آثار عقد الكفالة
من إعداد الطالبة القاضية
سليمان سارة
2004
المبحث الأول: العلاقة بين الكفيل والدائن
علاقة الكفيل بالدائن لها وجهان، الأول يتمثل في مطالبة الدائن للكفيل بالدين عند عدم وفاء المدين به، والثاني يتمثل في الدفوع التي يتمسك بها الكفيل في مواجهة الدائن لرد هذه المطالبة.
وبعد هذا نجد أن الدائن الذي إستفى حقه من الكفيل تقع عليه واجبات يلزم بها نجاة الكفيل وتعتبر بمثابة آثار ناتجة عن واقعة الدفع، نتطرق لها فيما يلي
المطلب الأول: مطالبة الدائن للكفيل والضوابط التي تحكم ذلك
للدائن الرجوع على الكفيل لمطالبته بالدين متى لم يف المدين بذلك، و نحكم هذه الأخيرة قاعدتين أساسيتين هما:
الفرع الأول: وجوب حلول أجل الدين بالنسبة للكفيل
مُطالبة الدائن للكفيل لا تجوز إلا عند حلول أجل الكفالة والغالب أن يكون أجل إلتزام الكفيل هو نفس أجل الالتزام المكفول، إلا أنه قد يحدث أن يختلف الأجلان بالاتفاق أو بناء على واقعة أخرى تؤدي لسقوط أجل التزام المدين.
فإن كان أجل التزام الكفيل مختلف عن أجل الالتزام المكفول فإن الأجل الممنوح للكفيل قد يحل بعد الأجل الممنوح للمدين أو قبله، فإن حل التزام الأصيل قبل حلول أجل التزام الكفيل فلا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل قبل حلول الأجل المحدد لالتزامه لان التزام الكفيل يمكن أن يكون أخف عبئًا(1) من الالتزام الأصلي، ويستفيد الكفيل من الأجل الممنوح له(2).
وإذا حل التزام الكفيل قبل حلول التزام الأصيل، فإن أجل التزام الكفيل يمتد حتى يصبح مساويا لنفس أجل التزام الأصيل، ولا يجوز للدائن أن يطالب الكفيل قبل حلول أجل الدين الأصلي و ذلك لأن التزام الكفيل لا يجوز أن يكون أشد عبئا من التزام الأصيل.
——————-
(1)المادة 652/2.
(2)الدكتور محمدي سليمان، مدونة حول التأمينات العينية و الشخصية ص 31، عن ديوان المطبوعات الجامعية 1999.
هذا وأن كل اتفاق بين الدائن والمدين على تعديل أجل الالتزام الأصلي يستفيد منه الكفيل ولكن لا يضار منه فإن مد أجل الالتزام الأصلي فإن الكفيل و يستفيد من هذه المهلة سواء كان مصدرها الاتفاق أو القاضي ولا تجوز أي مطالبة قبل حلول الأجل الجديد، وأن اتفق على تعجيل أجل الالتزام الأصلي فإن الكفيل لا يضار و لا يجوز مطالبة إلا عند حلول أجل الكفالة أي موعد التزامه هو، والسبب يعود إلى الرغبة في حماية الكفيل.
لكن قد يسقط الأجل الممنوح للمدين للسداد وذلك قبل أوانه لعدة أسباب طبقا للمادة 211 ق.م وهي: الإفلاس أو الإعسار أو إضعاف تأمينات الدين، وعدم تقديم الدائن ما وعد بتقديمه من تأمينات، فما هو تأثير ذلك على الكفالة ؟ وهل يؤدي إلى سقوط أجل التزام الكفيل ويلتزم بسداد الدين حالًا أم لا يجوز الرجوع عليه قبل الأجل الأصلي المتفق عليه؟
انقسم الفقه حول هذه المسألة، حيث يتجه البعض إلى القول بسقوط أجل التزام الكفيل بالتبعية لسقوط أجل التزام المدين ذلك أن الغرض من الكفالة هو تأمين الدين ضد مخاطر إعسار المدين، وقد تحقق ذلك مما أدى إلى سقوط الأجل المقرر للوفاء، إلا أن الرأي الغالب استقر على أن يبقى هذا الالتزام قائمًا إلى حين حلول أجله، ويظل الكفيل متمتعًا بالأجل الممنوح له ولا يجوز الرجوع عليه قبل حلول هذا الأجل ولو سقط أجل الدين الذي يكفله و ذلك للأسباب التالية:
1- أن تبعية الكفالة للالتزام الأصلي لا تمنع من انعقادها بشروط أخف.
2- أن سحب الثقة من المدين بسبب الإعسار أو الإفلاس أمر خاص به لا يبرر سحب الثقة من الكفيل كما لا يستطيع المدين الإساءة كمركز الكفيل بفعليه.
3- قواعد تفسير الكفالة تقضي الأخذ بالتفسير الأصلح للكفيل بوصفه تبرعًا من جهة و بوصفه مدين أيضًا يفسر الشك لصالحه من جهة أخرى.
الفرع الثاني: وجوب رجوع الدائن على المدين أولا قبل رجوعه على الكفيل
القاعدة أنه لا يجوز للدائن أن يرجع على الكفيل، وحده إلا بعد رجوعه على المدين وهذا ما تضمنته نص المادة 660/1، ومؤدي ذلك أن الدائن يلتزم بالرجوع على المدين أولًا، ولا يرجع ابتداء على الكفيل ولكن يمكن للدائن أن يرجع على المدين والكفيل في آنٍ واحد، ويقصد بالرجوع المطالبة القضائية أي رفع الدعوى على المدين والحصول على حكم قضائي بإلزامه ومن ثمة لا تكفي مجرد المطالبة الودية أو إعذار المدين للوفاء بالتزامه، ويرد على هذه القاعدة إستثنائين:
الأول: إذا أشهر إفلاس المدين، وجب على الدائن التقدم في التفلسة بالدين وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل يقدر ما أصاب هذا الأخير من ضرر بسبب إهمال الدائن.
الثاني: إذا كان لدى الدائن سند صالح للتنفيذ على المدين فإن مجرد التنبيه بالوفاء يعتبر في ذاته رجوعًا كافيًا على المدين ويفتح طريق الرجوع على الكفيل.
وعليه إذا رفع الدائن دعواه على الكفيل وحده قبل الرجوع على المدين كانت دعواه غير مقبولة، لأننا بصدد قيد قانوني على الدائن مراعاته وإلا تعرّضت دعواه للدفع بعدم القبول، وهذا القيد لا يتعلق بالنظام العام، لذا لا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها وإنما يجب أن يتمسك به الكفيل أمام المحكمة وقد صدر في هذا الشأن قرار عن المحكمة العُليا جاء فيه: {حيث من المقرر قانونًا أنه يتوجب على ديوان الترقية و التسيير العقاري، وبناء على العقد المبرم بينها وبين القرض الشعبي الوطني الرجوع بمطالبة المكفول مؤسسة البناء في الوهلة الأولى ثم الرجوع على الكفيل والحال أن المطعون ضده لم يقدم ما يثبت رجوعه على المدين أولًا، مما يستوجب معه قبول الدفع}(1).ومن تم أوجبت شروط لصحة إبداء هذا الدفع هي:
1- وجوب أن لا يكون الكفيل قد تنازل عن حقه في هذا الدفع صراحة أو ضمنيا، لأنه مقرر لمصلحته ومنه له التنازل عليه.
2- يجب أن لا يكون الكفيل متضامنًا مع المدين، لأن الدائن هنا يستطيع الرجوع على الكفيل المتضامن ابتداء دون إمكانية أن يدفع بوجوب الرجوع على المدين(2) وفد طبق المشرع الفكرة بوضوح في المادة 669 مدني عندما أجاز الرجوع على كفيل الكفيل إذا كان متضامنًا مع الكفيل.
3- وجوب أن يكون في رجوع الدائن على الكفيل مصلحة أو فائدة فلو كان المدين ظاهر الإعسار، فلا فائدة من تمسك الكفيل بوجوب البدء بالرجوع على المدين، وبالمقابل للكفيل التمسك به إن كان للمدين بعض الأموال التي تكفي لسداد بعض الديوان فيرجع الدائن على هذه الأموال ثم يستوفي بقية الدين من الكفيل، وهنا نشير إلى أن القاضي هو الذي يقدر ما إن كانت هناك مصلحة للكفيل، في التمسك بهذا الدفع من عدمه، ويقع على الدائن عبء إثبات إعسار المدين أو عجزه الظاهر عن الوفاء.
وأخيرا تجدر التنويه إلى أن الدفع بضرورة الرجوع على المدين أولًا يعد من الدفوع الموضوعيّة لأنه لا يتعلق بوجود حق الدائن قبل الكفيل، وهو كذلك ليس من الدفوع الشكلية بل هو كما سبق وأن رأينا دفع بعدم القبول الدعوى لعدم استفاء إجراء لا بد من إستفاته.
المطلب الثاني: الدفوع الممنوحة للكفيل لرد المطالبة
الفرع الأول: الدفوع الناشئة عن الدين الأصلي
يحق للكفيل أن يتمسك بجميع الدفوع التي يستطيع المدين التمسك بها، في مواجهة الدائن، ذلك لأن تبعية التزام الكفيل تجعله يتأثر بكل ما يؤثر في الالتزام المكفول.
——————-
(1)قرار صادر بتاريخ 29 ماي 2002، رقم 258429 غير منشور بين القرض الشعبي الجزائري وديوان الترقية والتسيير بقسنطينة.
(2)فهو من هذا المنطق بأخذ حكم المدين المتضامن من حيث حوار مطالبة الدائن له وحده بكل الدين.
وقد نصت المادة 654/1 على هذا يقولها: {يبرأ الكفيل بمجرد براءة المدين، وله أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين(1)، وللكفيل التمسك بهذه الدفوع ولو كان متضامنًا مع المدين} إذ تنص المادة 666 على أنه {يجوز للكفيل المتضامن أن يتمسك بما يتمسك به الكفيل غير المتضامن من دفوع متعلقة بالدين} (2).
