مقالة قانونية مفيدة عن تقاسم الأرباح و الخسائر في الشركات التُجارية
المستشار شريف النجار
هل يحق شرعاً ونظاماً إعفاء شريك من الخسائر مع تقاسمه الأرباح ؟ أم لا ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( أولاً ) : من حيث الشريعة الإسلامية ؟
أن الشريعة الإسلامية السمحاء تقوم على أساس القسط والعدل والمساواة في كل مجالات الحياة الإنسانية ،ولو إتبعنا الأحكام الشرعية في مجال المعاملات التجارية لوجدناها مبنية على هذا الأساس.
وقد إستنبط العلماء القاعدة العامة التي تحكم هذا المجال وهي “الغُنم بالغُرم” والمقصود العام منها تحميل الفرد من الواجبات والأعباء بقدر ما يأخذ من الميزات والحقوق ،بحيث تتعادل كفتا الميزان في الواجبات والحقوق ،فلا تنتقل إحداهما على حساب الأخرى ،فتنتقل بشكل عام على علاقة الإنسان بربة وبنفسه ومع غيرة من المخلوقات وهي قاعدة لها علاقة وطيدة بقوانين الفطرة الإنسانية التي فطرها الله عليها ،كأصل من أصول نظام الحياة ،وسنحاول في هذا الرأي القانوني المبسط تسليط الضوء على هذه القاعدة في مجال المعاملات التجارية.
( أولاً ) : إن قانون إستعمال المال يقوم على أساس المخاطرة ،أي إحتمال الربح والخسارة ،وإذا إتفق طرفان على إستثمار ما ،فلابد أن يتحملا معاً نتائج ذلك الإستثمار سواء كان إيجابياً أو سلبياً ،فلا يمكن أن يتحمل أحدهما الخسائر لوحدة ،أو يستأثر بالأرباح لنفسه ،مع إتخاذ كل التدابير اللازمة لدرء أي خسارة محتملة ،ووضع كل الوسائل ،وتسخير الطاقات لتحقيق الغرض من ذلك ،وهو تحقيق الربح.
( ثانياً ) : القاعدة الفقهية “الغُنم بالغُرم”
الغُنم لغة : هو الفوز بالشيء والربح والفضل ،ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي والغُرم هو الدين ،وأداء شيء وهو أمر لازم منه.
والقاعدة الفقهية ( الغُنم بالغُرم ) معناها ” أن من ينال نفع الشيء يتحمل ضرره “.
والدليل على ذلك قول الني علية الصلاة والسلام ” لا يغلق الرهن عن صاحبة الذي رهنه ،له غنمه وعلية غرمه ” والمقصود من غنمه زيادته ونتاجه ،وغرمه هلاكه ونقصه.
( ثانياً ) : من حيث الأنظمة والتشريعات العربية.
نرى الآن كيف عالجت الأنظمة والتشريعات العربية ( السعودية ،المصرية ،السورية ،اللبنانية ،الجزائرية ) هذا الموضوع:
نصت المادة (7) من نظام الشركات التجارية بالمملكة العربية السعودية على :
“يتقاسم جميع الشركاء الأرباح والخسائر فإذا اتفق على حرمان احد الشركاء من الربح أو على إعفائه من الخسارة كان هذا الشرط باطلاً وتطبق في هذه الحالة أحكام المادة (9) ومع ذلك يجوز الاتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عمله من المساهمة في الخسارة بشرط ألا يكون قد تقرر له اجر عن عمله”.
المادة (9) “إذا لم يعين عقد الشركة نصيب الشريك في الأرباح أو في الخسائر كان نصيبه منها بنسبة حصته في رأس المال. وإذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشريك في الربح كان نصيبه في الخسارة معادلاً لنصيبه في الربح. وكذلك الحال إذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشريك في الخسارة. (كما عدلت الفقرة الأخيرة بالمرسوم الملكي م/23 تاريخ 1402/6/28هـ) وإذا كانت حصة الشريك قاصرة على عمله ولم يعين في عقد الشركة نصيبه في الربح أو في الخسارة كان له أن يطلب تقويم عمله ويكون هذا التقويم أساساً لتحديد حصته في الربح أو في الخسارة وفقا للضوابط المتقدمة………………..”.
( ملحوظة ) : الشركة ذات المسؤولية المحدودة لا يجوز أن يقدم الشريك فيها حصته عمل ،والعلة في ذلك ما ورد بالمادة (161) تؤسس الشركة ذات المسئولية المحدودة بمقتضى عقد يوقعه جميع الشركاء ويشتمل العقد المذكور على البيانات التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التجارة والصناعة على أن يكون من بينها البيانات الآتية ( فقرة 6 ) ” إقرار الشركاء بتوزيع جميع حصص رأس المال والوفاء بقيمة هذه الحصص كاملة ” بالإضافة للمادة (162) من نظام الشركات التجارية قد نصت على ” لا تؤسس الشركة بصفة نهائية إلا إذا وزعت جميع الحصص النقدية والحصص العينية على جميع الشركاء وتم الوفاء الكامل بها ” . وهنا إشترطت المادة أن الشركة لا تؤسس بصفة نهائية إلا بعد أن يتم توزيع كافة الحصص النقدية والعينية على جميع الشركاء والحكمة من إستبعاد العمل من حصص الشريك هو انه يجب الوفاء بالحصص كاملة فور التأسيس كما ذكرنا مُسبقاً وهذا غير ممكن أن يتم في حصة العمل.
