الاجراءات القانونية لتسليم المجرمين
صنفت مختلف المواثيق الدولية الجرائم الإرهابية ضمن الجرائم العادية الخاضعة للتسليم دون التمييز بين دوافع إرتكابها , و من هذا المنطلق قد يتعرض القاضي أثناء إجراءات التحقيق أو المحاكمة على وجوب مناقشة إجراءات التسليم و مدى توافر شروطه خاصة عند دفع المتهم بالبطلان , و لذلك يتعين علينا تحديد القانون الواجب التطبيق على تسليم المجرمين , ثم شروطه و إجراءات التسليم و آثاره و هو ما سنتناوله في هذه الفروع .
الفرع الأول :القانون الواجب التطبيق على تسليم المجرمين .
إن تسليم المجرمين يخضع إلى الإتفاقية الثنائة بين الدولة الطالبة , والدولة المطلوب منها التسليم و المتعلقة بالتعاون القضائي , ولكن في حالة عدم وجود هذه الإتفاقيةالثنائية
فيمكن تطبيق الإتفاقيات المتعددة الأطراف و إعتبارها الأساس القانوني للتسليم و هو ما نصت عليه م 16 فقرة 4 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .
و بالإطلاع على مختلف المواثيق الدولية و الثنائية نجدها تنص على أن تسليم المجرمين يخضع شروطه , وإجراءاته إلى القانون الداخلي لكل دولة و ذلك وفقا لنصوص الإتفاقيات .
و تطبيقا لذلك نجد أن المادة 694 من قانون الإجراءات الجزائية تنص على أن شروط تسليم المجرمين و إجراءاته و آثاره تحدد وفقا لقانون الإجراءات
الجزائية و ذلك ما لم تنص المعاهدات و الإتفاقيات السياسية على خلاف ذلك , و من تم و من خلال
هذه المادة فإن الإتفاقيات الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف هي التي تطبق على تسليم المجرمين في حالة ما إذا كانت مقتضيات الإتفاقيات المصادق عليها تتعارض مع قانون الإجراءات الجزائية , و ذلك تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي طبقا للمادة 132 من الدستور 1996 .
و لكن الإشكال المطروح , هل يمكن للقاضي تطبيق بنود الإتفاقية الخاصة بالإجراءات مباشرة رغم أن نص الإتفاقية المصادق عليها يتعارض مع القانون الداخلي ولم تتخذ الدولة التدابير التشريعية اللازمة لإدماجه ؟
إن حل هذا الإشكال يتطلب منا التفرقة بين ما إذا كانت البنود المراد تطبيقها ـ مباشرة دون إدماج ـ دقيقة و واضحة و قابلة للتطبيق المباشر أم غامضة مبهمة تحتاج إلى تدابير تشريعية داخلية من أجل جعلها قابلة للتطبيق .
ومن ثم إ ذا كانت الإجراءات المنصوص عليها في الإتفاقية و المخالفة لقانون الإجراءات الجزائية , واضحة و دقيقة فيمكن للقاضي عندئذ من تطبيقها مباشرة بمجرد المصادقة على الإتفاقية .أما إذا كانت الإجراءات غامضة فلا يمكن للقاضي تطبيقها إلا بعدإدماجها في القانون الداخلي .
الفرع الثاني :شروط تسليم المجرمين .
نص قانون الإجراءات الجزائية على شروط التسليم و حالات رفض التسليم نتعرض لها مع مطابقتها مع بعض الإتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر مؤخرا ,
في ما يلي :
1ـ يشترط أن تكون الدولة الطالبة قد إتخذت في شأن الشخص المطلوب تسليمه إجراءات المتابعة لإرتكابه جريمة إرهابية أو حكم عليه فيها .
2ـ يشترط أن تكون الجريمة محل طلب التسليم هي جريمة إرهابية بما أن الوصف القانوني لها يبقى دائما جناية مهما إختلفت درجة خطورة الأفعال المكونة للجريمة
3ـ يشترط أن تكون الجريمة الإرهابية مرتكبة في :
ـ أراضي الدولة الطالبة من أحد رعاياها أو من أحد الأجانب .
ـ خارج أراضي الدولة الطالبة , و لكن إرتكبت من أحد رعاياها .
ـ خارج أراضي الدولة الطالبة و لكن من أحد الأجانب عنها .
و تجدر الإشارة إلى أن المادة 698 من قانون الإجراءات تنص على أنه لا يجوز التسليم إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم جريمة ذات صيغة سياسية أو أن التسليم مطلوب لغرض سياسي .