فطبقًا لهذه النصوص يستطيع الكفيل التمسك في مواجهة الدائن بكل ما يستطيع المدين الأصلي أن يدفع به هذه المطالبة، ومن هذه الدفوع ما يؤدي إلى بطلان الالتزام المكفول، كالدفع بالبطلان لانعدام الرضا المحل السب أو لتخلف الشكل القانوني.
كما له التمسك بالدفوع المؤدية إلى انقضاء الالتزام المكفول كالوفاء، التجديد، التقادم، والوفاء بمقابل اتخاذ الذمة.
وللكفيل التمسك بقابلية العقد الذي أنشأ للالتزام المكفول للإبطال لأي عيب شاب رضا المدين كغلط أو تدليس أو إكراه، و يتمسك الكفيل بهذه الدفوع باسمه هو لا باسم المدين لأن التزامه يتعلق بالالتزام المكفول ويرتبط به وجودًا وعدمًا، ولذا فله بمُقتضى حق خاص التمسك بكل ما سيؤدي هذا الالتزام أو يؤدي لانقضائه وله التدخل في الدعوى التي يرفعها الدائن على المدين ليتمسك بدفع قد لا يتمسك به المدين نفسه وله التمسك بهذه الدفوع ولو نزل عنها المدين فله التمسك بتقادم الالتزام المكفول حتى ولو كان المدين قد نزل عن حقه في التماسك بالتقادم.
أما إذا أجاز المدين العقد القابل للإبطال فليس للكفيل الحق في التمسك بهذا السبب إلا أن كان المدين متواطئ مع الدائن للإضرار بالكفيل.
هذا وأن التمسك بقابلية العقد للإبطال بسبب نقص أهلية الكفيل فإن المادة 654 ق.م. في فقرتها الأولى نصت على أن: {إذا كان الوجه الذي يحتج به المدين هو نقص الأهلية وكان الكفيل عالما بذلك وقت التعاقد فليس له أن يحتج بهذا الوجه} ويتضح من هذا النص أن الكفيل لا يستطيع التمسك بنقص أهلية المدين إذا كان عالمًا بذلك وقت التعاقد، إلا أنه إذا تمسك المدين بنقص أهلية وحكم له بإبطال الالتزام الأصلـي، فإن الكفيل يستفيد من ذلك،
——————-
(1)وهي المادة المطابقة لنص المادة 782 مدني مصري و 748 سوري و 1077 ؟؟؟؟ ويتلخص مضمونها بأنه يحق للكفيل أن يدلي بجميع أسباب الدفع المختصة بالدين الأصلي شخصية كانت أو عينية ومن حملتها الأسباب المبنية على عدم أهلية المدين الأصلي ويكون له هذا الحق بالرغم من معارضة المديون الأصلي أو عدو له عن تلك الأسباب.
(2)يلاحظ أن مركز الكفيل المتضامن مع المدين يختلف عن مركز المدين المتضامن مع غير من المدينين، فالمدين المتضامن لا يستطيع أن يتمسك في مواجهة الدائن إلا بالدفوع المتعلقة بشخصه، هو والدفوع المتعلقة بالدين، دون الدفوع الخاصة بغيره من المدينين، ( المادة 223 مدني الجزائري) والواقع أن اختلاف صياغة المادة 456/1 عن المادة 666 قد يوحي بشيء من اللبس، فبينما المادة 654/1 على أن: {.. للكفيل أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها المدين ..} أي الدفوع الخاصة بشخصه والدفوع المتعلقة بالدين و نص المادة: 666 نصت على:{.. للكفيل المتضامن أن يتمسك بما يتمسك به الكفيل غير المتضامن من دفوع متعلقة بالدين ..} مما يوحى أن الكفيل المتضامن لا يستطيع التمسك بالدفوع المتعلقة بشخص المدين غير أن الأعمال التحضيرية للتقنين المدني المصري بالنسبة للمادة 794 المُطابقة للمادة 666 من قانون المدني الجزائري تدل بوضوح على أن المشرع قصد مساواة الكفيل المتضامن بالكفيل غير المتضامن فيما يتعلق بالتمسك بالدفوع المتعلقة بالالتزام المكفول.
ويبطل التزامه تبعًا، ويلاحظ أن هذا النص يختلف عن حكم المادة 649 ق.م.ج الناصة على: {من كفل التزام ناقص الأهلية، وكانت الكفالة بسبب نقصد الأهلية، كان ملزما بتنفيذ الالتزام إذا لم ينفذه المدين المكفول} ، وهو النص الذي يتناول حكم فرض الكفيل بسبب نقص الأهلية و يحرم الكفيل من التمسك ببطلان تصرف المدين المكفول و يتمسك به المدين(1).
الفرع الثاني: الدفوع الناشئة عن عقد الكفالة
زيارة على الدفوع السابقة الذكر فإن المشرع منح الكفيل دفوعًا خاصة به مُراعاة لصفته و اعتبارًا لالتزامه التبرعي، وفيما يلي يعرض لهذه الدفوع وهي: الدفع بالتجريد (المادة 660/2 مدني)، الدفع بالتقييم في حالة تعدد الكفلاء، (المادة 644 مدني)، الدفع بإضاعة التأمينات بخطأ الدائن، المادة 656 ق.م.ج، الدفع بعدم اتخاذ الدائن الإجراءات ضد المدين، (المادة 657 ق.م.ج)، الدفع بعدم تدخل الدائن في تفلسة المدين (المادة 658 ق.م.ج).
أولًا: الدفع بالتجريد
تنص المادة 660/2 ق.م.ج : {ولا يجوز له ( الدائن) أن ينفذ على أموال الكفيل إلا بعد أن يجرد المدين من أمواله، ويجد على الكفيل في هذه المسألة أن يتمسك بهذا الدفع}.
والدفع بالتجريد بمعنى بسيط هو أنه إذا أراد الدائن التنفيذ على الكفيل فلهذا الأخير التمسك بالتنفيذ أولًا على أموال المدين وتجريده منها إذا كان له أموال كافية للوفاء بكل الدين، وهو دفع تقرر لمصلحة الكفيل باعتباره ضامنًا لدين ليس له مصلحة فيه فمن باب العدل ألا ينفذ عليه بالدرجة الأولى وأموال المدين قائمة لم ينفذ عليها.
والهدف من هذا الدفع يعود إلى أن الكفيل جدير بالرعاية لأنه يوفى دينًا ليس بدينه(2) بل بدين غيره فهو عادة يقدم خدمة للغير لتقوية ائتمانه، ولا ضرر في هذا على الدائن، إذ هو يستوفي حقه من الكفيل إن لم يستوفه من المدين.
ويفرض لدراسة هذا الدفع من خلال تناول شروطه، والآثار المترتبة عليه وصورة خاصة للدفع به.
أولا: شروط الدفع بالتجريد
1- يجب أن يكون الكفيل شخصي لا عيني: لأن الكفيل العيني راهن، ولا يحق له التمسك بالتجريد إلا إذا كان قد اشترط ذلك صراحة، وهو ما نصت عليه المادة 901 من ق.م.ج بقولها: {إذا كان الراهن شخصًا آخر غير المدين، فلا يجوز التنفيذ على ماله إلا على ما رهنه من ماله، ولا يكون له حق الدفع بتجريد المدين إلا إذا وجد اتفاق يقضي بغير ذلك}.
وحق الكفيل قاصر على الدفع بتجريد المدين المكفول، ولا يحق له أن يدفع بتجريد مدين آخر غير مكفول، في حالة تعدد المدينين.
——————-
(1)عن الدكتور محمد صبري السعيدي عقد الكفالة في التشريع المدني الجزائري، دار الهدى لطباعة والنشر، عين مليلة، 1990، صفحة 69/70.
(2)وقد وجد للتخفيف من شدة القانون الروماني الذي الذي كان يقهر الكفيل على الوفاء بحق الدائن فكان مركزه شيء.
2- يجب أن لا يكون الكفيل قد تنازل مقدمًا عن هذا الدفع: وهذا ما نصت عليه المادة 660/2 يقولها: « … على الكفيل في هذه الحالة أن يتمسك بهذا الحق ..» فهو دفع ليس من النظام العام يقع على الكفيل التمسك به وليس للقاضي الحكم به من تلقاء نفسه، باعتبار أنه دفع خاص بالكفيل فإنه يجوز له أن يتنازل عنه لأنه مقرر لصالحه، وقد يتم التنازل عن الدفع في عقد الكفالة ذاته، أو بعد ذلك في اتفاق مستقل، وقد يكون هذا التنازل صريح أو ضمني و مثال النزول الضمني سكوت الكفيل عن الدفع بالتجريد عندما يشرع الدائن في التنفيذ على أمواله، ومن ثم فهو يستخلص من ظروف الحال وملابستها وقولنا أن هذا الدفع لا يتعلق بالنظام العام يثير التساؤل عن الوقت الذي يجب على الكفيل أن يتمسك بهذا الدفع؟
ذهب البعض إلى القول أنه إذا رفعت الدعوى على الكفيل، كان له الحق في التمسك بهذا الدفع في أية حالة كانت عليها الدعوى، وعليه أن يتمسك بهذا الدفع قبل صدور الحكم النهائي فإذا لم يفعل، وصدر هذا الحكم بإلزامه بالدين، فلا يعلق تنفيذه على تجريد المدين من أمواله ومنه فإن هذا الدفع يتعلق بمرحلة المطالبة القضائية وليس بالتنفيذ(1).
ويذهب الرأي الغالب إلى أن رجوع الدائن على الكفيل يمر بمرحلتين الأولى مرحلة التقاضي والثانية مرحلة التنفيذ، وتختص كل مرحلة بدفع خاص، فالمرحلة الأولى هو الدفع بعدم القبول للدعوى لرفعها على الكفيل أولًا، ويجوز التمسك بهذا الدفع في أي مرحلة من مراحل الدعوى، أما الدفع بالتجريد فهو خاص بمرحلة التنفيذ حيث يستطيع الكفيل التمسك به في مواجهة الدائن عندما يشرع في التنفيذ على أمواله لذا؛ فإن هذا الدفع لا يسقط لعدم التمسك به في مرحلة التقاضي، (فهذا لا يعني عدم جواز إبدائه في مرحلة التقاضي، بل للكفيل إبداؤه أثناء نظر الدعوى).
