ما هو المقصود بالبيع بالعربون ؟
أ/ رودينة خليفة
غالباً ماتتم عمليات البيع والشراء ضمن عقود يحررها المتعاقدان, وتنص في إحدى موادها على إلزام الناكل عن تنفيذ مااحتواه العقد, بدفع مبلغ مالي يطلق عليه مصطلح العربون.
فما هو البيع بالعربون وماهي تفاصيله وآثاره وتكييفه القانوني:
إن أكثر محلات ورود شرط العربون تكون في عقود البيع الابتدائي, وأغلب صوره في بيوع الأراضي والعقارات, حيث يبرم المتعاقدان عقداً ابتدائياً, يحددان فيه أركان البيع الأساسية وشروطه المهمة, بحيث يكون متضمناً الاتفاق على ميعاد محدد لإنجاز البيع النهائي سواء أمام جهة رسمية إذا كان يتطلب القانون ذلك, أو فيما بينهما إذا لم يكن التسجيل الرسمي لازماً, مقابل مبلغ مالي محدد يسمى العربون, يدفعه المشتري للبائع, فإذا أخل المشتري بإلتزامه ولم ينجز عقد البيع النهائي في الميعاد المتفق عليه خسر العربون وصار من حق البائع ولا يجوز له استرداده, أما إذا كان الامتناع عن إبرام العقد النهائي من جانب البائع,فيكون جزاؤه المثل بأن يرد للمشتري قيمة مبلغ العربون الذي تسلمه منه ويدفع له مثل ذلك, وفي الحالتين يسقط عقد البيع الابتدائي.
وقد تقع أحياناً مشكلة في تفسير نية العاقدين من وراء دفع العربون, إذ يحمل التعاقد بالعربون إحدى دلالتين فإما أن يكون قصد المتعاقدين من العربون بأن يكون لكل منهما خيار العدول عن العقد مقابل أن يدفع قيمة العربون للطرف الآخر, أو أن يكون الغرض تأكيد العقد وجعله باتاً عن طريق البدء بتنفيذه بدفع العربون, فلا يكون لأي من المتعاقدين حق العدول عن البيع, وفي كلتا الحالتين, يكون الأمر لقصد المتعاقدين, وعلى القاضي حينها مهمة اكتشاف قصدهما ليعرف الاتجاه الذي يفسر فيه العقد بالعربون, هل هو عقد بات غير قابل للنقض أم هو عقد قابل للتراجع مقابل مبلغ العربون.
فعلى سبيل المثال إذا نص في العقد الابتدائي أن المشتري يدفع العربون كجزء من الثمن والباقي يُدفع عند إتمام العقد النهائي فهنا لامحالة أن العربون يكون لتأكيد العقد, وليس فيه حق الرجوع.
إلا أنه كقاعدة عامة يعتبر التعاقد بالعربون قرينة على خيار التراجع لمتعاقدين عما تم التعاقد عليه, إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس وليست قاطعة.
وتجدر الإشارة إلى أن العربون لايدفعه المشتري عادة إلا عند إبرام العقد الابتدائي , أما عند توقيع البيع النهائي فالذي يدفعه هو الثمن أو جزء منه, ولايعتبر العربون تعويضاً عن ضرر أصاب البائع نتيجة إلغاء البيع من جانب المشتري, بل هو جزاء لمن تراجع عن البيع يدفعه للطرف الآخر, ولو لم يترتب على ذلك أي ضرر.
فالعربون عبارة عن إثبات حق الرجوع لأي منهما نظير دفع مبلغ, والذي يمكن اعتباره مقابلاً لحق الرجوع في العقد, ذلك أنه من حيث المبدأ لايجوز الرجوع في العقود بالإرادة المنفردة.
وكذلك لايمكن الزيادة في قيمة العربون إذا كان هناك تعسف في استعمال حق الرجوع, وأي زيادة في قيمة العربون يعتبر تعويضاً وليس من العربون.
وبناء عليه لايمكن رفض الحكم بالعربون بسبب عدم وجود ضرر, حيث إن العربون كما سبق القول هو مقابل الرجوع في البيع, فالعربون الذي يدفع في مقابل العدول عن العقد يمكن تكييفه بأنه البدل في التزام بدلي, ويكون المدين, بائعاً كان أم مشترياً ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في العقد ودائناً بالحق الذي يقابل هذا الالتزام, ولكن تبرأ ذمته من الالتزام ويسقط الحق بالمقابل إذا هو أدى العربون, وذلك حسب نص المادة(278) من القانون المدني.
ومؤدي ذلك أن العدول في حالة دفع العربون لايكون عن العقد في جملته , بل عن الالتزام الأصلي والحق المقابل له, والعربون بدل مستحق بالعقد, فدفعه إنما هو تنفيذ للعقد في أحد شطريه وهو البدل, لاعدول عنه في جملته, والعربون ليس هو الشرط الجزائي في العقد فالعربون يختلف عن الشرط الجزائي في التكييف القانوني, لأن الشرط الجزائي كالتعويض تماماً بل هو تعويض مقدر اتفق عليه المتعاقدان مقدماً عن الضرر الذي ينتج عن الإخلال بالعقد ويكون محلاً لتقدير القاضي ولذلك يجوز للقاضي تخفيض قيمة الشرط الجزائي باعتباره تعويضاً إذا كان مبالغاً فيه, بل له ألا يحكم به أصلاً إذا لم يتحقق أي ضرر, ولايجوز القول بأن التعويض بدل في التزام بدلي, لأن المدين لايملك أن يؤديه بدلاً من تنفيذ الالتزام الأصلي تنفيذاً عينياً إذا كان هذا التنفيذ ممكناً وطالب به الدائن, فهو ليس أحد المحلين في التزام تخييري فالمدين لايخير بينه وبين التنفيذ العيني.
ويمكن التفريق بين الشرط الجزائي والعربون بالرجوع إلى نية المتعاقدين ومن الظروف التي تحيط بالعقد والوقائع الأخرى.
اترك تعليقاً