دراسة و بحث حول نظرية العمل القضائي
العمل القضائي [(1)] L’ACTE JURIDICTIONNEL
تعتمد حجية الشيء المحكوم فيه أول ما تعتمد على تحديد فكرة العمل القضائي فهي صفة من صفاته اللازمة وأثر من آثاره التي تترتب عليه لذلك كان تحديد معالم العمل القضائي أمر ذي أهمية لكل باحث في قرينة الحقيقة القضائية PRESOMPTION DE VERITé JUDICIAIRE وسنقتصر في هذه العجالة على بيان الاتجاهات العامة التي سادت الفقه في هذا الخصوص والتي انقسمت إلى نظريتين:
- الأولى: النظرية الشكلية citere formel
- الثانية: النظرية الموضوعية citère materiel
أولاً: النظرية الشكلية:
لا يضع أنصار هذه النظرية تعريفًا معينًا للعمل القضائي وينكرون وجود وظيفة أساسية متميزة له فهم لا يفرقون بين العمل القضائي وبين سائر أعمال السلطة العامة إلا من حيث الصفات الشكلية التي يتصف بها كل من هذه الأعمال. فالعمل القضائي عندهم هو الذي يصدر من سلطة القضاء أي المحاكم بوصفها سلطة متميزة من سلطات الدولة، وذلك مع توافر إجراءات شكلية معينة كضرورة صدوره عن قاضٍ يجلس للفصل في نزاع يعرض عليه ويتولى كل من طرفي النزاع شرح ادعائه وتدعيم حقه الذي يدعيه أي أن توجد مجادلات ومناقشات debats وكتعدد درجات التقاضي وكتسبيب الأحكام إلخ… وعميد أنصار هذه النظرية كاريه دي مالبرج الذي يشترط توافر الإجراءات الشكلية التي توفر الضمانات للمتقاضين لكي يكون العمل قضائيًا. ويرى الفقيهان جابيو وجيز أن العمل يكون قضائيًا إذا ثبتت له صفة متميزة عنه هي حجية الشيء المحكوم فيه، ولمعرفة ثبوت أو عدم ثبوت هذه الحجية للعمل المعين يرجع إلى إرادة المشرع أي باستقراء نصوص القانون، ولذا فإن الأمر في النهاية يتوقف على إرادة المشرع وهو الذي يعين ما يعتبر من الأعمال قضائيًا وما لا يعتبر. وهذه النظرية لم يلبث أن هجرها الفقه إذ أنها عجزت عن تحديد ماهية العمل القضائي بما تستلزم من توافر الصفات الشكلية إذ أن هذه الصفات الشكلية لا تكفي لتمييز العمل القضائي عن غيره من أعمال السلطة العامة فكثير من الأعمال ليست قضائية مع أن الإجراءات الشكلية التي اشترط وجودها قد توافرت، وكثير من الأعمال الأخرى التي أجمع الشراح على أنها ليست قضائية لا تتوافر فيها هذه الصفات الشكلية. وقد انتقد ما ذهب إليه كاربيه دي مالبرج بأن نظريته تعني أن ليس من الأعمال القضائية سوى الأحكام بالمعنى الضيق jugemnts an sens étroits. وما ذهب إليه جابيو وجيز هو مصادرة على المطلوب إذ أن حجية الشيء المحكوم فيه لا تثبت إلا للعمل الذي يعتبر قضائيًا فلزم تحديد ماهية العمل القضائي أولاً قبل القول بثبوت حجية الشيء المحكوم فيه أو عدم ثبوتها.
ثانيًا: النظرية الموضوعية:
وأنصار هذه النظرية يختلفون فيما بينهم حول الأسس التي يبثون عليها نظريتهم [(2)] أن تبرز الاتجاهين الأساسيين لهذه النظرية واللذين يقوم أولهما على وجوب توافر عنصر النزاع l’iqèê de contestation، ويؤسس ثانيهما على التحليل أي بيان مبنى العمل القضائي نفسه l’analyse de la structure de l’acte
( أ ) فكرة وجود النزاع:
وكما يذهب أنصار هذا الرأي يشترط توافر عنصر النزاع في المسائل المعروضة على القاضي ليكتسب القرار الذي يتخذه فيها صفة العمل القضائي، وعلى ذلك يكون القضاء هو سلطة الفصل في المنازعات وفض الخلافات ويفترض أن الطرفين المتنازعين قد قبلا الاحتكام والخصوم للقاضي الذي طرح عليه النزاع ليعطيه الحل الواجب الاتباع والذي لا يجوز لأي منهما محاولة التفضل من تنفيذه.