3- ألا يكون الكفيل متضامنًا مع المدين: وهو الشرط الوارد بنص المادة 665 ق.م.ج، ومنه للكفيل العادي التمسك بلزوم التنفيذ على أموال المدين أولًا. أما الكفيل المتضامن فليس له التمسك بهذا الدفع، فالدائن يستطيع الرجوع على المدين أو الكفيل أو عليهما معا، وله التنفيذ على أموال الكفيل مع المدين أولًا.
ويثور التساؤل هنا حول إمكانية الاتفاق على احتفاظ الكفيل المتضامن بالحق في التمسك بالدفع بالتجريد.؟
وهنا نقول أنه لا يجوز الاتفاق على احتفاظ الكفيل بالحق في التمسك بالتجريد في كل من الكفالة، القضائية والقانونية لأن الكفيل فيها يعتبر متضامنًا بنص القانون وتقضي طبيعة التضامن في هذه الحالة حرمان الكفيل من الحق في الدفع بالتجريد(2)، أما بالنسبة للتضامن الإتفاقي، فإذا البعض يرى عدم جواز منح الكفيل المتضامن الحق في الدفع بالتجريد لأنه يتعارض مع طبيعة التضامن واحتفاظ الكفيل بهذا الدفع لا يجعله متضامنًا في الواقع إلا أن الرأي الغالب يذهب إلى أنه ليس هناك ما يمنع مثل هذا الاتفاق إعمالًا لمبدأ سلطان الإرادة و حرية الكفيل في التخفيف من التزامه.
——————-
(1)سمير عبد السيد تناغو، التأمينات الشخصية والعينية، منشأة المعارف الإسكندرية 1975، ص 212.
(2)وهو ما نصت عليه المادة 667 بقولها :«يكون الكفلاء في الكفالة القضائية أو القانونية دائما متضامنين».
4- يجب أن يرشد الكفيل إلى أموال المدين التي تفي بكل الدين: وهو الشرط المنصوص عليه بالمادة 661 والتي نصت على ما يلي: « إذا طلب الكفيل التجريد وجب عليه أن يقوم على نفقته بإرشاد الدائن إلى أموال المدين التي تفي بالدين كله.
ولا يؤخذ بعين الاعتبار الأموال التي يدل عليها الكفيل إذ كانت هذه الأموال تقع خارج الأرض الجزائرية أو كانت متنازع عليها».
فلكي يكون الدفع بالتجريد مقبولًا و قائمًا على أساس يجب أن تكون للمدين أموال يمكن للدائن التنفيذ عليها، ويقع على الكفيل عبء إثبات وجود أموال للمدين صالحة و كافية للوفاء بكل الدين، و يقوم بإرشاد الدائن إلى هذه الأموال على نفقته ومثالها مصروفات استخراج صور لمستندات ملكية المدين للأموال التي أرشد عنها، وهذا فضلًا عن أن مصروفات التجريد سيرجع بها الدائن على الكفيل.
هذا ويشترط في الأموال التي يجب أن يرشد عنها الكفيل عدة شروط هي:
أ- أن تكون الأموال مملوكة للمدين، فالأموال الغير مملوكة له لا يعتد بها ولو كانت في حيازته.
ب- أن تكون هذه الأموال قابلة للحجز عليها: وهو شرط الذي يتفق مع الغاية من الإرشاد وهو التنفيذ.
ج- أن تكون هذه الأموال كافية للوفاء بكل الدين: فلا يكفي أن تكفي الأموال للوفاء بجزء من الدين أو حتى معظمه، فإن كانت الأموال التي يرشد عنها الكفيل لا تكفي لسداد الدين كله، فإنه لا يجوز التمسك بالدفع بالتجريد.
وتقدير كفاية الأموال التي يرشد إليها الكفيل مسألة واقع يفصل فيها قاضي الموضوع، و يقدر قيمتها وقت النظر في النزاع بشأنها، ولا يؤخذ بعين الاعتبار إلا القيمة الصافية، فإن كانت مثقلة بحقوق عينية تبعية كالرهن، فإن قيمة المال تحدد بعد استنزال الديون المضمونة بهذا الرهن.
كما يلاحظ بأنه إذا كانت الأموال غير كافية للوفاء بكل الدين، فإن الدائن غير ملزم بالتنفيذ عليها، إذ لو ألزم بذلك لأدى هذا إلى إجباره بالوفاء الجزئي لحقه، وهو ما يتعارض مع القواعد العامة في الوفاء حيث تنص المادة 277/1 ق.م.ج على أنه «لا يجبر المدين الدائن على قبول وفاء جزئي لحقه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقف بغير ذلك».
د- أن تكون الأموال موجودة بالجزائر: وذلك لتجنّب إرهاق الدائن من خلال مباشرة إجراءات معقدة عند وجود الأموال في خارج إقليم الدولة، هذا ولا يشترط أن تكون الأموال موجودة في مكان الوفاء بالدين أو في موطن المدين.
و- وجوب ألا تكون الأموال متنازع عليها: لأن الأموال المتنازع عليها غير مأمونة العاقبة، فقد يسفر فض النزاع عن أنها غير مملوكة للمدين.
هذا ويكون المال متنازع عليه(1) إذا كانت هنـاك دعوى مرفوعة في شأنـه أو كان محلًا لنزاع جدي(2)،
——————-
(1)وهو ما نصت عليه المادة 467/2 مدني مصري والمادة 1700 مدني فرنسي وهي النصوص التي عرفت المال المتنازع عليه دون التشريع الجزائري، عن مدونة الدكتور سي بوسفي، التأمين الشخصي (عقد الكفالة) سنة 1998، عن ديوان المطبوعات الجامعية صفحة 133.
(2)ويدخل في حكم المال المتنازع عليه الأموال التي تستلزم للتنفيذ عليها إجراءات طويلة و صعبة، حتى ولو لم يكن هناك نزاع شأنها لتوافر نفس الحكمة وهي تجنيب الدائن مشقه الإرهاق في مباشرة الإجراءات. ومثالها المال الشائع حيث لا يمكن التنفيذ عليه إلا بعد الفصل في دعوى القيمة.
ثانيا: آثار الدفع بالتجريد
يترتب على توافر شروط الدفع بالتجريد، وقبول المحكمة له عدة نتائج قانونية هامة تتمثل في:
1- عدم جواز التنفيذ على أموال الكفيل:
يترتب على قبول الدفع بالتجريد وقف إجراءات التنفيذ على أموال الكفيل، بل أن هذه الإجراءات تقف بمجرد إبداء الكفيل للدفع حتى تفصل المحكمة فيه و تسقط الإجراءات التي يكون الدائن قد اتخذها قبل الدفع بالتجريد، وتبطل كل الإجراءات التي تتخذ في سبيل التنفيذ على أموال الكفيل، سواء تعلق الأمر بمرحلة التقاضي أن تم التمسك بالدفع أثناء سير الدعوى أو بمرحلة التنفيذ إن تم التمسك به عند شروع الدائن في التنفيذ عن طريق الاستشكال في التنفيذ.
فوقف المطالبة نعني بها إذن الكف عن متابعة السير في إجراءات التنفيذ(1)، هذا وأن إجراءات التنفيذ لا يمنع الدائن من اتخاذ الإجراءات التحفظ به على أموال الكفيل لأن هذا الإجراء لا يمس بأصل الحق والعرض منه، الحفاظ على ذمة الكفيل المالية حتى لا يتصرف فيها.
2- إلزام الدائن بالتنفيذ على أموال المدين التي أرشده إليها الكفيل:
على الدائن أن يبادر إلى اتخاذ إجراءات التنفيذ في مواجهة المدين وإلا تحمل نتيجة إعسار المدين إن تراخي في التنفيذ على أمواله وعلى الدائن أن يبدل في اتخاذ هذه الإجراءات عناية الرجل العادي، و يتحمل النتيجة إن أصبحت أمواله غير كافية للوفاء بالدين بعد أن كانت كافية عندما أرشده الكفيل إليها، ويقع عبء إثبات تقصير الدائن على الكفيل، وفقا للقواعد العامة(2).
3- مسؤولية الكفيل عند عدم حصول الدائن على حقه كاملًا:
إن اتخذ الدائن الإجراءات التنفيذية على مال المدين، في الوقت المناسب فإن ذلك يؤدي عادة إلى حصوله على حقه، إلا أنه من المتصور عدم استفاء الدائن لحقه كاملًا بالرغم من قيامه بالإجراءات التنفيذية، على الوجه الصحيح لسبب أجنبي لا يد له فيه، إذ قد يظهر دائنون عاديون للمدين يزاحمون الدائن و يقاسمونه حصيلة التنفيذ مما يؤثر على كفاية الأموال للوفاء بالدين، وقد تنخفض قيمة أموال المدين عند التنفيذ. بسبب تقلبات السوق أو يظهر أنه قد تم تقدير هذه الأموال بأكثر من قيمتها، والنتيجة أن ذمة الكفيل لا تبرأ إلا بقدر ما استوفى الدائن، من المدين بعد التنفيذ عليه، وهنا للدائن الرجوع على الكفيل بالباقي من حقه لكن يتعين عليه ليقوم بهذا الرجوع أن يثبت أنه نفذ على جميع الأموال التي دل عليها الكفيل و يتم هذا بتقديم محاضر الحجر، وأوراق التنفيذ.
——————-
(1)ومثالها إلغاء حجز ما للكفيل لدى الغير، و إلغاء التنبيه بنزع الملكية و إجراءات الحجز التنفيذي على منقولاته.
(2)عن تأمينات الشخصية والعينية للدكتور سمير تناغو منشأة المعارف الإسكندرية 1975، صفحة 204.
