مقالة قانونية هامة تناقش قضية الإثبات الإلكتروني بين الواقع و القانون
إعداد: د. نادر عبد العزيز _ محام بالاستئناف
يحتل عنصر الإثبات مكانة مرموقة في كافة العلاقات والمجالات الشخصية والمدنية والتجارية، وهو الوسيلة الأساسية للحصول على الحقوق ولإلزام الآخرين بالموجبات. ومن الناحية العملية ليس للحق أية قيمة عندما يعجز صاحبه عن إثباته, إذ أن إثبات الفعلالمولّد للحق هو الذي يعطي هذا الحق فعاليته الكاملة. ويتجرد الحق من قيمته إذا لم يقم الدليل على وجوده أو على الحادث أو الفعل المولد له, سواء كان هذا الحادث أو الفعل قانونياً أو مادياً, فالإثبات هو قيام الحق. وباختصار يقال “حيث لا إثبات… لا حق”.
والإثبات هو نظام قانوني, بحيث لا يُقبل من طرقه ووسائله إلا تلك التي حددها القانون. وقد اعتبر القانون أن بعض هذه الوسائل يتمتع بقوة ثبوتية كاملة لإثبات جميع التصرفات القانونية والوقائع المادية؛ وهي: السند الخطي(الرسمي أو العادي), الإقرار,اليمين الحاسمة والقرائن القانونية.
لكن دخول العالم في مجال تكنولوجيا المعلومات, وقيام ثورة علمية عالمية في مجال نقل المعلومات وتبادلها عبر الأنظمة الالكترونية, وأهمها الانترنت, أدى الى تغير مفهوم الإثبات تبعاً لإمكانية إنشاء الحقوق والإلتزامات بطرق إلكترونية, والاستغناء في غالبيةالأحيان عن الكتابة الورقية.
ولم يعد بالإمكان سوى الاعتراف بهذا العالم الجديد الذي يقوم على علم المعلوماتية والتكنولوجيا, وهو يعتمد أسلوباً غير ورقي, مرئياً ومنقولاً عبر الشاشة الالكترونية. وقد تم استبدال الملفات الورقية والمخطوطات بالأسطوانات الممغنطة والسندات الرقميةالمحفوظة على أسطوانات ضوئية رقمية أو على أقراص ممغنطة, وهي تنتقل من مكان الى آخر بسهولة وسرعة خارقة من دون أية حاجة للورق.
ولقد أصبحت غالبية الإلتزامات والعقود والمعاملات تقوم بالوسائل الالكترونية, تبعاً لما توفره الانترنت كوسيلة سهلة فعالة, ومتوافرة للعموم, وتتيح الحصول على المعلومات وحفظها وتبادلها, من دون أن تعترضها الحدود الجغرافية. كما أصبحت الإنترنت من أهموأبرز الوسائل التي تستخدم في ترويج السلع والخدمات وتبادل العروض, وإبرام الاتفاقات والعقود, والوفاء بالالتزامات, خصوصاً في مجال التجارة العالمية التي باتت تعرف بالتجارة الإلكترونية, وتعتمد بالدرجة الأولى على الأسناد الالكترونية.
مفهوم السند الإلكتروني
لا يزال مفهوم السند الإلكتروني مفهوماً غامضاً غير محدد بشكل ثابت وأكيد. وقد اعتبر بعض الباحثين(1) أن السند الإلكتروني هو مفهوم طارئ على النظام القانوني النافذ حالياً, إذ يصعب تكييفه كسند كتابي, واعتبار مضمونه كتابة, فهذا المضمون لا يظهر إلاباستعمال أجهزة الكترونية لقراءته. وقد تطرّق البند 3 – 3 من القواعد النموذجية والارشادات حول التجارة الدولية (urgets) الصادر عن غرفة التجارة الدولية, الى تعريف السند الإلكتروني بأنه محتوى أي اتصال يفترض عملية نقل الكترونية لمعلومات رقميةعبر شبكات الإتصال المفتوحة للعموم أو المغلقة, أو عبر أية وسيلة اتصال الكترونية ممكن الوصول اليها, أي قابلة للاستعمال في مراجعات لاحقة.
وقد تعددت المعاملات القانونية التي تلجأ الى استعمال الأسناد الإلكترونية, أو التي تتوسط فيها المعلوماتية لإتمامها عبر البريد الإلكتروني, ومنها:
– الشيكات الإلكترونية.
– المحفظة الإلكترونية.
– الدفع بواسطة التحويل المصرفي.
– السحوبات النقدية والمالية الآلية والتحويل عبر الإنترنت.
– الدفع بواسطة استعمال بطاقات الإئتمان الالكترونية والممغنطة.
– المعاملات المتعلقة بالنقد الالكتروني.
– المعاملات التي تتم بواسطة الكومبيوتر, مثل, عرض السلع والخدمات وشرائها والتعاقد عبر الإنترنت.
– العقود المتعلقة بالتجارة الالكترونية التي تتم عن بُعد.
وقد شجّع التوجيه الأوروبي حول التجارة الالكترونية الصادر بتاريخ 4/5/1999 على تلك المعاملات والعلاقات, وحض على إزالة كل الموانع والقيود التي تعترض استعمال العقود الالكترونية, مع التحفظ في ما يتعلق بالعقود العقارية والعقود الرسمية, والعقودالتي تحتاج لتدخل كاتب العدل, والاتفاقات المتعلقة بالأحوال والعلاقات الشخصية؛ كالزواج والطلاق وغيرها… وبالرغم من عدم الاجماع حول تعريف السند الالكتروني, فقد أصبح هذا السند حقيقة واقعية يستحيل تجاهلها, ولا بد من الإعتراف بها رغم عدم تطرقالنظام القانوني للاثبات الى هذه الواقعة أو القدرة على استيعابها
اترك تعليقاً