وبهذا يفترض توافر عنصرين في العمل القضائي:
- الأول: رفع الدعوى من المدعي أي الالتجاء إلى القضاء.
- الثاني: وجود نزاع. أما عن العنصر الأول فيدور فيه الكلام حول شروط قبول الدعوى أمام القضاء، فمتى رفعت صحيحة فقد تلاقت إرادة المدعي وتوافقت مع الشروط التي يضعها المشرع لقبول الدعوى ولصحة التقاضي، فالدعوى متى رفعت صحيحة وتوافرت شروط قبولها أمام القضاء وجب بمقتضى القانون على المدعي أن يمثل أمام القضاء، ووجب كذلك على الطرفين المتنازعين أن يخضعا للحكم الذي يصدره القاضي في هذه الدعوى.
أما عن العنصر الثاني فهو وجوب توافر النزاع أي تعارض المصالح، وتضاد الادعاءات هو الذي يقيم الدعوى ويفسر استمرارها أمام القضاء، والقاضي يتدخل لفض هذا النزاع. وعند أنصار هذا الرأي يبدو أن عنصر النزاع هو جوهر العمل القضائي والصفة المميزة له ومع ذلك فإن عدم وجود النزاع لا ينفي دائمًا وجود عمل قضائي ولا يقضي في جميع الأحوال بإنكار الصفة القضائية عن العمل، فالصفة القضائية مثلاً معترف بها للادعاء من جانب واحد كحالة رفع دعوى للتجاوز في استعمال السلطة أو كما إذا طعنت النيابة بالنقض في حكم لمخالفته للقانون أو للخطأ في تطبيقه. وبصفة عامة فإن العمل القضائي هو الذي ينهي نزاعًا قائمًا، ويكفي وجود ادعاء من جانب واحد ليكون العمل المنهي للقضية في هذه الحالة عملاً قضائيًا.
(ب) تحليل مبنى العمل القضائي:
وعلى رأس أنصار هذه النظرية العميد دوجي إذ يرى أن وظيفة القاضي تنحصر في أن يرد إلى حظيرة القانون كل ما تم مخالفًا له وعنده عناصر العمل القضائي ثلاثة:
- 1 – الادعاء pretention أي مسألة قانونية تعرض على القاضي ويطلب إليه الفصل فيها.
- 2 – تقرير الحقوق constatation أي أن يمحص القاضي ظروف المسألة المعروضة عليه ويبحث عن الحل الواجب إعطاؤه وقد يجيب المدعي إلى ادعائه وقد يرفضه.
- 3 – توجيه الخطاب أو إصدار القرار decision وهو النتيجة المترتبة على التقرير والتمحيص الذي باشره القاضي وهو الأثر المباشر الذي ينهي الخصومة المعروضة والذي يدل على رأي المحكمة فيها ويلزم الخصوم، وهو مظهر من مظاهر الإرادة القضائية.
وهذه العناصر الثلاثة هي التي تميز العمل القضائي عن العمل الإداري الذي يصدر عن سائر إدارات الدولة وسلطاتها. والعنصر البارز من بين هذه العناصر هو التقرير الذي يتصف بحق بصفة العمل القضائي وحده، فالادعاء شرط خارجي لازم لإمكان تدخل القاضي فهو بذلك يخرج عن نطاق العمل القضائي. أما بالنسبة لتوجيه الخطاب فهو ليس لازمًا لاعتبار العمل قضائيًا إذ أن فصل القاضي في واقعة معينة معروضة عليه قد يخلو من قرار يوجهه للخصوم كما في حالة المسائل الفرعية questions préjudicielles ففصل القاضي في المسألة الفرعية لا شك في اعتباره عملاً قضائيًا ولو أنه لا يتضمن توجيه خطاب للخصوم وليس مبناه قرار ملزم – بل أن ما ينتهي إليه القاضي في هذا الشأن يعتمد عليه في قضائه في النزاع الأصلي المعروضة عليه – فمثلاً يدخل في اختصاص القاضي الجنائي الذي ينظر جنحة تبديد أن يتعرض لإثبات عقد الأمانة موضوع الجريمة وما ينتهي إليه القاضي في هذا الشأن ليس قرارًا بالمعنى الصحيح وليس توجيهًا للخطاب وإن كان يعد عملاً قضائيًًا بلا نزاع.