- دراسة لنص المادة 663 ق.م.ج المتضمنة لصورة خاصة للدفع بالتجريد:
تنص المادة 663 ق.م.ج على أنه: «إذا كان هناك تأمين عيني خصص قانونًا، أو اتفاقًا لضمان الدين، وقدمت كفالة بعد هذا التأمين أو معه، ولم يكن الكفيل متضامنًا مع المدين، فلا يجوز التنفيذ على أموال الكفيل إلا بعد التنفيذ على الأموال التي خصصت لهذا التأمين».
فالنص يوجب على الدائن، قبل التنفيذ على الكفيل البدء بالتنفيذ على أي تأمين عيني يكون قد خصص للوفاء بنفس الدين المكفول وللكفيل أن يطالب من الدائن التنفيذ على التأمين العيني الذي قدمه المدين أولًا. والحكمة واضحة، تتمثل في أن الكفيل عند قبوله الكفالة كان هناك تأمين عيني لضمان الدين وهو سابق أو معاصر لها والكفيل، يكون قد اعتمد على هذا التأمين في الالتزام الذي أقدم عليه، ويشترط للتمسك بهذا الدفع توافر عدة شروط هي:
-1- أن تكون هناك تأمين عيني خصص لضمان الدين: و التأمين العيني قد يكون رهن رسمي أو حيازي أو حق إمتياز، ويمكن أن يرد هذا التأمين على عقار أو منقول متى كانت طبيعة هذا المنقول تسمح بذلك، على أن النص لا يشمل حق الاختصاص(1)، لأنه يتقرر بأمر من القاضي لأن النص قرر « .. اتفاق أو قانونا ..».
-2- يجب أن يكون هذا التأمين وارد على مال مملوك للمدين وهذا هو المجمع عليه من أغلب شراح القانون والفقه المصري، ويستندون في ذلك إلى أن هذا الحكم ما هو إلا صورة خاصة من صور تجريد المدين من أمواله، (2) هذا وأن القواعد العامة تقضي بعدم جواز طلب الكفيل الشخصي، تجريد الكفيل العيني من أمواله، ذلك لأن كلامهما مسؤول عن دين المدين، فإذا ما قام أحدهما بالوفاء، فإنه يرجع على الآخر بقدر نصيبه في المسؤولية عن الدين ومنه لا يستساغ مع هذا القول أن يكون للكفيل الشخصي تجريد الكفيل العيني في حالة ورود التأمين على مال مملوك لغير المدين، ويرى بعض الفقه أنه لا يشترط ملكية المدين للمال الوارد عليه التأمين، و يستند هذا الرأي إلى عدم صراحة النص الوارد بالتقنين المدني بالمادة 663، إذ أن النص مطلق ولم يشترط ملكية المال للمدين.
-3- يجب أن لا يكون الكفيل متضامنًا مع المدين، لأنه عملًا بالمادة 665 ق.م.ج نصت بأنه ليس للكفيل المتضامن الدفع بالتجريد، وزيارة عن عدم تضامنه يجب على الكفيل ألا يتنازل عن حقه في التمسك بضرورة البدء في التنفيذ على التأمين العيني لأن المسألة ليست من النظام العام، لذا يجوز التنازل عنه، وهذا الشرط مقرر كذلك في الصورة العامة للدفع بالتجريد.
-4- يجب أن يكون هذا التأمين العيني قد تقرر قبل انعقاد الكفالة أو معها: ويفسر هذا على أن الكفيل منح كفالته وهو معتمد على هذا التأمين لذا لا ينفذ على الكفيل إلا بعد التنفيذ على التأمين العيني، أما إذا قدم التأمين بعد الكفالة ففي هذه الحالة لا يمكن للكفيل الدفع بالتنفيذ على التأمين أولًا.
——————-
(1)غير أن بعض الفقهاء ذهبوا إلى إمكان الاعتداء به رغم أن النص لم يشير إليه صراحة
(2)وهو ما نصت عليه المواد 495/2 من الالتزامات السويسري و 772/2 مدني التي نصت: « إذا كان للدائن حق رهن حيازي أو حق حبس على منقول مملوك للمدين الأصلي وجب عليه أن يستوفي حقه من هذا المنقول». - آثار التمسك بالدفع بالتجريد في هذه الصورة:
إذا توافرت الشروط المذكورة وتم قبول الدفع من المحكمة، فإنه تترتب عليه نفس الآثار التي تترتب على الدفع بالتجريد بصفة عامة ومن ثم يلتزم الدائن بالتنفيذ على التأمين العيني.
إلا أنه يجدر الإشارة هنا أن إفلاس المدين أو إعساره لا يؤثر على استفاء الدائن لحقه من التأمين العيني لأن المرتبة التي يكتسبها على المال المحمل بهذا التأمين تضمن وقائية من آثار الإفلاس أو الإعسار.
ثانيًا: الدفع بالتقسيم
تنص المادة 664 ق.م.ج على أنه: «إذا تعدد الكفلاء لدين واحد، وبعقد واحد، وكانوا غير متضامنين فيما بينهم، قسّم الدين عليهم، ولا يجوز للدائن أن يطالب كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة.
أما إذا كان الكفلاء قد التزموا بعقود متوالية، فإن كل واحد منهم يكون مسؤولًا عن الدين كله إلا إذا كان قد احتفظ لنفسه بحق التقييم».
والتقسيم طبقًا لهذا النص يقع بقوة القانون، أي أنه إذ تعدد الكفلاء لدين واحد وفي عقد واحد ولم يكونوا متضامنين فيما بينهم، فإن الدين ينقسم عليه، ولا يجوز للدائن أن يرجع على أي منهم بأكثر من قدر نصيبه في الدين(1).
ولكي يتمكن الكفيل من التمسك بهذا الدفع لا بد من توافر شروط معينة:
أ- يجب أن يتعدد الكفلاء: وهذا الشرط هو الفرض الأساسي الذي يقوم فيه الدفع بالتقييم، فإذا كان هناك كفيل واحد فلا مجال للكلام عن التقييم لأنه يكون مسؤول عن الدين كله.
ب- يجب أن يتعدد الكفلاء لدين واحد: بحيث لو اختلفت الديون المضمونة من الكفلاء، فلا مجال للتقييم، وإنما يكون كل واحد منهم مسؤولا عن الدين الذي ضمنه ولا يمكن منهم طلب التقسيم مع مدين آخر لأنهم لم يكفلوا نفس المدين هذا وأنه لا يجوز للكفيل أن يطلب من الدائن تقسيم الدين بينه وبين المصدق (كفيل الكفيل) لأنهما لا يكفلان نفس الالتزام.
ج- وجوب أن يتعدد الكفلاء لمدين واحد: و شرط وحدة المدين لا يعني حتمًا شخصًا واحد، فإذا تعدد الكفلاء لمدينين متضامنين، وكفل كل منهم كل المدينين فإن شرط وحدة المدين يتوفر وينقسم الدين بين الكفلاء.
د- يجب ألا يكون الكفلاء متضامنين فيما بينهم: لأنهم إذا كانوا متضامنين فيما بينهم، يجوز للدائن الرجوع على أي منهم، ويطالبه بالوفاء بكل الدين عملًا بأحكام التضامن.
و- يجب أن يكون الكفلاء قد كفلوا المدين لعقد واحد: لأنه في هذه الحالة يكون كل واحد منهم اعتمد على غيره من الكفلاء، لذا يقسم الدين عليهم، أما إذا كان كل من الكفلاء التزم بكفالة الدين يعقد مستقل فإنه لا يكون قد إعتمد على بقية الكفلاء ولذا لا ينقسم الدين بينه و بين غيره إلا إذا كان قد احتفظ بحقه في التقييم، وانقسام الدين في هذه الحالة يقع بمقتضى الشرط وليس بقوة القانون.
——————-
(1)الدكتور محمدي سليمان، مدونة حول الحقوق العينية والشخصية، عقد الكفالة، عن ديوان المطبوعات الجامعية سنة 1999 ص 38.
هـ- يجب ألا يكون الكفيل قد تنازل عن حقه في التقسيم: فإن كان الكفلاء متعددون ورجع الدائن على أحدهم وطلب الوفاء بالدين، وقام هذا الكفيل بالوفاء رغم توافر كل الشروط، فإنه يعد متنازلًا عن حقه، وإن كان هذا التقييم يقع بقوة القانون، كما سبق القول، إلا أنه لا يتعلق بالنظام العام، لذا يمكن التنازل عنه، فالقاضي يحكم به من تلقاء نفسه ما لم يتنازل عنه الكفلاء.
- وإذا توفرت الشروط السابقة الذكر رتب هذا الدفع آثار هي:
-لا يحق للدائن أن يطالب أي من الكفلاء إلا بقدر حصته من الدين ويقسم الدين بين الكفلاء بالتساوي ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك، ويقع التقسيم فيما بين الكفلاء المتعددين وغير المتضامنين بقوة القانون ولو لم يطلبه الكفلاء، و نتيجة لذلك للكفيل التمسك بهذا. الدفع في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، هذا و إذا اعسر أحد الكفلاء، فإن الدائن من يتحمل حصة المعسر ولا يمكن مطالبتهم بحصة المعسر لأن الأصل في القانون الجزائري هو انقسام الدين بينهم بقوة القانون وهو يتحد من وقت انعقاد الكفالة وليس فقط من وقت المطالبة أو الفصل في الدعوى.
ثالثًا: الدفع بإضاعة التأمينات
-تنص المادة 656 ق. م. ج على أنه: « تبرأ ذمة الكفيل بالقدر الذي أضاعه الدائن بخطئه من الضمانات ويقصد بالضمانات في هذه المادة، كل التأمينات المخصصة لضمان الدين، ولو تقررت بعد الكفالة، وكذلك كل التأمينات المقررة بحكم القانون”
-تنضح من نص المادة أن الدائن إن أهمل المحافظة على التأمينات بأن أضاع بخطئه شيئًا منها فإن ذمة الكفيل تبرأ بقدر ما أضاعه الدائن من هذه الضمانات وللكفيل(1) أن يدفع مطالبة الدائن له، ويشترط لثبوت حق الكفيل في التمسك بهذا الدفع توافد شروط:
أ- أن يكون الدائن قد أضاع تأمينًا خاصًا: فيجب أن يكون التأمين الضائع تأمينًا خاص للوفاء بالدين المكفول سواء أكان تأمين شخصي (كفالة أخرى)، أو عيني قدم من المدين أو شخص آخر، سواء وجد قبل الكفالة أو معها أو بعدها، وهناك رأي يقصر الضمانات على التأمينات الاتفاقية كالرهون، لكن الغالب هو الأخذ بأي ضمان سواء كان اتفاقي، قانوني، قضائي لأن النص جاء صريح.
