات النسوية حاليا على إقرار قانون لتجريم التحرش الجنسي، ينص على معاقبة المتحرشين سواء من الرجال أو النساء، بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تتعدى ألف جنيه أو بأحدهما، سواء تم التحرش بواسطة المغازلة الكلامية، أو اللمس، أو من خلال المحادثات التليفونية ، أو رسائل المغازلة التي ترسل عبر الهاتف النقال أو الإنترنت أو الرسائل المكتوبة أو الشفهية.”
و تتحد كثير من جهود المنظمات المختلفة من أجل اقرار هذا القانون، حيث لا يوجد قانون ضد التحرش الجنسى حتى الآن. وإن كانت المحاكم المصرية قد أصدرت في عام 2008 أول حكم قضائي يجرم التحرش الجنسي، حيث قضت محكمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق مواطن لإدانته بجريمة التحرش ضد مخرجة للأفلام الوثائقية “نهى رشدى” وهى التى ذكرت فى أحاديثها الصحفية آنذاك أنها كانت مستعدة للموت ولا يفلت من تحرش بها من العقاب. و قد حصلت على هذا الحكم القضائى رغم عدم النص عليه صراحة فى القانون وذلك باجتهاد من القاضى حيث أصدره بالقياس على جرائم أخرى ولكن هذا الحكم لم يتكرر لعدم وجود نص في قانون العقوبات المصري يشير إلى تعريف دقيق للتحرش واعتباره جريمة .
و يمكن أن نخلص إلى أن كافة تلك الجهود المجتمعية تمثل مدخلا لعلاج مرض التحرش الجنسى فى مصر، وخاصة بالعمل على تفعيل قوانين مناسبة لمواجهة التحرش، وضرورة توافر دور حيوى للمراكز البحثية الاجتماعية والجنائية والسياسية فى التحليل الجيد للمشكلة ومعرفة مدى انتشارها وأسبابها، ودور الشباب فى توثيق تلك الحوادث والعمل على العلاج النفسى للضحايا و تقديم الجانى للمحاكمة.
لكن لابد للجهود المجتمعية أن تدعم أيضا بجهود مؤسسية منظمة. من خلال التأكيد على دور وسائل الاعلام فى التوعية والانتشار الأمنى فى أماكن التجمعات ووسائل النقل وتفعيل القوانين المضادة للتحرش.
خاتمة :
قد ينظر البعض للتحرش كأنه موضوع اجتماعى يبعد كل البعد عن السياسة ولكنه فى صميم علم السياسة لأنه حديث عن السلطة والتسلط والسيطرة والقمع، فعلاقة الجسد بالسلطة التى تحدث عنها فوكو وغيره من المنظرين السياسيين واضحة للعيان فرغم انتقادات النسوية لفوكو بأنه عندما تحدث عن الجسد والسلطة، لم يفرد مساحة خصيصا للمرأة والمشكلات التى تتعرض لها بانتهاك جسدها، إلا أن تحليلاته الخاصة بانتهاك الجسد يمكن أن تنسحب على المرأة بالتأكيد. فالمرأة تبقى أسيرة لخطابات مجتمعية تربط تعرضها للتحرش بوجودها فى الشارع وهذا قياس خاطىء لأن الخطاب موجه للمجنى عليها وليس الجانى والخطاب موجه للمجنى عليها رغم عدم اقترافها لأى ذنب لأنها الطرف الأضعف فى العلاقة.
ولم تستسلم المرأة المصرية لخطاب القهر والقمع والسيطرة الذى كتب على جسدها، وذلك يتراءى لنا من خلال مشاركتها فى الثورة ومطالبتها بحياة كريمة لها ولأسرتها، وهذا بصفة عامة، أما فيما يتصل بقضية التحرش الجنسى فرغم تزايد آلامها فيما بعد الثورة من تزايد معدلات التحرش إلا أنها ترفض أن تكون مجرد مستقبلة للسلطة والقهر فتقاوم ذلك من خلال المبادرات العديدة التى أسستها الفتيات مثل “قطع إيدك” “نفسى” “لا للتحرش” “امسك متحرش” “أنا متحرش، إذا أنا حيوان” “احميها بدل ما تتحرش بيها”. وحتى لو كانت النهاية شديدة الألم مثلما حدث لإيمان شهيدة التحرش بأسيوط، إلا أن كل ذلك يشير إلى عدم خضوع المرأة وعدم انكسارها حتى لو كانت ما زالت تدفع ثمنا باهظا من أجل كرامتها وحريتها التى لا تخالف الدين فى شىء وإنما تخالف دعوات القمع و الجهالة. و نتساءل ألا يكفي دم الشهداء لنتطهر من تلك الامراض ؟؟!!!
وفى النهاية ينبغى وضع التحرش الجنسى الآن فى إطار تحليلى أوسع يربطه بما يحدث من تحرشات بين العديد من القوى المجتمعية. فستبقى تلك الأعراض موجودة طالما بات النظام المجتمعى والسياسى كما هو. لذلك نرى أن تزايد معدلات وحدة وعنف التحرش الجنسى فى المجتمع هو خلل تربوى ودينى وأخلاقى، كما أنه وبالمثل خلل فى النظام السياسى والقانونى. وهو شأن لن يحل بين عشية وضحاها وسيحتاج المجتمع إلى سنوات طويلة لإعادة ترميمه بعد تآكل أجزاء أصيلة منه ليعود ويتعافى من الأمراض التى أصابته منذ عقود.
اترك تعليقاً