ثالثًا: ضرورة الأخذ بكلتا النظريتين معًا: وما سررناه من آراء الفقهاء إنما هو غرض موجز يبين مدى ما لتحديد فكرة العمل القضائي من صعوبة ودقة، وقد ذهب بعض الشراح إلى أن العمل القضائي يتميز بناحية شكلية وبناحية موضوعية ويجب أن نستعين بكلتا النظريتين الشكلية والموضوعية في تحديد الصفة القضائية للعمل. فيذهب الفقيهان كوش وجان فانسنت إلى ضرورة تحديد العمل القضائي استنادًا إلى الغرض من تدخل القضاء الذي إنما ينحصر في تقرير المراكز القانونية وتحديدها بقرارات يصدرها هي وحدها الأعمال القضائية، فكلما كان القرار الذي يصدره القاضي أو الرأي الذي ينتهي إليه مقررًا لمركز قانوني كان هذا عملاً قضائيًا، وفكرة تقرير المراكز القانونية يجب أن تؤخذ على معنى واسع نوعًا، وهما لا يفرقان للأحكام المتعلقة بالإجراءات والأحكام الوقتية والأوامر على العرائض وقرارات منح المهلة القضائية والأحكام التمهيدية بالصفة القضائية فلا يعتبر أنها أعمالاً قضائية ولكنهما يعتبران أعمالاً قضائية الأحكام الصادرة في مسائل الاختصاص أما طبيعة أحكام القضاء المستعجل فهي تثير بعض الشك إذ أن هذه الأحكام تجمع بطرف من الصفة القضائية وبطرف من الصفة الإدارية، ومن جهة النظر الموضوعية تعتبر هذه الأحكام أعمالاً قضائية، وهو الرأي الذي يعتمده معظم الشراح.
ويتطرق هذان الفقهيان إلى القول بأنه يجب أن لا نهمل ما أتت به النظرية الشكلية من ضوابط ومعايير للعمل القضائي، فإذا كانت هذه المعايير الشكلية وحدها غير كافية لتبرير وتحديد العمل القضائي فإنها تكمل وتؤيد النتيجة التي تنتهي إليها النظرية الموضوعية. ويبدو من ذلك أنه يجب الأخذ بكلتا النظريتين الموضوعية والشكلية لتحديد فكرة العمل القضائي إذ أن هناك من الأعمال ما تثبت له الصفة القضائية من وجهة النظر الموضوعية ولا تثبت لها هذه الصفة من وجهة النظر الشكلية، وذلك كما إذا كان لموظف ما سلطة إلغاء عمل أو أمر صدر من مرؤوس له لمخالفته للقانون، فهذا الإبطال أو الإلغاء له طبيعة العمل القضائي ولكنه غير محوط بضمانات الإجراءات القضائية التي قالت بها النظرية الشكلية، فهذا العمل لا يعتبر عملاً قضائيًا لتخلف كل هذه الشكليات عنه. وعلى العكس فإن هناك أعمالاً كثيرة تصدر من المحاكم القضائية ولها كل المظاهر الخارجية للأحكام غير أنها من الناحية الموضوعية لا يمكن اعتبارها أعمالاً قضائية. فيجب إذن عدم الاعتراف لأي عمل بالصفة القضائية إلا في الحدود التي تتوافر فيها شروط النظريتين الشكلية والموضوعية [(3)]. تحديد العمل القضائي في القضاء المصري: عرفت محكمة القضاء الإداري [(4)] العمل القضائي الذي يخرج عن ولايتها بأنه (الذي تصدره المحكمة بمقتضى وظيفتها القضائية ويحسم على أساس قاعدة قانونية خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني خاص أو عام، ولا ينشئ القرار مركزًا قانونيًا جديدًا، وإنما يقرر في قوة الحقيقة القانونية وجود حق لأي الخصمين أو عدم وجوده ويكون للقرار عند الفصل في الخصومة قوة الأمر المقضي. وقد اعتبرت المحكمة من قبيل الأعمال القضائية التي تخرج عن ولايتها الأعمال التي يقوم بها رجال الإدارة بصفتهم من مأموري الضبطية القضائية بمقتضى السلطة المخولة لهم بالقانون، وقد حددت المحكمة الأعمال التي يؤديها رجال الضبطية القضائية والتي تعتبر أعمالاً قضائية بأنها الأعمال التي تتصل بكشف الجرائم وجمع الاستدلالات الموصلة للتحقيق واشترطت أن يقوم رجال الضبطية بهذه الأعمال لحساب النيابة العامة وتحت إدارتها [(5)].
