الاتجار بالبشر ممنوع في مصر!
تحقيق: ماري يعقوب
برغم أن القوانين المصرية الحالية تجرم كل أشكال جريمة الاتجار بالبشر إلا أنه من الأفضل أن يكون هناك قانون موحد يتعامل مع هذه الجرائم.. وهذا ما تسعي اليه مصر حاليا حيث انتهت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الاتجار بالبشر من اعمالها في اعداد مشروع القانون الخاص بجرائم الاتجار في الأفراد.
قد جاءت مبادرة اعداد هذا القانون من منطلق ادراك مصر لبشاعة جريمة الاتجار بالبشر كونها منافية للقيم الانسانية التي تحض عليها الأديان السماوية, فضلا عما تمثله من امتهان لكرامة الانسان وانتهاك لحقوقه الأساسية في الحياة بكرامة وأمن وحرية ومساواة, اقتناعا منها بأن النساء والأطفال يمثلون الفئات الأكثر تضررا من هذه التجارة بحسب توصيف السيدة السفيرة نائلة جبر مساعد وزير الخارجية لشئون الهيئات والمنظمات الدولية ورئيس اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار في الأفراد.. مشيرة الي أن مصر تولي هذه الظاهرة اهتماما كبيرا وتسعي للتعامل الحاسم والفعال معها سواء علي المستوي الوطني او علي المستوي متعدد الأطراف وذلك من خلال الاسهام بصورة ايجابية في صياغة المعايير الدولية في هذا الشأن ومنها الاشكال المتعددة للجريمة المنظمة عابرة الحدود الوطنية.
وكان تقرير قد صدر مؤخرا ينسب الي الخارجية الامريكية آثار جدلا كبيرا بعد أن صنف مصر كواحدة من الدول المصدرة للبشر بهدف الاستغلال الجنسي للأطفال الي انتشار تجارة الأعضاء.. ورغم ان التقرير ضم جميع دول العالم بحسب ترتيبها الابجدي إلا أنه قد ركز علي أن مصر تعتبر احدي دول الترانزيت للاتجار بجميع أشكاله.
وفي تعليق لها علي هذا التقرير وفيما يخص مصر تحديدا قالت دكتورة نهال فهمي الخبير الاقتصادي الاقليمي لمكافحة الاتجار بالبشر.. انه ركز علي بعض القضايا الرئيسية التي تستحق الانتباه منها ما يتعلق بأمر العمل الجبري للأطفال والذي تم تحديد مؤشراته من خلال مواصفات وضعتها منظمة العمل الدولية خلال تقديرات واحصاءات, حيث ركز التقرير علي أن هذا الأمر يدخل ضمن الاتجار بالبشر في العالم كله وليس فقط في مصر.. قضية أخري وهي الاتجار في البشر من أجل صناعة الجنس ودخل فيها استغلال النساء القاصرات بصفة عامة او استغلال ناجم عن الخدمة المنزلية التي يتم الاستغلال فيها اقتصاديا وجنسيا بالاضافة الي أطفال الشوارع.. وهذه القضايا موجودة في العالم كله ولكن هذا العام2009 ركز التقرير علي مصر بالذات وكان التركيز علي أطفال الشوارع لأنه من الطبيعي كلما زاد عدد هؤلاء الأطفال الذين هم بلا مأوي زادت نسبة الاستغلال والاتجار كما كشف التقرير عن صورة من صور الاتجار وهي زواج البنات الموسمي او المؤقت من الأثرياء العرب والذي يسمي بزواج الصفقة أما أطفال الشوارع فبجانب ما يلقونه من استغلال سواء في العمل او الشارع فهم يتعرضون لمخاطر اخري وهي سرقة الأعضاء وأظهر التقرير ان السياحة الجنسية بهدف المتعة تتركز في ثلاث محافظات بمصر وهي الأقصر والاسكندرية والقاهرة.
ولأن القضية ذات ابعاد اجتماعية أصيلة كان علينا التعرف علي دور البحث الاجتماعي عنها.. حيث وصفتها دكتورة نجوي خليل مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بأنها مشكلة كبيرة وذات ابعاد دولية حيث ظهور مافيا او عصابات جديدة للتجارة بالبشر سواء تجارة فعلية او كان زواج الصفقة او الزواج الموسمي الذي نضيف تحت بند الدعارة او كان في شكل عمالة الأطفال ـ ضد القانون..