و لكن بالرجوع إلى نص من المادة 14 من إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب نجدها تنص على أنه لا يجوز للدول رفض تسليم على إعتبار أن الجريمة
الإرهابية هي جريمة سياسية أو جريمة متصلة بجريمة سياسية أو جريمة إرتكبت بدوافع سياسية .
و من ثم و تطبيقا لمبدأ سمو المعاهدات على القانون الداخلي و أمام تعارض المادتين
فإن القاضي يلزم بتطبيق نص الإتفاقية مباشرة إذا ما دفع أمامه ببطلان التسليم لإعتبار أن الغرض منه سياسي .
ـ تطبيقا لقانون الإجراءات الجزائية , و يعتبر أن شروط التسليم متوافرة .
ـ تطبيقا للمادة 14 المذكورة .
حالات رفض التسليم:
يمكن للدولة رفض التسليم و ذلك في الحالات التالية:
1 ـ إذا كان مرتكب الجريمة الإرهابية جزائري الجنسية وقت إرتكابها و لكن في مقابل رفض التسليم عليها أن تعلن ولايتها القضائية و تتابعه طبقا للمادة 16 فقرة 10 من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية .و من ثم تكون للنيابة العامة صلاحية متابعة الجزائري مرتكب الجريمة الإرهابية حتى و لو كانت الوقائع مرتكبة في الخارج .
2 ـ إذا تمت متابعة الجريمة الإرهابية و الحكم فيها نهائيا في الأراضي الجزائرية حتى و لو إرتكبت في الخارج .
3 ـ إذا كانت الدعوى العمومية قد سقطت بالتقادم قبل تقديم الطلب أو كانت العقوبة قد إنقضت بالتقادم قبل القبض على الشخص المطلوب تسليمه سواء وفقا لقانون الدولة الطالبة أو المطلوبة .
4 ـ إذا صدر عفو في الدولة الطالبة أو الدولة المطلوب إليها التسليم ..
5 ـ إذا كان موضوع المتابعة يختلف مع التبرير الذي أدرج في طلب التسليم .
6 ـ إذا كان الأجنبي موضوع في الجزائر أو حكم عليه لجريمة مغايرة برفض طلب التسليم إلى غاية نهاية المتابعة أو تنفيذ العقوبة في حالة الحكم عليه .
الفرع الثالث / إجراءات التسليم :
ملف طلب التسليم :
ـ يقدم طلب التسليم كتابة , و يشترط أن يحمل بيانات معينة تتمثل في :
*الجهة المصدرة للطلب (المجلس القضائي , النيابة العامة ) .
*المواد القانونية التي تخول صلاحية تقديم الطلب .
*تحديد الأمر أو الحكم القضائي القاضي بالقبض و المبرر للطلب .
*هوية الشخص المطلوب .
*تحديد المادة القانونية المعاقبة للأفعال المرتكبة من طرف الشخص المطلوب .
*الإشارة إلى الإتفاقية الثنائية أو المتعددة الأطراف المتعلقة بالتعاون القضائي أو تسليم المجرمين (مع ذكر تاريخ التوقيع و المصادقة ) و النصوص المتعلقة بالطلب .
*إلتماس تسليم الشخص المطلوب .
و يجدر الإشارة إلى أنه يجب على النيابة العامة الوقوف مسبقا عند طبيعة النظام القانوني للبلد الأجنبي المطلوب منه التسليم للتأكد من مدى إشتراط هذا البلد في طلب التسليم شكليات معينة تعتبر جوهرية و ذلك تفاديا لرفض طلب التسليم من حيث الشكل . و في حالة عدم وجود إتفاقية ثنائية ينظم التسليم بين الدولة الطالبة و الدولة المطلوبة فيمكن الإعتماد على الإتفاقية المتعددة الأطراف مثل إتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب حيث نصت في مادتها 11 على في حالة عدم وجود إتفاقية دولية ثنائوة بين الدولة الطالبة للتسليم ,والمطلوب منها التسليم , فتعتبر هذه الإتفاقية (قمع تمويل الإرهاب ) .الأساس القانوني لطلب التسليم .
وقد ألزمت مختلف الإتفاقيات المنظمة للإجراءات التسليم بوجوب إرفاق نسخة للملف طلب التسليم مترجمة إلى لغة البلد المطلوب .
ويتشكل ملف طلب التسليم من :
ـ عرض للوقائع .
ـ الأمر بالقبض الدولي الصادر ضد الشخص المطلوب .
ـ الحكم الجزائي الغيابي الصادر ضد الشخص المطلوب .
ـ نسخ عن النصوص القانونية المطبقة في القضية .
ـ إستمارة تعلومات خاصة بالشخص المطلوب .
ـ صورة شخصية للشخص المـــطــلـــوب .
ـ بطاقة إلتقاط بصمات الشخص المطلوب .