إذا أهمل الدائن المحافظة على الضمان العام للمدين، كما لو أهمل مطالبته حتى أعسر فلا يثبت الدفع للدائن لأنه لم يضيع هنا تأمين خاص(2).
——————-
(1)وهذا الدفع يصلح حتى للكفيل المتضامن مع المدين، والرأي الغالب يرى أن الدفع بإضاعة التأمينات حق للكفيل ولو كان كفيلًا عينيًا، فهو كالكفيل الشخصي مسؤول عن دين غيره وهو يرجع بما يوفى به على المدين حالًا محل الدائن، ومن حقه الاعتماد في ضمان رجوعه على المدين على تأمينات الحق الذي يرجع به، عن الدكتور، محمد صبري السعيدي عقد الكفالة، عين مليلة، 1991، ص76.
(2)عبد الزراق النسهوري، التأمينات الشخصية والعينية ج 10 ص 245.
هذا و يجب أن يكون التأمين نشأ ثم ضاع بخطأ الدائن، وعليه فإن الشرط لا يكون متوفر إن كان الدين المكفول دين أجرة وأهمل الدائن مطالبة المستأجر (المدين المكفول) بوضع منقولات في العين المؤجرة لضمان الوفاء بالأجرة مما يترتب عليه عدم نشوء حق الامتياز المنصوص عليه في المادة 995 ق.م.ج.
ب- يجب أن يكون ضياع التأمينات بخطأ من الدائن: أو يخطأ شخص ممن يسأل عنهم، سواء كان فعلًا إيجابيًا كإبرائه لكفيل آخر أو كان الخطأ تركًا كإهماله في قيد الرهن.
هذا وإذا أسهم الكفيل في إضاعة التأمين الخاص فإن الغالب من الفقه يرى أن ذمته لا تبرأ إذ أنه لا يستطيع أن يتمسك بهذا الدفع، بينما ذهب الرأي الآخر إلى القول بأن المسؤولية توزع بين الدائن و الكفيل وفقًا لقواعد الخطأ المشترك.
ج- يجب أن يترتب على ضياع التأمينات ضرر بالكفيل: إذ يتوجب أن يكون ذا قيمة معتبرة في ضمانًا حق الدائن، وبالتالي في ضمان رجوع الكفيل على المدين بعد قيامه بوفاء الدائن، ولا يؤثر في هذا أن يكون المدين موسرا أو هناك ضمانات أخرى تكفي للوفاء بكل الدين، هذا و إذا كانت الضمانات التي أضاعها الدائن عديمة القيمة فإنه لا يجوز للكفيل التمسك بهذا الدفع.
ويتمسك الكفيل بهذا عن طريق دفع أثناء رجوع الدائن عليه، وله طلب ذلك عن طريق رفع دعوى على الدائن يطلب فيها الحكم ببراءته بسبب إضاعة التأمينات ويترتب على قبوله براءة ذمة الكفيل بقدرها إضاعة الدائن بخطته، ويتوجب التمسك بهذا الدفع لأن المحكمة لا تقضي به من تلقاء نفسها لأنه لا يتعلق بالتقادم العام.
رابعًا: الدفع بعدم اتخاذ الدائن للإجراءات ضد المدين
نصت المادة 657/1 بقولها: «لا تبرأ ذمة الكفيل بسبب تأخر الدائن في اتخاذ الإجراءات أو لمجرد أنه تتخذها(1)» يتضح من النص أن تأخر الدائن في الرجوع على المدين لا يترتب عليه سقوط حقه في مطالبة الكفيل ولو ترتب عنه إضرار بالكفيل نتيجة إعسار المدين وتعذر رجوع الكفيل عليه.
إلا أن القانون لم يترك الكفيل بدون حماية، لذا نص في الفقرة 2 من المادة 657: «غير أن ذمة الكفيل تبرأ إذا لم يقم الدائن باتخاذ الإجراءات ضد المدين خلال ستة أشهر من إنذار الكفيل للدائن، ما لم يقدم المدين للكفيل ضمانًا كافيًا»، ومنه إذا خل أجل الدين وخشي الكفيل أن يتأخر الدائن في اتخاذ الإجراءات ضد المدين أن ينذره باتخاذها حتى يرفع الدائن دعوى على المدين أو يبدأ في اتخاذ إجراءات التنفيذ ضده إذا كان بيده سند تنفيذي فإن انقضت ستة أشهر من يوم الإنذار دون أن يقوم الدائن في اتخاذ هذه الإجراءات برأت ذمة الكفيل، إلا إذا قدم المدين للكفيل ضمانًا كافيًا يضمن به الكفيل الرجوع على المدين إذا ما اضطر للوفاء للدائن، وقبول هذا الدفع يؤدي إلى رفض دعوى الدائن والحكم ببراءة ذمة الكفيل.
خامسا: الدفع بعدم تدخل الدائن في تفلسة المدين
نصت المادة 658 ق.م.ج : «إذا أفلس المدين وجب على الدائن أن يتقدم بدينه في التفليسة، وإلا سقط حقه في الرجوع على الكفيل بقدر ما أصاب هذا الأخير من ضرر بسبب إهمال الدائن».
——————-
(1)النص الرسمي سقط منه كلمة «لم»
لقد فرض القانون على الدائن التدخل في التفليسة، لأنها الوسيلة الوحيدة للحصول من المدين على ما يمكن الحصول عليه فإن قصر الدائن في اتخاذ هذا الإجراء، و ترتب عليه ضياع فرصته في استفاء بعض حقه فلا يجوز له الرجوع على الكفيل إلا بما يزيد على القدر الذي كان سيحصل عليه من التفليسة لو دخل فيها.
فإن لم يدخل الدائن في التفليسة وطالب الكفيل بالوفاء بكل الدين جاز لهذا الأخير التمسك في مواجهة ببراءة ذمته بالقدر الذي أضاعه لعدم تدخله في التفليسة وله أن يتمسك بهذا في صورة دعوى للحصول على البراءة(1). وقد صدر في هذا الشأن قرار عن المحكمة العليا جاء فيه: «حيث وأن المحكمة العليا وبالرجوع إلى عناصر الملف وجدت أن المدين مؤسسة أشغال البناء قسنطينة، قد حلت وعين لها مصفى والحال كان على المدعي عليه ديوان الترقية والتسيير العقاري أن يطالب بدينه أمام المصفى قبل العودة على الكفيل (القرض الشعبي الوطني) وهو ما لم يقم به، وبذلك أخطأ في تطبيق المادة 658 ق.م ومنه كان على الدائن إتباع الاجراءات اللازمة قبل العودة على الكفيل»(2).
الفرع الثالث :التزامات الدائن عند استفاء الدين تجاه الكفيل
لقد نصت المادة 671 ق.م.ج على: «إذا وفى الكفيل الدين كان له أن يحل محل الدائن في جميع ماله من حقوق تجاه المدين»، وحكمها ما هو إلا تطبيق للقواعد العامة الواردة بنص المادة 261 ق.م.ج، و ما بعدها الخاصة بالوفاء مع الحلول.
فالمادة 264 نصت: «من حل محل الدائن قانونًا أو اتفاقًا كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع و ما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع بالقدر الذي أداه من ماله من حل محل الدائن».
ومنه يترتب على حلول الكفيل محل الدائن أن يكون للكفيل أن يرجع على المدين بحق الدائن بما له من خصائص، وما يلحقه من تأمينات وعلى ذلك نصت المادة 659 ق.م.ج على: «على أن يلتزم الدائن بأن سيلم للكفيل وقت وفاته الدين المستندات اللازمة لاستعمال حقه في الرجوع»، ومن تم فإن الكفيل يقوم بعد الوفاء بالدين المكفول بالرجوع على المدين بما وفاه للدائن، وعلى هذا الأخير أن يسلمه وقت الوفاء كل المستندات اللازمة لاستعمال حقه في الرجوع، بدعوى الحلول أين يحل محل الدائن في حقوقه و أهم هذه السندات، سند الدين المكفول
——————-
(1)محمدي سليمان، عقد الكفالة، ديوان المطبوعات الجامعية 1999، ص43 والجديد بالذكر أن هذا الدفع مثل الدفوع السابقة، هو مقرر للكفيل المتضامن والغير متضامن، يتخذ التمسك به في صورة دعوى أو دفع ويتوجب التمسك به في أي مرحلة كانت عليها الدعوى، ولا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها و للكفيل التنازل عند مادام مقرر لمصلحته وهو ليس من النظام العام لا يتمسك به لأول مرة أمام المحكمة العليا.
(2)قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ: 09/10/2002 غير منشور تحت رقم 264039 بين القرض الشعبي الوطني وكالة 30 و ديوان الترقية والتسيير العقاري.
الموجود في يد الدائن ومخالصة من الدائن تفيد استيفاءه للدين فإن امتنع الدائن عن هذا كان من حق الكفيل الامتناع بدوره عن تنفيذ التزامه لأنه تصرف تنطوي على إضعاف لحق الكفيل في الرجوع و استرداد ما يستوفيه.
وعند النزاع بصدد أي من الطرفين يبدأ في التنفيذ كان للكفيل أن يودع مبلغ الدين بخزانة المحكمة، وله بعد هذا الإيداع القانوني الرجوع على المدين بعد الحصول على شهادة بذلك تغنيه عن مستندات الدين وعن المخالصة(1).
هذا ولقد نصت المادة 659/2 و 3 على أنه: «إذا كان الدين مضمون بمنقول مرهون أو محبوس، وجب على الدائن أن يتخلى عنه للكفيل.