وتضيف ان كلمة الاتجار غير معني الاستغلال ذلك لأنه يمارس الأجبار علي الانسان وتعطي مثالا لذلك باطفال الشوارع الذين يجبرون علي ممارسة اعمال بعينها ولذلك نحن معينون باجراء عدة بحوث لمعرفة حجم هذه الظاهرة ومدي تواجدها في مصر, ودراساتنا تهدف الي معرفة الوضع المصري بالنسبة للاتجار بالبشر, ذلك لان حالات الاتجار ممكن تكون داخل الدول نفسها أي( مصدر) او تكون الدولة ترانزيت لهذه الظاهرة ولهذا يقوم المركز باجراء الدراسة التي تضم7 انماط منها وهي عمالة الأطفال وزواج القاصرات, والاستغلال الجنسي, وخدم المنازل, وأطفال الشوارع, الهجرة غير الشرعية ونقل وزراعة الأعضاء البشرية وذلك من خلال دراسة ميزانية تشمل جميع محافظات الجمهورية لحصر ودراسة الحالات علي المواقع وقد بدأت بالفعل منذ خمسة شهور وسيتم الانتهاء منها في يوليو من هذا العام وهذه الدراسة تتم بالتنسيق مع وزارة الخارجية المصرية من خلال اللجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر..
وتضيف دكتورة نجوي خليل ان نقل الأعضاء البشرية هو أحد اشكال الاتجار بالبشر خاصة عندما يكون المواطن المصري مطمعا من الدول الأخري ولأنه ليس لدينا قانون يجرم فعل هذه الدولة فتكون المشكلة معقدة فاذا ما تركت بدون تقنين اصبحنا سوقا لهذه التجارة السوداء.
الاتجار بالبشر
ومن جانبها تري دكتورة سهير عبد المنعم أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث وعضو المجلس القومي للمرأة.. انه بداية علينا ان نعي جيدا مفهوم او تعريف الاتجار بالبشر.. وبحسب الأمم المتحدة تجنيد اشخاص او نقلهم او تنقيلهم او ايواؤهم او استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة او استعمالها او غير ذلك من اشكال القسر او الاختطاف او الاحتيال او الخداع او اساءة استعمال السلطة او اساءة استغلال حالة استضعاف او باعطاء او تلقي مبالغ مالية او مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة علي شخص آخر بغرض الاستغلال او يشمل الاستغلال كحد أدني استغلال دعارة الغير او سائر اشكال الاستغلال الجنسي او السخرة او الخدمة قسرا او الاسترقاق او الممارسات الشبيهة بالرق او الاستعباد او نزع الأعضاء.
وتضيف دكتورة سهير عبد المنعم لأن الاعتقاد الراسخ لدينا كان يؤكد أن هذه الأشكال من التجارة ليس لها وجود فعندما كلفت كأستاذ بالمركز لاعداد ورقة عمل عن حجم المشكلة كان الانطباع الأول لي الاستنكار لاستخدام هذا التعبير عن المجتمع المصري حيث كان حديثا بالنسبة لأدياننا.. كنا نسمع عن مجرد خطف الأطفال ونساء شبكات الدعارة العابرة الي اسرائيل, وكانت رؤيتي أننا ضحايا بصفتنا دولة معبر فقط, ولكن بالرجوع الي المواثيق الدولية ودراستها ودراسة مشاكلنا التقليدية ومفاهيم الاتجار بالبشر ولماذا يقف العالم حاليا عندها.. أقول إن هذا البروتوكول المعني بمنع الاتجار بالأفراد الملحق باتفاقية الجريمة المنظمة الصادرة عام2000, وجدنا ان الجريمة المنظمة نشطت واتسعت مع الأخذ بالانفتاح الاقتصادي وانفتاح الأسواق, وبالتالي وجدت لأنشطتها غير المشروعة مجالا, وزادت هذه الجريمة التي كانت تنحصر في الاتجار بالسلاح والمخدرات أضيف اليها الاتجار بالأفراد وعندما وجدت منظمة الأمم المتحدة ان هذه الجريمة تزداد وتتسع اشكالها كانت دقات الخطر.. فمنها تهريب المهاجرين وأنشطة الاتجار بالأفراد عبر الدول..
ولذلك كان الاتجاه الأول توجيه السياسة الجنائية لردع كل سلوك يشكل الاتجار. ثانيا- تأهيل الضحايا والعناية بهم نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ثالثا الحد من الظروف التي تفرز الضحايا بمواجهة الفقر والتخلف وانعدام العدالة الاجتماعية وهذه العوامل هي التي جعلت العالم يتصدي لهذه القضية.
وتضيف انه من منطلق احترام إرادة البشر وكرامة الانسان التي تعتبر من أول مباديء الامم المتحدة ففي المادة الاولي للاعلان العالمي لحقوق الانسان تنص علي ان يولد جميع الناس متساوون.. ولذلك عندما نأتي للاتفاقية الدولية للرق والممارسات الشبيهة بالرق نجدها تقول( الاعراف والممارسات التي تبيح الوعد بتزويج إمرأة أو تزويجها فعلا دون إبداء حق الرفض من جانبها لقاء بدل مالي يدفع لوالديها أو للوصي عليها أو لأسرتها أو لأي شخص آخر.. وهذه تندرج تحت الممارسات الشبيهة بالرق وتتصل بأعرافنا وتقاليدنا التي تقول بالولي انه يزوج القاصر تحت18 سنة ولا يعتد برضاها, وهو موجود في نص البروتوكول الدولي الذي يحدد ثلاثة عناصر للاتجار وهي:
ــ الافعال الاجرامية وتشمل تجنيد بعض الافراد أو نقلهم أو ايواءهم.
