علاقة حقوق الملكية الفكرية بقانون الجمارك
القضايا المرتبطة بحماية حقوق الملكية الفكرية في علاقتها بقانون الجمارك بين تقليدية العمل ومتطلبات التغيير
د. سامر الدلالعة
يغدو العمل بقانون للجمارك من الركائز التي تسهم تحقيق الحماية الجوهرية إلى الاقتصاد الوطني، وبناء هذا الأخير بما يتواءم -والوقت ذاته – مع متطلبات العولمة والحاجة إلى إزاحة الحواجز الجمركية وفقا لما تقتضيه الاتفاقيات الدولية الناظمة لشؤون التجارة البينية وعلى رأسها اتفاقية الجات.
تظهر حساسية هذه الرؤيا حين يمس القانون المؤطر المعاملات في تلك المساحة الضيقة باعتبارها بوابة العبور والخروج للسلع والبضائع في حركتي الاستيراد والتصدير، حيث تبدو الحاجة أكثر إلحاحا بالوقوف على ديناميكية متصلة ومتواصلة في صيرورة المعاملات ونفاذها بعيدا عن كل سبل الترهل أو التباطؤ الذي من شأنه الإفضاء إلى آثار سلبية على أصحاب العلاقة أو ذوي المصلحة، وبالتبعية على البنية الأساسية للاقتصاد الوطني.
لا ينأى الانطلاق من هذه المقدمات عن الوقوف على واحدة من المشكلات الحقيقية التي باتت تعيشها ظروف الاقتصاد الوطني في ضوء العمل بنص المادة 41 من قانون الجمارك الحالي لما لهذه الأخيرة من ارتباط وثيق بحقوق الملكية الفكرية وتحديدا الحقوق على العلامات التجارية ، بحيث يبدو هذا النص مستغربا أيما استغراب.
ففي العديد من بلدان العالم الموقعة على اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية (تربس) تقر وتعطي التشريعات لديها لأفراد وموظفي الجمارك سلطة واسعة في مجال متابعة خرق الحقوق الفكرية والعمل على وقف الإفراج عن البضائع أو السلع التي يثبت لديها أنها تحمل علامة تجارية مقلدة أو مزورة ، وذلك إلى حين التثبت من حقيقة العلامة التجارية أو الصنف المرتبط بها. وقد يتجه مثل هذا القول إلى التساؤل بما تتميز هذه التشريعات عن موقف مشرعنا الوطني ،وذلك في ضوء نص المادة 41 من قانون الجمارك الأردني؟ سيما وأن هذا الأخير يعطي كامل الصلاحية إلى موظفي الجمارك المختصين سلطة الفحص والتمحيص عن جدة الحقوق الفكرية المميزة للسلعة او البضاعة عند بوابتي العبور والخروج، ووقف الإفراج عنها عند الضرورة؟
تغدو الإجابة جلية من خلال النظر إلى قدرة هذا التطبيق على الصمود أمام القيود التي تحيط به من كل حدب وصوب، ولتوضيح ذلك نسوق إلى عدد من السيناريوهات التي تفسر واقع العمل بنص المادة 41 من قانون الجمارك الحالي.
ففي المشهد الأول يقيد القانون الحق بمتابعة المعتدي أو الضنين بحسب الأحوال على الشكوى التي يقدمها صاحب حق الملكية الفكرية الذي وقع التعدي عليه، بحيث ينتهي دور موظفي دائرة الجمارك عند إشعار صاحب الحق في العلامة التجارية -على سبيل المثال- بوجود تعدي على علامته عن طريق إدخال بضاعة تحمل علامة تجارية مقلدة، وما يستتبعه من آثار، حيث تجد أنه إذا لم يبادر إلى إقامة الشكوى فإنه يغدو لازما على الجهة التي تولت الحجز على البضاعة؛ العمل على فك الحجز والسماح بمرور السلعة أو البضاعة تحت طائلة المسئولية .
يتجسد المشهد الثاني، بالتتابع تأسيسا على المشهد الأول ، من خلال القول أن إحجام صاحب الحق عن إقامة الشكوى معناه السماح بوقوع الجريمة (جريمة التقليد مثلا كما ورد النص عليها في المادة 38 من قانون العلامات التجارية الأردني) وإن إحجام صاحب الحق في إقامة الشكوى لا ينأى بنا عن التفكير في اتجاه وحيد مؤداه القول ؛ ماذا لو وقع هنالك اتفاق بين صاحب الحق في العلامة التجارية والمقلد على إدخال البضاعة المقلدة؟ والتي من الممكن أن تكون نفقات تقليدها في الخارج وإدخالها أكبر بكثير من نفقات إنتاجها داخل الأردن أو خارجة بينما هي غير مقلدة؟ فهل يمكن والحالة هذه الوقوف موقفا سلبيا أمام تصور الاتفاق على الفعل الذي يغدو المتضرر الوحيد فيه هو المستهلك بعدما تنازل صاحب الحق في العلامة عن حقه في المتابعة في هذه الحالة؟ وماذا لو أن العلامة هي محل دواء يستخدم لعلاج أمراض القلب مثلا بحيث كان الصنف المقلد لا يتمتع بذات الخصائص التي يتمتع بها الأصيل؟
لا نملك أن نؤكد على حقيقة الموقف الاستثنائي الذي تقفه السلطات الجمركية أمام عدم تحريك شكوى المشتكي أو الموافقة على ذلك، وبالتالي تغدو الحاجة ملحة إلى العمل على التوائم والمتغيرات التي باتت تفرضها متطلبات الاقتصاد العالمي، وكذا انخراط الأردن في الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية واتفاقية تربس، وبالتالي العمل على الانصياع إلى تلك المستجدات وتحمل الأعباء.
وللبعد عن اليوطوبيا والمثاليات نحو الوقوف على جوهر الموضوع نقول؛ لقد آن الأوان للعمل على تعديل قانون الجمارك الأردني لا سيما المادة 41 منه ، والعمل على إعطاء موظفي الجمارك الحق في تحريك الشكوى ضد الضنين أو المشتبه به كلما توافرت الظروف أو واجهة أفعال من شأنها أن تمثل تعديا على الحق العام، وطالما كان الهدف على الدوام هو تحقيق الصالح العام، وحماية جمهور المستهلكين، بحيث لم نعد نقبع والحالة هذه تحت رحمة صاحب الحق في العلامة التجارية لتحريك أو عدم تحريك الشكوى على اعتبار أنه ليس الوحيد المتضرر من التعدي على الحق في العلامة التجارية ، وإنما هو الجمهور كذلك.
إن من شأن إدخال تعديلا من هذا القبيل على المادة 41 من قانون الجمارك منتهاه التأثير عبر تفعيل الدور الذي تقوم به السلطات الجمركية الحدودية، وكذا تحقيق منفعة وحماية المستهلك على الدوام ، بل وحتى مصلحة صاحب الحق في العلامة التجارية لا سيما حينما لا يتسنى الوصول إليه في أحوال استثنائية.
اترك تعليقاً