وإذا كان الدين مضمون بتأمين عقاري، فإن الدائن يلتزم أن يقوم بالإجراءات اللازمة للنقل هذا التأمين و يتحمل الكفيل مصروفات النقل على أن يرجع بها على المدين».
فالنص ألزم الدائن القيام بنقل الضمانات للكفيل، ويتم النقل من خلال اتخاذ الإجراءات التي تتفق و طبيعة الضمان، فإن كان الدين مضمون بمنقول مرهون أو محبوس، وجب على الدائن أن يتخلى عن حيازته للكفيل، أما إن كان مضمون بتأمين عقاري (رهن رسمي أو حق اختصاص) فعلى الدائن أن يقوم بالإجراءات اللازمة لنقله و ذلك بالتأشير على هامش القيد مع تسليم عقد الرهن أو صورة الحكم الذي قرر حق الاختصاص و يتحمل الكفيل مصروفات النقل، على أن يرجع بها على المدين بعد ذلك(2).
المبحث الثاني: العلاقة بين الكفيل و المدين و دراسة لحالة تعدد الكفلاء و المدنيين
المطلب الأول: طرق رجوع الكفيل على المكفول عنه
الفرع الأول:الدعوى الشخصية أو دعوى الكفالة
تنص المادة 670 ق.م.ج على أنه: «يجب على الكفيل أن يخبر المدين قبل أن يقوم بالوفاء أي بوفاء الدين وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين إذا كان هذا قد وفى الدين أو كانت عنده وقت الاستحقاق، أسباب تقضي ببطلان الدين أو انقضائه.
فإن لم يعارض المدين في الوفاء بقي للكفيل الحق في الرجوع عليه، ولو كان المدين قد دفع الدين أو كانت لديه أسباب تقضي ببطلانه أو انقضائه».
وتنص المادة 672 على أنه:«يكون للكفيل الذي وفى الدين أن يرجع على المدين سواء كانت الكفالة قد عقدت بعلمه أو يغير علمه».
——————-
(1)الدكتور أحمد شرف الدين، التأمينات الشخصية والعينية، دار النهضة العربية (العربية ) القاهرة، ص 167.
(2)الدكتور محمد صبري السعيدي عقد الكفالة في التشريع المدني الجزائري، دار الهدى عين مليلة، 1990، صفحة 110..
ويرجع بأصل الدين و المصروفات، غير أنه فيما يخص المصروفات لا يرجع الكفيل إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده».
ومن ثم يكون للكفيل الذي كفل المدين، سواء كانت الكفالة بعلمه أو يغير علمه الرجوع بالدعوى الشخصية سواء كان متضامنًا أو كفيلًا عاديًا، سواء كان شخصيًا أو عينيًا، لكن هناك استثناء:
– إذ لا يدخل في نطاق هذا النص الكفيل الذي يكفل المدين، رغم معارضته.
– ولا يدخل أيضًا في نطاق هذا النص، الكفالة التي تعقد لمصلحة الدائن دون مصلحة المدين، وتكون الكفالة في صالح الدائن دون المدين إذا عقدت بعد وجود الالتزام في ذمة المدين، وذلك لتأمين الدائن ضد خطر إعسار المدين ودون فائدة لهذا الأخير(1)، وفي هذه الحالة لا يحق للكفيل الرجوع على المدين بالدعوى الشخصية، وإن كان له الحق في الرجوع بناءًا على دعوى الإثراء بلا سبب المنصوص عليها في القواعد العامة للقانون المدني (المادة 141، 142 ق.م.ج).
هذا وأن أغلبية الفقه الحديث يذهب إلى القول بأن الدعوى الشخصية التي يرجع بها الكفيل على المدين طبقًا للمادة 670 و 672 ق.م.ج هي دعوى مستقلة هذا و يرى أغلب الفقه إلى وجوب حرمان الكفيل من الدعوى الشخصية متى أبرمت رغم معارضة المدين أن كانت لصالح الدائن، وحده ليقتصر حقه في الرجوع على المدين بدعوى الحلول فقط، هذا و تشير إلى أن الفقه المصري يجيز للكفيل في هاتين الحالتين وعلى تقضي المشرع الفرنسي الرجوع على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب طبقًا للقواعد العامة(2).
شروط دعوى الكفالة:
- أن تكون الكفالة قد عقدت لمصلحة المدين ودون معارضته:
يجمع الفقه على أن دعوى الكفالة تقتصر على الحالات التي تنعقد فيها، الكفالة دون معارضة المدين سواء كانت بعلم المدين أم بغير علمه، وذلك على أساس أن الكفالة تحقق في الغالب مصلحة المدين أو مصلحة الدائن والمدين معًا، لأنها تحقق اطمئنان الدائن إلى المدين وثقته فيه فيقبل التعامل معه و يمنحه الائتمان، ويستوي في ذلك الكفيل العادي أو المتضامن، الكفيل المأجور أو المتبرع، الكفيل الشخص أو العيني، فيحق لكل منهم الرجوع بدعوى الكفالة طالما تمت الكفالة بغير معارضة المدين و كانت تحقق مصلحة المدين أو مصلحة الدائن و المدين معا. وفي كل هذه الأحوال يقتصر حق الكفيل في الرجوع على المدين بدعوى الحلول وذلك لأن الدعوى الشخصية دعوى خاصة تمنح للكفيل على أساس أنه يكون قد أسدى خدمة للمدين.
ويجيز الفقه في هاتين الحالتين للكفيل، بالإضافة إلى دعوى الحلول الحق في الرجوع على المدين بدعوى الإثراء بلا سبب طبقا للقواعد العامة. - قيام الكفيل بالوفاء للدائن:
يجب أن يقوم الكفيل بوفاء الدين المكفول، والوفاء قد يتم بتقديم الشيء المستحق أصلًا أو القيام بما يقوم مقامه بشرط أن يؤدي إلى براءة ذمة المدين. هذا و يرجع الكفيل على المدين ولو وفى إلا بجزء من الدين.
——————-
(1)الدكتور زاهية سي يوسف، عقد الكفالة، ص 80 و 81.
(2)سي يوسف زاهية، عقد الكفالة، دار الأمل، صفحة 82.
إذا كانت الكفالة عن جزء من الدين أو قبل الدائن منه وفاء جزئي، وهنا تختلف دعوى الكفالة عن دعوى الحلول التي يشترط للرجوع بها أن يكون الوفاء كليا، وللدائن أي يرجع في الوقت نفسه على المدين بما تبقى من حقه فإن كانت أموال المدين غير كافية للوفاء لكل من الكفيل والدائن فإنه يتم تقسيم المال بينهما قسمة غرماء، فالدائن لا يتقدم على الكفيل في استفاء الباقي من أموال المدين كما هو الحالة في دعوى الحلول.
- وفاء الكفيل بالدين عند حلول أجله:
يجب أن يقوم الكفيل بالوفاء بالدين المكفول عند حلول أجله، فإن قام بالوفاء قبل الميعاد لم يكن له الرجوع على المدين إلا عند حلول الأجل، ويفقد حقه في الرجوع عليه إذا انقضي الدين لسبب ما بين ووفاء الكفيل بالدين وحلول الأجل المقصود هنا هو الأجل الأصلي للدين، فإن امتد هـذا الأجل بالاتفاق أو بناءا على حكم المحكمة فإن هذا الأجل الإضافي لا يقيد الكفيل وله الوفاء بالدين بمجرد حلول الأجل الأصلي ثم يرجع على المدين بالدعوى الشخصية حتى قبل نهاية الأجل الإضافي. - ألا يكون الوفاء قد حصل بخطأ من الكفيل:
يحق للكفيل الرجوع على المدين بالدعوى الشخصية بما وفاه من دين للدائن، بشرط أن يترتب على هذا الوفاء براءة ذمة المدين، أما إن كان الوفاء قد تم بخطأ الكفيل لأن هذا الوفاء لم يكن واجب بسبب بطلان مصدر الدين أو انقضائه كليًا أو جزئيًا، فإنه لا وجه لرجوع الكفيل على المدين بما وفاه ولهذا السبب أوجب القانون على الكفيل أن يخطر المدين، قبل الوفاء بالدين، بعزمه على الوفاء فقد يكون لدى المدين أسباب تمنع الوفاء وعليه فإن على المدين إبداء اعتراضه على وفاء الكفيل خلال مدة معقولة، وأن يتضمن هذا الاعتراض أسباب جدية تمنع الوفاء بالدين، ولا وجود لشكل خاص لإخطار الكفيل للمدين و لاعتراض هذا الأخير على الوفاء، فقد يتم بورقة رسمية أو عرفية أو شفاهية، فإن قام الكفيل بالوفاء دون إخطار المدين، فإنه يتحمل مسؤولية ذلك الوفاء بحيث لو أثبت المدين بأن هذا الوفاء لم يفده لم يكن للكفيل أن يرجع على المدين بشيء مما وفاه ويتحمل مسؤولية وفائه الخاطئ. ما إذا قام الكفيل بإخطار المدين ورد عليه طالبًا منه عدم الوفاء، مبررًا أسباب ذلك، كان على الكفيل الامتناع عن الوفاء، وإن اتخذ الدائن إجراءات المطالبة القضائية في مواجهته كان عليه أن يدخل المدين في الدعوى.
هذا وإن رأى الكفيل عدم جدية اعتراضات المدين، وقام بالوفاء على مسؤولية، فإن اثبت بعد ذلك صحة هذه الاعتراضات لم يكن للكفيل الرجوع عليه، ولكن يرجع على الدائن لاسترداد ما دفع بدون حق.
أما إذا لم يرد المدين على إخطار الكفيل أو تراخى ووفى الكفيل، لم ينسب له تقصير و يكون له أن يرجع بالدعوى الشخصية لاستراد ما وفاء ولو ظهر أن للمدين أسباب تقضي ببطلانه، إذ يتحمل تبعة تقصيره و يلتزم بأن يدفع للكفيل ما أداه.