شهادة الجنسية عند تعلق الأمر خاصة بشخــص مزدوج الجنسية .
ـ أية معلومات إضافية من شأنها دعم ملف طلب التسليم .
و يجب أن تقدم أصول الأوراق المبينة أعلاه أو نسخ رسمية عنها و يرسل الطلب الطريق الديبلوماسي بعد إخطارها من طرف وزارة العدل .
وتبقى السلطة للدولة المطلوبة في الإستجابة للطلب أو رفضه .
الإجراءات الموالية لتلقي طلب التسليم :
بعد تلقي الحكومة الجزائرية لطلب التسليم , يتواى وزير الخارجية تحويله بعد فحص المستندات إلى وزير العدل الذي يحيل الملف مع الطلب إلى النائب العام لدى المجلس القضائي الذي يقيم بدائرة إختصاصه الأجنبي المطلوب .
و يقوم النائب العام بإستجواب الأجنبي خلال 24 ساعة التالية للقبض عليه بموجب محضر إستجواب يتأكد فيه من هويته و يبلغه بالمستند الذي قبض عليه بموجب حكم غيابي , أمر القبض .
ثم ينتقل الأجنبي في أقصر أجل و يحبس في سجن العاصمة , و في نفس الوقت ينقل ملف طلب التسليم إلى النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يقوم بإستجوابه خلال 24 ساعة من تلقي الملف يحرر محضر بذلك .
و يرفع محاضر الإستجواب المذكورة و ملف طلب التسليم إلى الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا , و في خلال 8 أيام من تاريخ تبليغها بالمستندات يمثل الأجنبي أمامها , و يمكن أن تمنح أجل 8 أيام إضافية قبل المرافعات بناء على طلب النيابة العامة أو الأجنبي .
و تكون الجلسة عليه ما لم يتقرر خلاف ذلك بناء على طلب النيابة العامة أو الأجنبي .
و يمكن للأجنبي أن يستعين بمحام مقبول أمام المحكمة العليا و بمترجم و يحرر محضر بإستجواب الأجنبي بعد سماع أقوال النيابة العامة و يجوز للغرفة الجنائية أن تأمر بالإفراج عليه أثناء الإجراءات .
و الأخير يمكن للأجنبي أن يقبل التسليم للدولة الطالبة أو يرفضه ففي حالة قبول التسليم يحرر إقرار بذلك و تحول نسخة منه إلى وزير العدل عن طريق النائب العام .
و في حالة رفض التسليم فإن المحكمة العليا تبدي رأيها المعلل في طلب التسليم , بعد تفحص مدى توافر الشروط القانونية للتسليم سواء بالقبول أو الرفض .
و يعاد الملف وجوبا إلى وزير العدل خلال 8 أيام من تاريخ إنعقاد جلسة الغرفة الجنائية لدى المحكمة العليا الناظرة في طلب التسليم .
ففي حالة قبول طلب التسليم نظرا لتوافر الشروط القانونية المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية و الإتفاقية الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف , تمكن لوزير العدل أن يعرض للتوقيع مرسوم الإذن بالتسليم .
وفي حالة رفض طلب التسليم فإن رأي المحكمة العليا يكون مسببا و نهائيا و لا يجوز من ثمة أن يقبل التسليم .
الفرع الرابع / الآثار القانونية للتسليم :
ـ إذا توافرت الشروط القانونية في طلب التسليم و كانت إجراءاته صحيحة فإن الجهة القضائية المسلم إليها مرتكب الجريمة الإرهابية سواء كانت جهة التحقيق , أو جهة الحكم , تتولى إتمام إجراءات المتابعة و تسليط العقوبة عليه وفق قانون الإجراءات الجزائية و قانون العقوبات .
ـ أما إذا تخلفت أحد الشروط القانونية للتسليم أو كانت الإجراءات غير صحيحة تمكن للأجنبي أن يدفع ببطلان التسليم الذي حصلت عليه الحكومة الجزائرية سواء أمام جهة التحقيق أو الحكم , و إذا كان الحكم نهائيا فإن الجهة المختصة ب الحكم بالبطلان هي الغرفة الجنائية لدى المحكمة العليا .
و تجدر الإشارة إلى أن الدفع بالبطلان من النظام العام يمكن لجهة التحقيق أو الحكم القضاء به من تلقاء نفسها بعد التسليم .
و يقدم الدفع بالبطلان خلال ثلاثة أيام من تاريخ تبليغ الأجنبي بالحكم الغيابي أو أمر القبض الذي تم التسليم على أساسها .
و يترنب على القضاء ببطلان التسليم الإفراج عن الشخص المسلم إذا لم تكن الدولة التي سلمته تطالب به
اترك تعليقاً