رأينا الخاص:
الواقع أن تحديد طبيعة العمل القضائي أمر ضروري لمن يريد أن يتفهم حجية الشيء المحكوم فيه وهي صفة من صفات العمل القضائي وأثر من آثاره. وكل معيار نضعه في هذا الشأن لا يمكن أن يعتبر جامعًا مانعًا، إلا أن هذا لا يمنع من أن نضع ضابطًا نسترشد به كهادٍ. وأول ما يلاحظ أن بول كوس وجان فانسنت قد ناديا بفكرة تقرير وتحديد المراكز القانونية كمعيار لما يعتبر عملاً قضائيًا ولكنهما ذهبا إلى أن من القرارات والأحكام ما يتناول بالتحديد مراكز قانونية ولكن لا تثبت لها الصفة القضائية وذلك كالأحكام الوقتية jugements provisoirs والأوامر على العرائض والأحكام التمهيدية إلخ، وما ذلك إلا لأن هذه الأحكام والقرارات بطبيعتها غير قاطعة في تحديد هذه المراكز القانونية التي تتناول تنظيمها، لهذا كان لنا أن نتخذ من الأحكام والقرارات القطعية هديًا لتحديد فكرة العمل القضائي، فكلما كان الحكم أو القرار فاصلاً في مسألة معروضة على القضاء ويتناول بالتحديد مراكز قانونية متعارضة ويحسم النزاع كان عملاً قضائيًا. ومن ناحية أخرى يجب أن يكون هذا الأمر أو القرار صادرًا من جهة قضاء، وجهة القضاء لا تحمل فقط على أنها المحاكم بمعناها الضيق بل يقصد بجهة القضاء كل جهة تختص بحسب ما نصبت له بإصدار أوامر ملزمة تتناول بالتحديد مراكز قانونية متعارضة، فيشمل هذا المعنى سلطة التحقيق من قضاة وأعضاء النيابة العامة، والأعمال التي يؤديها مأمور الضبط القضائي تحت إشراف النيابة العامة ولحسابها ثم المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها العادية منها والاستثنائية أي كل جهة تختص بمقتضى القانون للفصل في مسائل معينة تعرض عليها. وبذلك يكون العمل القضائي في رأينا هو القرار أو الأمر الذي صدر من جهة تختص قانونًا بإصدار أوامر ملزمة يكون من شأنها تحديد مراكز قانونية متعارضة تحديدًا قاطعًا غير مؤقت. ويترك للمحاكم دائمًا تقدير ما يعتبر من الأعمال قضائيًا وما لا يعتبر كذلك. وقد أصدرت غرفة الاتهام بمحكمة القاهرة الابتدائية قرارًا جاء فيه: (الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق إما أن ترتبط بإجراء من إجراءات التحقيق كإجراء المعاينة وندب الخبراء فيعتبر من قبيل القرارات الإدارية التي لا يجوز الطعن فيها وإما أن تكون des ordonnances فاصلة في نزاع بين الخصوم كأن تنصب على الحبس الاحتياطي أو الإفراج أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى فتعتبر أمرًا قضائيًا واجبًا تسبيبه وجائزًا استئنافه [(6)]. الأحكام بمعناها الضيق: يهتم فقهاء المرافعات بوضع التعريفات للأحكام إزاء إغفال القانون لها فعرف الأستاذ بونسيه Poncet [(7)]، الحكم بأنه القرار الذي تعبر به المحكمة عن رأيها بعد تحقيق مكتوب تجريه بحيث ينهي الخصومة المعروضة. (Une reconnaissanee ou une verification d’êcriture faite en justice n’est autre que la declaration publique et solennelle d’un tribunal qui doune acte de la reconn aissance d’ecriture ou qui la tient pour reconnue, ou qui la proclame verifiee). ومما يعتبر أحكامًا بمعناها الضيق أحكام المحكمين والأحكام الأجنبيةويعرف الدكتور أحمد أبو الوفا [(8)] الحكم بمعناها الخاص بأن القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلاً صحيحًا في خصومة رفعت إليها وفق قواعد المرافعات سواء كان صادرًا في موضوع الخصومة أو في شق منه أو في مسألة متفرعة عنه. وإصدار الحكم هو الخاتمة الطبيعية لكل خصومة فالغرض من رفع الخصومة إلى القضاء ومن السير فيها ومن إثباتها هو الوصول إلى حكم يتفق مع حقيقة مراكز الخصوم فيها ويبين حقوق كل منهم فيضع حدًا للنزاع القائم بينهم. وغير خافٍ أن هناك قرارات تصدر من محكمة مختصة بإصدارها ولا تعتبر أحكامًا بالمعنى الضيق لهذه الكلمة ومنها قرارات لجان المساعدة القضائية والأوامر على العرائض وكالحكم بتنحي القاضي عن نظر الدعوى لقرابة بينه وبين أحد الخصوم (مادة (313) مرافعات).