ــ استخدام العديد من الوسائل أما بالتهديد أو بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من وسائل القسر أو الاختطاف واستخدام الاحتيال والخداع في ذلك أو استخدام السلطة وإعطاء مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة علي آخر أضعف منه.
وتضيف دكتور سهير ـ ان علم الضحايا يقول ان الاطفال والنساء والمسنين هم الفئات المستضعفة.. من هنا جاء نص البروتوكول بصيغة صريحة ـ الاطفال والنساء والعمال بهدف الاستغلال إما للعمل بالسخرة أو الاستغلال الجنسي بكل صوره أو في نزع الاعضاء أو أي مظهر من مظاهر الرق أو الممارسات الشبيهة بالرق ـ وهي من العناصر الاساسية في البروتوكول.
أكد تقرير لمركز الارض لحقوق الانسان صدر مؤخرا أن مصر أصبحت من مراكز الاتجار بالبشر في العالم لافتا إلي زواج القاصرات الفتيات الصغيرات للاثرياء من دول الخليج.
وحذر التقرير من تزايد حالات الاتجار بالبشر خلال السنوات الأخيرة حيث شهد عام2003, نحو52 حالة للذكور و27 حالة للإناث وفي عام2004 وصل عدد الحالات33 للذكور و34 للإناث أما في عام2005 فشهد49 حالة للذكور و23 حالة للإناث بينما سجل عام2006 تقريبا30 حالة للذكور و12 حالة للإناث.
لدينا مشكلة
أما الناشطة الحقوقية نهاد أبو القمصان فتؤكد أن لدينا مشكلة ثلاثية الأبعاد..
أولها أن مصر تعتبر محطة ترانزيت من القادمين من أوروبا الشرقية إلي اسرائيل والخليج وآسيا للعمل في الدعارة خاصة بعد تفتيت الدول في أوروبا الشرقية.. كذلك نحن محطة للجنوب الافريقي من الشمال اذن أصبحنا محطة ترانزيت للاتجار بالبشر وهذه من الاشياء المطلوب مراجعتها لانها وضعت مصر في مشكلات أخري منها ايجاد4 ملايين لاجيء في مصر أما المشكلة الاخري فهي مشكلة تعريفنا نحن للاتجار بالبشر ـ فنحن علي المستوي الداخلي لا نعرفه كما يجب.
أما السفيرة نائلة جبر فتؤكد أن موقف مصر الثابت من عدم التهاون في التعامل مع الاتجار في الافراد خاصة الاتجار في النساء والأطفال وتأثير تلك الجريمة بجميع أشكالها وضرورة حماية الضحايا والتفرقة في التعامل معهم بين المجرمين والمتورطين في تلك الانشطة الاجرامية بمشاركة مع مؤسسات المجتمع المدني ومجتمع الاعمال ووسائل الاعلام والمثقفين ـ وانطلاقا من هذا الموقف تقوم الحكومة بجهود عديدة لمناهضة هذا النشاط الاجرامي ببعديه الدولي والداخلي التزاما منها بالمعايير للأمم المتحدة من هنا صدر قرار رئيس مجلس الوزراء في يوليو2007 بتشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار في الافراد بوزارة الخارجية وهي خطوة ايجابية في إطار الجهود التي تقوم بها لتنفيذ التزاماتنا الدولية في مكافحة الجريمة المنظمة خاصة ظاهرة الاتجار في الافراد. وتضم اللجنة في عضويتها ممثلين لجميع الجهات المعنية حكومية ومجتمع مدني ومن بين اختصاصاتها صياغة خطة عمل وطنية لمكافحة الاتجار في الافراد وإعداد تقرير سنوي يعرض علي مجلس الوزراء وصياغة تشريع متكامل لتجريم الاتجار في البشر مع اقتراح برامج مساعدة الضحايا وحمايتهم وحملات التوعية وإعداد قاعدة بيانات مركزية ومتابعة تنفيذ مصر لالتزاماتها الدولية الناشئة علي أحكام بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار في البشر خاصة النساء والاطفال وتفعيل التعاون مع أجهزة الامم المتحدة المعنية وتعزيز آليات التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية علي جميع المستويات وتضيف ان عمل اللجنة يركز علي ثلاثة مسارات أساسية وهي المسار التشريعي والمسار التنفيذي والمسار الاعلامي والثقافي الهادف لنشر الوعي بهذه القضية.
اترك تعليقاً