هذا وأن موضوع رجوع الكفيل بالدعوى الشخصية فإنه وطبقا للمادة 672 نصت على أنه: «يرجع الكفيل بأصل الدين و لمصروفات غير أنه فيما يخص المصروفات لا يرجع الكفيل إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات التي اتخذت ضده»، مما يفيد أن الكفيل يرجع بأصل الدين والمصروفات.
أولًا: أصل الدين
وهو كل ما قام الكفيل بدفعه إلى الدائن لإبراء ذمة المدين، و يشمل ذلك مقدار الدين الأصلي، وكذا فوائد هذا الدين لو كان ينتج فوائد اتفاقية أو قانونية ما دامت تدخل ضمن الدين المكفول وفي هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة العليا أكد فيه على إمكانية الكفيل أن يطالب بكل الفوارق بين مبلغ الكفالة و المبلغ الذي التزام بدفعه كالآتي: “وحيث أن المجلس لما ألزم الطاعن الحالي بدفع مبلغ الكفالة تنفيذ العقد المبرم بين الطرفين وصرفه للقيام بدعوى مستقلة تطلب إرجاع الفرق في الضريبة، يكون قد سبب قراره نسبيا كافيًا.” فالكفيل ملزم بالدفع دائمًا ولو زاد المبلغ (1).
ثانيًا: المصروفات
وهي كل المبالغ التي أنفقها الكفيل في تنفيذ عقد الكفالة، وتلك التي أنفقها الدائن في رجوعه على الكفيل واضطر الكفيل إلى ردها له، بالإضافة إلى ذلك ما يكون قد أنفقه في الإرشاد على أموال المدين لتجريده ومصروفات الدعوى التي رفعها الدائن على الكفيل، لكن لا يرجع بهذه المصروفات على المدين إلا بالذي دفعه من وقت إخبار المدين الأصلي بالإجراءات، التي اتخذها ضده لأن المدين متى أخطر بها قد يسارع إلى الوفاء بالتزامه، ويتجنب بذلك المصروفات التي يقوم بها الكفيل أو الدائن لو لم يخطر، هذا وبالمقابل أن حق الكفيل في الرجوع يمتد حتى إلى مصروفات المطالبة الأولى بمصروفات التنبيه بالوفاء ومصروفات دفع الدعوى، إذ أنها مصروفات تنفق قبل أن يصل الكفيل إلى اتخاذ أي إجراء بالإخطار للمدين ولهذا يلتزم بها المدين لا الكفيل.
هذا ولقد أثير التساؤل عما إذا كان للكفيل مطالبة المدين بالتعويض إذا لحقه ضرر؟ وهنا نقول أن المادة 672 مدني جزائري لم تذكر شيء عن التعويض وهذا على غرار المشرع المصري الذي نص بالمادة 800 من القانون المدني المصري على حق الكفيل بالرجوع بالتعويض لكنها حذفت أثناء المراجعة، أما المشرع الفرنسي بالمدة 2028 من ق.م.الفرنسي قد نصت صراحة على أن للكفيل العودة بالتعويض على المدين دون أن يشترط سوء نية المدين، هذا ولقد أجمع الفقه المصري على جواز رجوع الكفيل التعويض من المدين وإن كان بعض الفقهاء يشترطون سوء النية، وأمام سكوت النص الجزائري نقول بضرورة العودة إلى القواعد العامة والتي تسمح بالمطالبة بالتعويض متى سبب فعل الغير ضررًا، ومثاله في هذا الموضوع، أن يضطر الكفيل إلى بيع ماله بثمن بخس حتى يفي للدائن أو أن يوقع الدائن حجزًا على مال الكفيل وبيعه بثمن بخس وفي هذا الصدد قرار من المحكمة العليا جاء فيه: «حيث أن الطاعن (د.ع) كفيل المدين (ب.س) وأن المحكمة ألزمه الطاعن بدفع 14000.000 دج بصفته ضامن في صفقة تجارية، وأن هذه المطالبة مست بمركزه سمعته التجارية وعرضته للخسارة و الحال أن تقدير المسؤولية المدنية و الضرر الناشئ عنها هو من المسائل التي يبقى تقديرها خاضعا لقضاة الموضوع ولا رقابة للمحكمة العليا عليه(1). وهو القرار الذي يؤكد إتجاه المحكمة العليا في إمكانية المطالبة بالتعويض.
——————-
(1)قرار صادر بتاريخ 07/11/2001 تحت رقم 903/247 غير منشورين ديوان الترقية والتسيير العقاري سيدي بلعباس ومقاولة البناء العباسية.
(2)قرار صادر بتاريخ 13/10/1999 تحت رقم 210460 بين دماس علي وبلقاسمية السعيد، غير منشور.
الفرع الثاني: الرجوع بدعوى الحلول
تنص المادة 671 ق.م.ج على أنه: «إذا وفى الكفيل الدين كان له أن يحل محل الدائن في جميع ماله من حقوق تجاه المدين، ولكن إذا لم يوف إلا بعض الدين، فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن استوفى كل حقه من المدين».
والملاحظ أن حكم هذا النص ليس إلا تطبيقًا خاصًا للقاعدة العامة التي وردت في المادة 261 ق.م.ج: «إذا قام بالوفاء شخص غير المدين، حل الموفى محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال التالية: إذا كان الموفى ملزمًا بالدين مع المدين أو ملزمًا بوفائه عنه»، والكفيل كما رأينا ملزم بوفاء الدين عن المدين، فيكفي لرجوع الكفيل بدعوى الحلول(1): أن يكون قد وفى الدين، ويستوي أن تكون الكفالة قد عقدت بعلم المدين أو دون علمه، أو رغم إرادته، سواء كانت لمصلحة المدين أو لمصلحة الدائن.
غير أن الفرق بينها وبين الدعوى الشخصية التي تستند إلى الكفالة هو أنها لا تجوز إلا إذا كان الدائن قد استوفى كل حقه، بخلاف الدعوى الشخصية، فممن وفى جزء من الدين، الحق في الرجوع به على المدين.
فالرجوع بدعوى الحلول توجب أن يكون الدائن قد استوفى كل حقه، ونصت على ذلك المادة 671/2: «ولكن إذا لم يوف إلا ببعض الدين فلا يرجع بما وفاه إلا بعد أن يستوفي كل حقه من الدين»، وهو تطبيق للقواعد العامة الواردة بنص المادة 265 ق.م.ج: “وإذا وفى الغير الدائن جزءًا من حقه وحل محله فيه، فلا يضار الدائن بهذا الوفاء، ويكون في استفاء ما بقى له من حق مقدما على من وفاه، ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك(2).
وطبقًا للعبارة الأخيرة من النص فإن للدائن أن يسمح للكفيل الرجوع بدعوى الحلول قبل استفاء كل حقه ذلك أن الغرض من هذه الدعوى حماية مصلحة الدائن الذي له التنازل عن الحماية المقررة له.
هذا وللكفيل الاستفادة من كل التأمينات التي تضمن الدين متى وفي بالالتزام أو وفاه جزئيًا وقام المدين بالوفاء بالجزء الباقي، أو قام شخص آخر غير المدين كالوفاء، وهنا يكون هذا الشخص والكفيل على قدم المساواة، فيقسمان الناتج من دعوى الحلول قسمة عزماء وهو ما نصت عليه المادة 265 ق.م.ج بقولها: «فإذا حل شخص آخر محل الدائن فيم بقى له من حق، رجع من حل أخيرا هو من تقدمه في الحلول، كل بقدر ما هو مستحق له، و تقاسما قسمة عزماء».
يترتب على حلول الكفيل محل الدائن طبقًا للمادة 671 من ق.م.ج والمادة 261 و 264 أن يكون للكفيل الرجوع على المدين بحق الدائن بما له من خصائص وما يلحقه من توابع، وعليه من دفوع على التفصيل التالي:
يرجع الكفيل بحق الدائن بماله من خصائص، وعليه فلا يمكن أن يرجع على المدين إلا عند حلول الأجل الذي يستطيع الدائن الرجوع فيه، فلو منح الدائن أو القاضي أجل للمدين، فإن الكفيل لا يستطيع الرجوع قبل الأجل الجديد(3).
——————-
(1)الدكتور محمد صبري للسعيدي عقد الكفالة، دار الهدى عين مليلة، 1991، صفحة 104.
(2)وقد أن رجوع الكفيل بالدعوى الشخصية فإنه يتساوى مع الدائن، و يقتسمان أموال المدين قسمة غرماء.
(3)رغم أننا رأينا أنه في الرجوع بالدعوى الشخصية العبرة بالأجل الأصلي للالتزام
وإن كان الدين تجاريًا كان رجوع الكفيل على أساس هذه الصفة وهو الشيء الذي يترتب عليه آثار خاصة بالإثبات و الاختصاص في حين أن رجع بالدعوى الشخصية فإنه يرجع بالتزام مدني.
وإذا كان حق الدائن يسقط بالتقادم القصير، كانت له هذه الصفة عند رجوع الكفيل به، فيسقط بهذه المدة القصيرة، وقد تكون هذه المدة أوشكت على الانقضاء، فلا تلبث أن تنقضي بعد انتقال الحق للكفيل وهذا على غرار حالة الرجوع بالدعوى الشخصية أين رأينا أن حق الكفيل لا يسقط إلا بمدة خمسة عشر سنة، كما يرجع بما يلحق هذا الحق من توابع (كالفوائد مثلًا)، كما يستفيد من كل التأمينات سواء كانت شخصية، أو عينية وهي تنتقل بحكم القانون إن لا يحتاج إلى اتفاق بين الكفيل والدائن.
كما أن الكفيل يحل محل الدائن في حقه بما يرد على هذا الحق من دفوع، فيتمسك المدين في مواجهة الكفيل بما كان يستطيع التمسك به في مواجهة الدائن وقد رأينا أن رجوع الكفيل بالدعوى الشخصية، إن أخطره الكفيل بالوفاء ولم يعترضه فإنه لا يستطيع الرجوع عليه.