ونرى أنه من غير الضروري أن يكون القرار القضائي decision contentieuse الصادر من المحكمة صحيحًا لكي يصدق عليه وصف أنه حكم إذ من الأحكام ما يصدر باطلاً شكلاً أو باطلاً موضوعًا لمخالفته للقانون ومع ذلك يجب اعتباره حكمًا بالمعنى الكامل لهذه الكلمة. وقد أحاط المشرع الأحكام بالمعني المتقدم بكثير من الضمانات لضمان حقوق الطرفين المتخاصمين ولكفالة حسن سير العدالة، فمنع المشرع المحكمة من سماع أحد الخصوم أثناء المداولة أو وكيله إلا بحضور خصمه (مادة (340) مرافعات)، ولا قبول أوراق أو مذكرات من أحد الخصوم دون اطلاع خصمه عليها وأوجب أن تصدر الأحكام بأغلبية الآراء وأوجب كذلك عند النطق بالحكم عقب المرافعة أن تودع مسودته المشتملة على أسبابه في مواعيد معينة تضمنتها المادة (346) مرافعات ورتب على الإخلال بهذه المواعيد بطلان الحكم، أما إذا كان النطق بالحكم في جلسة أخرى غير جلسة المرافعة فيجب أن تودع مسودته عقب النطق به وإلا كان الحكم باطلاً كذلك، كل هذه الضمانات ليتبين الخصوم والكافة أن الأحكام لم تصدر إلا بعد بحث ودراسة وتمحيص وأن أسبابها تتناول خلاصة هذا البحث وأنها لم تأتِ عبثًا، ووضع المشرع كذلك طرقًا للطعن في الأحكام للتوصل إلى إلغائها إن كانت قد جانبت الصواب ومن ذلك كان التقاضي على درجتين نظامًا أكثر ضمانًا للخصوم ولحقوقهم حتى تكون هناك رقابة من محكمة الدرجة الثانية على أحكام محكمة الدرجة الأولى، ثم توج المشرع هذه الضمانات بإنشاء محكمة النقض التي تختص بمراقبة حسن تطبيق القانون وتتولى نقض الأحكام التي تصدر مخالفة للقانون فإذا أصبح الحكم باتًا غير قابل للطعن فيه irrevocable فلا سبيل بعد ذلك إلى إلغائه ويجب على الخصوم الامتثال له والقيام بتنفيذه ما فرضه عليهم، ويكون تنفيذ الحكم أن لم يقم به المحكوم ضده اختيارًا فإنه ينفذ عليه جبرًا بالاستعانة بالقوة والسلطة العامة [(9)]. ولا شك أن إصدار الأحكام فوق أنه عمل قضائي تقوم به سلطة القضاء التي تنهي الخصومات وتفض منازعات الأفراد فإنه مظهر من مظاهر سيادة الدولة، وبذلك تتصل الأحكام بالقانون الخاص وبالقانون العام.
——————————————————————————–
[(1)] راجع كتاب الفقيهين بول كوش وجان فانسينت. Precis de procedure civile et commerciale ورسالة دكتوراة في أثر الجنائي على المدني للدكتور نيكولاس فالتيكوس باريس 1953 صـ 8 وما بعدها.
[(2)] غير واضح بالأصل.
[(3)] المرجع السابق موجز المرافعات لكوش وفانسنت صـ 58 طبعة 1954.
[(4)] القضية 249 سنة 1 ق 10/ 3/ 1948 مجموعة مجلس الدولة (2) رقم (80) صـ 451.
[(5)] القضيتان 73، 367 سنة 1 ق.
[(6)] غرفة الاتهام 24 يناير 1952 المحاماة 34 العدد السادس صـ 847 رقم (373).
[(7)] الأحكام للعلامة يونسيه الجزء الثاني صـ 48.
[(8)] المرافعات المدنية والتجارية 1953 صـ 519 – راجع تعريف بيوش للحكم جزء (3) من كتابه قاموس المرافعات صـ 337 إذ يقول On entend par juqe ment toute decisionemanéede l’autorité judiciaire.
[(9)] راجع كتاب (الأحكام) للأستاذ بونسيه طبعة 1821 جزء 2 صـ 1 إذ يقول: (Les jugements sont des lois privées qui conferent des droits a l’une des parties contre 1 autre on plutot qui reconnaissent, proclament et garantissent ces droits en leur prétant l’appui de la foree publique laquelle n’a d’autre destination qui de soutenir tout sce qui est lègitime.
——————————————–
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.
اترك تعليقاً