لا شك أن مصر تمر بمرحلة فاصلة فى تاريخها الحديث، وهى مرحلة «تأسيس» مصر المعاصرة، ووضع الأسس القانونية والسياسية لبناء حديث متوازن مع حركة المجتمع الدولى، وخاصة ما يجرى فى الساحة المصرية من وضع أو تعديل دستور يتفق فى نصوصه مع حركة المجتمع الدولى، وتلاحق مصر دورها الحضارى الدولى الذى تستحقه. وفى مقابل ذلك فمن الطبيعى أن تواجه مصر مقاومة ضد التغيير والتقدم، ومن ذلك تعرضها لممارسة العمليات الإرهابية بهدف إرعاب المجتمع، والتأثير على الحياة الاقتصادية، من أهمها إرعاب السياحة والاستثمار لتأخير عودتهما الطبيعية إلى مصر. ولذلك نلاحظ تزايد الجرائم الإرهابية فى أماكن عديدة مثل سيناء وكرداسة ومدينة نصر على سبيل المثال.
إن جريمة الإرهاب من الجرائم التى تعد فى الآونة الأخيرة من أبشع الجرائم المحلية والدولية، وذلك لما لها من آثار غير إنسانية، وكذلك لطرق ارتكابها التى تتم مباغتةً ضد أشخاص لا علاقة لهم بموضوع أو محل أو أطراف الجريمة الإرهابية.
ونجد أن معظم دول العالم تستنكر وتحارب الجرائم الإرهابية مهما كان سببها أو توجهاتها أو فاعليتها.
تسمى الجرائم الإرهابية «الجرائم الخسيسة»، حيث إنها يمكن أن تحدث ضد أى شخص فى أى وقت وفى أى مكان. وفى نفس الوقت فإن المجرم الإرهابى غالباً ما يكون شخصاً عادياً أو مأجوراً وغير مسجل إجرامياً، ومن ثم يصعب رصده ومراقبته. هذا علاوة على أن الجريمة الإرهابية أصبحت تستخدم الآن كصورة من صور الحرب بين الدول.
والتطور الخطير فى الآونة الأخيرة هو التطور الخاص بالأدوات التى يستخدمها الإرهابى.
ومن القراءة السابقة فقد رأى المجتمع الدولى أن هذه الجرائم الإرهابية تمثل ظاهرة إجرامية استثنائية، ومن ثم فقد اتجه العالم إلى مواجهتها بكل الطرق الاستثنائية والعادية مع وضع الضمانات القانونية اللازمة لمواجهة أى شروط فى استخدام هذه الطرق فى غير الجرائم الإرهابية.
ولذلك فإن مصر فى مجال التعديلات الدستورية التى تكفل الحقوق والحريات للمواطنين بنصوص واضحة، وحيث إن هناك استثناء من اتخاذ بعض الإجراءات القانونية فى حالة ضبط أى شخص فى أثناء قيامه بارتكاب جريمة معينة، وهى ما تسمى قانوناً «حالة التلبس»، فقط تمت إضافة- أيضاً- حالة أخرى وهى ارتكاب جريمة الإرهاب، وأن يتم استثناء بعض المواد الدستورية للتمكن من اتخاذ إجراءات سريعة ونشطة لضبط مرتكبى الجرائم الإرهابية، وفى نفس الوقت أن يتم إلغاء حالة الطوارئ التى كانت قائمة فى مصر مند أكثر من خمسين عاماً، والتى تمت المطالبة بإلغائها طوال هذه السنوات الماضية.
ومن المتفق عليه أن أى تقييد لحريات الأشخاص وحقوقهم هو عمل لا يتفق مع حقوق الإنسان ومع ضمانات الضبط والمحاكمة، ولذلك فإن التعديلات الدستورية قد واجهت استثنائية الجرائم الإرهابية باستثناءات فى الضبط أو التحرى التى تسبق الضبط، وقد نصت على أنه يتم كل ذلك تحت إشراف القضاء وأن تتخذ هذه الاستثناءات فى مجال الجريمة الإرهابية فقط بعد أن كانت وفقاً لحالة الطوارئ التى كانت تنطبق على جميع مجالات الحياة فى مصر.
وأما المطلوب الآن فهو أن يقوم قانون مكافحة الإرهاب الجارى إعداده فى مصر بتعريف واضح لـ«الجريمة الإرهابية» وتحديد أركانها القانونية وعناصرها بما يتفق مع التعريفات المتفق عليها فى معظم دول العالم، وأن يستمد قواعده من قوانين مكافحة الإرهاب التى وضعتها دول كثيرة متقدمة لحماية شعوبها وأراضيها من هذه العمليات غير الإنسانية، علاوة على ضرورة أن يتضمن قانون الإرهاب الضوابط القانونية اللازمة لعدم إساءة استخدام هذا القانون فى غير هذه الجرائم، وفى نفس الوقت إفساح المجال بجميع السبل لإحباط العمليات الإرهابية وضبط الإرهابيين بهدف تحقيق الأمن والأمان والحماية لمصر وشعبها.
الأستاذ الدكتور/ نبيل أحمد حلمي
اترك تعليقاً