الحماية الدولية و القانونية للمدنيين من الاختفاء القسري
المحامية: منال داود العكيدي
يقصد بالاختفاء القسري للاشخاص هو خطفهم او اعتقالهم من دون علم ذويهم سواء من منزل او من مكان عام او من مكان العمل وسواء كان الشخص المختطف مدنيا ام عسكريا .
وهذه الجريمة تنتشر في غالب الاحيان في الحروب الاهلية وترتكب لاسباب سياسية او اقتصادية او عنصرية واختلطت هذه الجريمة في العديد من الحالات بالارهاب الدولي. وبسبب انتشار هذه الجريمة فقد اهتم المجتمع الدولي بها من خلال العديد من الاجتماعات والمؤتمرات ووجدت المناقشات التي اجرتها الجمعية العامة ان ما يجري في بعض البلدان من حالات اختفاء قسري يأخذ صورة القبض على الاشخاص واحتجازهم او اختطافهم رغما عنهم او حرمانهم من حريتهم على اي نحو آخر وعلى ايدي موظفين من مختلف فروع الحكومة او اشخاص عاديين يعملون باسم الحكومة او بدعم منها بصورة مباشرة او غير مباشرة ورفض الكشف عن مصير الاشخاص المعنيين او عن اماكن وجودهم او رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم مما يجرد هؤلاء الاشخاص المحتجزين من حماية القانون .
وبناء على ذلك اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة اعلان حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري بتاريخ 18 / تشرين الثاني من عام 1992 واستنادا للمادة 55 من ميثاق الامم المتحدة الخاصة بتعزيز الاحترام لحقوق الانسان والحريات الاساسية والتقيد بها والمواد ذات الصلة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تحمي حق الشخص في الحياة وحقه في الحرية والامن وحقه في عدم التعرض للتعذيب وحقه في الاعتراف بشخصيته القانونية والحماية التي تمنحها لضحايا المنازعات المسلحة اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 / اب 1949 وبروتوكولاها الاضافيان لعام 1977 واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من انواع المعاملة او العقوبة القاسية او غير الانسانية او المهينة التي تنص على انه: (يجب على الدول الاطراف ان تتخذ تدابير فعالة لمنع اعمال التعذيب والمعاقبة عليها).
وتضمن الاعلان المبادئ الواجبة التطبيق على جميع الدول بشأن حماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري بوصفه مجموعة من المبادئ الواجبة التطبيق وعلى جميع الدول حثها على بذل الجهود حتى تعم معرفة الاعلان ويعم احترامه. ومن المبادئ التي وضعتها الجمعية العامة هي : يعد كل عمل من اعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الكرامة والانسانية ويدان بوصفه انكارا لمقاصد الامم المتحدة وانتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الانسان والحريات الاساسية التي وردت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 واعادت تأكيدها وطورتها الصكوك الدولية الصادرة في هذا الشأن لذلك فمن من واجب اية دولة عدم ممارسة الاختفاء القسري او السماح به او التغاضي عنه وعليها ان تعمل على المستوى الوطني والاقليمي وبالتعاون مع الامم المتحدة في سبيل الاسهام بجميع الوسائل في منع واستئصال ظاهرة الاختفاء القسري ، وعلى كل دولة ان تتخذ التدابير التشريعية والادارية والقضائية وغيرها من التدابير الفعالة لمنع وانهاء جريمة الاختفاء القسري في اي اقليم خاضع لولايتها .
ولا يجوز التذرع باي امر او تعليمات صادرة عن اي سلطة عامة مدنية كانت او عسكرية او غيرها لتبرير اعمال الاختفاء القسري ويكون من حق اي شخص تلقي عدم اطاعة الاوامر المتعلقة بذلك ، ولا يجوز اتخاذ اية ظروف مهما كانت كالتهديد باندلاع حرب او قيام حالة حرب او عدم الاستقرار السياسي الداخلي او اية حالة استثنائية اخرى ذريعة لتبرير اعمال الاختفاء القسري حيث انه غالبا ما تستغل حالة الطوارئ والحروب الاهلية لاختطاف الاشخاص وحجزهم في اماكن سرية .