المطلب الثاني: دراسة لحالة تعدد المدينين و الكفلاء في الدين
الفرع الأول: رجوع الكفيل عند تعدد المدينين المتضامنين والغير المتضامنين
تنص المادة 673 مدني على ما يلي: «إذا تعدد المدينون في دين واحد و كانوا متضامنين، فللكفيل الذي ضمنهم جميعًا أن يرجع على أي منهم بجميع ما وفاه من الدين».
لقد سبق وأن درسنا رجوع الكفيل على المدين على فرضية أن المدين شخص واحد، إلا أنه يحدث أن يتعدد المدينون بنفس الدين، وفي هذه الحالة يكون الكفيل قد ضنهم جميعًا كما قد يكون كفل بعضهم فقط، كما يمكن أن يكونوا متضامنين فيما بينهم، وقد لا يكون كذلك، وفيما يلي نبين حكم هذه الفروض.
أولا: حالة تعدد المدينين مع عدم تضامنهم
إذا كان المدينون غير متضامنين فيما بينهم، وكفلهم الكفيل جميعًا، ووفى بالدين للدائن، فإنه في هذه الحالة يرجع على كل واحد منهم بقدر نصيبه، سواء رجع الكفيل بدعوى الحلول أو بالدعوى الشخصية أو بدعوى الإثراء بلا سبب.
أما إذا كان المدينون غير متضامنين فيما بينهم وكفل الكفيل بعضهم فقط فإنه في هذه الحالة لا يرجع الكفيل إلا على المدينين الذين كفلهم وبقدر نصيبهم في الدين وليس للكفيل الرجوع على غيرهم سواء بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول إذا دفع أكثر من نصيب المدينين الذي كفلهم مما أدى إلى براءة ذمة الكفلاء الذين لم يدفع لهم فإنه يجوز لـه الرجوع على الدين لم يكفلهم بدعوى الإثراء بلا سبب.
ثانيا: حالة تعدد المدينين و تضامنهم
إذا كان المدينون متضامنين وضمنهم الكفيل جميعًا فإنه في هذه الحالة يكون له الرجوع على أي منهم بكل الدين الذي وفاه، و يكون له ذلك سواء رجع بدعوى الحلول أن بالدعوى الشخصية.
أما إذا كان المدينون متضامنين، وضمن الكفيل بعضهم فقط فإنه كذلك يحق له أن يطالب أيًا من المدينين الذين ضمنهم بكل الدين الذي وفاه سواء رجع عليه بالدعوى الشخصية أو بدعوى الحلول، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه عمليًا هو:
*هل يجوز للكفيل أن يرجع على مدين متضامن لم يكفله ؟ وبأي دعوى ؟
من المُسلّم به، أنه لا يجوز له الرجوع عليه بالدعوى الشخصية لأن هذه الدعوى خاصة برجوع الكفيل على المدين الذي كفله، ولكن يجوز للكفيل أن يرجع على المدينين الذين لم يضمنهم بدعوى الإثراء بلا سبب بقدر الإثراء فقط، كما يمكنه أن يرجع عليهم بالدعوى الغير مباشرة مستعملًا حقوق مدينه، لأن الكفيل بقيامه بالوفاء يصبح دائنًا للمدين، وفي هذا الصدد تنص المادة 189 ق.م.ج، على ما يلي: «لكل دائن ولو لم يحل أجل دينه أن يستعمل باسم مدينه جميع حقوق هذا المدين، إلا ما كان منها خاصًا بشخصه أو غير قابل للحجز ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينه مقبولًا، إلا إذا اثبت أن المدين أمسك عن استعمال هذه الحقوق وأن هذا الإمساك من شأنه أن يسبب عسره أو أن يزيد فيه».
ولا يجب على الدائن أن يكلف مدينه بمطالبة حقه غير أنه لا بد أن يدخله في الخصام.
أما بالنسبة لرجوع الكفيل بدعوى الحلول فهناك من يرى أنه لا يجوز للكفيل الرجوع على المدينين الذي لم يضمنهم بهذه الدعوى، و هناك من يرى عكس ذلك، أي أنه يحق له ذلك، وسندهم في ذلك المادة 264 ق.م، التي تؤكد على أن من حل محل الدائن كان لـه حقه بما يكفل هذا الحق من ضمانات، والتضامن بين المدينين هو أحد ضمانات الوفاء بالحق، وعليه فإنه يجوز للكفيل الذي حل محل الدائن أن يرجع على أي مدين متضامن بكل الدين ولو لم يكن قد كفله، ويذهب البعض إلى القول بأن رجوع الكفيل على المدين المتضامن غير المكفول يكون بقدر حصته فقط، ولكن الرأي الغالب يذهب إلى أنه يحق للكفيل، أن يرجع بكل الدين على أي من المدينين المتضامنين حتى الذي لم يكفله منهم، وعلى ذلك يكون الحكم واحد بالنسبة للكفيل الذي يضمن جميع المدينين المتضامنين و الكفيل أن يرجع بدعوى الحلول (أي أن يحل محل الدائن في جميع ماله من حقوق) على أي من المدينين المتضامنين حتى من لم يكفله منهم و بكل الدين.
الفرع الثاني: رجوع الكفيل بعد الوفاء على غيره من الكفلاء المتضامنين والغير متضامنين
من المقرر قانونًا أنه إذا قام الكفيل بوفاء الدين للدائن كان له حق الرجوع على الكفلاء الذين كفلوا نفس الدين، وبالنسبة لهذا الرجوع يجب أن نميز بين ما إذا كان الكفلاء متضامنين أو غير متضامنين وهو ما سوف نتطرق له على النحو التالي:
أولا: الحالة التي يتعدد فيها الكفلاء دون تضامن
تنص المادة 664/1 على أنه: «إذا تعدد الكفلاء لدين واحد، وبعقد واحد، وكانوا غير متضامنين فيما بينهم، قسم الدين عليهم ولا يجوز للدائن أن يطالب كل كفيل إلا بقدر نصيبه في الكفالة». ومنه إذا تعدد الكفلاء بعقد واحد، وكانوا غير متضامنين فيما بينهم، فإن الدين ينقسم عليهم، ولا يكون للدائن أن يطالب كلا منهم إلا بقدر نصيبه في المسؤولية عن الدين، كما أن لكل منهم أن يتمسك بالتقسيم إذا طالبه الدائن بكل الدين، فإذا وفى أحد الكفلاء كل الدين، بالرغم من عدم التزامه، فلا يستطيع الرجوع على غيره من الكفلاء إلا بدعوى الإثراء بلا سبب(1) وفقًا للقواعد العامة ويرجع على كل منهم بقدر نصيبه في المسؤولية عن الدين دون اعتبار لما يطرأ بعد ذلك من إعسار لبعض الكفلاء، (إذ لا يتحمل هذا الإعسار غيره من الكفلاء ) بل الدائن هو الذي يتحمل حصة الكفيل المعسر منهم.
ثانيا: الحالة التي يتعدد فيها الكفلاء مع تضامنهم
إذا تعدد كفلاء الدين الواحد، وكانوا متضامنين فيما بينهم أو كانوا قد التزموا بعقود متوالية ( 664/2 ق.م.ج) فإن كلا منهم يكون مسؤول عن كل الدين ولا يستطيع أحد الكفلاء أن يتمسك بتقسيم الدين بينه و بين غيره من الكفلاء، فإذا وفى أحدهم الدين بعد مطالبته، فله الرجوع على غيره من الكفلاء إما بدعوى الإثراء بلا سبب، وإما بدعوى الحلول محل الدائن وفي الحالتين فإنه لا يرجع على كل كفيل إلا بقدر حصته و نصيبه في حصة من أعسر من الكفلاء.
فإذا رجع الكفيل بدعوى الإثراء بلا سبب، فإنه يرجع بأقل القيمتين قيمة افتقاره أو قيمة ما أثرى به الكفيل الذي رجع عليه، وهذا الأخير قد أثرى بمقدار حصته و نصيبه في حصة المعسر، أما الكفيل الذي وفى، فقد افتقر بمقدار ما وفاه مجاوزًا حصته في المسؤولية عن الدين، ولا يمكن القول أنه لم يفتقر لأنه كان ملزم بوفاء الدين كله وحصل مقابل الوفاء على براءة ذمته وهنا لا يمكن هذا القول إذ أن مسؤولية الكفيل المتضامن عن الدين كله إنما تكون بالنسبة لعلاقة هذا الكفيل بالدين أما بالنسبة لغيره من الكفلاء فإن الدين ينقسم.
وإذا رجع الكفيل بدعوى الحلول، فلا يرجع على كل كفيل إلا بقدر حصته في الدين، ونصيبه في حصة من أعسر ولا يمكن القول أن الدائن كان يستطيع الرجوع على أي من الكفلاء بكل الدين، وعليه فيستطيع الكفيل الذي حل محله ذلك، لأن القول بهذا يؤدي إلى الدخول في حلقة مفرغة لأن كل كفيل يرجع على غيره من الكفلاء بكل الدين، لذا وتجنبًا لهذه النتيجة الغير المعقولة نصت المادة 234 على: «إذا وفى أحد المدينين المتضامنين كل الدين، فلا يجوز له أن يرجع على أي من الباقين إلا بقدر حصته في الدين، ولو كان بما له من حق الحلول قد رجع بدعوى الدائن»، وكرست هذه القاعدة بنص خاص تجسد في المادة 668 الناصة على: «إذا كان الكفلاء متضامنين فيما بينهم و وفى أحدهم الدين عند حلوله يجوز لـه أن يرجع على كل من الباحثين بحصته من الدين و بنصيبه في حصة المعسر
———
(1)وبالتالي لا يكون له الحق بالدعوى الشخصية لأنها مقررة للعلاقة بين الكفيل والمدين، كما ليس له أن يرجع بدعوى الحلول لأنه ليس ملتزم بالوفاء عنهم ولا معهم حتى يستطيع أن يحل محل الدائن في الرجوع عليهم، عن الدكتور زاهية سي يوسف، عقد الكفالة، دار الأمل صفحة 96.
اترك تعليقاً