( شركة الأسد ) : ” هي الشركة التي يعفى فيها أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته للأرباح أو يُحرم من الأرباح مع تحمله للخسائر”.
وذلك حيث أن من أهم مقومات عقد الشركة هي أن يساهم كل شريك في أرباحها وفي خسائرها أيضاً بنصيب ما ،وإلا كانت الشركة باطلة لإنتفاء نية المشاركة ،فإذا نص عقد الشركة على ألا يساهم شريك في الربح ،إذن فمعنى ذلك أن يُحقق الربح دون الخسارة ،فيكون له الغُنم ولغيرة الغرم ،ولا شك أن الطرف الذي يأخذ الأرباح دون أن يتحمل الخسائر هو الطرف ( الغابن ) ،لذلك من الواجب حماية الطرف ( المغبون ) وإعادة الأمور إلى نصابها.
وذهبت القوانين العربية ( اللبناني في المادة (835) موجبات وعقود ،والمصري في المادة (515) مصري ،والسوري في المادة (483) مدني إلى بطلان الشركة المتضمنة شرط الأسد.
فنصت المادة (483) مدني سوري على ما يلي:
(1) إذا إتفق على أن أحد الشركاء لا يُساهم في أرباح الشركة أو في خسائرها ،كان عقد الشركة باطلاً.
(2) يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يُقدم غير عملة من المساهمة في الخسائر بشرط …..ألا يكون قد تقرر له أجر من عملة.
فإذا إتفق الشركاء على أن يأخذ أحد الشركاء بعض أرباح الشركة دون أن يتحمل أي خسارة تتناسب مع حصته ،أو إتفقوا على أن يتحمل أحد الشركاء الخسائر من دون غيرة مع حرمانه من كافة الأرباح ،فلا شك بأن هذا الإتفاق يحوي بين طياته غُبناً فاحشاً وشاذاً عن العادة المألوفة للعمل التجاري ،لذلك رأينا أن المشرع قد تفاعل مع هذا الغبن فنص على بطلانه ،ليس فقط ذلك الشرط بل بطلان الشركة كلها بطلاناً مُطلقاً.
وكذلك الأمر إذا نص عقد الشركة على أن أحد الشركاء يجني الأرباح مع أن نصيبه تافهاً إلى حد أنه غير جدي ،فإن هذه الشركة تكون باطلة إذا نص العقد على أن احد الشركاء لا يتحمل الخسائر أو أن يتحمل البعض منها فقط إلى حد عدم الجدية.
ويجوز الإتفاق على إعفاء الذي قدم عملة فقط كحصة في الشركة من الخسائر إذا لم يقرر له أجراً من عملة ،لأنه سوف يتحمل الخسائر عن طريق عدم أخذة لأي مبلغ لقاء عملة إن خسرت الشركة.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة (515) مدني مصري والمادة (483) مدني سوري صراحة على هذا الحكم.
وقد رأينا مما سلف أنه يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يقُدم إلا عملاً كحصة من الخسائر على ألا يكون تقرر له أجراً لقاء عملة.
وشركة حصة الأسد في أي صورة من صورها باطلة بطلاناً مُطلقاً في ( القوانين المصرية والسورية واللبنانية والجزائرية ) بحيث يجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ،كما يمكن أن يحكم به القاضي من تلقاء نفسه ،ولا ترد على هذه الشركة الإجازة ولا يسري في حقها التقادم.
والدليل أيضاً على صحة كلامنا تعريف المُشرع للشركة.
فقد عرفها المشرع المصري في المادة (55) “الشركة بمقتضاة يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لإقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح وخسارة”.
وقد عرفها المشرع الجزائري في المادة (416) “هي عقد بمقتضاه يلتزم شخصان طبيعيان أو إعتباريان أو أكثر على المساهمة في نشاط مشترك بتقديم حصة من عمل أو مال أو نقد بهدف إقتسام الربح الذي ينتج….كما يتحملون الخسائر التي تنتج عن ذلك”.
وقد نصت المادة (426) من نفس القانون : على انه “إذا وقع الإتفاق على أن أحد الشركاء لا يسهم في أرباح الشركة ولا في خسائرها كان عقد الشركة باطلاً”….ونُضيف إضافة مهمة جداً وهي “يجوز الإتفاق على إعفاء الشريك الذي لم يُقدم سوى عملة من كل مساهمه في الخسائر على شرط ألا يكون قد قررت له أجرة ،ثمن عملة”.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إذا كانت التشريعات الوضعية تُجيز إعفاء صاحب العمل من المساهمة في الخسائر ،فإن الفقه الإسلامي يوجب وجوباً عدم تحميله هذه الخسائر إذا لم يصدر منه تعد أو تقصير – كما تقدم من خلال رأينا القانوني هذا – ويكفيه أنه خسر عنائه وجهوده خلال السنة المالية.
هذا بالإضافة إلى الأركان الأربعة الخاصة بعقد الشركة التي حددها المشرع على سبيل الحصر لوصفها شركة وهي :
(1) نية المشاركة.
(2) تعدد الشركاء.
(3) المساهمة في رأس المال.
(4) إقتسام الأرباح والخسائر.
هنا تبين لنا أن أهمية إشتراط إقتسام الأرباح والخسائر ركن مهم وأساسي وموضوعي في الشركة وكل إتفاق على خلافة يقتضي بطلان الشرط في النظام السعودي وفي بعض الأنظمة الأخرى يقتضي بطلان الشركة نظراً لأن الحصول على الربح هو الغرض الأساسي من عقدها لِذا كان هذا الركن من الأركان الأساسية فيها.
اترك تعليقاً