وهناك عدة واجبات اخرى تتعلق بمنع جريمة الاختطاف القسري منها : عدم طرد او اعادة او تسلم اي شخص الى اي دولة اخرى اذا قامت اسباب جدية تدعو الى الاعتقاد بانه سيتعرض عندها لخطر الاختفاء القسري وعلى السلطات المختصة ان تقوم بالتحقق من وجود مثل هذه الاسباب وعليها ايضا القيام بحماية الاشخاص من الاختطاف القسري بالقيام باجراءات قضائية لتحديد مكان وجود الاشخاص المحتجزين او الوقوف على حالتهم الصحية وتحديد المسؤولين عن احتجازهم ولها اي السلطة الوطنية المتخصصة لدى المباشرة بهذه الاجراءات حق دخول جميع الاماكن التي يحتجز فيها هؤلاء الاشخاص او اي سلطة اخرى مخولة بموجب القانون حق دخول تلك الاماكن .
وكذلك يجب ان يتم الافراج عن اي شخص من الاشخاص المحرومين من حريتهم على نحو يتيح التحقق بصورة موثوقة من انه افرج عنه فعلا في ظل اوضاع تكفل احترام سلامته البدنية وقدرته على ممارسة حقوقه ممارسة كاملة . وعلى كل دولة ووفقا لقانونها الوطني ان تحدد الموظفين المرخص لهم باصدار اوامر الحرمان من الحرية والظروف التي يجوز في ظلها اصدار مثل هذه الاوامر والجزاءات التي يتعرض لها الموظفون الذين يرفضون من دون مسوغ قانوني تقديم المعلومات عن حرمان شخص ما من حريته وتكفل كل دولة رقابة صارمة على هؤلاء الموظفين كما تمارس رقابة على غيرهم من الموظفين الذين يخولهم القانون استعمال القوة والاسلحة النارية .
وتكفل الدولة لكل من لديه علم او مصلحة مشروعة ويدعي تعرض اي شخص لاختفاء قسري الحق في ان يبلغ الوقائع الى سلطة مختصة ومستقلة في اطار الدولة التي عليها ان تقوم باجراء سريع وكامل ونزيه في شكواه وفي حالة وجود اسباب معقولة للاعتقاد بان اختفاء قسريا قد ارتكب فعلى الدولة ان تبادر الى احالة الامر الى السلطة المتخصصة لاجراء التحقيق في الموضوع وان لم تقدم شكوى رسمية ولا يجوز اتخاذ اي تدابير لاختصار ذلك التحقيق او عرقلته .
كما يجب احالة جميع المتهمين بارتكاب عمل من اعمال الاختفاء القسري الى السلطات المدنية المتخصصة في تلك الدولة لاقامة الدعوى والحكم عليها اذا كانت النتائج التي اسفر عنها التحقيق الرسمي تبرر ذلك وعلى جميع الدولة اتخاذ التدابير القانونية المناسبة لكفالة محاكمة اي شخص خاضع لسلطتها متهم بارتكاب عمل من اعمال الاختفاء القسري يتضح انه خاضع لولايتها او سلطتها .
ولا يسري التقادم على جرائم الاختفاء القسري واذا كان ثمة محل للتقادم فيجب ان يكون التقادم المتعلق باعمال الاختفاء القسري طويل الاجل بما يتناسب مع شدة جسامة الجريمة كما لايستفيد الاشخاص الذين ارتكبوا او ادعي انهم ارتكبوا الجرائم الخاصة باعمال الاختفاء القسري من اي قانون عفو خاص او اي اجراء مماثل اخر قد يترتب عليه اعفاء هؤلاء الاشخاص من اي محاكمة او عقوبة جنائية ويجب ان يؤخذ في الاعتبار عند ممارسة حق العفو شدة جسامة اعمال الاختفاء القسري .
واخيرا فانه يجب تعويض الاشخاص الذين وقعوا ضحية اختفاء قسري واسرهم ويكون لهم الحق في الحصول على التعويض المناسب بما في ذلك الوسائل الكفيلة باعادة تأهيلهم على اكمل وجه ممكن وفي حالة وفاة شخص نتيجة لاختفاء قسري يحق لاسرته الحصول على التعويض ايضا.
اترك تعليقاً