دور الإعلام في تنمية الوعي البيئي
الإعلام الأخضر: دور الإعلام في تنمية الوعي البيئي
د. عبدالناصر هياجنه
لم تعد حماية البيئة خياراً يحتمل القبول أو الرفض، بقدر ما هي مسألة بقاء لا تحتمل التأجيل أو التراخي في السعي نحو توفير كل المقومات لإنجاحها، فالبيئة بمعناها الواسع لا تعني شيئاً أقل من حياة الإنسان ومستقبله، وعليه فلا بد من توفير منظومة متكاملة للعمل البيئي الجاد بهدف خلق الوعي البيئي وتعزيزه. ولا شك أن القانون وحده بمعزل عن التربية ومساندة العلوم لا يمكن أن يحقق الغرض المنشود. ولا يخفى ما للإعلام من دور بالغ الأهمية في نجاح أي جهد إنساني في شتى المجالات. وحماية البيئة من خلال خلق الوعي البيئي ونشره وتعزيزه لا تخرج عن هذا التصور.
فالإعلام بوسائله المتعددة يمارس دوراً حاسماً في إيصال المعلومة وتثقيف الناس وتوسيع دائرة المعرفة والاهتمام خصوصا مع تطور وسائل الاتصال وسرعة نقل المعلومة. والإعلام الذي يمكن أن يساهم بشكل إيجابي في دعم جهود حماية البيئة هو الإعلام الهادف البنّاء، وهو إعلام يجب أن يقوم على إدارته متخصصون في شتى العلوم لتكون رسالته واضحةً وقادرةً على الوصول والتأثير في المتلقي.
وفي هذا المجال لا بد من التركيز على أن الدور الوعظي والخطاب الثقيل المقترن بالأمر والنهي لا يمكن التأكد من قدرته على النجاح في جذب انتباه الناس والتأثير في قناعاتهم وسلوكياتهم. بل لا بد من طرح المسألة بقالبٍ خفيفٍ مشّوق وبخطابٍ سهلٍ ميسور يتناسب مع تفاوت درجات وأذواق المتلقيّن لهذا الخطاب. فالعالِم خطابُه العلم، والطفل خطابُه القصة والصورة والأنشودة والشباب خطابُه التحدي والمنافسة، والمرأة خطابُها الترويج والإثارة، والاقتصاديّ خطابُه الأرقام والربح والخسارة.
ولكي تنجح وسائل الإعلام في إيصال رسالتها التوعوية في مجال حماية البيئة ينبغي أن تقوم بدور تكاملي شامل ُيقارب مسألة البيئة من زواياها المتعددة التربوية والدينية والخُلقية والعلمية والقانونية. وأن تتنوع طرق تناولها لموضوع البيئة بشكل يخدم الهدف وهو إيجاد إنسانٍ يعتبر البيئة الخالية من التلوث أولوية له يسعى لتحقيقها ومصلحة يدافع عنها ويخدمها.
وفي معرض تنمية الوعي البيئي تحتاج المؤسسات الإعلامية إلى التنسيق مع جهات عدة أبرزها المؤسسات التربوية والتعليمية ، والمرجعيات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات القانونية، ومراكز البحوث. وهذا التنسيق هو الذي يضمن كفاءة الخطاب الإعلامي ودوره المؤثر في تعزيز الوعي البيئي.
وحتى يؤدي الخطاب الإعلامي هدفه في التوعية البيئية، فهو يحتاج إلى دعمٍ ورعايةٍ من الجهات الرسمية ذات العلاقة بحماية البيئة ومن مؤسسات القطاع الخاص، على أن يكون لهذه الرعاية والدعم حوافز دعائية تشجع المؤسسات العامة والخاصة على تبني “الإعلام الأخضر” وضمان حصوله على التمويل اللازم لبرامج التوعية البيئية مقابل أن يتولى الإعلام من جهته تغطية الأنشطة والمشاريع التي تلتزم بالنهج البيئي الراشد وتعريف الجمهور بها وتشجيعهم على التعامل معها.
ومن نافلة القول، أن التركيز الإعلامي يجب أن يكون على القضايا البيئية الأكثر خطورةً واتصالاً بواقع الناس، فمن غير المنطقي التركيز على خطورة ذوبان جليد القطب الشمالي نتيجة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض إذا كان المتلقي شخصاً يعيش في صحراء جرداء. بل يتسق مع الحكمة أكثر توضيح أهمية المحافظة على الغطاء النباتي وتعزيزه عن طريق زراعة نباتات قادرة على التكيف مع الظروف المناخية القاسية، كما يكون معقولاً أكثر توعية المزارع لمخاطر المبيدات والأسمدة الكيميائية مقابل سلامة وآمان المخصبات الطبيعية وأساليب المكافحة الحيوية أو المتكاملة. ويكون أقرب إلى النجاح في التأثير توعية ربّات البيوت بأفضل وسائل الترشيد في استهلاك المياه والمنظفات وإدارة النفايات المنزلية واستخدام البدائل الرفيقة بالبيئة.
ولا يضيرُ مثل هذا الجهد البنّاء، استعانةُ الإعلامِ بالشخصيات المؤثرة القادرة على الوصول إلى والتأثير في قناعاتهم وسلوكياتهم وذلك من خلال ترويج المادة الإعلامية البيئة عن طريق “نجوم الرياضة أو الفن” مثلاً، لأن سلامة الهدف وأهميته يبرران مثل هذه الاستعانة الهادفة.
اترك تعليقاً